بأمانة ودون مبالغة أو قفز فوق وقائع وحقائق المشهد العربي الذي شاهدناه في الأيام الماضية، يمكن القول: إن تقرير بعثة المراقبين العرب الذي قدمه رئيس البعثة الفريق

أول محمد أحمد مصطفى الدابي حول الوضع في سورية شكّل صدمة كبرى لبعض المستعربين في الجامعة العربية، وخاصة لأولئك الذين حاولوا استخدام هذه المؤسسة الجامعة كأداة للتفتيت والتقسيم ومنبر للنيل من سورية ودورها المقاوم ومنطلق للعب باستقرارها وأمن مواطنيها،ولعل حالة الارتجاف والذهول التي كانت بادية على حركات وملامح ووجه وزير الخارجية السعودي وهو يعلن سحب مراقبي بلاده من البعثة مدعيا حرصه على الدماء السورية، وكذلك حالة التلعثم والأخطاء المتكررة التي وقع فيها شيخ المحمية الأميركية في قطر «حمد الصغير» كانتا تترجمان خيبة الأمل والإحباط التي أصيب بها هذان التابعان الخليجيان جراء المصداقية والمهنية اللتين ميزتا تقرير الفريق الدابي، والذي لا يختلف اثنان بأنه قد استطاع أن يدحض بالوثائق والوقائع والأرقام جميع أضاليل وفبركات وأكاذيب الإعلام السعودي والقطري على مدى عشرة أشهر، وأن يشكل ضربة موجعة لمصداقية ومهنية قناتي الجزيرة والعربية على وجه الخصوص.‏

 

فمنذ تشكيل بعثة المراقبين العرب أُريد لأدائها وتقريرها أن يكونا صدى وترجمة لما بثته القناتان المذكورتان طيلة أشهر الأزمة، بهدف نقل ملف الأزمة السورية بكامله إلى مجلس الأمن الدولي بحثا عن التدويل والتدخل الخارجي في تكرار مفضوح لما جرى في ليبيا، وهذا ما أكدته سورية مراراوتكرارا حول وجود نوايا عربية مبيتة لاستهدافها عبر الجامعة العربية وبواسطة الأدوات العربية المعروفة.‏

 

وكان لافتا على مدى عشرة أشهر ما قامت به محطتا الجزيرة والعربية ومعهما عدد لا بأس به من وسائل الإعلام المأجورة والمستأجرة من محاولات مستميتة لخلق وقائع ومشاهد على الأرض غير موجودة إلا في الذهنية المريضة لأدوات المشروع الأميركي والصهيوني في المنطقة، محاولات يائسة وبائسة كان الهدف منها ضرب مكامن القوة والتماسك في المجتمع السوري، وخلق رأي عام عربي ودولي ضاغط على القيادة السورية يحول بينها وبين متابعة واستكمال برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي انطلقت عجلته بصورة متسارعة وغير متسرعة، إلا أن وعي شعبنا وقدرته على الصمود في وجه الحملات المسعورة التي استهدفته، إضافة إلى تمتع قيادتنا السياسية بالحكمة والحنكة والقدرة على استقراء الواقع بصورة ديناميكية حصن البلد من الانزلاق نحو ما يخطط له هؤلاء المتآمرون، وفوت الفرصة على نجاح مؤامراتهم، ونقل سورية من موقع المدافع السلبي إلى موقع المدافع الايجابي الذي يمتلك القدرة على التصدي وتوجيه اللكمات.‏

 

فعندما حاول صبيان السياسة العربية في الجامعة الاختباء والتلطي خلف مبادرة عربية مفخخة تتعارض مع السيادة والاستقلال في سورية وتفتح الأزمة على أبعاد مجهولة، تلقفتها القيادة السورية بحرص وحذر وحولتها إلى خطة عمل عربية واضحة المعالم والأهداف، فكان توقيعها على بروتوكول المراقبين العرب مفاجأة غير سارة لخصوم وأعداء سورية في الداخل والخارج، بالنظر إلى نواياهم وخططهم، وإدراك السوريين من أن إرسال البعثة لم يكن بهدف التحقق مما يجري على الأرض وهذا ما صرح به نبيل العربي بنفسه، وإنما بهدف خلق واقع جديد مواز يزيد من تعقيد الأزمة، وهذا ما قرأناه في الهجوم المتكرر على البعثة حتى قبل أن تبدأ عملها، ولكن مصداقية الموقف السوري الرسمي والشعبي وضع أعضاء البعثة أمام ضمائرهم الحية، ليأتي تقريرهم مصدقا لما كانت تقوله سورية على الدوام حول العنف والإرهاب والتخريب من قبل الجماعات المسلحة التكفيرية التي لا تفقه في الإصلاح أو في السياسة، ولاتحركها رغبة في الديمقراطية أو الحرية أو حقوق الإنسان، فمن يقتل ويخرب ويدمر الممتلكات العامة ويستهدف الناس في حياتهم وأمنهم وأرزاقهم لا يمكن أن يكون داعية حرية أو ديمقراطية مهما طبلت له قنوات التحريض والفتنة أو تبنته مؤسسات دولية مخترقة ومأجورة.‏

 

وعندما وصل تقرير بعثة المراقبين إلى الجامعة العربية توقع الكثيرون أن يغير مضمون التقرير في قناعات المؤتمنين على الجامعة ويعيدهم إلى صوابهم، فيتعاونون مع سورية بدل التآمر عليها، فإذا بهم يضعون التقرير خلف ظهورهم وكأنه غير موجود، أوكأن البعثة العربية ليست بعثتهم، وأن المراقبين الذين يعملون فيها ليسوا من بلدانهم، ما عكس صدمتهم مما جاء في التقرير لجهة تنفيذ سورية لالتزاماتها وهو ما لم يريدوا سماعه أو قراءته، وهذا ما يؤكد أن سعود الفيصل وحمد الصغير تعهدا عند أسيادهم في واشنطن بالعمل على تدويل الأزمة في سورية والذهاب بها إلى مجلس الأمن من دون الالتفات إلى‏

 

التقرير وما جاء فيه من حقائق تدحض إدعاءاتهم وتكشف مخططاتهم وقنواتهم ومسلحيهم وتمويلهم وأدوارهم. بكلمة أخرى، هؤلاء هم ملوك وأمراء ومشايخ النفط العربي منذ طرؤوا على الساحة العربية والإقليمية قبل عقود قليلة، وهذه هي أدوارهم ووظائفهم منذ نصبتهم الولايات المتحدة الأميركية على عروشهم المهتزة واستخدمتهم كأدوات قذرة لمشاريعها وأطماعها في المنطقة، وهذه هي سورية الضاربة جذورها في عمق التاريخ أصالة وحضارة وحضورا، وهذا هو شعبها الواعي الصامد المتمسك بثوابته ووحدته وعروبته، وكما فشلت كل مخططات استهداف سورية في السابق ستفشل المخططات الجديدة لأننا نملك الماضي والحاضر والمستقبل والحق والقوة، وإن غدا لناظره قريب..!!‏

  • فريق ماسة
  • 2012-01-28
  • 11732
  • من الأرشيف

تقرير المراقبين العرب ودحض فبركات المستعربين وأدواتهم

      بأمانة ودون مبالغة أو قفز فوق وقائع وحقائق المشهد العربي الذي شاهدناه في الأيام الماضية، يمكن القول: إن تقرير بعثة المراقبين العرب الذي قدمه رئيس البعثة الفريق أول محمد أحمد مصطفى الدابي حول الوضع في سورية شكّل صدمة كبرى لبعض المستعربين في الجامعة العربية، وخاصة لأولئك الذين حاولوا استخدام هذه المؤسسة الجامعة كأداة للتفتيت والتقسيم ومنبر للنيل من سورية ودورها المقاوم ومنطلق للعب باستقرارها وأمن مواطنيها،ولعل حالة الارتجاف والذهول التي كانت بادية على حركات وملامح ووجه وزير الخارجية السعودي وهو يعلن سحب مراقبي بلاده من البعثة مدعيا حرصه على الدماء السورية، وكذلك حالة التلعثم والأخطاء المتكررة التي وقع فيها شيخ المحمية الأميركية في قطر «حمد الصغير» كانتا تترجمان خيبة الأمل والإحباط التي أصيب بها هذان التابعان الخليجيان جراء المصداقية والمهنية اللتين ميزتا تقرير الفريق الدابي، والذي لا يختلف اثنان بأنه قد استطاع أن يدحض بالوثائق والوقائع والأرقام جميع أضاليل وفبركات وأكاذيب الإعلام السعودي والقطري على مدى عشرة أشهر، وأن يشكل ضربة موجعة لمصداقية ومهنية قناتي الجزيرة والعربية على وجه الخصوص.‏   فمنذ تشكيل بعثة المراقبين العرب أُريد لأدائها وتقريرها أن يكونا صدى وترجمة لما بثته القناتان المذكورتان طيلة أشهر الأزمة، بهدف نقل ملف الأزمة السورية بكامله إلى مجلس الأمن الدولي بحثا عن التدويل والتدخل الخارجي في تكرار مفضوح لما جرى في ليبيا، وهذا ما أكدته سورية مراراوتكرارا حول وجود نوايا عربية مبيتة لاستهدافها عبر الجامعة العربية وبواسطة الأدوات العربية المعروفة.‏   وكان لافتا على مدى عشرة أشهر ما قامت به محطتا الجزيرة والعربية ومعهما عدد لا بأس به من وسائل الإعلام المأجورة والمستأجرة من محاولات مستميتة لخلق وقائع ومشاهد على الأرض غير موجودة إلا في الذهنية المريضة لأدوات المشروع الأميركي والصهيوني في المنطقة، محاولات يائسة وبائسة كان الهدف منها ضرب مكامن القوة والتماسك في المجتمع السوري، وخلق رأي عام عربي ودولي ضاغط على القيادة السورية يحول بينها وبين متابعة واستكمال برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي انطلقت عجلته بصورة متسارعة وغير متسرعة، إلا أن وعي شعبنا وقدرته على الصمود في وجه الحملات المسعورة التي استهدفته، إضافة إلى تمتع قيادتنا السياسية بالحكمة والحنكة والقدرة على استقراء الواقع بصورة ديناميكية حصن البلد من الانزلاق نحو ما يخطط له هؤلاء المتآمرون، وفوت الفرصة على نجاح مؤامراتهم، ونقل سورية من موقع المدافع السلبي إلى موقع المدافع الايجابي الذي يمتلك القدرة على التصدي وتوجيه اللكمات.‏   فعندما حاول صبيان السياسة العربية في الجامعة الاختباء والتلطي خلف مبادرة عربية مفخخة تتعارض مع السيادة والاستقلال في سورية وتفتح الأزمة على أبعاد مجهولة، تلقفتها القيادة السورية بحرص وحذر وحولتها إلى خطة عمل عربية واضحة المعالم والأهداف، فكان توقيعها على بروتوكول المراقبين العرب مفاجأة غير سارة لخصوم وأعداء سورية في الداخل والخارج، بالنظر إلى نواياهم وخططهم، وإدراك السوريين من أن إرسال البعثة لم يكن بهدف التحقق مما يجري على الأرض وهذا ما صرح به نبيل العربي بنفسه، وإنما بهدف خلق واقع جديد مواز يزيد من تعقيد الأزمة، وهذا ما قرأناه في الهجوم المتكرر على البعثة حتى قبل أن تبدأ عملها، ولكن مصداقية الموقف السوري الرسمي والشعبي وضع أعضاء البعثة أمام ضمائرهم الحية، ليأتي تقريرهم مصدقا لما كانت تقوله سورية على الدوام حول العنف والإرهاب والتخريب من قبل الجماعات المسلحة التكفيرية التي لا تفقه في الإصلاح أو في السياسة، ولاتحركها رغبة في الديمقراطية أو الحرية أو حقوق الإنسان، فمن يقتل ويخرب ويدمر الممتلكات العامة ويستهدف الناس في حياتهم وأمنهم وأرزاقهم لا يمكن أن يكون داعية حرية أو ديمقراطية مهما طبلت له قنوات التحريض والفتنة أو تبنته مؤسسات دولية مخترقة ومأجورة.‏   وعندما وصل تقرير بعثة المراقبين إلى الجامعة العربية توقع الكثيرون أن يغير مضمون التقرير في قناعات المؤتمنين على الجامعة ويعيدهم إلى صوابهم، فيتعاونون مع سورية بدل التآمر عليها، فإذا بهم يضعون التقرير خلف ظهورهم وكأنه غير موجود، أوكأن البعثة العربية ليست بعثتهم، وأن المراقبين الذين يعملون فيها ليسوا من بلدانهم، ما عكس صدمتهم مما جاء في التقرير لجهة تنفيذ سورية لالتزاماتها وهو ما لم يريدوا سماعه أو قراءته، وهذا ما يؤكد أن سعود الفيصل وحمد الصغير تعهدا عند أسيادهم في واشنطن بالعمل على تدويل الأزمة في سورية والذهاب بها إلى مجلس الأمن من دون الالتفات إلى‏   التقرير وما جاء فيه من حقائق تدحض إدعاءاتهم وتكشف مخططاتهم وقنواتهم ومسلحيهم وتمويلهم وأدوارهم. بكلمة أخرى، هؤلاء هم ملوك وأمراء ومشايخ النفط العربي منذ طرؤوا على الساحة العربية والإقليمية قبل عقود قليلة، وهذه هي أدوارهم ووظائفهم منذ نصبتهم الولايات المتحدة الأميركية على عروشهم المهتزة واستخدمتهم كأدوات قذرة لمشاريعها وأطماعها في المنطقة، وهذه هي سورية الضاربة جذورها في عمق التاريخ أصالة وحضارة وحضورا، وهذا هو شعبها الواعي الصامد المتمسك بثوابته ووحدته وعروبته، وكما فشلت كل مخططات استهداف سورية في السابق ستفشل المخططات الجديدة لأننا نملك الماضي والحاضر والمستقبل والحق والقوة، وإن غدا لناظره قريب..!!‏

المصدر : الثورة /عبد الحليم سعود


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة