قد تكون قاعدة «عين الأسد» العراقية الجوية المجاورة للحدود السورية من أشهر القواعد التي اكتسبت شهرتها من اسمها أولاً، ومن علاقة قوات الاحتلال الأميركي بها ثانياً، ومن قيمتها الاستراتيجية ثالثاً. القاعدة عادت إلى السيادة العراقية، وهنا بعض فصول شهرتها

 

أخيراً، انسحب آخر ضابط وجندي في قوات الاحتلال من قاعدة «عين الأسد» أو «قاعدة البكر» كما كانت تُسمى في عهد الرئيس الراحل صدّام حسين تيمُّناً باسم قريبه الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر. و«عين الأسد» قاعدة جويّة عملاقة غربي الأنبار، تمتد على مساحة 30 كيلومتراً مربعاً، وتضمّ مدرجات إقلاع وهبوط ذات مواصفات عالمية لجميع أنواع الطائرات المدنية والعسكرية. كما أنها مزوّدة بمجموعة من الرادارات المتقدمة لمراقبة أجواء العراق بحسب ضابط عراقي رفيع المستوى. أما المعدات الأخرى فقد نُقِلَ بعضها إلى الكويت، والبعضُ الآخر كالمدرعات والدبابات عُرض في سوق للمزاد نُظِّم على عجل في مطار بغداد. مصادر متخصصة بالشأن العسكري، رجّحت ألا تكون أسعار هذه الرادارات مختلفة في ارتفاعها عن تلك التي بيعت بخمسة أضعاف سعرها الأصلي في «سوق مزاد المطار»، وفق ما ذكرت صحيفة يومية بغدادية قبل أيام. قاعدة «عين الأسد» سُلِّمت للحكومة العراقية من قبل قيادة قوات الاحتلال الأميركية يوم الأربعاء 7 كانون الأول الجاري، وسط مراسم خاصة حضرها ممثل عن رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي وعدد من جنرالات الجيشين. إنها القاعدة الرقم 501 التي جرى الانسحاب منها وبقيت أربع بأيدي المحتلين، وجرى تسليم اثنتين منها لاحقاً. وهذا العدد الهائل من القواعد العسكرية للمحتلين، الذي لا مثيل له في كل تجارب الاحتلال، يعطي، وفق بعض المحللين، صورة عما كان عليه مشروع احتلال العراق «المتفائل» في بداياته، حتى بدا كأنه ضَمٌّ وإلحاقٌ بالقوة العسكرية للعراق بالولايات المتحدة، وصورة أخرى عما آل إليه هذا المشروع اليوم، حيث تريد إدارة الرئيس باراك أوباما الانتهاء بأسرع ما يكون من الإمساك بالجمرة العراقية والخروج بماء الوجه، فلا قواعد عسكرية معلنة طالبت بها، ولا معاهدات هيمنة علنية، بل اكتفت بقواعد سرية هنا وهناك، وسفارة عملاقة هي الأكبر في العالم وتعادل مدينة كاملة على حد وصف مسؤول عراقي رفيع المستوى لها، واتفاقية لم يعلن منها سوى الديباجة العامة والاسم، هي «اتفاقية الإطار الاستراتيجي».

انسحب آخر جندي من قاعدة «عين الأسد»، ولم تخبرنا وسائل الإعلام التي تابعت الحدث من الداخل بما فعله المحتلّون قبل رحيلهم؛ هل أحرقوا ودمّروا الكثير من المعدّات مثلما فعلوا في قواعد أخرى في محافظة ديالى مثلاً؟

العميد أحمد المهدي، الذي شارك في احتفال التسليم، قال إن «القاعدة جاهزة لاستقبال الطائرات بمختلف أنواعها وإن راداراتها تدار بأيدٍ عراقية»، لكنّ مراقبين أعربوا عن عدم تفاؤلهم بقدوم طائرات كبيرة إلى هذه القاعدة شبه الصحراوية، والتي يبدو أن إمكانية استغلالها بشكل ما، تبقى قائمة من طرف الأميركيّين أنفسهم لضمان سيطرتهم على دول الجوار العراقي، وربما للتجسُّس على سوريا أيضاً. هذا ما يمكن استنتاجه من تصريح قائد العمليات في الأنبار، الفريق الركن عبد العزيز محمد العبيدي الذي قال إنّ «القوة الجوية العراقية تسلّمت الموقع وستنشر طائراتها هناك دعماً لخطط السيطرة على شريط حدودي يمتد مئات الكيلومترات». وأضاف العبيدي معلومة مهمة تقلِّل من شأن وقيمة الوجود الأميركي في القاعدة وعموم المنطقة حين أشار إلى أنه «لم يكن للأميركيين دور فاعل في مكافحة الإرهاب والجريمة السياسية في المحافظة منذ منتصف عام 2008 واقتصر دور القاعدة على تقديم الإسناد» للعراقيين. ورأى محلّلون في هذه المعلومة دلالة مهمة تفيد بأنّ الوجود العسكري الأميركي لم يعد احتلالاً مباشراً وفعالاً منذ ثلاث سنوات على الأقل، بل كان وجودَ ابتزازٍ وتسليط ضغوطٍ على الحكم العراقي. من جانب آخر، وطوال سنوات وجود المحتلين فيها، حصلت قاعدة «عين الأسد»، وباعتراف ضباط الاحتلال أنفسهم، على حصة الأسد من الصواريخ وكل أنواع المقذوفات التي أطلقتها فصائل المقاومة العراقية، حتى إنّ ضابطاً أميركياً كبيراً شبّهها بـ«مانعة الصواعق التي تجذب شحنات الصواعق إليها». وكما هي الحال في أماكن أخرى، ظلت خسائر المحتلين مجهولة، غير أن وجود مستشفى ضخم ومتخصص في جميع أنواع الجراحات داخل القاعدة ينبئ عن أن تلك الخسائر لم تكن طفيفة البتة.

لم تنتهِ قصة «عين الأسد» تماماً، فثمة ما هو طريف وغني بالدلالات يتعلق بها، إذ إن هذه القاعدة العسكرية الجوية شبه الصحراوية تحوّلت إلى عاصمة فعلية للولايات المتحدة لعدة ساعات. فبعد ظهيرة يوم الاثنين في الثالث من أيلول 2007، حطّت طائرة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في القاعدة، برفقة وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس ووزير دفاعه روبرت غيتس، في زيارة سرية لم يعلن عنها. وفور نزوله من الطائرة، واستقباله من قِبَل قيادة قواته، عقد الرئيس مجلساً حربياً لمناقشة الوضع القتالي في العراق ومحافظة الأنبار خصوصاً. وقد التقى بوش بعد اجتماعه بالرؤساء في الحكم المحلي، بالشيخ عبد الستار أبو ريشة شيخ عشائر الدليم وقائد القوات العسكرية العشائرية التي كانت تقاتل ضد «القاعدة» الذي اغتاله في ما بعد بتفجير انتحاري. وقد حظي بوش باستقبال ملكي من قِبَل أبو ريشة الذي أمر بأن يُنحر للضيف خمسون خروفاً، لكن الشيخ أبو ريشة، كما روى بعض من حضر الوليمة الرئاسية، لم يُكْرِم الرئيس بوش بإهدائه ساعته مثلما يقتضي العرف العراقي السائد، رغم أن الرئيس الأميركي امتدحها مداعباً.

وقبل الوليمة، كان بوش قد استدعى الرؤساء العراقيين الثلاثة: جلال الطالباني ونائبه طارق الهاشمي ورئيس الوزراء نوري المالكي إلى القاعدة، فأُحْضِروا على الفور بطائرة أميركية خاصة وعلى نحو سرّي، وعقد معهم سلسلة اجتماعات. لم يَبِتْ الرئيس الأميركي ليلته في «عين الأسد» وانتهت زيارته بعد ساعات، وسافر منها متوجهاً مباشرة إلى أوستراليا، من دون المرور بالعاصمة العراقيّة بغداد.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2011-12-12
  • 10463
  • من الأرشيف

أشباح جورج بوش تختفي من «عين الأسد»

  قد تكون قاعدة «عين الأسد» العراقية الجوية المجاورة للحدود السورية من أشهر القواعد التي اكتسبت شهرتها من اسمها أولاً، ومن علاقة قوات الاحتلال الأميركي بها ثانياً، ومن قيمتها الاستراتيجية ثالثاً. القاعدة عادت إلى السيادة العراقية، وهنا بعض فصول شهرتها   أخيراً، انسحب آخر ضابط وجندي في قوات الاحتلال من قاعدة «عين الأسد» أو «قاعدة البكر» كما كانت تُسمى في عهد الرئيس الراحل صدّام حسين تيمُّناً باسم قريبه الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر. و«عين الأسد» قاعدة جويّة عملاقة غربي الأنبار، تمتد على مساحة 30 كيلومتراً مربعاً، وتضمّ مدرجات إقلاع وهبوط ذات مواصفات عالمية لجميع أنواع الطائرات المدنية والعسكرية. كما أنها مزوّدة بمجموعة من الرادارات المتقدمة لمراقبة أجواء العراق بحسب ضابط عراقي رفيع المستوى. أما المعدات الأخرى فقد نُقِلَ بعضها إلى الكويت، والبعضُ الآخر كالمدرعات والدبابات عُرض في سوق للمزاد نُظِّم على عجل في مطار بغداد. مصادر متخصصة بالشأن العسكري، رجّحت ألا تكون أسعار هذه الرادارات مختلفة في ارتفاعها عن تلك التي بيعت بخمسة أضعاف سعرها الأصلي في «سوق مزاد المطار»، وفق ما ذكرت صحيفة يومية بغدادية قبل أيام. قاعدة «عين الأسد» سُلِّمت للحكومة العراقية من قبل قيادة قوات الاحتلال الأميركية يوم الأربعاء 7 كانون الأول الجاري، وسط مراسم خاصة حضرها ممثل عن رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي وعدد من جنرالات الجيشين. إنها القاعدة الرقم 501 التي جرى الانسحاب منها وبقيت أربع بأيدي المحتلين، وجرى تسليم اثنتين منها لاحقاً. وهذا العدد الهائل من القواعد العسكرية للمحتلين، الذي لا مثيل له في كل تجارب الاحتلال، يعطي، وفق بعض المحللين، صورة عما كان عليه مشروع احتلال العراق «المتفائل» في بداياته، حتى بدا كأنه ضَمٌّ وإلحاقٌ بالقوة العسكرية للعراق بالولايات المتحدة، وصورة أخرى عما آل إليه هذا المشروع اليوم، حيث تريد إدارة الرئيس باراك أوباما الانتهاء بأسرع ما يكون من الإمساك بالجمرة العراقية والخروج بماء الوجه، فلا قواعد عسكرية معلنة طالبت بها، ولا معاهدات هيمنة علنية، بل اكتفت بقواعد سرية هنا وهناك، وسفارة عملاقة هي الأكبر في العالم وتعادل مدينة كاملة على حد وصف مسؤول عراقي رفيع المستوى لها، واتفاقية لم يعلن منها سوى الديباجة العامة والاسم، هي «اتفاقية الإطار الاستراتيجي». انسحب آخر جندي من قاعدة «عين الأسد»، ولم تخبرنا وسائل الإعلام التي تابعت الحدث من الداخل بما فعله المحتلّون قبل رحيلهم؛ هل أحرقوا ودمّروا الكثير من المعدّات مثلما فعلوا في قواعد أخرى في محافظة ديالى مثلاً؟ العميد أحمد المهدي، الذي شارك في احتفال التسليم، قال إن «القاعدة جاهزة لاستقبال الطائرات بمختلف أنواعها وإن راداراتها تدار بأيدٍ عراقية»، لكنّ مراقبين أعربوا عن عدم تفاؤلهم بقدوم طائرات كبيرة إلى هذه القاعدة شبه الصحراوية، والتي يبدو أن إمكانية استغلالها بشكل ما، تبقى قائمة من طرف الأميركيّين أنفسهم لضمان سيطرتهم على دول الجوار العراقي، وربما للتجسُّس على سوريا أيضاً. هذا ما يمكن استنتاجه من تصريح قائد العمليات في الأنبار، الفريق الركن عبد العزيز محمد العبيدي الذي قال إنّ «القوة الجوية العراقية تسلّمت الموقع وستنشر طائراتها هناك دعماً لخطط السيطرة على شريط حدودي يمتد مئات الكيلومترات». وأضاف العبيدي معلومة مهمة تقلِّل من شأن وقيمة الوجود الأميركي في القاعدة وعموم المنطقة حين أشار إلى أنه «لم يكن للأميركيين دور فاعل في مكافحة الإرهاب والجريمة السياسية في المحافظة منذ منتصف عام 2008 واقتصر دور القاعدة على تقديم الإسناد» للعراقيين. ورأى محلّلون في هذه المعلومة دلالة مهمة تفيد بأنّ الوجود العسكري الأميركي لم يعد احتلالاً مباشراً وفعالاً منذ ثلاث سنوات على الأقل، بل كان وجودَ ابتزازٍ وتسليط ضغوطٍ على الحكم العراقي. من جانب آخر، وطوال سنوات وجود المحتلين فيها، حصلت قاعدة «عين الأسد»، وباعتراف ضباط الاحتلال أنفسهم، على حصة الأسد من الصواريخ وكل أنواع المقذوفات التي أطلقتها فصائل المقاومة العراقية، حتى إنّ ضابطاً أميركياً كبيراً شبّهها بـ«مانعة الصواعق التي تجذب شحنات الصواعق إليها». وكما هي الحال في أماكن أخرى، ظلت خسائر المحتلين مجهولة، غير أن وجود مستشفى ضخم ومتخصص في جميع أنواع الجراحات داخل القاعدة ينبئ عن أن تلك الخسائر لم تكن طفيفة البتة. لم تنتهِ قصة «عين الأسد» تماماً، فثمة ما هو طريف وغني بالدلالات يتعلق بها، إذ إن هذه القاعدة العسكرية الجوية شبه الصحراوية تحوّلت إلى عاصمة فعلية للولايات المتحدة لعدة ساعات. فبعد ظهيرة يوم الاثنين في الثالث من أيلول 2007، حطّت طائرة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في القاعدة، برفقة وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس ووزير دفاعه روبرت غيتس، في زيارة سرية لم يعلن عنها. وفور نزوله من الطائرة، واستقباله من قِبَل قيادة قواته، عقد الرئيس مجلساً حربياً لمناقشة الوضع القتالي في العراق ومحافظة الأنبار خصوصاً. وقد التقى بوش بعد اجتماعه بالرؤساء في الحكم المحلي، بالشيخ عبد الستار أبو ريشة شيخ عشائر الدليم وقائد القوات العسكرية العشائرية التي كانت تقاتل ضد «القاعدة» الذي اغتاله في ما بعد بتفجير انتحاري. وقد حظي بوش باستقبال ملكي من قِبَل أبو ريشة الذي أمر بأن يُنحر للضيف خمسون خروفاً، لكن الشيخ أبو ريشة، كما روى بعض من حضر الوليمة الرئاسية، لم يُكْرِم الرئيس بوش بإهدائه ساعته مثلما يقتضي العرف العراقي السائد، رغم أن الرئيس الأميركي امتدحها مداعباً. وقبل الوليمة، كان بوش قد استدعى الرؤساء العراقيين الثلاثة: جلال الطالباني ونائبه طارق الهاشمي ورئيس الوزراء نوري المالكي إلى القاعدة، فأُحْضِروا على الفور بطائرة أميركية خاصة وعلى نحو سرّي، وعقد معهم سلسلة اجتماعات. لم يَبِتْ الرئيس الأميركي ليلته في «عين الأسد» وانتهت زيارته بعد ساعات، وسافر منها متوجهاً مباشرة إلى أوستراليا، من دون المرور بالعاصمة العراقيّة بغداد.    

المصدر : الاخبار/علاء اللامي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة