بعدما فقد العرب أي قدرة على التأثير السياسي في الأزمة السورية، باستثناء استمرار بعض الدول، في لعبة الضخ الإعلامي والمادي وتمويل عمليات التسليح والتحريض في المنابر الدولية، فإن هذا الملف يكاد يصبح حصريا بين روسيا والولايات المتحدة في سياق التنافس المفتوح بين محور دولي تقوده واشنطن ويضم الغرب ودول الاعتدال العربي وبين محور دولي آخر تقوده روسيا والصين ويضم إيران والهند والبرازيل ودولا أخرى.. وهذا الصراع "لن ينتهي لا مع انتهاء الانتخابات الروسية أو الإيرانية ولا مع توجيه الجيش السوري الضربة العسكرية الموجعة للمعارضة السورية المسلحة في حي بابا عمرو في مدينة حمص، بل هو صراع سيبقى مفتوحا أقله حتى انتهاء الانتخابات الأميركية في الخريف المقبل".

ويقول تقرير دبلوماسي إن مدينة حمص، أعادت التذكير في الأشهر التسعة الأخيرة بكيفية ارتسام خطوط التماس الدولية في زمن الحرب الباردة، "ومن الواضح أن الدفع الروسي هو الذي جعل النظام يتخذ قرار الحسم بعدما شعرت موسكو بأن استمرار "الستاتيكو" العسكري في حمص قد يؤدي إلى أضرار سياسية ودبلوماسية لا يمكن تحملها، ولذلك يأمل الروس اليوم، أن يتواضع المحور الأميركي وأن يبدأ بالتفكير بحل سياسي سيكون لموسكو اليد الطولى فيه".

ويتحدث التقرير الدبلوماسي عن حراك حقيقي ولكنه ما يزال صامتا في مملكة الصمت السعودية، "فثمة انقسام حاد في الرأي بين الملك عبد الله والفريق الذي يقوده ابنه عبد العزيز من جهة وفريق بندر بن سلطان وسعود الفيصل من جهة ثانية، وما الموقف الاخير الذي أعلنه العاهل السعودي مؤخرا من الموضوع السوري الا من باب استيعاب الموقف داخل القيادة السعودية وحتى لا يستخدم سكوته في سياق حملة تحريضية عليه، شبيهة بتلك التي خيضت سابقا وأدت الى إسقاط تفاهم السين سين بعدما كاد يصل الى خواتيمه، التي كان يعوّل عليها في تثبيت الاستقرار السياسي في لبنان وانتظام العلاقة بين سوريا والسعودية بما ينعكس على مجمل العلاقات العربية - العربية".

ويورد التقرير "ان عبد العزيز بن عبد الله هو من القائلين بأن الانخراط في الحملة لإسقاط النظام في سوريا، وبالتالي النجاح "بإزاحة" الرئيس بشار الأسد من الحكم، يعني عمليا أن تتحول سوريا الى مشروع دولة "طالبان"، لا سيما أنها تشكل أرضا خصبة لتنظيم "القاعدة"، وهذا التخوف ينسجم مع وجود ميل بالاتجاه نفسه لدى المخابرات السعودية، وثمة من يردد في دمشق أن تيارا ما في المملكة العربية السعودية لم ينقطع تواصله أبدا مع النظام السوري (قبل أن يعلن سعود الفيصل أن الملك عبد الله اتصل ثلاث مرات بالرئيس الأسد)".

وفيما يدعو تيار سعودي الى اعتماد الحذر في مقاربة الملف السوري وعدم جعل الأمور تبلغ نقطة اللاعودة، فإن الفريق الثاني، ومن ضمن اعتماده "استراتيجية ضرب إيران اولا"، لا يتقدم عنده أي هدف على "إسقاط" النظام السوري، بوصفه واسطة العقد الاستراتيجي ضمن الهلال الشيعي، من دون النظر الى تداعيات ذلك على المنطقة، بما في ذلك على دول الخليج وفي مقدمها السعودية".

ويضيف التقرير "أما بالنسبة لموقف مصر التي استدعت سفيرها في دمشق، للتشاور، فإن اللافت للانتباه أن المجلس العسكري المصري تحديدا تجنب حتى الآن، اتخاذ مواقف حادة من النظام السوري، لا بل ربما يكون قد بعث برسائل من تحت الطاولة تصب في خانة النظام، تاركا للأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي أن يكون الواجهة في التعبير عن الموقف الرسمي المصري من الأزمة السورية. والسبب في ذلك يعود لكون المجلس العسكري يعتبر أن وصول اي نظام متشدد الى السلطة في سوريا، سيشكل حافزا وداعما قويا لتنامي التيار الاسلامي المتشدد في مصر بجناحيه "الاخوان المسلمين" والسلفيين". وفي المقابل، فإن سوريا القوية مكملة لمصر المركزية القوية.

ويوضح التقرير "ان الاخوان والسلفيين الذين حازوا على الاغلبية المطلقة في البرلمان المصري، والذين يحاولون ظاهريا النأي بأنفسهم عن انتخابات الرئاسة المصرية، سيجدون في وصول الاسلاميين الى السلطة في سوريا فرصة سانحة لترشيح اسلامي للرئاسة وبالتالي وضع اليد على المؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية لاحقا وهذا ما يخشى منه المجلس العسكري".

وفي الشق التركي من التقرير، يجري التطرق الى "النسيج الطائفي الذي تتشكل منه تركيا وهو خليط من طوائف ومذاهب مختلفة مع سيطرة علمانية على إدارات الدولة والاجهزة العسكرية والأمنية. ولذلك، فإن ثمة خشية لدى معظم الرأي العام التركي من أن أية حرب مذهبية في سوريا لن تبقى تركيا بمنأى عنها، وأي نظام اسلامي متشدد في دمشق سيحوّل سوريا الى امتداد تلقائي لـ"حزب العدالة والتنمية" التركي لضرب النظام العلماني الذي يحمي التنوع الطائفي، بحيث يذهب حزب العدالة والتنمية اكثر في معركة اسقاط النظام العلماني التركي، من هنا أيضا يجري تفسير حرص المخابرات التركية على إبقاء قنوات التواصل قائمة ولو بالحد الأدنى مع بعض الجهات الأمنية في سوريا".

ويلفت التقرير الانتباه إلى أن "القادة الروحيين للطوائف في تركيا أبلغوا رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان انه بمحاربته للنظام السوري ودعمه للمجموعات المسلحة، فإنه إنما يهدد بنقل النار إلى الداخل التركي"، وحمّلوا منظر "حزب العدالة" وزير الخارجية احمد داود اوغلو المسؤولية عن هذه السياسة.

ويحذر التقرير من ان الوضع في تركيا "قابل للانفجار في اي وقت وسيكون اول المتأثرين بأي تطور سلبي في سوريا. وهذا هو السبب الحقيقي في عدم إقامة منطقة عازلة عند الحدود السورية، وكذلك لعدم توسعة مخيمات النازحين التي غابت عنها عدسات الاعلام. كما لم يسمح بتحويل الاراضي التركية الى قاعدة لما يسمى "الجيش السوري الحر" والجماعات المسلحة. كما ان اردوغان سمع موقفا حاسما من قيادات  تركية وازنة داخل المؤسسة العسكرية وفي الإطار الناظم للقوى السياسية، يحذّره من مغبّة الاستمرار في سياسته تجاه سوريا".

ويلفت التقرير النظر الى ان "المعارضين لسياسة اردوغان يعتبرون انه بمواقفه من الازمة السورية يضع تركيا في صدارة المواجهة بين أميركا وحلفائها الاوروبيين من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية، مما يفقد تركيا مصالح اقتصادية ويعيدها الى المربع المعادي لروسيا والصين على غرار ما كانت عليه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي".

ويتناول التقرير الوضع في الاردن، اذ يشير الى ان "الملك عبد الله الثاني متخوف من وصول الاسلاميين الى الحكم في سوريا، لان ذلك يعني السقوط الحتمي للنظام الملكي في الاردن، وهذا القلق ازداد منسوبه بعد توقيع الاتفاق بين حركتي فتح وحماس مما يعطي دفعا للتيار السلفي والاخواني في الاردن، لذلك سارعت الحكومة الاردنية في تعاطيها مع الازمة السورية الى رفض ثلاثة امور:

1 ـ رفض إقامة منطقة عازلة على اراضيها.

2 ـ رفض التقيد بالعقوبات الاقتصادية التي أقرتها الجامعة العربية.

3 ـ رفض وقف التنسيق المخابراتي بين الأردن وسوريا".

 

السفير

  • فريق ماسة
  • 2012-03-06
  • 10331
  • من الأرشيف

لا توافق في دواخل الرياض والقاهرة وأنقرة على الأزمة السورية

بعدما فقد العرب أي قدرة على التأثير السياسي في الأزمة السورية، باستثناء استمرار بعض الدول، في لعبة الضخ الإعلامي والمادي وتمويل عمليات التسليح والتحريض في المنابر الدولية، فإن هذا الملف يكاد يصبح حصريا بين روسيا والولايات المتحدة في سياق التنافس المفتوح بين محور دولي تقوده واشنطن ويضم الغرب ودول الاعتدال العربي وبين محور دولي آخر تقوده روسيا والصين ويضم إيران والهند والبرازيل ودولا أخرى.. وهذا الصراع "لن ينتهي لا مع انتهاء الانتخابات الروسية أو الإيرانية ولا مع توجيه الجيش السوري الضربة العسكرية الموجعة للمعارضة السورية المسلحة في حي بابا عمرو في مدينة حمص، بل هو صراع سيبقى مفتوحا أقله حتى انتهاء الانتخابات الأميركية في الخريف المقبل". ويقول تقرير دبلوماسي إن مدينة حمص، أعادت التذكير في الأشهر التسعة الأخيرة بكيفية ارتسام خطوط التماس الدولية في زمن الحرب الباردة، "ومن الواضح أن الدفع الروسي هو الذي جعل النظام يتخذ قرار الحسم بعدما شعرت موسكو بأن استمرار "الستاتيكو" العسكري في حمص قد يؤدي إلى أضرار سياسية ودبلوماسية لا يمكن تحملها، ولذلك يأمل الروس اليوم، أن يتواضع المحور الأميركي وأن يبدأ بالتفكير بحل سياسي سيكون لموسكو اليد الطولى فيه". ويتحدث التقرير الدبلوماسي عن حراك حقيقي ولكنه ما يزال صامتا في مملكة الصمت السعودية، "فثمة انقسام حاد في الرأي بين الملك عبد الله والفريق الذي يقوده ابنه عبد العزيز من جهة وفريق بندر بن سلطان وسعود الفيصل من جهة ثانية، وما الموقف الاخير الذي أعلنه العاهل السعودي مؤخرا من الموضوع السوري الا من باب استيعاب الموقف داخل القيادة السعودية وحتى لا يستخدم سكوته في سياق حملة تحريضية عليه، شبيهة بتلك التي خيضت سابقا وأدت الى إسقاط تفاهم السين سين بعدما كاد يصل الى خواتيمه، التي كان يعوّل عليها في تثبيت الاستقرار السياسي في لبنان وانتظام العلاقة بين سوريا والسعودية بما ينعكس على مجمل العلاقات العربية - العربية". ويورد التقرير "ان عبد العزيز بن عبد الله هو من القائلين بأن الانخراط في الحملة لإسقاط النظام في سوريا، وبالتالي النجاح "بإزاحة" الرئيس بشار الأسد من الحكم، يعني عمليا أن تتحول سوريا الى مشروع دولة "طالبان"، لا سيما أنها تشكل أرضا خصبة لتنظيم "القاعدة"، وهذا التخوف ينسجم مع وجود ميل بالاتجاه نفسه لدى المخابرات السعودية، وثمة من يردد في دمشق أن تيارا ما في المملكة العربية السعودية لم ينقطع تواصله أبدا مع النظام السوري (قبل أن يعلن سعود الفيصل أن الملك عبد الله اتصل ثلاث مرات بالرئيس الأسد)". وفيما يدعو تيار سعودي الى اعتماد الحذر في مقاربة الملف السوري وعدم جعل الأمور تبلغ نقطة اللاعودة، فإن الفريق الثاني، ومن ضمن اعتماده "استراتيجية ضرب إيران اولا"، لا يتقدم عنده أي هدف على "إسقاط" النظام السوري، بوصفه واسطة العقد الاستراتيجي ضمن الهلال الشيعي، من دون النظر الى تداعيات ذلك على المنطقة، بما في ذلك على دول الخليج وفي مقدمها السعودية". ويضيف التقرير "أما بالنسبة لموقف مصر التي استدعت سفيرها في دمشق، للتشاور، فإن اللافت للانتباه أن المجلس العسكري المصري تحديدا تجنب حتى الآن، اتخاذ مواقف حادة من النظام السوري، لا بل ربما يكون قد بعث برسائل من تحت الطاولة تصب في خانة النظام، تاركا للأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي أن يكون الواجهة في التعبير عن الموقف الرسمي المصري من الأزمة السورية. والسبب في ذلك يعود لكون المجلس العسكري يعتبر أن وصول اي نظام متشدد الى السلطة في سوريا، سيشكل حافزا وداعما قويا لتنامي التيار الاسلامي المتشدد في مصر بجناحيه "الاخوان المسلمين" والسلفيين". وفي المقابل، فإن سوريا القوية مكملة لمصر المركزية القوية. ويوضح التقرير "ان الاخوان والسلفيين الذين حازوا على الاغلبية المطلقة في البرلمان المصري، والذين يحاولون ظاهريا النأي بأنفسهم عن انتخابات الرئاسة المصرية، سيجدون في وصول الاسلاميين الى السلطة في سوريا فرصة سانحة لترشيح اسلامي للرئاسة وبالتالي وضع اليد على المؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية لاحقا وهذا ما يخشى منه المجلس العسكري". وفي الشق التركي من التقرير، يجري التطرق الى "النسيج الطائفي الذي تتشكل منه تركيا وهو خليط من طوائف ومذاهب مختلفة مع سيطرة علمانية على إدارات الدولة والاجهزة العسكرية والأمنية. ولذلك، فإن ثمة خشية لدى معظم الرأي العام التركي من أن أية حرب مذهبية في سوريا لن تبقى تركيا بمنأى عنها، وأي نظام اسلامي متشدد في دمشق سيحوّل سوريا الى امتداد تلقائي لـ"حزب العدالة والتنمية" التركي لضرب النظام العلماني الذي يحمي التنوع الطائفي، بحيث يذهب حزب العدالة والتنمية اكثر في معركة اسقاط النظام العلماني التركي، من هنا أيضا يجري تفسير حرص المخابرات التركية على إبقاء قنوات التواصل قائمة ولو بالحد الأدنى مع بعض الجهات الأمنية في سوريا". ويلفت التقرير الانتباه إلى أن "القادة الروحيين للطوائف في تركيا أبلغوا رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان انه بمحاربته للنظام السوري ودعمه للمجموعات المسلحة، فإنه إنما يهدد بنقل النار إلى الداخل التركي"، وحمّلوا منظر "حزب العدالة" وزير الخارجية احمد داود اوغلو المسؤولية عن هذه السياسة. ويحذر التقرير من ان الوضع في تركيا "قابل للانفجار في اي وقت وسيكون اول المتأثرين بأي تطور سلبي في سوريا. وهذا هو السبب الحقيقي في عدم إقامة منطقة عازلة عند الحدود السورية، وكذلك لعدم توسعة مخيمات النازحين التي غابت عنها عدسات الاعلام. كما لم يسمح بتحويل الاراضي التركية الى قاعدة لما يسمى "الجيش السوري الحر" والجماعات المسلحة. كما ان اردوغان سمع موقفا حاسما من قيادات  تركية وازنة داخل المؤسسة العسكرية وفي الإطار الناظم للقوى السياسية، يحذّره من مغبّة الاستمرار في سياسته تجاه سوريا". ويلفت التقرير النظر الى ان "المعارضين لسياسة اردوغان يعتبرون انه بمواقفه من الازمة السورية يضع تركيا في صدارة المواجهة بين أميركا وحلفائها الاوروبيين من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية، مما يفقد تركيا مصالح اقتصادية ويعيدها الى المربع المعادي لروسيا والصين على غرار ما كانت عليه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي". ويتناول التقرير الوضع في الاردن، اذ يشير الى ان "الملك عبد الله الثاني متخوف من وصول الاسلاميين الى الحكم في سوريا، لان ذلك يعني السقوط الحتمي للنظام الملكي في الاردن، وهذا القلق ازداد منسوبه بعد توقيع الاتفاق بين حركتي فتح وحماس مما يعطي دفعا للتيار السلفي والاخواني في الاردن، لذلك سارعت الحكومة الاردنية في تعاطيها مع الازمة السورية الى رفض ثلاثة امور: 1 ـ رفض إقامة منطقة عازلة على اراضيها. 2 ـ رفض التقيد بالعقوبات الاقتصادية التي أقرتها الجامعة العربية. 3 ـ رفض وقف التنسيق المخابراتي بين الأردن وسوريا".   السفير

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة