صحيح أن الضغوط على سورية تستمر بشكل تصاعدي، لكن اللافت ان المواقف الرسمية العنيفة تراجعت كثيرا في الفترة الاخيرة، وابرزها على الاطلاق «تلك التي كان يطلقها وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، والذي شكل في المرحلة الماضية رأس حربة في هذا الاطار».

 

ولأن لا شيء يحصل بالصدفة على المستوى السياسي، وخصوصاً على مستوى لعبة بحجم تغيير أنظمة وتبديل معالم دول، فان لهذا السلوك تبريراته العديدة.

 

واول هذه التبريرات، ان النظام السوري بدا قوياً في مواجهة أزمته الكبرى، على عكس التوقعات التي سادت خلال المرحلة الاولى من الازمة والتي جاءت «متفائلة» كثيراً لناحية أن النظام لن يستطيع الصمود الا لبضعة أشهر.

 

وثانيها، ان الرهان على الدور التركي في خلق منطقة عازلة تستطيع أن تحمي المنشقين عن الجيش تمهيداً لتوجيه الضربة القاضية للنظام، كان رهاناً خاسراً، ان بسبب التناقضات الداخلية الكبيرة حول كيفية التعاطي مع الأزمة السورية، او بسبب التوازن مع ايران التي بدت مستعدة لكبح جماح حكومة اردوغان.

 

وثالثها، ان الاعتقاد الذي ساد في الغرب لناحية عدم استطاعة ايران من دعم النظام السوري طويلاً، اذ ستبادر الى التفاوض مع الغرب لتأمين مصالحها على حساب النظام السوري، انما بدا اعتقاداً غير واقعي ابداً، حيث أن السلوك الذي انتهجته طهران عكس بأن معركة سوريا بالنسبة اليهم هي معركة حياة أو موت، وان ايران مستعدة للذهاب الى الحرب اذا كان ذلك هو الثمن لانقاذ سوريا، والتي تشكل الحجر الزاوية في مشروع نفوذها الاقليمي.

 

ورابعاً، ان روسيا التي اعتاد معها الغرب على ابرام صفقة محدودة تؤدي الى تليين معارضتها وبالتالي ضمان حيادها، كان موقفها مختلفاً هذه المرة وبشكل جذري. فهي ناقمة على واشنطن بسبب تجاهل مصالحها في الأزمات السابقة، بدءا من اجتياح العراق ومروراً بأزمتي ليبيا ومصر، اضافة الى تشجيع الاميركيين لاخصام الروس في البلدان المحيطة بها مرة مباشرة ومرة من خلال تركيا. لكن موسكو ترى اضافة الى ذلك ان لمنطقة الشرق الاوسط اهمية مطلقة في اطارضمان مصالحها الحيوية، ما يمنعها من اجراء أي تسوية على حساب ذلك.

 

ولذلك ارسلت موسكو اشارات واضحة وصلبة حول تمسكها بدعمها للنظام في سوريا، والتي وصلت الى المستوى العسكري من خلال القطع البحرية الروسية ورسوها في ميناء اللاذقية، اضافة الى صفقة سلاح الطائرات الحربية.

 

كما أن الموقف الروسي المدعوم من الصين، يقف حاجزاً منيعاً بوجه اي قرار على مستوى مجلس الامن، وبالتالي تدويل الأزمة في سوريا.

 

وبذلك، بدا الغرب عاجزاً ازاء احراز اي تقدم حقيقي وفعلي على الارض، ما يعني ان ابقاء الامور وفق السلوك الحالي لن يؤتى بأي نتيجة.

 

لكن ذلك لا يعني ابداً بتسليح الغرب لاجهاض مشروعه في الشرق الاوسط، الا ان الأزمة الاقتصادية الحادة التي تهدد اوروبا والولايات المتحدة الأميركية، والتي وصلت الى حد التأثير على وحدة اوروبا، والى تصاعد اصوات في الداخل الاميركي تطالب بالانفصال عن الدولة الفدرالية، اضافة الى اسباب اخرى، وقفت حائلاً أمام اللجوء الى الخيار العسكري الخارجي. وبذلك بدا الغرب ملزماً بسلوك احد هذين الطريقين:

 

الاول، دفع الامور لتصل الى حدود الفوضى الشاملة وبالتالي الحرب الاهلية.

 

والثاني، المباشرة بالتفاوض لانجاز تسوية تحقق المكاسب التي يسعى اليها الغرب، وابرزها على الاطلاق اعادة رسم دور ايران على الخارطة في الشرق الاوسط.

 

وتقول مصادر مطلعة بأن هنالك حماسة لدى المتشددين في كل من واشنطن وباريس لدفع الوضع بهذا الاتجاه وحيث يشجعهم على ذلك اللوبي اليهودي في كلا البلدين.

 

ذلك أن الحرب الاهلية ستؤدي الى تفتيت كامل سيطال لاحقاً لبنان والاردن، اضافة الى تركيا. ما سيحقق حلم اسرائيل بتحقيق ترانسفير للفلسطينيين الموجودين داخل الدولة الاسرائيلية،والى ضمان بقائها وسط ودويلات طائفية متناحرة، ولذلك تكشف هذه المصادرعن فتح ابواب جديدة تشكل قنوات عمل مباشرة الى الداخل السوري وذلك عبر الاكراد المؤيدين لطالباني، وعبر الاردن.

 

كذلك، تضيف مصادر ديبلوماسية اوروبية، أن أكثر من سبعين ناشطاً في التيارات الارهابية، غادروا شبه الجزيرة العربية ليصلوا الى الداخل السوري، تمهيداً للمشاركة في التحضير لعمليات ارهابية في المرحلة المقبلة، ستتركز هذه المرة في العاصمة دمشق ومدينة حلب.

 

لكن هذه المصادر تشير الى أن القرار الرسمي لدى العواصم الغربية لم يصل بعد الى هذا المستوى، وحيث ان الادارة الاميركية تبدي خشيتها من أن يؤدي تفكك سوريا الى تفكك كامل دومينو المنطقة بما فيه دول الخليج، ومن دون ان يطال ايران بالضرورة، ما قد يؤدي الى اسقاط المنطقة تحت تأثيرها بصورة أكبر، لذلك فان سلوك هذا الدرب غير مضمون لناحية نتائجه.

 

اما على مستوى المفاوضات، وهو الممر الوحيد الالزامي في هذه المرحلة على ما يبدو، فان اللقاءات الثنائية الايرانية ـ الاميركية غير الرسمية مستمرة في احد البلدان الاوروبية، تمهيداً لاجتماع اسطنبول الرسمي الشهر المقبل، حيث يعول الاميركيون على لقاء ثنائي مباشر بين ممثلي البلدين على هامش الاجتماع الموسع.

 

لذلك، تراجعت المواقف النارية بوجه النظام السوري والتي كان ابرزها لـ الان جوبيه، في مقابل استمرار تصاعد الضغوط.

 

ولذلك، ربما باشر النظام السوري بدءاً من مساء أمس باعتماد الحسم العسكري بداية في ريف دمشق على أن يشمل كافة المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة وهو ما يجعل موقع سورية أفضل من المفاوضات.

  • فريق ماسة
  • 2012-01-27
  • 11032
  • من الأرشيف

إرهابيون وصلوا الى سورية والنظام يبدأ بالحسم العسكري

    صحيح أن الضغوط على سورية تستمر بشكل تصاعدي، لكن اللافت ان المواقف الرسمية العنيفة تراجعت كثيرا في الفترة الاخيرة، وابرزها على الاطلاق «تلك التي كان يطلقها وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، والذي شكل في المرحلة الماضية رأس حربة في هذا الاطار».   ولأن لا شيء يحصل بالصدفة على المستوى السياسي، وخصوصاً على مستوى لعبة بحجم تغيير أنظمة وتبديل معالم دول، فان لهذا السلوك تبريراته العديدة.   واول هذه التبريرات، ان النظام السوري بدا قوياً في مواجهة أزمته الكبرى، على عكس التوقعات التي سادت خلال المرحلة الاولى من الازمة والتي جاءت «متفائلة» كثيراً لناحية أن النظام لن يستطيع الصمود الا لبضعة أشهر.   وثانيها، ان الرهان على الدور التركي في خلق منطقة عازلة تستطيع أن تحمي المنشقين عن الجيش تمهيداً لتوجيه الضربة القاضية للنظام، كان رهاناً خاسراً، ان بسبب التناقضات الداخلية الكبيرة حول كيفية التعاطي مع الأزمة السورية، او بسبب التوازن مع ايران التي بدت مستعدة لكبح جماح حكومة اردوغان.   وثالثها، ان الاعتقاد الذي ساد في الغرب لناحية عدم استطاعة ايران من دعم النظام السوري طويلاً، اذ ستبادر الى التفاوض مع الغرب لتأمين مصالحها على حساب النظام السوري، انما بدا اعتقاداً غير واقعي ابداً، حيث أن السلوك الذي انتهجته طهران عكس بأن معركة سوريا بالنسبة اليهم هي معركة حياة أو موت، وان ايران مستعدة للذهاب الى الحرب اذا كان ذلك هو الثمن لانقاذ سوريا، والتي تشكل الحجر الزاوية في مشروع نفوذها الاقليمي.   ورابعاً، ان روسيا التي اعتاد معها الغرب على ابرام صفقة محدودة تؤدي الى تليين معارضتها وبالتالي ضمان حيادها، كان موقفها مختلفاً هذه المرة وبشكل جذري. فهي ناقمة على واشنطن بسبب تجاهل مصالحها في الأزمات السابقة، بدءا من اجتياح العراق ومروراً بأزمتي ليبيا ومصر، اضافة الى تشجيع الاميركيين لاخصام الروس في البلدان المحيطة بها مرة مباشرة ومرة من خلال تركيا. لكن موسكو ترى اضافة الى ذلك ان لمنطقة الشرق الاوسط اهمية مطلقة في اطارضمان مصالحها الحيوية، ما يمنعها من اجراء أي تسوية على حساب ذلك.   ولذلك ارسلت موسكو اشارات واضحة وصلبة حول تمسكها بدعمها للنظام في سوريا، والتي وصلت الى المستوى العسكري من خلال القطع البحرية الروسية ورسوها في ميناء اللاذقية، اضافة الى صفقة سلاح الطائرات الحربية.   كما أن الموقف الروسي المدعوم من الصين، يقف حاجزاً منيعاً بوجه اي قرار على مستوى مجلس الامن، وبالتالي تدويل الأزمة في سوريا.   وبذلك، بدا الغرب عاجزاً ازاء احراز اي تقدم حقيقي وفعلي على الارض، ما يعني ان ابقاء الامور وفق السلوك الحالي لن يؤتى بأي نتيجة.   لكن ذلك لا يعني ابداً بتسليح الغرب لاجهاض مشروعه في الشرق الاوسط، الا ان الأزمة الاقتصادية الحادة التي تهدد اوروبا والولايات المتحدة الأميركية، والتي وصلت الى حد التأثير على وحدة اوروبا، والى تصاعد اصوات في الداخل الاميركي تطالب بالانفصال عن الدولة الفدرالية، اضافة الى اسباب اخرى، وقفت حائلاً أمام اللجوء الى الخيار العسكري الخارجي. وبذلك بدا الغرب ملزماً بسلوك احد هذين الطريقين:   الاول، دفع الامور لتصل الى حدود الفوضى الشاملة وبالتالي الحرب الاهلية.   والثاني، المباشرة بالتفاوض لانجاز تسوية تحقق المكاسب التي يسعى اليها الغرب، وابرزها على الاطلاق اعادة رسم دور ايران على الخارطة في الشرق الاوسط.   وتقول مصادر مطلعة بأن هنالك حماسة لدى المتشددين في كل من واشنطن وباريس لدفع الوضع بهذا الاتجاه وحيث يشجعهم على ذلك اللوبي اليهودي في كلا البلدين.   ذلك أن الحرب الاهلية ستؤدي الى تفتيت كامل سيطال لاحقاً لبنان والاردن، اضافة الى تركيا. ما سيحقق حلم اسرائيل بتحقيق ترانسفير للفلسطينيين الموجودين داخل الدولة الاسرائيلية،والى ضمان بقائها وسط ودويلات طائفية متناحرة، ولذلك تكشف هذه المصادرعن فتح ابواب جديدة تشكل قنوات عمل مباشرة الى الداخل السوري وذلك عبر الاكراد المؤيدين لطالباني، وعبر الاردن.   كذلك، تضيف مصادر ديبلوماسية اوروبية، أن أكثر من سبعين ناشطاً في التيارات الارهابية، غادروا شبه الجزيرة العربية ليصلوا الى الداخل السوري، تمهيداً للمشاركة في التحضير لعمليات ارهابية في المرحلة المقبلة، ستتركز هذه المرة في العاصمة دمشق ومدينة حلب.   لكن هذه المصادر تشير الى أن القرار الرسمي لدى العواصم الغربية لم يصل بعد الى هذا المستوى، وحيث ان الادارة الاميركية تبدي خشيتها من أن يؤدي تفكك سوريا الى تفكك كامل دومينو المنطقة بما فيه دول الخليج، ومن دون ان يطال ايران بالضرورة، ما قد يؤدي الى اسقاط المنطقة تحت تأثيرها بصورة أكبر، لذلك فان سلوك هذا الدرب غير مضمون لناحية نتائجه.   اما على مستوى المفاوضات، وهو الممر الوحيد الالزامي في هذه المرحلة على ما يبدو، فان اللقاءات الثنائية الايرانية ـ الاميركية غير الرسمية مستمرة في احد البلدان الاوروبية، تمهيداً لاجتماع اسطنبول الرسمي الشهر المقبل، حيث يعول الاميركيون على لقاء ثنائي مباشر بين ممثلي البلدين على هامش الاجتماع الموسع.   لذلك، تراجعت المواقف النارية بوجه النظام السوري والتي كان ابرزها لـ الان جوبيه، في مقابل استمرار تصاعد الضغوط.   ولذلك، ربما باشر النظام السوري بدءاً من مساء أمس باعتماد الحسم العسكري بداية في ريف دمشق على أن يشمل كافة المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة وهو ما يجعل موقع سورية أفضل من المفاوضات.

المصدر : الديار /جوني منيّر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة