دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تصعيد إيراني في الخليج وإجهاض لانقلاب في العراق وتماسك في سورية، استدعت تحركاً أميركياً أوروبياً عاجلاً، جرى التعبير عنه بزيارة أحمد داوود أوغلو لطهران، حاملاً رسائل متعددة، كانت إحداها قد مُرّرت عبر المنامة. الأجوبة كانت حازمة، لعل أهمها التأكيد على ضرورة أن تبدأ القوات الأميركية خطوات عملية لمغادرة منطقة الخليج
غادر وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو طهران أمس خالي الوفاض، في أعقاب زيارة استمرت يومين، جاءت، على ما يبدو، بتكليف أميركي أوروبي بمجموعة من الرسائل نقلها الضيف التركي بكل أمانة. خمسة ملفات أساسية (النووي والخليج والعراق وسورية والتجارة) حملها صاحب نظرية «تصفير المشاكل» إلى طهران التي اشتمّت في خلال محادثات مسؤوليها معه «انتهازية واضحة». عرض «رشوة اقتصادية» أمل من خلالها أن تسهّل له مهمته، فجاءت النتائج مخيّبة للآمال. كان حريصاً في كل لقاءاته التي شملت الرئيس محمود أحمدي نجاد ونائبه محمد رضا رحيمي ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني ووزير الخارجية علي أكبر صالحي وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي على التأكيد أن تركيا ستواصل شراء النفط الإيراني، بغض النظر عن أي عقوبات يمكن أن تُفرض عليه، وأنها متمسّكة بقرارها السماح بمدّ خط الأنابيب الذي سينقل الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر أراضيها، وبأنها لن تفرض أي عقوبات على البنك المركزي الإيراني، وستواصل التعامل معه، بل هي عازمة على رفع قيمة التبادل التجاري بين البلدين إلى 15 مليار دولار هذا العام، ومصرّة على الهدف المتفق عليه برفعه إلى 30 ملياراً خلال سنوات، وذلك في مقابل مجموعة من الطلبات.
وتفيد المعلومات الواردة من طهران بأن داوود أوغلو أبلغ الإيرانيين صراحة بأن وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون والإدارة الأميركية كلّفاه رسمياً بالدعوة إلى اجتماع لمجموعة «5+1»، على أن تحتضنه إسطنبول وتنضم إليه تركيا. وتقول مصادر مطلعة على اجتماع داوود أوغلو مع سعيد جليلي إنهما ناقشا هذا الموضوع طويلاً، مشيرة إلى أن جواب المسؤول الإيراني كان «إننا نقدّر موقف تركيا ومستعدون للاجتماع في إسطنبول، لكن ليس لدينا أي مطلب من الغرب. ما عدنا بحاجة إلى تبادل اليورانيوم ولا إلى القضبان النووية، بعدما نجحنا في زيادة مستوى التخصيب وصنّعنا القضبان بأنفسنا، وأدخلناها في مفاعل أمير آباد الطبي. لذلك، فإن موافقتنا على الاجتماع تنبع من رغبتنا في تجسير الثقة مع المجتمع الدولي، ونحن مستعدون لأي حوار مع أي طرف من أجل طمأنته إلى أن برنامجنا النووي سلمي ولا غايات عسكرية له».
ولعل الملف الأكثر إلحاحاً، على ما بدا، كان طلبه من الإيرانيين التهدئة في الخليج. سمع كلاماً واضحاً من مضيفيه خلاصته «نحن طلاب التهدئة منذ البداية. لا نريد حرباً، ولا توتراً ولا إغلاقاً لمضيق هرمز». كانوا حريصين على التأكيد «أننا قادرون وحدنا على أن نضمن أمن الخليج. لكننا بلد نحترم جيراننا والدول المتشاطئة في الخليج، ورغبتنا هي في إقامة منظومة من أهل المنطقة تحفظ أمن الخليج». لكن الحرص الأكبر كان على نقل رسالة حازمة عبر داوود أوغلو «إلى مرسليه الأميركيين»، تفيد بأن «على القوات الأميركية أن تباشر بخطوات عملية للانسحاب من الخليج، على غرار ما فعلت في العراق»، مع التشديد على أنه «ممنوع منعاً باتاً أن تعود أي فرقاطة أو بارجة أو أي سفينة حربية أميركية إلى الخليج، لأن النتيجة ستكون غير سارة للأميركيين الذين سيكونون المسؤولين الوحيدين عن عملهم هذا».
هناك أيضاً الملف العراقي الذي احتل حيّزاً مهماً من المباحثات. تصرّف داوود أوغلو كأنه «يريد إنقاذ المشروع الأميركي في العراق، ومعه مملكته من السقوط». كان يحمل لواء نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك ووزير المال رافع العيساوي ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ورئيس القائمة العراقية إياد علاوي. طالب بوقف الملاحقات بحقهم وإعادتهم إلى الحكم كشركاء، وتطبيق التفاهمات التي جرى التوصل إليها عند تأليف حكومة نوري المالكي. قال «يجب احتواء الأزمة في العراق لأنها ستؤدي إلى حرب طائفية لن يستطيع أحد في المنطقة أن ينأى بنفسه عنها»، «وكأنه كان يطالب بوقف الحرب على الأميركيين»، تقول المصادر.
عندما وصل الحديث إلى الملف السوري «كان كلام داوود أوغلو سيّئاً. دعا الإيرانيين إلى تقديم نصائح للأسد بأن يسلك طريقاً غير الذي يسلكه. أن يوقف الاقتتال وسفك الدماء. لم يحمل عرضاً معيناً». في المقابل، كان الرد الإيراني بالعموم نفسه. أبلغوه أن «سياستكم حيال سوريا خاطئة جداً، وستسبّب لكم خسائر كبيرة. نحن نقف إلى جانب سوريا. صحيح أن هناك مطالب محقّة للشعب السوري، لكن موقفنا الداعم للرئيس بشار الأسد مبدئي وغير قابل للمساومة». وكرر الإيرانيون تذكيره واستغرابهم لهذه الحماسة التركية عند الحديث عن سوريا وصمتهم المطبق عمّا يجري في البحرين. لكن بدا واضحاً أن المسؤولين الإيرانيين كانوا مستائين منه لأنه خذلهم في موضوع المخطوفين الإيرانيين السبعة في سوريا، والذين تحدث عنهم كأنه ناطق باسم المعارضة السورية. قال «إن أياً من فصائل المعارضة لم يخطفهم، وهي لا تعرف أين هم ومن قام بتلك العملية».
وبدا من خلال كلام داوود أوغلو أن أنقرة بدأت تلمس المضار الاقتصادية لسياستها حيال دمشق، في ظل وجود نحو 10 آلاف شاحنة تركية متوقفة عند الحدود مع سوريا، فضلاً عن الشروط الكثيرة التي فرضتها السلطات العراقية على التجارة مع أنقرة. تحدث بلغة دبلوماسية صافية مليئة بالرغبة في تعزيز العلاقة مع إيران إلى أقصى حدودها، ممرّراً في ثناياها جملاً يُفهم منها أنه يسعى إلى تدخل إيراني لتسهيل الحركة التجارية التركية في المنطقة.
واستهجن الإيرانيون كثيراً جواب داوود أوغلو، في مؤتمره الصحافي مع وزير الخارجية علي أكبر صالحي، أن «إيران ليست منزعجة من الدرع الصاروخية» التي يعتزم الأطلسي إقامتها على الأراضي التركية. عندها بادره صالحي بالقول «عد إلى النصوص». عبارة أفهمه من خلالها أن كلامه غير صحيح، ما اضطر داوود أوغلو إلى الانتقال بالحديث من اللغة التركية إلى الإنكليزية قائلاً «إننا قدّمنا ضمانات للإيرانيين بأن تركيا لن تكون في أي حال من الأحوال منطلقاً لهجمات ضد أيّ من الجيران، وخاصة إيران».
وكان لافتاً إعلان داوود أوغلو، في نهاية المؤتمر الصحافي، أنه «سينقل خلاصة محادثاته في إيران إلى آشتون والإدارة الأميركية». وقال إنه وجد لدى المسؤولين الإيرانيين «رؤية إيجابية» تجاه المفاوضات مع الدول الست، مشيراً إلى أن «استئناف المفاوضات (في إسطنبول) یعتبر من منظار تركیا خطوة إیجابیة ینبغي أن تتحقق على وجه السرعة».
وبشأن التطورات في المنطقة، لفت داوود أوغلو إلى أن هذه التطورات تجري بسرعة، و«نحن نعتبرها صحوة إقليمية. ففي تونس اعتُمد مسار سلمي، وتولّت حكومة شعبية السلطة، وهكذا في مصر حدث أمر مشابه، وأجريت الانتخابات، وفي ليبيا خفّت حدة الخلافات والاشتباكات الداخلية ويمضي البلد في مسيرة إيجابية. وباسم تركيا نعلن دعمنا للصحوات الشعبية في المنطقة». وقال «بشأن القضية السورية كانت لدينا مخاوف، وللأسف ازدادت. كنا نرغب في أن تكون الانتقادات الشعبية للحكومة والنظام السوري من دون إراقة للدماء وبعيداً عن الاشتباكات الداخلية، وأن تحصل تغييرات بدعم شعبي». وأضاف «نحن نعتقد أن بإمكان إيران تقديم نصائح جيدة للنظام السوري وأن تنوّه بمسؤولياته».
وفي الشأن العراقي، قال الوزير التركي «علينا أن نشبك أيدينا من أجل بناء مستقبل العراق، وأن نسعى من خلال إقرار العلاقات السياسية الى إرساء السلام والأمن والاستقرار في هذا البلد، ولذلك فإن تركيا لن تمتنع عن أي خطوة بنّاءة في هذا المجال».
وشدد داوود أوغلو على أن «علينا جميعاً أن نبذل جهودنا من أجل تهدئة الضغط العالي الموجود في المنطقة».
أما صالحي فرأى أن «التعاون والتضامن بين طهران وأنقرة ضمانة وعامل مهم لإرساء السلام والاستقرار في المنطقة»، واصفاً إيران وتركيا بأنهما بلدان مهمان ومؤثران في المنطقة.
المصدر :
الاخبار /إيلي شلهوب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة