دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كان التقاطع الأبرز في زيارتَي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو لبيروت مشاركتهما في المؤتمر الذي نظمته الإسكوا عن "الإصلاح والانتقال إلى الديموقراطية" الأحد الماضي، وتحدّثهما فيه. على هامش هذه المشاركة أجرى الزائران الدولي والتركي محادثات مع المسؤولين اللبنانيين وقيادات، وأطلقا بضعة مواقف من غير أن يحملا معهما مسعى أو أفكاراً جديدة أو محدّدة، سوى ما أعلناه. لم يأتيا على ذكر حلول، وألحّا على معالجات بعيدة من العنف وتوخّيا الوصول إلى الديموقراطية في معرض عرض وجهتي نظرهما من أحداث سوريا.
في لقائهما برئيس الجمهورية ميشال سليمان، قاربا المسألة السورية على نحو مختلف. تناول بان قضية اللاجئين السوريين في لبنان، ولم يخض في الموقف اللبناني من أحداث سوريا، ولم يستخدم كذلك عبارات في نظام الرئيس بشّار الأسد كالتي أطلقها في اليوم الثالث لزيارته في مؤتمر الإسكوا عندما دعاه إلى الكفّ عن "قتل شعبه".
فاجأ هذا الموقف في ما بعد المسؤولين لصدوره من لبنان، ومن أعلى مرجع في الأمم المتحدة، فيما كان بان قد راعى حساسية الموقف اللبناني والانقسام الداخلي الحاد حيال الأزمة السورية. لم يخف تقديره للتصرّف اللبناني في مجلس الأمن على نحو حمل أركان الحكم على الاعتقاد بأن الأمين العام يتفهّم سياسة النأي بالنفس ويبرّرها. الواقع أن حديثه المقتضب عن سوريا في اجتماعه برئيس الجمهورية عبّر عن هذا التفهّم. لم يشأ سوى طلب حماية اللاجئين.
بدوره، سليمان لم يشأ الخوض في الموضوع. إلا أن أوغلو أبرز له عدم تفاؤله بأحداث سوريا، آملاً وجود حلول سرعان ما قال إنه لا يتوقعها. لكنه خاطب سليمان بالقول إنه يشجع ـ ولا يحذّر ـ على عدم وقوع لبنان في العنف نتيجة لما يجري في سوريا.
وبحسب جهات رسمية شاركت في اجتماعات الزائرين مع المسؤولين، وخصوصاً رئيس الجمهورية، لم تبدُ الزيارتان مجاملة كي لا يُبخس مضمونهما، إلا أنهما أتتا في سياق مؤتمر الإسكوا.
ووفق الجهات نفسها، تناول بان مع سليمان الآتي:
1 ـ لم يفاتح الرئيس اللبناني في التمديد للمحكمة الدولية، وإن عابراً، فغابت تماماً عن المحادثات الرسمية. عُزي هذا التجاهل إلى أن التمديد مسؤولية حصرية للأمين العام لا تحتاج إلى موافقة جديدة من الحكومة اللبنانية، ولا إلى إعادة الخوض في بروتوكول التعاون بين لبنان والمنظمة الدولية الذي أورده قرار إنشاء المحكمة رقم 1757. بدوره، رئيس الجمهورية لم يتناول التمديد على نحو مبكّر لأسباب اتصل بعضها بتفادي الإحراج تحت وطأة تناقض المواقف داخل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من التمديد، والبعض الآخر بغياب أي موقف رسمي لبناني من تعديل بروتوكول التعاون، ولا تمثل مطالبة فريق في الأكثرية به رأياً جامعاً برسم مناقشته مع الأمم المتحدة.
2 ـ تكلم الأمين العام على القوة الدولية في الجنوب، ولاحظ كثرة الاعتداءات التي لا تزال تتعرّض لها منذ أول مهمة لها عام 1978، وصولاً إلى تعديلها في القرار 1701، وأبدى قلقه من تعريض حياة الجنود للخطر، مشدّداً على أن مهمتهم هي لحفظ الأمن ليس إلا. وأكد الحاجة إلى تعزيز حمايتهم.
ردّ سليمان بأن التحقيق جار لمعرفة مسببي الاعتداءات الأخيرة على القوة الدولية، وتحدّث عن استمرار التنسيق معها لكشف الفاعلين، وقال إن تدابير عدة اتخذها الجيش اللبناني مع القوة الدولية في الأشهر الأخيرة لتوفير أوسع حماية لهم، إلا أنه يقتضي عدم التراجع أمام الإرهاب، ولا تشجيع الدول على سحب جنودها من الجنوب نتيجة لتلك الاعتداءات.
أضاف لبان: يجب أن لا تؤدي المراجعة الاستراتيجية لمهمة القوة الدولية إلى تعديل هذه المهمة أو تقليل عديدها، أو تغيير في قواعد الاشتباك. إذا كان لا بد من دور إضافي للجيش اللبناني لتعزيز الوضع الأمني هناك، فإن ذلك رهن مساعدة الجيش بما يحتاج إليه من تجهيزات يفتقر إليها.
وأبلغ إلى بان أنه يلاحظ بارتياح أن الدول المشاركة في القوة الدولية يزداد عددها عوض خفضه، وأنه سُرّ بانضمام فنلندا والنمسا والبرازيل وإيرلندا إلى عداد هذه القوة.
3 ـ لم يأت بان على ذكر حزب الله ولا سلاحه، لكنه رأى، بإسهاب، أن التزام لبنان قرارات الشرعية الدولية يعني تنفيذه القرار 1701 وكذلك القرار 1559، في إشارة صريحة ضمنية إلى حزب الله، قبل أن يعرب في وقت لاحق عن قلقه من سلاحه. وقرأ على الرئيس ما ينص عليه القرار 1559.
كان ردّ رئيس الجمهورية غامضاً بدوره، متحدّثاً عن جهوده لاستئناف الحوار الوطني، ومن خلاله البحث في الاستراتيجيا الدفاعية. لم يأت هو الآخر على ذكر حزب الله أو سلاحه، وقاربه في صلب الحوار الوطني الذي يناقشه الأفرقاء اللبنانيون.
4 ـ لم يُشر الأمين العام إلى الأزمة السورية، واكتفى بالحديث عن أحوال اللاجئين السوريين إلى لبنان، متطرّقاً إلى اهتمام بالغ للمجموعة الدولية بهذا الموضوع. وأمل من السلطات اللبنانية تطبيق القوانين التي تضمن حمايتهم وسلامتهم، وعدم تسليمهم إلى سلطات بلادهم. لكنه تناول باستفاضة دعم الانتقال إلى الديموقراطية.
كان ردّ سليمان أن الديموقراطية عامل مهم ورئيسي لإجراء تداول للسلطة، وبناء علاقات أفضل بين الدول، على أن لا تستدركها الأصولية والتطرّف. ومن دون الخوض في المسألة السورية، أيّد رئيس الجمهورية حلاً عربياً لما يجري هناك، متمنياً ترجيح هذا الخيار على ما عداه من حلول أخرى.
5 ـ قال بان للرئيس اللبناني إن أحد دوافع حضوره إلى لبنان، إلى مشاركته في مؤتمر الإسكوا، الإعراب للسلطات اللبنانية عن تقديره لإدارتها الحكيمة للأوضاع الراهنة في هذا البلد. وتحدّث بإسهاب عمّا سمّاه الدور الإيجابي الذي أداه لبنان في مجلس الأمن في المرحلة الأخيرة، وأخبره بأن عدداً من الدول الأعضاء نقل إليه تقديرها لحِرَفية لبنان في أداء دوره في المقعد غير الدائم في المجلس. وذكّر سليمان بخطابه في الأمم المتحدة في نيويورك، أيلول الماضي، مستعيداً أمامه جملتين قال إنهما علقتا في ذهنه عن الاعتدال والحوار خلال محاضرته عن "الدبلوماسية الوقائية".
المصدر :
نقولا ناصيف/ الاخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة