دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
فشل أعداء النظام في سورية فشلاً بيّناً وواضحاً. الخيارات العدائية ضد هذا البلد، على كثرتها في الأشهر الطويلة الماضية، لم توصل إلى ما كان يُرتجى منها. قد يُقال إن الظروف والحسابات الخاطئة فوّتت على المخططين والمنفذين إنجاح الهجمة. وقد يقال إن صمود النظام كان مفاجئاً وغير متوقع. وأيضاً قد يقال إن السوريين أنفسهم لم يتجاوبوا كما كان يؤمل منهم. إلا أن القدر المتيقّن، حتى الآن، هو أن النظام قد صمد، وفشلت محاولات إسقاطه. القدر المتيقن هو أن الغرب، وبعض العرب، أساؤوا تقدير الواقع السوري، وكانوا غير مبصرين، أو مستخفّين بجملة من العوامل الداخلية والخارجية، التي تؤثر تأثيراً كبيراً في إفشال أو إنجاح الهجمة على النظام.
التفجيرات الأخيرة في دمشق إشارة دالة على حالة الفشل التي وصل إليها أعداء سوريا. في الوقت نفسه هي إشارة دالة على الإصرار، رغم الفشل. التفجيرات هي ارتفاع درجة في مستوى المواجهة العدائية ومنسوبها، لكنها أيضاً دليل على انسداد أفق المحاولات السابقة: المال والتسليح والحرب الإعلامية المستعرة والتدريب والمناطق الخلفية الآمنة لمجموعات التخريب، ومواصلة التحريض والدفع نحو الاحتراب الطائفي، وغيرها.
في الحالة السوريّة، النموذجية، أي حرب بين جهتين، تفرض أن يؤدي فشل إحداها، خاصة إن كانت جهة الهجوم والمبادرة إلى الاعتداء، إلى دفعها نحو تموضع جديد غير هجومي، باتجاه الانكفاء وإيجاد صيغة ما للخروج من المواجهة، مع ترتيب يُنهيها (المواجهة)، أقلّه لفترة، تكون كافية، في حال بقاء النيات العدائية، لاستعداد آخر وظروف أخرى تكون أكثر مواءمة لاستئناف الحرب، مع الأمل بتدارك مسببات الفشل واحتوائها. إلا أن الوضع، في الحالة السورية، مغاير.
المشهد السوري وتطوراته لا يكفيان لفهم ما يجري فيه، وبالتأكيد لا يكفيان لاستشراف ما سيصل إليه. الساحة السورية حلت، بطريقة أو بأخرى، مكان الساحة اللبنانية، واصطفّت إلى جانبها، وباتت محلاً لصراع المنطقة ومتلقّية لتداعياته. هي الحرب في سوريا، لكنها أيضاً حرب على سورية، كجهة أساسية في تكوين المشهد الإقليمي، قياساً بما لديها من قدرات، رغم أزمتها الحالية.
أصحاب الهجمة على هذا البلد لا يواجهون مباشرة. وقود الحرب وأدواتها، إما سورية، وإما خارجية، لا يرتبطان بأثمان حقيقية يدفعها المهاجمون. المعنى هو أن المهاجمين غير محكومين بمعادلة الثمن والنتيجة، التي تحكم أي حرب أو مواجهة يخوضها طرفان أو أكثر. يبقى الثمن ثمناً سوريّاً، كيفما اتفق، وفي مكان ما، هو مطلوب لذاته، ما يُسهّل على أعداء سوريا، أي محرّكي الصراع والعاملين على الإبقاء عليه، الانتقال من مستوى عدائي إلى آخر، ومن نوع إلى آخر، كلما انسدّت أفق المحاولات. المعنى هو أن أعداء سوريا، غير أدواتهم على الأرض، لا يدفعون ثمن فشلهم، وبالتالي لا دافع لديهم للانكفاء، بل هناك دافع للمواصلة والإصرار.
والحرب على سوريا لا تطاولها وحدها، إذ لا يصوّب أعداؤها عليها وحدها. الغاية النهائية هي إنهاء العامل والتأثير السوري في محور من شأنه أن يزداد منعة وقوة بعد دخول الوافد الجديد إليه، العراق، في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي فيه. الغاية النهائية للحرب هي المقاومة والممانعة، بإنهاء النظام في سوريا، وإلا فإضعافه عبر إشغاله باضطراباته الى الحد الذي يؤمل من خلاله أن ينهي دوره. وهو الدافع وراء الإصرار على الإضرار بسوريا، وإبقاء ساحتها مشتعلة، رغم الفشل في تحقيق المطلب الابتدائي: إسقاط النظام.
ويبدو لافتاً أن النظام في سوريا، والمحور الذي يشمله، ابتداءً من طهران وصولاً الى لبنان، مع العراق بالتأكيد، ما زال يركّز على الفعل رداً على فعل عدائي مبادر إليه ضده، ومحاولة صدّ الهجمات وحصرها واحتوائها، رغم الإصرار واستعار الحملة العدائية، ورغم التبدل والتحول المستمر، في الأطر والوسائل المفعّلة لاستهدافه، إقليمياً ودولياً.
بناءً على هذا الواقع وعلى هذه الخلفيات، وبناءً على الغايات النهائية للهجمة على سوريا، يبدو واضحاً أن الهجمة على هذا البلد ستطول، حتى لو أقدم النظام على إقرار إصلاحات، يُحكى أنها ضرورية لإنهاء الأزمة. مع ذلك، فإن القدر المتيقن هو أن إقرار إصلاحات حقيقية وتنفيذها، اللذين هما في الأساس مطلوبان لذاتيها، من شأنهما أن يربكا أعداء سوريا، ويقلّصان هامش المناورة العدائية لديهم، خاصة في مواجهة أولئك الذين لا ينطلقون في مواقفهم من اعتبارات إصلاحية، بل من صراع المحاور والتكتلات القائمة في المنطقة.
المصدر :
يحيى دبوق\ الاخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة