تلقّى مجلس الإنماء والإعمار طلباً خطّياً مباشراً من البنك الدولي يقضي بشطب كل ما يتعلق بقانون مقاطعة إسرائيل من دفاتر الشروط الخاصة بتلزيم المشاريع المموّلة من البنك. الرسالة «أربكت» رئاسة مجلس الإنماء والإعمار التي لم تردّ بعد! إلا أن هدفها واضح، وهو الضغط على لبنان من اجل تخفيف القيود المفروضة على جهات تقيم علاقات عادية مع إسرائيل، وتسعى إلى الفوز بعقود من الدولة اللبنانية

يروي متعهدون على علاقة بمشاريع بنى تحتية أطلقها مجلس الإنماء والإعمار خلال السنتين الأخيرتين، أنهم سمعوا كلاماً نافراً من الجهات الممولة، أي الدول والمنظمات الأجنبية، عن ضرورة إلغاء كل ما يشير إلى مقاطعة اسرائيل في دفاتر الشروط الخاصة بهذه المشاريع. الإيطاليون عبّروا أكثر من مرّة عن استيائهم من هذا البند، الذي «أُقحم» في دفاتر الشروط عام 2010 بوصفه مفهوماً «غير حضاري». أما الاتحاد الأوروبي، فلاحظ أن دفاتر الشروط الخاصة بالمشاريع التي يموّلها، والتي ينفّذها مجلس الإنماء والإعمار، تتضمن مواصفات تتعارض مع المواصفات الأوروبية، لأن قانون مقاطعة اسرائيل الملحوظ في دفاتر الشروط يقصي شركات راغبة في المشاركة، لكنّ الاتحاد لم يقدّم في أي مرّة، اعتراضاً خطياً على ذلك، وأبقى اعتراضاته على بند مقاطعة اسرائيل «شفهية».

 

لم يتوقف الأمر عند هذين الاعتراضين، فالممولون الأجانب للمشاريع، سواء كانت هبات أو قروضاً، كانوا يضغطون في الاتجاه نفسه، أي إلغاء الشرط المتعلق بمقاطعة اسرائيل من دفتر الشروط، إلى أن قرّر البنك الدولي تقديم طلب خطي ومباشر إلى مجلس الإنماء والإعمار يقضي بإزالة ما يتعلق بقانون المقاطعة.

ففي 31 كانون الثاني من السنة الجارية، أي قبل نحو 15 يوماً، أرسل مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي هادي العربي، رسالة إلى رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، بعنوان «قانون مقاطعة اسرائيل ضمن معايير المناقصات والأعمال الاستشارية للمشاريع الممولة من البنك الدولي». يشير العربي في رسالته إلى أن «شروط التفاهم (بين لبنان والبنك الدولي) تحرص على أن جميع الأموال الخاصة بأي قرض تستخدم فقط للأهداف التي بموجبها منح القرض. مع التنبه للاعتبارات الخاصة بالاقتصاد والفعالية، ومن دون الإشارة إلى أي تاثيرات أو اعتبارات سياسية أو غير اقتصادية». ويؤكد البنك أن لديه «إجراءات مفصلة لهذا الهدف، وهي موجودة في المبادئ التوجيهية المعتمدة لدى البنك الدولي، سواء للأعمال الاستشارية أو لمنح القروض، كما أنها موجودة أيضاً في الاتفاقات القانونية التي يعقدها البنك مع البلدان المقترضة».

لكن العربي يتحدث عن «لائحة الاستثناءات» في محاولة منه للالتفاف على قانون المقاطعة، فيؤكد أن معايير البنك الدولي لا تسمح بالاستثناء إلا ضمن المقاطعة الأساسية، لا ضمن المقاطعة الثانوية. (المقاطعة الأساسية هي تلك المقاطعة الواضحة المباشرة بين طرفين، والمقاطعة الثانوية هي التي تتعلق بوجود أشخاص أو شركات أو سلع تأتي من أطراف ثالثين يتعاملون مع الدولة التي يجب مقاطعتها).

ويعزّز البنك الدولي هذا التمييز في المقاطعة، بالإشارة إلى أن «لائحة الاستثناءات» تنص على أن الشركات والأفراد والسلع المصنعة في بلد ما قد تُستثنى (تُقاطع) استناداً إلى مسوغات ومبررات قانونية، لكنه يربط ذلك بموافقته أو بقناعته، لافتاً إلى أنه «إذا كان البلد المقترض يحظر العلاقات التجارية مع هذا البلد، فذلك فقط إذا كان البنك الدولي راضياً، ومقتنعاً بأن استثناءً كهذا لا يحول دون المنافسة الفعالة. واستثناء كهذا يتعلق حصراً بالمقاطعة الأساسية. أما الأنواع الأخرى من المقاطعة (على سبيل المثال المقاطعة الثانوية) فليست مقبولة في المشاريع التي يموّلها البنك الدولي».

ويستنتج العربي أن «قانون مقاطعة اسرائيل واللائحة السوداء المرتبطة به ليسا محصورين في المقاطعة الأساسية. وانسجاماً مع سياسة البنك الدولي المذكورة، نقبل استثناء الشركات الإسرائيلية والأفراد الإسرائيليين أو السلع المصنّعة في إسرائيل (مقاطعة أساسية)، بشرط أن يكون هذا الأمر معلناً للعارضين المحتملين، بما يتناسق مع اللغة المستخدمة في معايير البنك الدولي للعروض والاستشارات. الرجاء إزالة الشروط الخاصة بقانون مقاطعة اسرائيل من دفاتر الشروط المستخدمة في المشاريع، التي يموّلها البنك الدولي».

العربي حاول تفسير الرسالة لـ«الأخبار»، مؤكداً أن الهدف منها «إبلاغ العارضين والشركات التي قد تشارك في المشاريع الممولة من البنك الدولي، أن لبنان يطبق المقاطعة الثانوية التي لا يعترف بها البنك الدولي، وبالتالي فإن الشركات التي تستورد سلعاً من اسرائيل، أو لديها شراكات من شركات إسرائيلية ستعلم عندها أنه لا يمكنها المشاركة».

هذا التفسير لا ينسجم تماماً مع ما هو مذكور في الرسالة الموجّهة من البنك الدولي إلى مجلس الإنماء والإعمار، لأنّ أي شركة ستشارك، عليها أن تطّلع أولاً على دفتر الشروط للمشاريع المعروضة لمعرفة المواصفات المطلوبة، فإذا كان قانون مقاطعة اسرائيل مذكوراً كأحد البنود الأساسية في دفتر الشروط، فستعلم مسبقاً بموقفها وموجباتها، وبالتالي لا معنى لكل رسالة البنك الدولي، إلا اذا كانت تهدف الى اعادة تعريف وتوصيف مفهوم المقاطعة لتبرير إزالة البند المتعلق بها من دفتر الشروط.

رغم كل ذلك، فإن العربي لم يجد تفسيراً واضحاً للسياق الذي تأتي فيه الرسالة، باستثناء أنها صارت خطوة ملزمة لمجلس الإنماء والإعمار، بعد التعميم الذي أصدره وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي في 21 تموز 2010، والموجّه إلى «جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات بشأن تقديم إفادة من الشركات الأجنبية للتأكد من وضعها بالنسبة إلى قانون مقاطعة اسرائيل الصادر في 23 حزيران 1955».

وجاء في التعميم «لمّا كانت بعض الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات تقوم بالتعاقد أو إجراء أي تعامل للمرة الأولى مع الأشخاص أو الشركات الأجنبية أو البواخر، من دون التأكد من وضعها القانوني لجهة مقاطعة اسرائيل، لذلك يقتضي على جميع الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات الطلب إلى الجهات المعنية المنوه عنها أعلاه تقديم طلب إفادة للتأكد من وضعها قبل التعامل معها تقيداً بأحكام القانون وعدم مخالفته».

 

266.7قيمة محفظة المشاريع التي يموّلها البنك الدولي وينفذها مجلس الإنماء والإعمار أنفق منها 110.5 ملايين دولار فيما بقي 156.2 مليون دولار في حين أن 68 % من المحفظة هي لمشاريع النقل الحضري، و3% هي لمشاريع الحماية الاجتماعية و29% لمشاريع المياه

 

شرط المنافسة!

 

يؤكد مدير قسم الشرق الأوسط في البنك الدولي هادي العربي (الصورة) في رسالته إلى مجلس الإنماء والإعمار، أن توفير المنافسة يقتضي السماح للشركات والأشخاص من جميع البلدان بعرض خدمات استشارية، سلع، أعمال (...) للمشاريع الممولة من البنك، وأيّ شروط خاصة بالمشاركة يجب أن تُحصر في الأمور المتصلة بعدم قدرة الشركة على تنفيذ المشروع.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-02-17
  • 12990
  • من الأرشيف

البنك الدولي يشترط عدم تطبيق قانون مقاطعة إسرائيل عند تلزيم المشاريع

  تلقّى مجلس الإنماء والإعمار طلباً خطّياً مباشراً من البنك الدولي يقضي بشطب كل ما يتعلق بقانون مقاطعة إسرائيل من دفاتر الشروط الخاصة بتلزيم المشاريع المموّلة من البنك. الرسالة «أربكت» رئاسة مجلس الإنماء والإعمار التي لم تردّ بعد! إلا أن هدفها واضح، وهو الضغط على لبنان من اجل تخفيف القيود المفروضة على جهات تقيم علاقات عادية مع إسرائيل، وتسعى إلى الفوز بعقود من الدولة اللبنانية يروي متعهدون على علاقة بمشاريع بنى تحتية أطلقها مجلس الإنماء والإعمار خلال السنتين الأخيرتين، أنهم سمعوا كلاماً نافراً من الجهات الممولة، أي الدول والمنظمات الأجنبية، عن ضرورة إلغاء كل ما يشير إلى مقاطعة اسرائيل في دفاتر الشروط الخاصة بهذه المشاريع. الإيطاليون عبّروا أكثر من مرّة عن استيائهم من هذا البند، الذي «أُقحم» في دفاتر الشروط عام 2010 بوصفه مفهوماً «غير حضاري». أما الاتحاد الأوروبي، فلاحظ أن دفاتر الشروط الخاصة بالمشاريع التي يموّلها، والتي ينفّذها مجلس الإنماء والإعمار، تتضمن مواصفات تتعارض مع المواصفات الأوروبية، لأن قانون مقاطعة اسرائيل الملحوظ في دفاتر الشروط يقصي شركات راغبة في المشاركة، لكنّ الاتحاد لم يقدّم في أي مرّة، اعتراضاً خطياً على ذلك، وأبقى اعتراضاته على بند مقاطعة اسرائيل «شفهية».   لم يتوقف الأمر عند هذين الاعتراضين، فالممولون الأجانب للمشاريع، سواء كانت هبات أو قروضاً، كانوا يضغطون في الاتجاه نفسه، أي إلغاء الشرط المتعلق بمقاطعة اسرائيل من دفتر الشروط، إلى أن قرّر البنك الدولي تقديم طلب خطي ومباشر إلى مجلس الإنماء والإعمار يقضي بإزالة ما يتعلق بقانون المقاطعة. ففي 31 كانون الثاني من السنة الجارية، أي قبل نحو 15 يوماً، أرسل مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي هادي العربي، رسالة إلى رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، بعنوان «قانون مقاطعة اسرائيل ضمن معايير المناقصات والأعمال الاستشارية للمشاريع الممولة من البنك الدولي». يشير العربي في رسالته إلى أن «شروط التفاهم (بين لبنان والبنك الدولي) تحرص على أن جميع الأموال الخاصة بأي قرض تستخدم فقط للأهداف التي بموجبها منح القرض. مع التنبه للاعتبارات الخاصة بالاقتصاد والفعالية، ومن دون الإشارة إلى أي تاثيرات أو اعتبارات سياسية أو غير اقتصادية». ويؤكد البنك أن لديه «إجراءات مفصلة لهذا الهدف، وهي موجودة في المبادئ التوجيهية المعتمدة لدى البنك الدولي، سواء للأعمال الاستشارية أو لمنح القروض، كما أنها موجودة أيضاً في الاتفاقات القانونية التي يعقدها البنك مع البلدان المقترضة». لكن العربي يتحدث عن «لائحة الاستثناءات» في محاولة منه للالتفاف على قانون المقاطعة، فيؤكد أن معايير البنك الدولي لا تسمح بالاستثناء إلا ضمن المقاطعة الأساسية، لا ضمن المقاطعة الثانوية. (المقاطعة الأساسية هي تلك المقاطعة الواضحة المباشرة بين طرفين، والمقاطعة الثانوية هي التي تتعلق بوجود أشخاص أو شركات أو سلع تأتي من أطراف ثالثين يتعاملون مع الدولة التي يجب مقاطعتها). ويعزّز البنك الدولي هذا التمييز في المقاطعة، بالإشارة إلى أن «لائحة الاستثناءات» تنص على أن الشركات والأفراد والسلع المصنعة في بلد ما قد تُستثنى (تُقاطع) استناداً إلى مسوغات ومبررات قانونية، لكنه يربط ذلك بموافقته أو بقناعته، لافتاً إلى أنه «إذا كان البلد المقترض يحظر العلاقات التجارية مع هذا البلد، فذلك فقط إذا كان البنك الدولي راضياً، ومقتنعاً بأن استثناءً كهذا لا يحول دون المنافسة الفعالة. واستثناء كهذا يتعلق حصراً بالمقاطعة الأساسية. أما الأنواع الأخرى من المقاطعة (على سبيل المثال المقاطعة الثانوية) فليست مقبولة في المشاريع التي يموّلها البنك الدولي». ويستنتج العربي أن «قانون مقاطعة اسرائيل واللائحة السوداء المرتبطة به ليسا محصورين في المقاطعة الأساسية. وانسجاماً مع سياسة البنك الدولي المذكورة، نقبل استثناء الشركات الإسرائيلية والأفراد الإسرائيليين أو السلع المصنّعة في إسرائيل (مقاطعة أساسية)، بشرط أن يكون هذا الأمر معلناً للعارضين المحتملين، بما يتناسق مع اللغة المستخدمة في معايير البنك الدولي للعروض والاستشارات. الرجاء إزالة الشروط الخاصة بقانون مقاطعة اسرائيل من دفاتر الشروط المستخدمة في المشاريع، التي يموّلها البنك الدولي». العربي حاول تفسير الرسالة لـ«الأخبار»، مؤكداً أن الهدف منها «إبلاغ العارضين والشركات التي قد تشارك في المشاريع الممولة من البنك الدولي، أن لبنان يطبق المقاطعة الثانوية التي لا يعترف بها البنك الدولي، وبالتالي فإن الشركات التي تستورد سلعاً من اسرائيل، أو لديها شراكات من شركات إسرائيلية ستعلم عندها أنه لا يمكنها المشاركة». هذا التفسير لا ينسجم تماماً مع ما هو مذكور في الرسالة الموجّهة من البنك الدولي إلى مجلس الإنماء والإعمار، لأنّ أي شركة ستشارك، عليها أن تطّلع أولاً على دفتر الشروط للمشاريع المعروضة لمعرفة المواصفات المطلوبة، فإذا كان قانون مقاطعة اسرائيل مذكوراً كأحد البنود الأساسية في دفتر الشروط، فستعلم مسبقاً بموقفها وموجباتها، وبالتالي لا معنى لكل رسالة البنك الدولي، إلا اذا كانت تهدف الى اعادة تعريف وتوصيف مفهوم المقاطعة لتبرير إزالة البند المتعلق بها من دفتر الشروط. رغم كل ذلك، فإن العربي لم يجد تفسيراً واضحاً للسياق الذي تأتي فيه الرسالة، باستثناء أنها صارت خطوة ملزمة لمجلس الإنماء والإعمار، بعد التعميم الذي أصدره وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي في 21 تموز 2010، والموجّه إلى «جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات بشأن تقديم إفادة من الشركات الأجنبية للتأكد من وضعها بالنسبة إلى قانون مقاطعة اسرائيل الصادر في 23 حزيران 1955». وجاء في التعميم «لمّا كانت بعض الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات تقوم بالتعاقد أو إجراء أي تعامل للمرة الأولى مع الأشخاص أو الشركات الأجنبية أو البواخر، من دون التأكد من وضعها القانوني لجهة مقاطعة اسرائيل، لذلك يقتضي على جميع الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات الطلب إلى الجهات المعنية المنوه عنها أعلاه تقديم طلب إفادة للتأكد من وضعها قبل التعامل معها تقيداً بأحكام القانون وعدم مخالفته».   266.7قيمة محفظة المشاريع التي يموّلها البنك الدولي وينفذها مجلس الإنماء والإعمار أنفق منها 110.5 ملايين دولار فيما بقي 156.2 مليون دولار في حين أن 68 % من المحفظة هي لمشاريع النقل الحضري، و3% هي لمشاريع الحماية الاجتماعية و29% لمشاريع المياه   شرط المنافسة!   يؤكد مدير قسم الشرق الأوسط في البنك الدولي هادي العربي (الصورة) في رسالته إلى مجلس الإنماء والإعمار، أن توفير المنافسة يقتضي السماح للشركات والأشخاص من جميع البلدان بعرض خدمات استشارية، سلع، أعمال (...) للمشاريع الممولة من البنك، وأيّ شروط خاصة بالمشاركة يجب أن تُحصر في الأمور المتصلة بعدم قدرة الشركة على تنفيذ المشروع.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة