حلم نبيل العربي وحمد بن جاسم وسعود الفيصل بإمكانية تنفيذ الأمر الأميركي بمحاصرة سورية عندما سطروا العقوبات الاقتصادية ضد سورية وأداروا الظهر عن قصد وبالأمر نفسه لفرص التفاهم مع دمشق حول مضمون المبادرة العربية وقد توهموا إمكانية استدراج عروض التدخل في سورية على أساس الموقف العدائي الأعمى الذي اتخذوه تجسيدا لثأر الرجعية العربية وعملاء الاستعمار الغربي في البلاد العربية من الدولة الوحيدة الحرة والمستقلة والمقاومة بين المحيط والخليج.

لم تصمد أحلام اليقظة لمجمع المرضى بطاعون العمالة سوى أيام قليلة وامتدت الخيبات من الدوحة والرياض إلى اسطنبول حين تكشفت حقيقة فرضتها الجغرافيا وحسمها التاريخ من قرون وهي أن من يحاصر سورية إنما يحاصر نفسه.

 

أولا: الموقفان اللبناني والعراقي من العقوبات كانا واضحين من أول الطريق رغم المسايرات التي اعتمدت في صياغة اللغة الدبلوماسية لحكومتي بغداد وبيروت ، ولكن يعلم كل ذي بصيرة أن مصالح العراق ولبنان تقوم على حماية التواصل الاقتصادي والشعبي مع سورية فهو حقيقة حياة فوق السياسة وفوق كل حساب وأي قرار وقد تراكمت خبرات كثيرة في هذا المجال آخرها انهيار قطيعة السنيورة مع سورية في ذروة الاندفاعة الأميركية في المنطقة وخلال حقبة حكم فيلتمان وميليس للبنان في أعقاب ثورة القرنبيط (الأرز ) المعروفة.

وأما العراق فهو منذ عشرين عاما ومن يوم وضع تحت الحصار الأميركي الغربي والعربي يجد في سورية متنفسا لشعبه ولتجارته ولاقتصاده ومنذ مطلع القرن الماضي عرفت دمشق ملايين العراقيين الذين فتحت لهم حضنها على ضفاف النزاعات العراقية الداخلية والقيادة السورية الحالية بالذات تولت كسر الحصار على العراق واحتضنت جميع العراقيين الذين لجأوا إليها من اضطهاد النظام السابق أو الذين هجرتهم عمليات التفجير والقتل التي تمت تحت رعاية المحتل الأميركي وطالت بشكل خاص مسيحيي العراق كما استهدفت سواهم من أبناء الطائفتين السنية والشيعية في حين تحفظ ذاكرة أكراد العراق دفء الحضن السوري في ذروة الحرب والصراعات التي خاضها الأكراد مع حكومة بغداد لعقود مضت.

حقيقة الحياة والذاكرة وحسابات المصلحة المباشرة والبعيدة فرضت نفسها في الموقفين اللبناني والعراقي ولم يكن أحد ليتخيل غير ذلك على الرغم من شراسة الضغوط الأميركية والخليجية على بغداد وبيروت.

 

ثانيا: شكل الموقف الأردني من العقوبات نموذجا لمهزلة تحدي التاريخ والجغرافيا والوقائع القاهرة فقد وافق الملك الأردني أول الأمر على الالتزام بالعقوبات تحت الطلب الأميركي وبعد ساعات قليلة أوعز إلى وزارة الخارجية أن تبلغ الجامعة طلبا رسميا بإعفاء الأردن من الالتزام، لم يكن هذا التحول السريع في موقف الحكومة الأردنية بحاجة لحسابات طويلة ومعقدة وعدا عن التواصل الاقتصادي والسكاني الراسخ عبر التاريخ والذي لا تمكن معاندته فإن الاقتصاد الأردني محكوم بالاختناق إذا اختار النظام القائم القطيعة مع سورية ، طارت سكرة عبدالله الثاني بالسيد الأميركي لأن الأردن من غير سورية لا خبز ولا ماء، وتلك حقيقة معلومة لمن يفهم ويفكر منذ قرار الرئيس بشار الأسد بتلبية حاجة الأردن إلى المياه التي حجزها عنه الإسرائيلي الغاصب والمحتل ، ولم توفرها لحكومة عمان اتفاقية وادي عربة والخدمات الأمنية الخطيرة التي قدمها النظام الأردني للمحتل الإسرائيلي ضد المقاومين في لبنان وفلسطين بل وفي الأحداث الأخيرة ضد الأمن السوري الوطني .

الرئيس بشار الأسد هو الذي بادر أيضا منذ سنوات لتأمين حاجات الأردن من القمح وهو الذي قدم تسهيلات كبرى لمنظومة التعاون الاقتصادي السوري الأردني عبر الاتفاقيات الثنائية العديدة الموقعة ومن غير أن يحول الرئيس السوري مضمون علاقات الحياة إلى ورقة ابتزاز أو حساب سياسية و على الرغم من اندماج الأردن داخل منظومة الهيمنة الاستعمارية الغربية الحامية لإسرائيل لأن رهان الأسد ينصب أصلا على عروبة الشعب الأردني ووجدانه وانتمائه القومي بعيدا عن منطق تصفية الحسابات مع الحكام الذين تحركهم الدوائر الاستعمارية.

 

ثالثا: جاءت التداعيات التركية للعقوبات أشد بلاغة من غيرها وبعد القرار الذي اتخذته الحكومة السورية بتعليق اتفاقية التجارة الحرة ردا على عنتريات أردوغان وقراره بفرض عقوبات اقتصادية على سورية.

خسرت تركيا التسهيلات الاستثنائية التي حظي بها ممرها الوحيد والحصري إلى جميع الأسواق العربية عن طريق البر وتضاعفت كلفة الترانزيت عبر سورية بشكل كبير فصارت البضائع التركية المصدرة إلى العراق والأردن ولبنان ودول الخليج محملة بأكلاف نقل مضاعفة تحد من قدراتها على المنافسة وتقلص من فرصها في التبادل التجاري .

كذلك تعطلت مئات المصانع التركية التي أقيمت على امتداد الحدود مع سورية لخدمة التصدير إلى السوق السورية وعبر سورية إلى أسواق المنطقة ، وهكذا فان عقوبات السيد أردوغان جاءت لتكون عقوبات على الاقتصاد التركي ، كما شرح له وفد رجال الأعمال الأتراك قبل أشهر قليلة عندما لوح بمبدأ اتخاذ العقوبات ، وحذره ذلك الوفد في حينه ، كما نشرت الصحف التركية من فداحة الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد التركي بينما كان جنابه يحذر أعضاء حزبه أصلا من مواصلتهم البذخ وعدم التجاوب مع دعوات التقشف معربا عن خشيته من أن تحل بتركيا الأزمة والاضطرابات التي اشتعلت نيرانها في اليونان بعدما تراجع معدل النمو التركي.

بالمقابل وبالتزامن مع هذه الإجراءات والتدابير تنفست قطاعات صناعية وزراعية سورية عديدة الصعداء لأن القيادة السورية أقامت التسهيلات الاقتصادية مع تركيا على حساب المصلحة السورية رهانا على تثبيت صداقة الشعبين والشراكة السياسية التي تطلع إليها الرئيس الأسد في مشروعه لتكوين منظومة إقليمية مستقلة ضد الهيمنة الغربية عندما مد يده إلى حزب العدالة والتنمية الذي انقلبت قيادته بالغدر بناء على الإشارة الأميركية.

إذا كان وهم الحرب على سورية قد تساقط أمام حقيقة التحالف الدولي والإقليمي الذي تمثل سورية قلبه في زمن عودة الحرب الباردة وتعدد الأقطاب إلى واقع العلاقات الدولية وفي ظل مناعة وقوة الواقع السوري الدفاعي بتماسك الجيش والشعب و صلابة منظومة المقاومة في المنطقة ، فإن العقوبات تصدعت وتساقطت ، وهي حقيقة ستكون في صلب التطورات المقبلة وعلى مسافة أيام من خط النهاية في احتلال العراق ليتشكل بذلك واقع جديد إقليميا ودوليا سوف تتكفل دمشق بتظهير صورته على العالم أما الخائبون فعليهم من الآن أن يحضروا خطب الاعتذار وبيانات الندم لاستحقاق سوف يداهمهم خلال الأشهر المقبلة ولن يطول انتظاره.

 

 

 

 

  • فريق ماسة
  • 2011-12-10
  • 12101
  • من الأرشيف

سورية و تهاوي الحصار المستحيل

حلم نبيل العربي وحمد بن جاسم وسعود الفيصل بإمكانية تنفيذ الأمر الأميركي بمحاصرة سورية عندما سطروا العقوبات الاقتصادية ضد سورية وأداروا الظهر عن قصد وبالأمر نفسه لفرص التفاهم مع دمشق حول مضمون المبادرة العربية وقد توهموا إمكانية استدراج عروض التدخل في سورية على أساس الموقف العدائي الأعمى الذي اتخذوه تجسيدا لثأر الرجعية العربية وعملاء الاستعمار الغربي في البلاد العربية من الدولة الوحيدة الحرة والمستقلة والمقاومة بين المحيط والخليج. لم تصمد أحلام اليقظة لمجمع المرضى بطاعون العمالة سوى أيام قليلة وامتدت الخيبات من الدوحة والرياض إلى اسطنبول حين تكشفت حقيقة فرضتها الجغرافيا وحسمها التاريخ من قرون وهي أن من يحاصر سورية إنما يحاصر نفسه.   أولا: الموقفان اللبناني والعراقي من العقوبات كانا واضحين من أول الطريق رغم المسايرات التي اعتمدت في صياغة اللغة الدبلوماسية لحكومتي بغداد وبيروت ، ولكن يعلم كل ذي بصيرة أن مصالح العراق ولبنان تقوم على حماية التواصل الاقتصادي والشعبي مع سورية فهو حقيقة حياة فوق السياسة وفوق كل حساب وأي قرار وقد تراكمت خبرات كثيرة في هذا المجال آخرها انهيار قطيعة السنيورة مع سورية في ذروة الاندفاعة الأميركية في المنطقة وخلال حقبة حكم فيلتمان وميليس للبنان في أعقاب ثورة القرنبيط (الأرز ) المعروفة. وأما العراق فهو منذ عشرين عاما ومن يوم وضع تحت الحصار الأميركي الغربي والعربي يجد في سورية متنفسا لشعبه ولتجارته ولاقتصاده ومنذ مطلع القرن الماضي عرفت دمشق ملايين العراقيين الذين فتحت لهم حضنها على ضفاف النزاعات العراقية الداخلية والقيادة السورية الحالية بالذات تولت كسر الحصار على العراق واحتضنت جميع العراقيين الذين لجأوا إليها من اضطهاد النظام السابق أو الذين هجرتهم عمليات التفجير والقتل التي تمت تحت رعاية المحتل الأميركي وطالت بشكل خاص مسيحيي العراق كما استهدفت سواهم من أبناء الطائفتين السنية والشيعية في حين تحفظ ذاكرة أكراد العراق دفء الحضن السوري في ذروة الحرب والصراعات التي خاضها الأكراد مع حكومة بغداد لعقود مضت. حقيقة الحياة والذاكرة وحسابات المصلحة المباشرة والبعيدة فرضت نفسها في الموقفين اللبناني والعراقي ولم يكن أحد ليتخيل غير ذلك على الرغم من شراسة الضغوط الأميركية والخليجية على بغداد وبيروت.   ثانيا: شكل الموقف الأردني من العقوبات نموذجا لمهزلة تحدي التاريخ والجغرافيا والوقائع القاهرة فقد وافق الملك الأردني أول الأمر على الالتزام بالعقوبات تحت الطلب الأميركي وبعد ساعات قليلة أوعز إلى وزارة الخارجية أن تبلغ الجامعة طلبا رسميا بإعفاء الأردن من الالتزام، لم يكن هذا التحول السريع في موقف الحكومة الأردنية بحاجة لحسابات طويلة ومعقدة وعدا عن التواصل الاقتصادي والسكاني الراسخ عبر التاريخ والذي لا تمكن معاندته فإن الاقتصاد الأردني محكوم بالاختناق إذا اختار النظام القائم القطيعة مع سورية ، طارت سكرة عبدالله الثاني بالسيد الأميركي لأن الأردن من غير سورية لا خبز ولا ماء، وتلك حقيقة معلومة لمن يفهم ويفكر منذ قرار الرئيس بشار الأسد بتلبية حاجة الأردن إلى المياه التي حجزها عنه الإسرائيلي الغاصب والمحتل ، ولم توفرها لحكومة عمان اتفاقية وادي عربة والخدمات الأمنية الخطيرة التي قدمها النظام الأردني للمحتل الإسرائيلي ضد المقاومين في لبنان وفلسطين بل وفي الأحداث الأخيرة ضد الأمن السوري الوطني . الرئيس بشار الأسد هو الذي بادر أيضا منذ سنوات لتأمين حاجات الأردن من القمح وهو الذي قدم تسهيلات كبرى لمنظومة التعاون الاقتصادي السوري الأردني عبر الاتفاقيات الثنائية العديدة الموقعة ومن غير أن يحول الرئيس السوري مضمون علاقات الحياة إلى ورقة ابتزاز أو حساب سياسية و على الرغم من اندماج الأردن داخل منظومة الهيمنة الاستعمارية الغربية الحامية لإسرائيل لأن رهان الأسد ينصب أصلا على عروبة الشعب الأردني ووجدانه وانتمائه القومي بعيدا عن منطق تصفية الحسابات مع الحكام الذين تحركهم الدوائر الاستعمارية.   ثالثا: جاءت التداعيات التركية للعقوبات أشد بلاغة من غيرها وبعد القرار الذي اتخذته الحكومة السورية بتعليق اتفاقية التجارة الحرة ردا على عنتريات أردوغان وقراره بفرض عقوبات اقتصادية على سورية. خسرت تركيا التسهيلات الاستثنائية التي حظي بها ممرها الوحيد والحصري إلى جميع الأسواق العربية عن طريق البر وتضاعفت كلفة الترانزيت عبر سورية بشكل كبير فصارت البضائع التركية المصدرة إلى العراق والأردن ولبنان ودول الخليج محملة بأكلاف نقل مضاعفة تحد من قدراتها على المنافسة وتقلص من فرصها في التبادل التجاري . كذلك تعطلت مئات المصانع التركية التي أقيمت على امتداد الحدود مع سورية لخدمة التصدير إلى السوق السورية وعبر سورية إلى أسواق المنطقة ، وهكذا فان عقوبات السيد أردوغان جاءت لتكون عقوبات على الاقتصاد التركي ، كما شرح له وفد رجال الأعمال الأتراك قبل أشهر قليلة عندما لوح بمبدأ اتخاذ العقوبات ، وحذره ذلك الوفد في حينه ، كما نشرت الصحف التركية من فداحة الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد التركي بينما كان جنابه يحذر أعضاء حزبه أصلا من مواصلتهم البذخ وعدم التجاوب مع دعوات التقشف معربا عن خشيته من أن تحل بتركيا الأزمة والاضطرابات التي اشتعلت نيرانها في اليونان بعدما تراجع معدل النمو التركي. بالمقابل وبالتزامن مع هذه الإجراءات والتدابير تنفست قطاعات صناعية وزراعية سورية عديدة الصعداء لأن القيادة السورية أقامت التسهيلات الاقتصادية مع تركيا على حساب المصلحة السورية رهانا على تثبيت صداقة الشعبين والشراكة السياسية التي تطلع إليها الرئيس الأسد في مشروعه لتكوين منظومة إقليمية مستقلة ضد الهيمنة الغربية عندما مد يده إلى حزب العدالة والتنمية الذي انقلبت قيادته بالغدر بناء على الإشارة الأميركية. إذا كان وهم الحرب على سورية قد تساقط أمام حقيقة التحالف الدولي والإقليمي الذي تمثل سورية قلبه في زمن عودة الحرب الباردة وتعدد الأقطاب إلى واقع العلاقات الدولية وفي ظل مناعة وقوة الواقع السوري الدفاعي بتماسك الجيش والشعب و صلابة منظومة المقاومة في المنطقة ، فإن العقوبات تصدعت وتساقطت ، وهي حقيقة ستكون في صلب التطورات المقبلة وعلى مسافة أيام من خط النهاية في احتلال العراق ليتشكل بذلك واقع جديد إقليميا ودوليا سوف تتكفل دمشق بتظهير صورته على العالم أما الخائبون فعليهم من الآن أن يحضروا خطب الاعتذار وبيانات الندم لاستحقاق سوف يداهمهم خلال الأشهر المقبلة ولن يطول انتظاره.        

المصدر : غالب قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة