الانتفاضة السورية عند مفترق طرق. فهي تصبح، يوماً بعد آخر، أقل سلميّة وأكثر تسلحاً. «في حمص، إدلب، وفي ثلاث أو أربع مدن حول دمشق ليس هناك سوى اشتباكات مسلّحة»، يخبرنا رئيس هيئة التنسيق الوطنية، وهي إحدى تنظيمات المعارضة السورية في المنفى، هيثم منّاع.

أما أول تداعيات هذا الانحراف، فتمثّل في ارتفاع منسوب العنف الطائفي خلال الأسابيع الأخيرة. ورداً على عمليات القمع المستمرة، كثرت ردود الفعل الانتقامية، لا سيما في المناطق المختلطة حيث بذور الحرب الأهليّة تخيف الجميع من أن تؤتي ثمارها.

أما الانحراف الأشد خطورة فهو ما يشعر به مسؤولو التنسيق ومنافسوهم في المجلس الوطني الانتقالي، من أنهم على وشك أن يتم تجاوزهم من قبل المتطرفين على الأراضي السورية وفي الداخل التركي، حيث يختبئ الجيش السوري الحرّ الذي يدّعي الآن قيامه بهجمات ضد مبان استخباراتي تابعة للنظام.

قبل أسبوعين، اجتمع وفد من المجلس الوطني الانتقالي مع العقيد المنشق رياض الأسعد الذي يتولى قيادة الجيش السوري الحرّ. وأبلغ الوفد الأسعد بموقف المجلس الرافض للهجمات التي يشنها «جيشه» على القوات الموالية للنظام. وموقف المجلس ليس نابعاً من خوفه ان تؤدي هذه الهجمات إلى اندلاع حرب أهلية فحسب، بل، وهذا الأهم، لأن المجلس، وكذلك هيئات التنسيق، لا يريدون أن يتخطاهم أولئك الذين يقفون، في الكواليس، وراء الأسعد.

من قد يكون «هؤلاء»؟ «عدد من عناصر الإخوان المسلمين خارج سوريا، بما فيها تركيا، إضافة إلى كل من لا يؤمن في الداخل بالتظاهرات السلميّة ويريد أن يحمل السلاح وينخرط في المعركة»، يجيب احد أعضاء المجلس الوطني، الذي يوضح إن هؤلاء «يصبحون أكثر عدداً». علماً أن الإخوان هم جزء من المجلس الوطني الانتقالي، ولكن في النهاية قد يختلف برنامجهم عن برنامج «علمانيي» المجلس، الذين يشكلون الشريحة الأوسع داخله.

لا بدّ في هذا الإطار من عودة إلى الوراء. لقد سمحت الانشقاقات الأولى التي حصلت في حزيران الماضي داخل صفوف الجيش بتشكيل مجموعة الضباط الأحرار تحت قيادة العقيد المنشق حسين هرموش، الذي لجأ إلى مدينة هاتاي التركية. رفض هرموش التعاون مع الإخوان المسلمين الذين حاولوا الاتصال به مرارا، وبعد أيام تمّ اختطافه بطريقة غامضة على يد أجهزة الاستخبارات السورية و«تصفيته»، رغم الحراسة التي كان يحظى بها.

هذه الحادثة دفعت العديد من مسؤولي المعارضة السورية إلى التأكيد على إن الأتراك سلّموا هرموش لجعله يدفع ثمن رفضه التعاون مع الإسلاميين. وهؤلاء (الإسلاميون) اغتنموا الفرصة وتحولوا إلى الجيش السوري الحر، بقيادة الأسعد، الذي يبدو أضعف من أن يقاوم الضغوط التي تمارس عليه.

وقد تحوّل الأسعد اليوم، بالنسبة إلى العديد من المسؤولين في المجلس الوطني الانتقالي، إلى «مجرّد غطاء للسلطات التركية»، التي تحصر وجوده ورجاله في مدينة هاتاي المتاخمة للحدود السورية. علماً أن الاستخبارات التركية تفرض سيطرتها على المكان، في وقت يقوم عنصر من وزارة الخارجية التركية بتنسيق المقابلات مع الصحافيين الذين يودون إجراء حديث مع الأسعد.

ووفقاً لجهاز الاستخبارات الفرنسية، وصل تعداد عناصر الجيش السوري الحرّ إلى 8 آلاف، ولكن عدداً قليلا منهم يمتلك مستوى كافياً من التدريب، فمعظمهم من الجنود العاديين الذين قرروا الانضمام إلى الثورة، ولم يعودوا إلى ثكناتهم بعد انتهاء مأذونياتهم. كما يعتمد الجيش كذلك على الميليشيات التي قرّرت الانضمام إلى الاحتجاجات.

وصحيح أنه بعد لقائهما أصدر المجلس الوطني الانتقالي والجيش السوري الحرّ بيانأ يؤكد على «تكاملهما»، ولكن المراقبين يستبعدون وجود هذا التكامل، ويؤكدون على وجود خلافات كبيرة بين الطرفين.

من هنا، وفي هذه الظروف، يمكننا ان نفهم جيداً لماذا يحتاج الجيش السوري الحر إلى المساعدة والاحتضان: دعم يستطيع الحصول عليه من تركيا والدول الغربية، على غرار ما حصل مع الثوار الليبيين في بداية الثورة ضدّ القذافي.

(«لوفيغارو» ـ جورج مالبرونو)

  • فريق ماسة
  • 2011-12-10
  • 9872
  • من الأرشيف

هل فرضت تركيا أجندتها الإسلامية على الثـورة السـوريـة.. بتصفيـة هرمـوش؟

الانتفاضة السورية عند مفترق طرق. فهي تصبح، يوماً بعد آخر، أقل سلميّة وأكثر تسلحاً. «في حمص، إدلب، وفي ثلاث أو أربع مدن حول دمشق ليس هناك سوى اشتباكات مسلّحة»، يخبرنا رئيس هيئة التنسيق الوطنية، وهي إحدى تنظيمات المعارضة السورية في المنفى، هيثم منّاع. أما أول تداعيات هذا الانحراف، فتمثّل في ارتفاع منسوب العنف الطائفي خلال الأسابيع الأخيرة. ورداً على عمليات القمع المستمرة، كثرت ردود الفعل الانتقامية، لا سيما في المناطق المختلطة حيث بذور الحرب الأهليّة تخيف الجميع من أن تؤتي ثمارها. أما الانحراف الأشد خطورة فهو ما يشعر به مسؤولو التنسيق ومنافسوهم في المجلس الوطني الانتقالي، من أنهم على وشك أن يتم تجاوزهم من قبل المتطرفين على الأراضي السورية وفي الداخل التركي، حيث يختبئ الجيش السوري الحرّ الذي يدّعي الآن قيامه بهجمات ضد مبان استخباراتي تابعة للنظام. قبل أسبوعين، اجتمع وفد من المجلس الوطني الانتقالي مع العقيد المنشق رياض الأسعد الذي يتولى قيادة الجيش السوري الحرّ. وأبلغ الوفد الأسعد بموقف المجلس الرافض للهجمات التي يشنها «جيشه» على القوات الموالية للنظام. وموقف المجلس ليس نابعاً من خوفه ان تؤدي هذه الهجمات إلى اندلاع حرب أهلية فحسب، بل، وهذا الأهم، لأن المجلس، وكذلك هيئات التنسيق، لا يريدون أن يتخطاهم أولئك الذين يقفون، في الكواليس، وراء الأسعد. من قد يكون «هؤلاء»؟ «عدد من عناصر الإخوان المسلمين خارج سوريا، بما فيها تركيا، إضافة إلى كل من لا يؤمن في الداخل بالتظاهرات السلميّة ويريد أن يحمل السلاح وينخرط في المعركة»، يجيب احد أعضاء المجلس الوطني، الذي يوضح إن هؤلاء «يصبحون أكثر عدداً». علماً أن الإخوان هم جزء من المجلس الوطني الانتقالي، ولكن في النهاية قد يختلف برنامجهم عن برنامج «علمانيي» المجلس، الذين يشكلون الشريحة الأوسع داخله. لا بدّ في هذا الإطار من عودة إلى الوراء. لقد سمحت الانشقاقات الأولى التي حصلت في حزيران الماضي داخل صفوف الجيش بتشكيل مجموعة الضباط الأحرار تحت قيادة العقيد المنشق حسين هرموش، الذي لجأ إلى مدينة هاتاي التركية. رفض هرموش التعاون مع الإخوان المسلمين الذين حاولوا الاتصال به مرارا، وبعد أيام تمّ اختطافه بطريقة غامضة على يد أجهزة الاستخبارات السورية و«تصفيته»، رغم الحراسة التي كان يحظى بها. هذه الحادثة دفعت العديد من مسؤولي المعارضة السورية إلى التأكيد على إن الأتراك سلّموا هرموش لجعله يدفع ثمن رفضه التعاون مع الإسلاميين. وهؤلاء (الإسلاميون) اغتنموا الفرصة وتحولوا إلى الجيش السوري الحر، بقيادة الأسعد، الذي يبدو أضعف من أن يقاوم الضغوط التي تمارس عليه. وقد تحوّل الأسعد اليوم، بالنسبة إلى العديد من المسؤولين في المجلس الوطني الانتقالي، إلى «مجرّد غطاء للسلطات التركية»، التي تحصر وجوده ورجاله في مدينة هاتاي المتاخمة للحدود السورية. علماً أن الاستخبارات التركية تفرض سيطرتها على المكان، في وقت يقوم عنصر من وزارة الخارجية التركية بتنسيق المقابلات مع الصحافيين الذين يودون إجراء حديث مع الأسعد. ووفقاً لجهاز الاستخبارات الفرنسية، وصل تعداد عناصر الجيش السوري الحرّ إلى 8 آلاف، ولكن عدداً قليلا منهم يمتلك مستوى كافياً من التدريب، فمعظمهم من الجنود العاديين الذين قرروا الانضمام إلى الثورة، ولم يعودوا إلى ثكناتهم بعد انتهاء مأذونياتهم. كما يعتمد الجيش كذلك على الميليشيات التي قرّرت الانضمام إلى الاحتجاجات. وصحيح أنه بعد لقائهما أصدر المجلس الوطني الانتقالي والجيش السوري الحرّ بيانأ يؤكد على «تكاملهما»، ولكن المراقبين يستبعدون وجود هذا التكامل، ويؤكدون على وجود خلافات كبيرة بين الطرفين. من هنا، وفي هذه الظروف، يمكننا ان نفهم جيداً لماذا يحتاج الجيش السوري الحر إلى المساعدة والاحتضان: دعم يستطيع الحصول عليه من تركيا والدول الغربية، على غرار ما حصل مع الثوار الليبيين في بداية الثورة ضدّ القذافي. («لوفيغارو» ـ جورج مالبرونو)

المصدر : («لوفيغارو» ـ جورج مالبرونو)


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة