«مصير القيادي في «حزب الله» علي موسى الدقدوق، المعتقل داخل السجون الأميركية في العراق، يتحول إلى نقطة فوضوية في نهاية مشوارنا في العراق».. هكذا وصف الناطق باسم مجلس الأمن القومي تومي فيتور الخلاف الذي تثيره قضية الدقدوق على أكثر من جبهة، حيث تتصارع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حالياً بين خيارين: إما تسليم الدقدوق إلى الحكومة العراقية، على غرار ما فعلت بسجناء حرب آخرين، أو إيجاد طريقة تمكن قواتها من نقله الى خارج العراق، وربما إلى الولايات المتحدة نفسها، بعد انسحابها العسكري من هذا البلد.

كل ما في قضية الدقدوق يُسبغ عليها صفة «الأكثر تعقيداً» على جدول الانسحاب، حسب توم شانكر من «نيويورك تايمز»، بدءاً من صفة المعتقل نفسه كـ«قيادي» في «حزب الله»، مروراً بدورها الحاسم في استشراف طبيعة العلاقة الأميركية - العراقية بعد الانسحاب، وصولاً إلى ارتباطها المباشر بالعامل الإيراني وحجم نفوذه السياسي داخل العراق.. باختصار تشكّل نتيجة القضية بيضة القبان التي ستكشف أي كفة ستميل دون الأخرى في عراق ما بعد الانسحاب، الأميركية أو الإيرانية.

للمعتقل، الذي لا يريد الأميركيون تسليمه خشية أن تنجح الضغوط الإيرانية في إطلاق سراحه وتخاف الحكومة العراقية أن تتورط بقضيته لاعتبارات شتى، قصة طويلة. فهو اعتُقل كأحد قادة «حزب الله» وأبرز المتعاونين مع «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني في العراق، وقد «عمل على تنظيم وتدريب المليشيات الشيعية في العراق، كما شارك في عمليات لقتل جنود أميركيين»، بحسب الادعاء الأميركي.

وفي عودة سريعة إلى العام 2007، تاريخ اعتقال الدقدوق في البصرة، يتبيّن بحسب الادعاءات الأميركية والعراقية الرسمية أن المعتقل اللبناني كان برفقة الشقيقين قيس وليث الخزعلي اللذين تدربا على يديه، ليؤسسا تنظيم «عصائب أهل الحق». وبحسب ما كشفت المصادر الأميركية فان «ما أدلى به الأخوان الخزعلي، اللذان خرجا لاحقا في صفقة تبادل بريطانية، من اعترافات أضيفت إلى ما وجد مع الدقدوق من وثائق وكتيّبات أظهر مدى وحجم التورط الإيراني في دعم الخلايا الشيعية التي قامت بعمليات تخريبية في العراق». وحينها، تنوّعت الاتهامات التي برّرت اعتقال الثلاثي. كان أبرزها تدبير عملية كربلاء في كانون الثاني 2007، التي انتهت بمقتل 5 من جنود الاحتلال الأميركي «بالتعاون مع فيلق القدس»، أضيف إليها اتهام الدقدوق بأنه مطلوب من سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمشاركته بأعمال عسكرية ضد القوات الإسرائيلية في لبنان عام 1999، كما في عدوان تموز 2006. وكان قُبض على الدقدوق، وهو من بلدة عيتا الجنوبية، وبحوزته أوراق ثبوتية عراقية مزورة بأسماء عدة منها حامد محمد اللامي، وحسين الموسوي (رجل دين)، وبطاقة أخرى تثبت أنه موظف في وزارة الزراعة العراقية وتتيح له حمل السلاح، كما أفاد الادعاء الأميركي.

وبحسب هذا الإدعاء، تم استجواب الدقدوق، المعروف بـ«أبو حسين ساجد»، في تموز 2007 حيث اعترف بأنه يقود وحدة عمليات خاصة تابعة لـ«حزب الله» في العراق. كما أنه منذ العام 2005، «تلقى أوامر من قيادة «حزب الله» للتوجه نحو إيران والتنسيق مع «فيلق القدس»، وهناك تلقى تدريبات نقلها لاحقاً لعراقيين حول كيفية استعمال العبوات اللاصقة الخارقة للدروع، والصواريخ المحمولة، وكذلك التكتيكات الإرهابية الأخرى التي تضم أساليب التجسس وعمليات الخطف».

وفي العام 2009، بعد مرور سنة على اغتيال الحاج عماد مغنية، نشرت صحيفة «يديعوت احرونوت» الإسرائيلية نقلاً عن روبرت باير، وهو عميل سابق للـ«سي آي أيه» شارك في التحقيق مع الدقدوق، قوله إن «بعض المعلومات التي أفضى بها الدقدوق للمحققين ساعدت في تنفيذ عملية اغتيال مغنية».

ما سبق قد يُفسّر لماذا تحوّل الدقدوق إلى «المعتقل الذي تتنازع عليه أربع دول «، حسب «نيويورك تايمز»، التي تؤكد أن «اتخاذ القرار بشأن قضيته هو أمر في غاية التعقيد، لا سيما وأن الوقت يداهم الأميركيين الذين يُفترض أن يسرعوا في اتخاذ قرارهم قبل نهاية العام». وفيما تؤكد أن قدرة هؤلاء على احتجاز مزيد من السجناء في العراق باتت محدودة في ظل انتهاء الاتفاقية الأمنية وإغلاق السجون، تلفت الصحيفة إلى «خشية الأميركيين تسليم الدقدوق إلى السلطات العراقية بسبب تجارب سابقة معها، حيث برأت المحاكم العراقية معتقلين سابقين سُلّموا لها، أو أفرجت عنهم من دون توجيه أي اتهام، لا سيما وأنه من غير الواضح إن كانت اعترافات الدقدوق للمحققين الأميركيين تبقى سارية أمام المحاكم العراقية».

في هذه الأثناء، نقلت «لوس أنجلس تايمز» عن وزير العدل العراقي حسن الشمّري قوله «لا أدلة دامغة تؤكد أننا سنفرج عن الدقدوق فيما لو بقي في العراق، ووجود المعتقلين في يد العراقيين، لا يعني عودتهم إلى القتال مرة أخرى»، موضحاً أن «القضاء العراقي ينظر بهذه التهم بشكل مستقل عن الحكومة العراقية التي لم تتدخل في هذا الشأن كونه من اختصاص السلطة القضائية».

خوف أميركا ليس نابعاً من سجل العراق في التعامل مع المعتقلين فحسب، ولا من كون الدقدوق ليس عراقياً، الأمر الذي يسهّل على حكومة المالكي إطلاق سراحه، بل من اعتبارات سياسية وقانونية تحكم التعامل مع الملف على المستويين الداخلي والخارجي.

داخلياً، يبدو أن إدارة أوباما تقف اليوم أمام ثلاثة خيارات في حال تمّ نقل الدقدوق إلى أميركا: «أولها تقديمه أمام محكمة مدنية، ثانيها تقديمه أمام لجنة عسكرية في سجن «غوانتانامو»، والأخير هو محاكمته في قاعدة عسكرية أميركية في بلد آخر».

ويشير المراقبون إلى أن «خيار غوانتانامو» يشكّل تحدياً لأوباما في جهوده للتعامل مع مسألة الموقوفين، لا سيما وأن مشاريع الرئيس الأميركي في ما يخص إغلاق المعتقل «سيء السمعة» وتحويل المتهمين بالإرهاب إلى محاكمات مدنية اصطدمت بمعارضة سياسية حادة». أما الخيار الثالث فينتقده خبير قانون الأمن الوطني في جامعة تكساس روبرت تشيسني بالقول إن «هذه القواعد ليست أراضي ذات سيادة أميركية، ومعظم الدول التي تستضيفها لن ترحب بمحاكمة قيادي في حزب الله على أراضيها».

من جهة أخرى، اعتبرت «واشنطن بوست» أن نقل الدقدوق إلى أميركا يساعد في معالجة بعض المسائل القانونية الأميركية حول نظام اللجان العسكرية فيما يتعلّق بـ«الإرهابيين» وما إذا كان بامكانهم التمتع بالحقوق الدستورية نفسها التي يتمتع بها المتهمون الجنائيون، أي الحق في محاكمة سريعة والحماية من التفتيش غير المنطقي. في وقت تنقل عن عدد من المحافظين تأكيدهم بأنه كان على الولايات المتحدة أن تضع الدقدوق على متن طائرة وتنقله إلى الولايات المتحدة من دون الحصول على إذن العراقيين، و«هم سيعترضون بداية لكنهم سيقبلون الأمر في نهاية المطاف». هذا الطرح، تضيف الصحيفة، تستبعده الإدارة الأميركية لأن «الأمر سيضعف العلاقات الاستراتيجية في لحظة تحرص فيها أميركا على بناء علاقات دبلوماسية عادية بين دولتين ذات سيادة».

وتبقى الجبهة الإيرانية الأكثر إثارة للرعب الأميركي، حيث تتخوف إدارة أوباما من الضغوط السياسية التي قد تُمارس على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وعليه «تستبسل» في الدفاع عن حقها بالدقدوق «لأن أي خيار عدا ذلك سيُعتبر انتصاراً دعائياً لإيران والميليشيات الشيعية في العراق في ظل ازدياد ضغوط الانسحاب».

وفي هذا الصدد، يتهم المسؤولون الأميركيون إيران بعرقلة المفاوضات، ودفع الأموال للحفاظ على القيادي في حزب الله، فـ«إيران مستعدة لأن تنفق قدراً كبيراً من رأس المال السياسي، لمنع أميركا من أخذ قائد في حزب الله حين ننسحب»، يقول مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية. في المقابل، ينفي الإيرانيون التدخل في شؤون العراق الداخلية، حيث نقلت وكالة «إرنا» الإيرانية عن وزير الدفاع الإيراني مصطفى محمد نجار وصفها الاتهامات بأنها «محض أكاذيب».

وكذلك فعل التيار الصدري الذي أكد على لسان احد قيادييه أن إيران لم تتدخل، و«نحن نصر على أن يواجه الدقدوق محاكمة عراقية». وكان التيار الصدري دعا مؤخراً إلى تجزئة قضية الدقدوق عند محاكمته في العراق لو سلم إليها، معلّقا على لسان النائب في التيار جواد الشهيلي بأن «ملف اللبناني الدقدوق سيخلق أزمة جديدة في الساحة العربية، وأي ازدواجية في التعامل مع هذه الملفات خطيرة وغير صحيحة»، مشيرا إلى أن « الدقدوق يجب أن يحاسب على ضرب القوات العراقية فقط، ولا يمكن محاسبته على ضرب القوات الأميركية، باعتبارها قوات محتلة».

وبين إيران والعراق وأميركا ولبنان، سيبقى مصير الدقدوق مجهولاً ولكن ليس لفترة طويلة، فالأميركيون اليوم في سباق مع الزمن قبل انتهاء صلاحية احتفاظهم بالدقدوق بشكل شرعي. وفيما لم تعلن وسائل الإعلام ما إذا كان أوباما ناقش القضية مع المالكي، حسبما كان مدرجاً على جدول زيارة الأخير لواشنطن، يبدو جليا أن الدقدوق يشكّل قنبلة موقوتة على خط العلاقات بين الطرفين، فيما تحتدم لعبة شدّ الحبال الأميركية – الإيرانية لإثبات النفوذ في عراق ما بعد الانسحاب.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-12-13
  • 4701
  • من الأرشيف

علي الدقدوق .. «معضلة» أميركية تربك لحظات الانسحاب الأخيرة من العراق

«مصير القيادي في «حزب الله» علي موسى الدقدوق، المعتقل داخل السجون الأميركية في العراق، يتحول إلى نقطة فوضوية في نهاية مشوارنا في العراق».. هكذا وصف الناطق باسم مجلس الأمن القومي تومي فيتور الخلاف الذي تثيره قضية الدقدوق على أكثر من جبهة، حيث تتصارع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حالياً بين خيارين: إما تسليم الدقدوق إلى الحكومة العراقية، على غرار ما فعلت بسجناء حرب آخرين، أو إيجاد طريقة تمكن قواتها من نقله الى خارج العراق، وربما إلى الولايات المتحدة نفسها، بعد انسحابها العسكري من هذا البلد. كل ما في قضية الدقدوق يُسبغ عليها صفة «الأكثر تعقيداً» على جدول الانسحاب، حسب توم شانكر من «نيويورك تايمز»، بدءاً من صفة المعتقل نفسه كـ«قيادي» في «حزب الله»، مروراً بدورها الحاسم في استشراف طبيعة العلاقة الأميركية - العراقية بعد الانسحاب، وصولاً إلى ارتباطها المباشر بالعامل الإيراني وحجم نفوذه السياسي داخل العراق.. باختصار تشكّل نتيجة القضية بيضة القبان التي ستكشف أي كفة ستميل دون الأخرى في عراق ما بعد الانسحاب، الأميركية أو الإيرانية. للمعتقل، الذي لا يريد الأميركيون تسليمه خشية أن تنجح الضغوط الإيرانية في إطلاق سراحه وتخاف الحكومة العراقية أن تتورط بقضيته لاعتبارات شتى، قصة طويلة. فهو اعتُقل كأحد قادة «حزب الله» وأبرز المتعاونين مع «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني في العراق، وقد «عمل على تنظيم وتدريب المليشيات الشيعية في العراق، كما شارك في عمليات لقتل جنود أميركيين»، بحسب الادعاء الأميركي. وفي عودة سريعة إلى العام 2007، تاريخ اعتقال الدقدوق في البصرة، يتبيّن بحسب الادعاءات الأميركية والعراقية الرسمية أن المعتقل اللبناني كان برفقة الشقيقين قيس وليث الخزعلي اللذين تدربا على يديه، ليؤسسا تنظيم «عصائب أهل الحق». وبحسب ما كشفت المصادر الأميركية فان «ما أدلى به الأخوان الخزعلي، اللذان خرجا لاحقا في صفقة تبادل بريطانية، من اعترافات أضيفت إلى ما وجد مع الدقدوق من وثائق وكتيّبات أظهر مدى وحجم التورط الإيراني في دعم الخلايا الشيعية التي قامت بعمليات تخريبية في العراق». وحينها، تنوّعت الاتهامات التي برّرت اعتقال الثلاثي. كان أبرزها تدبير عملية كربلاء في كانون الثاني 2007، التي انتهت بمقتل 5 من جنود الاحتلال الأميركي «بالتعاون مع فيلق القدس»، أضيف إليها اتهام الدقدوق بأنه مطلوب من سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمشاركته بأعمال عسكرية ضد القوات الإسرائيلية في لبنان عام 1999، كما في عدوان تموز 2006. وكان قُبض على الدقدوق، وهو من بلدة عيتا الجنوبية، وبحوزته أوراق ثبوتية عراقية مزورة بأسماء عدة منها حامد محمد اللامي، وحسين الموسوي (رجل دين)، وبطاقة أخرى تثبت أنه موظف في وزارة الزراعة العراقية وتتيح له حمل السلاح، كما أفاد الادعاء الأميركي. وبحسب هذا الإدعاء، تم استجواب الدقدوق، المعروف بـ«أبو حسين ساجد»، في تموز 2007 حيث اعترف بأنه يقود وحدة عمليات خاصة تابعة لـ«حزب الله» في العراق. كما أنه منذ العام 2005، «تلقى أوامر من قيادة «حزب الله» للتوجه نحو إيران والتنسيق مع «فيلق القدس»، وهناك تلقى تدريبات نقلها لاحقاً لعراقيين حول كيفية استعمال العبوات اللاصقة الخارقة للدروع، والصواريخ المحمولة، وكذلك التكتيكات الإرهابية الأخرى التي تضم أساليب التجسس وعمليات الخطف». وفي العام 2009، بعد مرور سنة على اغتيال الحاج عماد مغنية، نشرت صحيفة «يديعوت احرونوت» الإسرائيلية نقلاً عن روبرت باير، وهو عميل سابق للـ«سي آي أيه» شارك في التحقيق مع الدقدوق، قوله إن «بعض المعلومات التي أفضى بها الدقدوق للمحققين ساعدت في تنفيذ عملية اغتيال مغنية». ما سبق قد يُفسّر لماذا تحوّل الدقدوق إلى «المعتقل الذي تتنازع عليه أربع دول «، حسب «نيويورك تايمز»، التي تؤكد أن «اتخاذ القرار بشأن قضيته هو أمر في غاية التعقيد، لا سيما وأن الوقت يداهم الأميركيين الذين يُفترض أن يسرعوا في اتخاذ قرارهم قبل نهاية العام». وفيما تؤكد أن قدرة هؤلاء على احتجاز مزيد من السجناء في العراق باتت محدودة في ظل انتهاء الاتفاقية الأمنية وإغلاق السجون، تلفت الصحيفة إلى «خشية الأميركيين تسليم الدقدوق إلى السلطات العراقية بسبب تجارب سابقة معها، حيث برأت المحاكم العراقية معتقلين سابقين سُلّموا لها، أو أفرجت عنهم من دون توجيه أي اتهام، لا سيما وأنه من غير الواضح إن كانت اعترافات الدقدوق للمحققين الأميركيين تبقى سارية أمام المحاكم العراقية». في هذه الأثناء، نقلت «لوس أنجلس تايمز» عن وزير العدل العراقي حسن الشمّري قوله «لا أدلة دامغة تؤكد أننا سنفرج عن الدقدوق فيما لو بقي في العراق، ووجود المعتقلين في يد العراقيين، لا يعني عودتهم إلى القتال مرة أخرى»، موضحاً أن «القضاء العراقي ينظر بهذه التهم بشكل مستقل عن الحكومة العراقية التي لم تتدخل في هذا الشأن كونه من اختصاص السلطة القضائية». خوف أميركا ليس نابعاً من سجل العراق في التعامل مع المعتقلين فحسب، ولا من كون الدقدوق ليس عراقياً، الأمر الذي يسهّل على حكومة المالكي إطلاق سراحه، بل من اعتبارات سياسية وقانونية تحكم التعامل مع الملف على المستويين الداخلي والخارجي. داخلياً، يبدو أن إدارة أوباما تقف اليوم أمام ثلاثة خيارات في حال تمّ نقل الدقدوق إلى أميركا: «أولها تقديمه أمام محكمة مدنية، ثانيها تقديمه أمام لجنة عسكرية في سجن «غوانتانامو»، والأخير هو محاكمته في قاعدة عسكرية أميركية في بلد آخر». ويشير المراقبون إلى أن «خيار غوانتانامو» يشكّل تحدياً لأوباما في جهوده للتعامل مع مسألة الموقوفين، لا سيما وأن مشاريع الرئيس الأميركي في ما يخص إغلاق المعتقل «سيء السمعة» وتحويل المتهمين بالإرهاب إلى محاكمات مدنية اصطدمت بمعارضة سياسية حادة». أما الخيار الثالث فينتقده خبير قانون الأمن الوطني في جامعة تكساس روبرت تشيسني بالقول إن «هذه القواعد ليست أراضي ذات سيادة أميركية، ومعظم الدول التي تستضيفها لن ترحب بمحاكمة قيادي في حزب الله على أراضيها». من جهة أخرى، اعتبرت «واشنطن بوست» أن نقل الدقدوق إلى أميركا يساعد في معالجة بعض المسائل القانونية الأميركية حول نظام اللجان العسكرية فيما يتعلّق بـ«الإرهابيين» وما إذا كان بامكانهم التمتع بالحقوق الدستورية نفسها التي يتمتع بها المتهمون الجنائيون، أي الحق في محاكمة سريعة والحماية من التفتيش غير المنطقي. في وقت تنقل عن عدد من المحافظين تأكيدهم بأنه كان على الولايات المتحدة أن تضع الدقدوق على متن طائرة وتنقله إلى الولايات المتحدة من دون الحصول على إذن العراقيين، و«هم سيعترضون بداية لكنهم سيقبلون الأمر في نهاية المطاف». هذا الطرح، تضيف الصحيفة، تستبعده الإدارة الأميركية لأن «الأمر سيضعف العلاقات الاستراتيجية في لحظة تحرص فيها أميركا على بناء علاقات دبلوماسية عادية بين دولتين ذات سيادة». وتبقى الجبهة الإيرانية الأكثر إثارة للرعب الأميركي، حيث تتخوف إدارة أوباما من الضغوط السياسية التي قد تُمارس على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وعليه «تستبسل» في الدفاع عن حقها بالدقدوق «لأن أي خيار عدا ذلك سيُعتبر انتصاراً دعائياً لإيران والميليشيات الشيعية في العراق في ظل ازدياد ضغوط الانسحاب». وفي هذا الصدد، يتهم المسؤولون الأميركيون إيران بعرقلة المفاوضات، ودفع الأموال للحفاظ على القيادي في حزب الله، فـ«إيران مستعدة لأن تنفق قدراً كبيراً من رأس المال السياسي، لمنع أميركا من أخذ قائد في حزب الله حين ننسحب»، يقول مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية. في المقابل، ينفي الإيرانيون التدخل في شؤون العراق الداخلية، حيث نقلت وكالة «إرنا» الإيرانية عن وزير الدفاع الإيراني مصطفى محمد نجار وصفها الاتهامات بأنها «محض أكاذيب». وكذلك فعل التيار الصدري الذي أكد على لسان احد قيادييه أن إيران لم تتدخل، و«نحن نصر على أن يواجه الدقدوق محاكمة عراقية». وكان التيار الصدري دعا مؤخراً إلى تجزئة قضية الدقدوق عند محاكمته في العراق لو سلم إليها، معلّقا على لسان النائب في التيار جواد الشهيلي بأن «ملف اللبناني الدقدوق سيخلق أزمة جديدة في الساحة العربية، وأي ازدواجية في التعامل مع هذه الملفات خطيرة وغير صحيحة»، مشيرا إلى أن « الدقدوق يجب أن يحاسب على ضرب القوات العراقية فقط، ولا يمكن محاسبته على ضرب القوات الأميركية، باعتبارها قوات محتلة». وبين إيران والعراق وأميركا ولبنان، سيبقى مصير الدقدوق مجهولاً ولكن ليس لفترة طويلة، فالأميركيون اليوم في سباق مع الزمن قبل انتهاء صلاحية احتفاظهم بالدقدوق بشكل شرعي. وفيما لم تعلن وسائل الإعلام ما إذا كان أوباما ناقش القضية مع المالكي، حسبما كان مدرجاً على جدول زيارة الأخير لواشنطن، يبدو جليا أن الدقدوق يشكّل قنبلة موقوتة على خط العلاقات بين الطرفين، فيما تحتدم لعبة شدّ الحبال الأميركية – الإيرانية لإثبات النفوذ في عراق ما بعد الانسحاب.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة