التجربة الليبية.. الخوف من إشعال الصراع المذهبي.. انتشار الحركات المتطرفة.. موقف روسيا والصين.. الصراع العربي ـ الإسرائيلي.. إيران.. «حزب الله».. كلها أسباب وعوامل أفضت إلى ما يشبه الإجماع الغربي على استبعاد اللجوء إلى خيار التدخل العسكري لحلّ الأزمة في سوريا، مهما بدا أن أفق الحلّ قد سُدّت ومهما علت الأصوات في الجهة المقابلة منادية بـ«إنقاذ غربي على الطريقة الليبية» أو بـ«واجب إنساني يفرضه الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ».

التقارير الغربية التقت حول فكرة نبذ التدخّل والتحذير من مخاطره، وإن تعدّدت وتنوعت أسباب تبرير هذا الرفض. ففي «مجلس العلاقات الخارجية» كتب إد حسين، تحت عنوان «أسطورة التدخل الدولي في سوريا»، يقول «إن مخاطر تحوّل التدخل العسكري الأجنبي إلى احتلال تجعل هذا الخيار مخيفاً، لا سيما إزاء ما يمكن أن يؤدي إليه من تغذية للتطرّف الإسلامي»، مردفاً «كما لا يمكن أن نتجاهل موقع سوريا الاستراتيجي وسط أكثر الحدود سخونة بين إسرائيل وتركيا والعراق ولبنان، الأمر الذي يجعل أي انزلاق إلى الحرب في هذه الحالة مغامرة كارثية».

يرى الكاتب أنه «مهما كانت الدوافع لانخراط الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة، في عمل عسكري لا بدّ من التفكير ملياً في مجموعة من المعطيات: بداية، كيف سيكون شكل التدخل: هل سيعني ذلك خلق ممرات إنسانية أم تغييراً كاملاً للنظام؟ وثانياً، ما مستقبل سوريا في حال سقط النظام، لا سيما في ظل وجود القوات العسكرية الأميركية على الأرض؟ وتجربة أميركا في العراق خير مثال: لقد أفضت لسنوات من الفوضى في البنية التحتية الوطنية. وباختصار، ما هي خطة الغرب بعد إسقاط النظام؟ ثالثاً، كيف سيتم التعاطي مع حلفاء سوريا (روسيا، الصين، إيران، حزب الله...) ومع التنظيمات الجهادية المتطرفة التي قد تعتبر التدخل بمثابة احتلال يستدعي إنعاش استراتيجيتها الدفاعية؟».

ويضيف «إنني مقتنع بان الخيار العسكري سيضرّ أكثر مما ينفع. الحلول التقليدية لن تحل النزاع، ينبغي التفكير إذاً بكيفية الخروج من الأزمة، من دون أن تسعى أميركا لنصر زائف تحت عنوان «المهمة انتهت» كما حصل في العراق».

الكاتب في «مجلس العلاقات الاستراتيجية والدولية» آرام نرغيزيان كان له موقف مماثل إذ اعتبر أن الطريقة التي سيتدخل بها المجتمع الدولي ستكون حاسمة لمستقبل المنطقة بأجمعها. ويرى نرغيزيان أن «أي جهد عسكري ضدّ سوريا لن يتم من دون الالتزام العسكري واللوجستي والاستخباراتي للولايات المتحدة، فيما لا توجد شهية لخيار من هذا القبيل في دوائر صنع القرار الأميركية.. فسوريا واقعة في مركز الانقسامات المذهبية والطائفية في المنطقة وكذلك على خط النار في الصراع العربي الإسرائيلي، وأي تدخل أجنبي سيكون السبب وراء زلزال سيزعزع استقرار المنطقة».

أما في مجلة «ناشيونال إنترست» فقد أشار مايكل وايس إلى ضرورة تعريف التدخل بشكل واضح قبل الإقدام على أي خطوة فـ«هل يعني ذلك هجوماً برياً على دمشق؟ احتلالاً؟»، معلّقاًً «بصراحة لا يمكن لعاقل الدفاع عن خطة مماثلة. علينا أن نكون واضحين جداً بشأن الدواعي المباشرة والحقيقية لاستخدام القوة في دمشق: هل سينتهي ذلك بإزاحة الأسد عن السلطة أم أن هناك أهدافاً ومصالح أخرى؟».

ثم يؤكد «مما لا شك فيه أن الذهاب إلى الحرب عمل خطير ومحفوف بالمخاطر، كما أن جميع مناهضي هذا الخيار يبرّرون ذلك بأسباب ثلاثة: انتشار الجماعات الجهادية، زعزعة الاستقرار في منطقة غير مستقرة أساساً، ومفاقمة الصراعات الطائفية والمذهبية».

من جهته، كتب سكوت كليمان في مجلة «فورين بوليسي» يقول «لا تعوّلوا على التدخل العسكري في سوريا، فالأميركيون غير مهتمين بتعزيز الديموقراطية في المنطقة.. لقد تعلّموا من الدرس الليبي جيّداً ومن مشاكلهم الاقتصادية ما جعلهم غير مهتمين بشؤون البلدان الأخرى».

واعتبرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن «التدخل العسكري في سوريا لن يوقف القتل بل سيوسّع دائرته»، مؤكدة أن «التدخل ربما يكون قد بدأ بالفعل، فالسعوديون والقطريون أعلنوا عن نيتهم تمويل وتدريب المعارضة وتركيا احتضنت الجيش السوري الحرّ والغرب يحاول تأمين الدعم العسكري والدبلوماسي، وإذا فشل ذلك هناك خيار التدخل العسكري.. ولكن التجربة الليبية تؤكد أن عدد القتلى ارتفع بعد التدخل، حيث كانت تركة الأخير بعد مقتل القذافي مرعبة من التطهير العرقي واستمرار النزاع المسلّح وغيرها من المخاطر».

مجلة «نيوزويك» تناولت الموضوع من منظار مختلف، لكنه على قدر بالغ من الحساسية، فمسألة التدخل مرتبطة بشكل أساسي بموضوع الصراع الأميركي ـ الإسرائيلي مع إيران، ودور «حزب الله» في هذه المعادلة.

وفيما وصفته بـ«معضلة إسرائيل» في حربها مع إيران، نقلت «نيوزويك» ما يدور في دهاليز السياسة الإسرائيلية من «أسئلة ومخاوف» عن فتح جبهة ثانية مع «حزب الله».

تقول المجلة الأميركية «يجد القادة الإسرائيليون أنفسهم، وهم في خضم الجدال في إيجابيات وسلبيات الهجوم على إيران، ملزمين بالإجابة عن سلبيات وإيجابيات الهجوم على «حزب الله» في الوقت نفسه، وبتعبير آخر ما إذا كان يتعيّن فتح جبهة ثنائية مع إيران ولبنان أم ترك الخيار لـ«حزب الله» باستهداف المدن الإسرائيلية بعد أن يضرب الإسرائيليون إيران».

وتضيف «انطلاقاً من فرضية يسلّم القادة الإسرائيليون بأنها ستحدث مفادها أن «حزب الله» لن يبقى ساكتاً في حال الهجوم على إيران ومن قناعة بأن ترسانة «حزب الله» تطورت بشكل «مخيف» منذ العام 2006، فإن إسرائيل تفضّل استباق هجوم مماثل، وهذا يعني ضرب إيران ولبنان في الوقت عينه، على أمل أن تضعف الضربات على الجهتين قدرتهما على المواجهة».

المعضلة الحقيقية، حسب المجلة، تكمن في أن الحرب الدائرة في سوريا تزيد الأمور تعقيداً. فنظام الاسد مستعد للمواجهة حتى النهاية دفاعاً عن ايران و«حزب الله»، وربما سيسعى لضرب إسرائيل في محاولة لحشد التعاطف الداخلي.. أما ترسانة سوريا العسكرية، فتستدعي التفكير ملياً قبل الخوض في أي سيناريو عسكري.

وتخلص المجلة إلى أن «النقطة الجوهرية هي أن على إسرائيل التفكير على أكثر من جبهة في حال اتخذت القرار الحربي، ولا بدّ من التذكير بأن الشيطان يكمن في التفاصيل، وأن الكثير من العقبات غير المتوقعة والمفاجآت المزعجة ستكون بالانتظار».

  • فريق ماسة
  • 2012-02-10
  • 10000
  • من الأرشيف

التدخل العسكري في سورية يخيف الغرب:سـيناريـو خطيـر في منطقــة مشتعلــة

التجربة الليبية.. الخوف من إشعال الصراع المذهبي.. انتشار الحركات المتطرفة.. موقف روسيا والصين.. الصراع العربي ـ الإسرائيلي.. إيران.. «حزب الله».. كلها أسباب وعوامل أفضت إلى ما يشبه الإجماع الغربي على استبعاد اللجوء إلى خيار التدخل العسكري لحلّ الأزمة في سوريا، مهما بدا أن أفق الحلّ قد سُدّت ومهما علت الأصوات في الجهة المقابلة منادية بـ«إنقاذ غربي على الطريقة الليبية» أو بـ«واجب إنساني يفرضه الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ». التقارير الغربية التقت حول فكرة نبذ التدخّل والتحذير من مخاطره، وإن تعدّدت وتنوعت أسباب تبرير هذا الرفض. ففي «مجلس العلاقات الخارجية» كتب إد حسين، تحت عنوان «أسطورة التدخل الدولي في سوريا»، يقول «إن مخاطر تحوّل التدخل العسكري الأجنبي إلى احتلال تجعل هذا الخيار مخيفاً، لا سيما إزاء ما يمكن أن يؤدي إليه من تغذية للتطرّف الإسلامي»، مردفاً «كما لا يمكن أن نتجاهل موقع سوريا الاستراتيجي وسط أكثر الحدود سخونة بين إسرائيل وتركيا والعراق ولبنان، الأمر الذي يجعل أي انزلاق إلى الحرب في هذه الحالة مغامرة كارثية». يرى الكاتب أنه «مهما كانت الدوافع لانخراط الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة، في عمل عسكري لا بدّ من التفكير ملياً في مجموعة من المعطيات: بداية، كيف سيكون شكل التدخل: هل سيعني ذلك خلق ممرات إنسانية أم تغييراً كاملاً للنظام؟ وثانياً، ما مستقبل سوريا في حال سقط النظام، لا سيما في ظل وجود القوات العسكرية الأميركية على الأرض؟ وتجربة أميركا في العراق خير مثال: لقد أفضت لسنوات من الفوضى في البنية التحتية الوطنية. وباختصار، ما هي خطة الغرب بعد إسقاط النظام؟ ثالثاً، كيف سيتم التعاطي مع حلفاء سوريا (روسيا، الصين، إيران، حزب الله...) ومع التنظيمات الجهادية المتطرفة التي قد تعتبر التدخل بمثابة احتلال يستدعي إنعاش استراتيجيتها الدفاعية؟». ويضيف «إنني مقتنع بان الخيار العسكري سيضرّ أكثر مما ينفع. الحلول التقليدية لن تحل النزاع، ينبغي التفكير إذاً بكيفية الخروج من الأزمة، من دون أن تسعى أميركا لنصر زائف تحت عنوان «المهمة انتهت» كما حصل في العراق». الكاتب في «مجلس العلاقات الاستراتيجية والدولية» آرام نرغيزيان كان له موقف مماثل إذ اعتبر أن الطريقة التي سيتدخل بها المجتمع الدولي ستكون حاسمة لمستقبل المنطقة بأجمعها. ويرى نرغيزيان أن «أي جهد عسكري ضدّ سوريا لن يتم من دون الالتزام العسكري واللوجستي والاستخباراتي للولايات المتحدة، فيما لا توجد شهية لخيار من هذا القبيل في دوائر صنع القرار الأميركية.. فسوريا واقعة في مركز الانقسامات المذهبية والطائفية في المنطقة وكذلك على خط النار في الصراع العربي الإسرائيلي، وأي تدخل أجنبي سيكون السبب وراء زلزال سيزعزع استقرار المنطقة». أما في مجلة «ناشيونال إنترست» فقد أشار مايكل وايس إلى ضرورة تعريف التدخل بشكل واضح قبل الإقدام على أي خطوة فـ«هل يعني ذلك هجوماً برياً على دمشق؟ احتلالاً؟»، معلّقاًً «بصراحة لا يمكن لعاقل الدفاع عن خطة مماثلة. علينا أن نكون واضحين جداً بشأن الدواعي المباشرة والحقيقية لاستخدام القوة في دمشق: هل سينتهي ذلك بإزاحة الأسد عن السلطة أم أن هناك أهدافاً ومصالح أخرى؟». ثم يؤكد «مما لا شك فيه أن الذهاب إلى الحرب عمل خطير ومحفوف بالمخاطر، كما أن جميع مناهضي هذا الخيار يبرّرون ذلك بأسباب ثلاثة: انتشار الجماعات الجهادية، زعزعة الاستقرار في منطقة غير مستقرة أساساً، ومفاقمة الصراعات الطائفية والمذهبية». من جهته، كتب سكوت كليمان في مجلة «فورين بوليسي» يقول «لا تعوّلوا على التدخل العسكري في سوريا، فالأميركيون غير مهتمين بتعزيز الديموقراطية في المنطقة.. لقد تعلّموا من الدرس الليبي جيّداً ومن مشاكلهم الاقتصادية ما جعلهم غير مهتمين بشؤون البلدان الأخرى». واعتبرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن «التدخل العسكري في سوريا لن يوقف القتل بل سيوسّع دائرته»، مؤكدة أن «التدخل ربما يكون قد بدأ بالفعل، فالسعوديون والقطريون أعلنوا عن نيتهم تمويل وتدريب المعارضة وتركيا احتضنت الجيش السوري الحرّ والغرب يحاول تأمين الدعم العسكري والدبلوماسي، وإذا فشل ذلك هناك خيار التدخل العسكري.. ولكن التجربة الليبية تؤكد أن عدد القتلى ارتفع بعد التدخل، حيث كانت تركة الأخير بعد مقتل القذافي مرعبة من التطهير العرقي واستمرار النزاع المسلّح وغيرها من المخاطر». مجلة «نيوزويك» تناولت الموضوع من منظار مختلف، لكنه على قدر بالغ من الحساسية، فمسألة التدخل مرتبطة بشكل أساسي بموضوع الصراع الأميركي ـ الإسرائيلي مع إيران، ودور «حزب الله» في هذه المعادلة. وفيما وصفته بـ«معضلة إسرائيل» في حربها مع إيران، نقلت «نيوزويك» ما يدور في دهاليز السياسة الإسرائيلية من «أسئلة ومخاوف» عن فتح جبهة ثانية مع «حزب الله». تقول المجلة الأميركية «يجد القادة الإسرائيليون أنفسهم، وهم في خضم الجدال في إيجابيات وسلبيات الهجوم على إيران، ملزمين بالإجابة عن سلبيات وإيجابيات الهجوم على «حزب الله» في الوقت نفسه، وبتعبير آخر ما إذا كان يتعيّن فتح جبهة ثنائية مع إيران ولبنان أم ترك الخيار لـ«حزب الله» باستهداف المدن الإسرائيلية بعد أن يضرب الإسرائيليون إيران». وتضيف «انطلاقاً من فرضية يسلّم القادة الإسرائيليون بأنها ستحدث مفادها أن «حزب الله» لن يبقى ساكتاً في حال الهجوم على إيران ومن قناعة بأن ترسانة «حزب الله» تطورت بشكل «مخيف» منذ العام 2006، فإن إسرائيل تفضّل استباق هجوم مماثل، وهذا يعني ضرب إيران ولبنان في الوقت عينه، على أمل أن تضعف الضربات على الجهتين قدرتهما على المواجهة». المعضلة الحقيقية، حسب المجلة، تكمن في أن الحرب الدائرة في سوريا تزيد الأمور تعقيداً. فنظام الاسد مستعد للمواجهة حتى النهاية دفاعاً عن ايران و«حزب الله»، وربما سيسعى لضرب إسرائيل في محاولة لحشد التعاطف الداخلي.. أما ترسانة سوريا العسكرية، فتستدعي التفكير ملياً قبل الخوض في أي سيناريو عسكري. وتخلص المجلة إلى أن «النقطة الجوهرية هي أن على إسرائيل التفكير على أكثر من جبهة في حال اتخذت القرار الحربي، ولا بدّ من التذكير بأن الشيطان يكمن في التفاصيل، وأن الكثير من العقبات غير المتوقعة والمفاجآت المزعجة ستكون بالانتظار».

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة