حملت المناورات الإيرانية المتواصلة في منطقة الخليج ، وما أحاط بها من تفاعلات على جبهة السجال بين طهران و واشنطن مجموعة من الدلالات الهامة التي تشير إلى طبيعة التغييرات الحاصلة في توازن القوى العالمي ، وإلى المعادلات المتحولة على مساحة الشرق العربي الإسلامي ، خصوصا بعد الهزائم التي منيت بها المغامرة الإمبراطورية الأميركية خلال السنوات العشر الماضية وبالذات بعد الهروب الأميركي من العراق.

أولا: أظهرت إيران قدراتها العسكرية المتقدمة خلال المناورات وهي تؤكد متانة تكوين القوى العسكرية الإيرانية الإستراتيجية وتفوقها في أسلحة البر والبحر والجو وخصوصا في مجال السلاح الصاروخي الحديث ويعتبر ما قدمه الإيرانيون في ميادين التحرك العسكري وأنماط التكتيكات والقدرات القتالية، نموذجا لعمل قوة عسكرية عظمى على الصعيد العالمي وفق ما استنتجه الخبراء العسكريون في الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل.

تحت غلاف البروباغندا التي قللت من قيمة العتاد العسكري الإيراني الذي ظهر في المناورات أبدت الدوائر الغربية والإسرائيلية مخاوف جدية من طبيعة الرسالة الإستراتيجية النوعية التي حملتها المناورات بكل تفاصيلها على صعيد الصواريخ البعيدة المدى ونوعية القطع الحربية البحرية وكفاءة سلاح الجو الإيراني التي ظهرت في المناورات وهذا ما أقر به العديد من المحللين الغربيين.

ثانيا: ان النجاح الأبرز والأهم الذي سجلته المناورات والذي يكرس إيران كقوة عظمى في العالم وفي المنطقة يتمثل في الكفاءة التقنية العالية لمنظومة القيادة والسيطرة الإيرانية على الرغم من القدرات المتقدمة والمتفوقة التي يملكها البنتاغون والناتو في العمل على جبهة الحرب الالكترونية ، فلم يتمكن الغرب على الرغم من وجود الأسطول الخامس الأميركي وحشد أقمار التجسس في فضاء الخليج ، أن يعيق إطلاق صاروخ واحد من الصواريخ الإيرانية التي تقرر إشراكها في المناورات ولم يتمكن أي كان من تعطيل خطوة واحدة في المناورات التي يعتبر نجاحها بمعدل مئة بالمئة استكمالا للنصر الإيراني التكنولوجي الذي مثلته السيطرة على طائرة التجسس الأميركية المتقدمة ، بينما لم يستطع الأميركيون وحلفاؤهم أن يأسروا أو يعطلوا أي صاروخ أو طائرة أو زورق ، من العتاد الإيراني الذي حشد للمناورات وبالتالي يعني ذلك تثبيت انقلاب الميزان في مجال الحرب الالكترونية حيث أبرز خطف الطائرة قدرة الإيرانيين على اختراق البنتاغون وتعطيل شيفراته بينما بدا العجز الأميركي خلال المناورات عن اختراق الشيفرات الإيرانية وأنظمة الاتصالات التي تستخدمها إيران بجميع قواها وأسلحتها.

ثالثا: النتائج السياسية التي يحملها عرض القوة الإيرانية في المنطقة بدأت بالظهور والتبلور وسوف تتلاحق فصولها تباعا ، فقد كلف الأميركيون رجلهم في تركيا داوود أوغلو بالتوسط لدى الجمهورية الإسلامية في إيران لاستئناف المفاوضات وما لم يعلن هو الكثير عن مضمون مباحثات أوغلو التي قال خلالها الإيرانيون كلاما حازما يعكس التوازنات الجديدة سواء في ردهم على طلب التفاوض وشروطه التي كانوا قد أبلغوها في آخر جولة جرت في اسطنبول والمتمثلة بمبدأ حسم الملف النووي نهائيا ورفض المناقشة بشأنه ، وبوضع جدول للتفاوض الأميركي الإيراني حول جميع قضايا الوضع الدولي والإقليمي.

ومن أجواء المباحثات أيضا ما تسرب بشأن الموقف الإيراني الحازم من التورط التركي في المؤامرة على سورية وما تردد في هذا المجال عن وعد تركي بمراجعة الحسابات وهي مراجعة ستفرضها التطورات القادمة بأي حال بفعل الفشل المتلاحق لفصول المؤامرة .

على الرغم من قرع الطبول المؤذنة بحرب شاملة في المنطقة ومن القرار الأميركي بإجراء مناورات مشتركة مع إسرائيل ردا على المناورات الإيرانية لكن الحقيقة التي تفرض نفسها باعتراف المحللين والخبراء هي أن انبثاق القوة الإيرانية العظمى صار حقيقة حاكمة للسياسات الأميركية العليا وخصوصا في الشرق الأوسط ، وحيث تبدو قوة الردع التي تملكها إيران ومنظومة قوى المقاومة التي تضم سورية ولبنان وقطاع غزة ، عصية أكثر من أي وقت مضى على أي مغامرة حتى في حدود الحرب على غزة التي ورد الحديث عن الإعداد لها في أكثر من تقرير للصحف الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، ولعل من العبر المهمة للتوازنات الجديدة في المنطقة أن يقول قادة الجيش الإسرائيلي وفقا لما نقلت عنهم وسائل تلك الصحف مؤخرا إن الإعداد للحرب على غزة يقتضي ثلاث سنوات قادمة ليكون السؤال البديهي كم سيستغرق الإعداد لحرب على لبنان أو على سورية أو على إيران في حساب المعادلات المتحركة، و من التفاعلات الظاهرة أن ثبات الصعود النوعي لقدرات إيران التقنية والصناعية والإستراتيجية سيؤسس لوضع جديد في الخليج وسيحكم معادلات الحرب الباردة العالمية المستجدة بعد انهزام خطة الهيمنة الأحادية الأميركية.

  • فريق ماسة
  • 2012-01-08
  • 8134
  • من الأرشيف

صعود القوة الإيرانية والتوازنات الجديدة

حملت المناورات الإيرانية المتواصلة في منطقة الخليج ، وما أحاط بها من تفاعلات على جبهة السجال بين طهران و واشنطن مجموعة من الدلالات الهامة التي تشير إلى طبيعة التغييرات الحاصلة في توازن القوى العالمي ، وإلى المعادلات المتحولة على مساحة الشرق العربي الإسلامي ، خصوصا بعد الهزائم التي منيت بها المغامرة الإمبراطورية الأميركية خلال السنوات العشر الماضية وبالذات بعد الهروب الأميركي من العراق. أولا: أظهرت إيران قدراتها العسكرية المتقدمة خلال المناورات وهي تؤكد متانة تكوين القوى العسكرية الإيرانية الإستراتيجية وتفوقها في أسلحة البر والبحر والجو وخصوصا في مجال السلاح الصاروخي الحديث ويعتبر ما قدمه الإيرانيون في ميادين التحرك العسكري وأنماط التكتيكات والقدرات القتالية، نموذجا لعمل قوة عسكرية عظمى على الصعيد العالمي وفق ما استنتجه الخبراء العسكريون في الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل. تحت غلاف البروباغندا التي قللت من قيمة العتاد العسكري الإيراني الذي ظهر في المناورات أبدت الدوائر الغربية والإسرائيلية مخاوف جدية من طبيعة الرسالة الإستراتيجية النوعية التي حملتها المناورات بكل تفاصيلها على صعيد الصواريخ البعيدة المدى ونوعية القطع الحربية البحرية وكفاءة سلاح الجو الإيراني التي ظهرت في المناورات وهذا ما أقر به العديد من المحللين الغربيين. ثانيا: ان النجاح الأبرز والأهم الذي سجلته المناورات والذي يكرس إيران كقوة عظمى في العالم وفي المنطقة يتمثل في الكفاءة التقنية العالية لمنظومة القيادة والسيطرة الإيرانية على الرغم من القدرات المتقدمة والمتفوقة التي يملكها البنتاغون والناتو في العمل على جبهة الحرب الالكترونية ، فلم يتمكن الغرب على الرغم من وجود الأسطول الخامس الأميركي وحشد أقمار التجسس في فضاء الخليج ، أن يعيق إطلاق صاروخ واحد من الصواريخ الإيرانية التي تقرر إشراكها في المناورات ولم يتمكن أي كان من تعطيل خطوة واحدة في المناورات التي يعتبر نجاحها بمعدل مئة بالمئة استكمالا للنصر الإيراني التكنولوجي الذي مثلته السيطرة على طائرة التجسس الأميركية المتقدمة ، بينما لم يستطع الأميركيون وحلفاؤهم أن يأسروا أو يعطلوا أي صاروخ أو طائرة أو زورق ، من العتاد الإيراني الذي حشد للمناورات وبالتالي يعني ذلك تثبيت انقلاب الميزان في مجال الحرب الالكترونية حيث أبرز خطف الطائرة قدرة الإيرانيين على اختراق البنتاغون وتعطيل شيفراته بينما بدا العجز الأميركي خلال المناورات عن اختراق الشيفرات الإيرانية وأنظمة الاتصالات التي تستخدمها إيران بجميع قواها وأسلحتها. ثالثا: النتائج السياسية التي يحملها عرض القوة الإيرانية في المنطقة بدأت بالظهور والتبلور وسوف تتلاحق فصولها تباعا ، فقد كلف الأميركيون رجلهم في تركيا داوود أوغلو بالتوسط لدى الجمهورية الإسلامية في إيران لاستئناف المفاوضات وما لم يعلن هو الكثير عن مضمون مباحثات أوغلو التي قال خلالها الإيرانيون كلاما حازما يعكس التوازنات الجديدة سواء في ردهم على طلب التفاوض وشروطه التي كانوا قد أبلغوها في آخر جولة جرت في اسطنبول والمتمثلة بمبدأ حسم الملف النووي نهائيا ورفض المناقشة بشأنه ، وبوضع جدول للتفاوض الأميركي الإيراني حول جميع قضايا الوضع الدولي والإقليمي. ومن أجواء المباحثات أيضا ما تسرب بشأن الموقف الإيراني الحازم من التورط التركي في المؤامرة على سورية وما تردد في هذا المجال عن وعد تركي بمراجعة الحسابات وهي مراجعة ستفرضها التطورات القادمة بأي حال بفعل الفشل المتلاحق لفصول المؤامرة . على الرغم من قرع الطبول المؤذنة بحرب شاملة في المنطقة ومن القرار الأميركي بإجراء مناورات مشتركة مع إسرائيل ردا على المناورات الإيرانية لكن الحقيقة التي تفرض نفسها باعتراف المحللين والخبراء هي أن انبثاق القوة الإيرانية العظمى صار حقيقة حاكمة للسياسات الأميركية العليا وخصوصا في الشرق الأوسط ، وحيث تبدو قوة الردع التي تملكها إيران ومنظومة قوى المقاومة التي تضم سورية ولبنان وقطاع غزة ، عصية أكثر من أي وقت مضى على أي مغامرة حتى في حدود الحرب على غزة التي ورد الحديث عن الإعداد لها في أكثر من تقرير للصحف الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، ولعل من العبر المهمة للتوازنات الجديدة في المنطقة أن يقول قادة الجيش الإسرائيلي وفقا لما نقلت عنهم وسائل تلك الصحف مؤخرا إن الإعداد للحرب على غزة يقتضي ثلاث سنوات قادمة ليكون السؤال البديهي كم سيستغرق الإعداد لحرب على لبنان أو على سورية أو على إيران في حساب المعادلات المتحركة، و من التفاعلات الظاهرة أن ثبات الصعود النوعي لقدرات إيران التقنية والصناعية والإستراتيجية سيؤسس لوضع جديد في الخليج وسيحكم معادلات الحرب الباردة العالمية المستجدة بعد انهزام خطة الهيمنة الأحادية الأميركية.

المصدر : غالب قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة