طرح «مجلس العلاقات الخارجية» الاميركي على موقعه الالكتروني، ملفاً خاصاً أول من أمس، موضوعه الاساسي: «المملكة العربية السعودية وتحديات الشرق الاوسط الجديد». العالم العربي يتغيّر ولا أحد محصّناً تجاه ذلك

 

انطلاقاً من أن الولايات المتحدة «بدأت إعادة تقييم التزاماتها بـ«الشرق الاوسط الكبير»»، خصص غريغوري غوز، بروفيسور العلوم السياسية في جامعة فرمونت والمحرر الاستشاري في «مجلس العلاقات الخارجية» الاميركي، تقريراً كاملاً عن وضع المملكة العربية السعودية الحالي والمستقبلي. مستقبل مضطرب في المملكة، وفشل إقليمي، وتحدّيات كثيرة يرسمها التقرير، داعياً الى تغيير نمط العلاقات الاميركية ـ السعودية وتحديد أولويات المصالح فيها.

 

غوز يركز في تقريره المفصّل بعنوان «السعودية في الشرق الاوسط الجديد» على استقرار المملكة لكونه «أساس سوء الفهم وعدم الثقة اللذين يشوبان العلاقات السعودية ـ الأميركية منذ فترة». ويشرح المتخصص في الشؤون السعودية، أن هناك عوامل كثيرة تشير الى مستقبل «مضطرب وغير مستقر» في المملكة، ومن أبرزها: دخول جيل جديد من الحكام الى العرش السعودي بما أن كل الورثة الحاليين متقدمون جداً في السنّ. ثانياً، يشير غوز الى نموّ المجتمع السعودي بشكل كبير وسريع ويقول إن «النفط لا يستطيع شراء هدوء المجتمع وراحة البال الى الأبد». أما «العامل الأهمّ»، حسب الباحث، فهو ردّ الفعل السعودي تجاه التحركات العربية الاخيرة، والتي تظهر أن «المملكة فعلت القليل لتجنب أزمات جديدة مستقبلية، إذ إنها أضاعت فرصة القيام بإصلاح سياسي طيّع».

لكن غوز يطمئن الى بعض جوانب التفاهم والتعاون التي لا تزال قائمة بين الادارة الاميركية والمملكة، ويقول إن «تفاهماً ما حلّ بين السعودية والادارة الاميركية خصوصاً حول نقاط خلافية مثل مصر والبحرين لكن أيضاً حول اليمن وسوريا». رغم ذلك، صنّفت السعودية على خريطة «الأولويات الوقائية للعام ٢٠١٢» التي نشرها «المجلس»، في المجموعة «الخطيرة» مع إيران وباكستان والصين وكوريا الشمالية وغيرها من «البلدان التي تشكل تهديداً مباشراً على أمن الولايات المتحدة»، وذلك «بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي سيؤثر على إمدادات النفط العالمية».

وفي الشق الاقليمي، يشرح تقرير غوز أن للمملكة سجلّاً «مليئاً بالاخفاقات» على صعيد المنطقة: فهي، حسب الكاتب، لم تنجح بمنع سيطرة إيران على عراق ما بعد صدّام، وأخفقت في الحؤول دون وصول حزب الله الى السلطة في لبنان، كما أنها لم تستطع تحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين. غوز يستنتج أنه «في أغلب الأماكن التي تنازعت عليها السعودية مع إيران بغية السيطرة، طوال الخمس أو الست سنوات الماضية، خرجت السعودية خاسرة». لذا، يردف الكاتب، فإن «إسقاط النظام الحالي في سوريا، بالنسبة إلى السعوديين، سيكون ضربة لتلك السيطرة الايرانية على العالم العربي».

أما عن إعلان السعوديين أنهم سيسعون لامتلاك السلاح النووي في مواجهة إيران، فيشير المحلل إلى أنه «فعلياً، لا يملك السعوديون أي صناعة نووية أو امكانات تخولهم ذلك. لكن الانظار تتجه الى باكستان التي قد تساعد المملكة في المشروع النووي». وهنا، يقول غوز، «عندها يجب على الولايات المتحدة أن تسعى جاهدة إلى وقف ذلك».

ماذا عن مصر؟ يوضح الكاتب أن الأوضاع في مصر لن تكون مريحة للسعودية أيضاً. إذ يذكّر بعدائية المملكة المستمرة تجاه «الاخوان المسلمين». لكن السلفيين هم نقطة اهتمام السعودية في مصر. يشير غوز إلى أن المملكة أغدقت الكثير من الاموال على الحركة السلفية في مصر خلال السنوات الماضية، وهي «مسرورة بالنتائج التي يحققها الجناح الاسلامي الذي تدعمه». لكن الكاتب يحذّر من أن موافقة السلفيين على أحد مبادئ الديموقراطية ومشاركتهم في الانتخابات، «قد يشكل خطراً على السعودية في المستقبل». إذ إن السلفيين قبلوا بما كانوا يرفضونه بالمطلق في السابق، أي الانتخابات، بما أن مصدر التشريع هو الله حسب معتقداتهم يذكر الكاتب. ويلفت الى ما قد يفهم «كإشارة من السلفيين السعوديين، الذين وقعوا هذا العام على عريضة تطالب بإجراء انتخابات للمجالس التشريعية في المملكة».

أما في الشأن الداخلي السعودي، فيقول غوز إن قضية الاحتجاجات التي قادتها أقلية شيعية في المنطقة الشرقية يجب أن تفصل عن الاستياء العام لدى السعوديين الناتج من يعض المشاكل الاقتصادية كالسكن والبطالة. وعن تلك المشاكل يتحدث الكاتب روبرت دانين في مقال منفصل، ويلفت الى نسبة قد تفوق الـ٢٥٪ من العاطلين من العمل في المجتمع السعودي. لكن دانين يقول إن السعودية لعبت «بالجزرة والعصا» مع مجتمعها خلال الحراك العربي، وأغدقت عليهم الاموال كما نشرت قواتها المسلحة لقمع أي احتجاجات قد تنشأ خصوصاً في المنطقة الشرقية.

لكن ماذا عن الادارة الاميركية؟ يوجه غوز لإدارة بلاده مجموعة من المطالب، وبينها أن تعيد الولايات المتحدة تصوّرها للعلاقة مع المملكة السعودية، «فتتعاون معها عندما تفرض المصالح ذلك وليس العادة». مطلب آخر من الكاتب، هو تحديد أولويات المصالح الاميركية في هذه العلاقة، إذ «بدل صرف الاموال السياسية على تثبيت سعر برميل النفط، من الاجدى التركيز على أمن المنطقة ومكافحة الشبكات الارهابية، والحدّ من انتشار النووي».

«للولايات المتحدة علاقات أهمّ مع بعض الدول غير المملكة السعودية. لذا فقد أصبح من الضروري، في هذه المرحلة الانتقالية أن تحدد كل من الدولتين أولوياتهما وتوقعاتهما بوضوح»، يقول غوز ويوصي واشنطن «بإقامة علاقة بسيطة ومعتدلة مع الرياض يحكمها البزنس وتشبه أي علاقة طبيعية في واقعنا الحديث».

 

 

  • فريق ماسة
  • 2011-12-13
  • 9965
  • من الأرشيف

تغيّرات الشرق الأوسط: هل تكون السعودية التالية؟

طرح «مجلس العلاقات الخارجية» الاميركي على موقعه الالكتروني، ملفاً خاصاً أول من أمس، موضوعه الاساسي: «المملكة العربية السعودية وتحديات الشرق الاوسط الجديد». العالم العربي يتغيّر ولا أحد محصّناً تجاه ذلك   انطلاقاً من أن الولايات المتحدة «بدأت إعادة تقييم التزاماتها بـ«الشرق الاوسط الكبير»»، خصص غريغوري غوز، بروفيسور العلوم السياسية في جامعة فرمونت والمحرر الاستشاري في «مجلس العلاقات الخارجية» الاميركي، تقريراً كاملاً عن وضع المملكة العربية السعودية الحالي والمستقبلي. مستقبل مضطرب في المملكة، وفشل إقليمي، وتحدّيات كثيرة يرسمها التقرير، داعياً الى تغيير نمط العلاقات الاميركية ـ السعودية وتحديد أولويات المصالح فيها.   غوز يركز في تقريره المفصّل بعنوان «السعودية في الشرق الاوسط الجديد» على استقرار المملكة لكونه «أساس سوء الفهم وعدم الثقة اللذين يشوبان العلاقات السعودية ـ الأميركية منذ فترة». ويشرح المتخصص في الشؤون السعودية، أن هناك عوامل كثيرة تشير الى مستقبل «مضطرب وغير مستقر» في المملكة، ومن أبرزها: دخول جيل جديد من الحكام الى العرش السعودي بما أن كل الورثة الحاليين متقدمون جداً في السنّ. ثانياً، يشير غوز الى نموّ المجتمع السعودي بشكل كبير وسريع ويقول إن «النفط لا يستطيع شراء هدوء المجتمع وراحة البال الى الأبد». أما «العامل الأهمّ»، حسب الباحث، فهو ردّ الفعل السعودي تجاه التحركات العربية الاخيرة، والتي تظهر أن «المملكة فعلت القليل لتجنب أزمات جديدة مستقبلية، إذ إنها أضاعت فرصة القيام بإصلاح سياسي طيّع». لكن غوز يطمئن الى بعض جوانب التفاهم والتعاون التي لا تزال قائمة بين الادارة الاميركية والمملكة، ويقول إن «تفاهماً ما حلّ بين السعودية والادارة الاميركية خصوصاً حول نقاط خلافية مثل مصر والبحرين لكن أيضاً حول اليمن وسوريا». رغم ذلك، صنّفت السعودية على خريطة «الأولويات الوقائية للعام ٢٠١٢» التي نشرها «المجلس»، في المجموعة «الخطيرة» مع إيران وباكستان والصين وكوريا الشمالية وغيرها من «البلدان التي تشكل تهديداً مباشراً على أمن الولايات المتحدة»، وذلك «بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي سيؤثر على إمدادات النفط العالمية». وفي الشق الاقليمي، يشرح تقرير غوز أن للمملكة سجلّاً «مليئاً بالاخفاقات» على صعيد المنطقة: فهي، حسب الكاتب، لم تنجح بمنع سيطرة إيران على عراق ما بعد صدّام، وأخفقت في الحؤول دون وصول حزب الله الى السلطة في لبنان، كما أنها لم تستطع تحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين. غوز يستنتج أنه «في أغلب الأماكن التي تنازعت عليها السعودية مع إيران بغية السيطرة، طوال الخمس أو الست سنوات الماضية، خرجت السعودية خاسرة». لذا، يردف الكاتب، فإن «إسقاط النظام الحالي في سوريا، بالنسبة إلى السعوديين، سيكون ضربة لتلك السيطرة الايرانية على العالم العربي». أما عن إعلان السعوديين أنهم سيسعون لامتلاك السلاح النووي في مواجهة إيران، فيشير المحلل إلى أنه «فعلياً، لا يملك السعوديون أي صناعة نووية أو امكانات تخولهم ذلك. لكن الانظار تتجه الى باكستان التي قد تساعد المملكة في المشروع النووي». وهنا، يقول غوز، «عندها يجب على الولايات المتحدة أن تسعى جاهدة إلى وقف ذلك». ماذا عن مصر؟ يوضح الكاتب أن الأوضاع في مصر لن تكون مريحة للسعودية أيضاً. إذ يذكّر بعدائية المملكة المستمرة تجاه «الاخوان المسلمين». لكن السلفيين هم نقطة اهتمام السعودية في مصر. يشير غوز إلى أن المملكة أغدقت الكثير من الاموال على الحركة السلفية في مصر خلال السنوات الماضية، وهي «مسرورة بالنتائج التي يحققها الجناح الاسلامي الذي تدعمه». لكن الكاتب يحذّر من أن موافقة السلفيين على أحد مبادئ الديموقراطية ومشاركتهم في الانتخابات، «قد يشكل خطراً على السعودية في المستقبل». إذ إن السلفيين قبلوا بما كانوا يرفضونه بالمطلق في السابق، أي الانتخابات، بما أن مصدر التشريع هو الله حسب معتقداتهم يذكر الكاتب. ويلفت الى ما قد يفهم «كإشارة من السلفيين السعوديين، الذين وقعوا هذا العام على عريضة تطالب بإجراء انتخابات للمجالس التشريعية في المملكة». أما في الشأن الداخلي السعودي، فيقول غوز إن قضية الاحتجاجات التي قادتها أقلية شيعية في المنطقة الشرقية يجب أن تفصل عن الاستياء العام لدى السعوديين الناتج من يعض المشاكل الاقتصادية كالسكن والبطالة. وعن تلك المشاكل يتحدث الكاتب روبرت دانين في مقال منفصل، ويلفت الى نسبة قد تفوق الـ٢٥٪ من العاطلين من العمل في المجتمع السعودي. لكن دانين يقول إن السعودية لعبت «بالجزرة والعصا» مع مجتمعها خلال الحراك العربي، وأغدقت عليهم الاموال كما نشرت قواتها المسلحة لقمع أي احتجاجات قد تنشأ خصوصاً في المنطقة الشرقية. لكن ماذا عن الادارة الاميركية؟ يوجه غوز لإدارة بلاده مجموعة من المطالب، وبينها أن تعيد الولايات المتحدة تصوّرها للعلاقة مع المملكة السعودية، «فتتعاون معها عندما تفرض المصالح ذلك وليس العادة». مطلب آخر من الكاتب، هو تحديد أولويات المصالح الاميركية في هذه العلاقة، إذ «بدل صرف الاموال السياسية على تثبيت سعر برميل النفط، من الاجدى التركيز على أمن المنطقة ومكافحة الشبكات الارهابية، والحدّ من انتشار النووي». «للولايات المتحدة علاقات أهمّ مع بعض الدول غير المملكة السعودية. لذا فقد أصبح من الضروري، في هذه المرحلة الانتقالية أن تحدد كل من الدولتين أولوياتهما وتوقعاتهما بوضوح»، يقول غوز ويوصي واشنطن «بإقامة علاقة بسيطة ومعتدلة مع الرياض يحكمها البزنس وتشبه أي علاقة طبيعية في واقعنا الحديث».    

المصدر : الاخبار/صباح أيوب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة