في مثل هذه الأيام من العام الماضي، سجل رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان سابقة عندما شارك كأول رئيس حكومة تركية في احتفالات عاشوراء التي نظمها الوقف الإسلامي الجعفري في اسطنبول.

لكن احتفالات العاشر من محرم، أمس الأول، كانت تعكس صورة معاكسة، حيث تمثل حزب العدالة والتنمية بصورة ضعيفة بالمراسم فيما غاب اردوغان، مكتفيا ببرقية إلى الاحتفال، الذي لم يكن حضوره بديهيا في الأساس، ولا سيما انه يمر في فترة نقاهة في منزله اثر العملية الجراحية التي أجريت له قبل أسبوعين في القولون.

لم تكن الثورات العربية في السنة الماضية قد بدأت، ولم يكن التحسس من سياسات أنقرة الغربية قد كبر، بل بعد بدء الثورة في البحرين كان لأردوغان موقف لافت بتحذيره من «كربلاء جديدة» هناك، أعقبتها زيارة للنجف ومرقد الإمام علي بناء لدعوة من المرجع الأعلى لشيعة العراق السيد علي السيستاني. لكن «الانفتاح الشيعي» وقف عند هذا الحد، والتزمت أنقرة بعد ذلك صمتا مطبقا إزاء ما يجري في البحرين، فيما لم تتوقف «ماكينة» المواقف عن العمل تجاه الوضع في سوريا رغم الانتقادات الواسعة التي ووجهت بها السياسة التركية من جانب إيران والعراق وآخرين.

وها هو الانتقاد يكتمل في اسطنبول، ومن إحدى ضواحيها الفقيرة، منطقة «حلقه لي»، حيث التواجد الشيعي الأكثف في تركيا. حضر الآخرون بقياداتهم العليا: زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو، زعيم حزب السعادة (حزب الراحل نجم الدين اربكان) مصطفى قالاماق، وابرز القادة العلويين ولا سيما رئيس وقف «جمع» عز الدين دوغان، وحجة الإسلام مصطفى مرسل ممثلا عن مرشد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي ووفود أجنبية أخرى. لكن لفت حضور رئيس الشؤون الدينية الشيخ محمد غورميز للمرة الأولى، وهو أعلى موقع ديني سنّي في البلاد.

وتميز الاحتفال الذي شارك فيه عشرات الآلاف من الشيعة، بالهجوم الكبير الذي شنّه رئيس الوقف الشيعي الجعفري الشيخ صلاح الدين اوزغوندوز، الذي يعتبر زعيم الطائفة الشيعية في تركيا (التي تقدّر بعض الإحصاءات عددها بمليونين أو أكثر) على سياسات اردوغان الأطلسية، وعلى السياسات السعودية و«الوهابية التكفيرية».

وفي كلمته أمام الحشود قال قالاماق إن جرح كربلاء لن يختم أبدا. وأضاف «بالأمس قتل يزيد الإمام الحسين، واليوم يواصل اليزيديون سفك الدماء».

وتحدث كيليتشدار اوغلو عن مأساة كربلاء، قائلا إن هذا الألم لن يخمد وسوف يبقى على الدوام. وإذ اعتبر مأساة كربلاء التي ارتكبها يزيد بداية الفتنة بين المسلمين دعا إلى عدم التفرقة بين المسلمين، محييا في ختام كلمته «الإمام الحسين وأهل البيت وكل محبي أهل البيت».

وفي كلمته أمام الحشود طالب اوزغوندوز الحكومة بتنفيذ وعود سابقة لها بجعل يوم عاشوراء عطلة رسمية. وطالب بعدم نسيان أي طائفة من الذكر في الدستور الجديد في حال أشير إلى الجماعات الدينية، وكذلك الأمر بالنسبة للجماعات الاتنية في حال تقرر إدراج أسمائها في الدستور. ودعا الجمهورية التركية لعدم التمييز بين أبنائها، والنظر إليهم جميعا بعين المساواة.

وحدد ثلاثة مطالب من الدولة: العدالة في التمثيل والتوزيع، المساواة في الفرص وأمام القوانين، الحرية في التعبير عن الفكر وتعلم المعتقدات الموجودة في البلد.

وانتقد اوزغوندوز الدولة لأنها لا تساوي بين أتباع الديانات والمذاهب والاتنيات في الفرص في التوظف في الدولة وفي توفير الإنماء لكل المناطق. ودعا إلى إعادة النظر في الوجود القانوني لرئاسة الشؤون الدينية (التي تمثل السنّة) بطريقة لا تلغيها، لكن تجعل تقديم الخدمات لكل الطوائف والمذاهب بصورة عادلة ممكنا.

وانتقد إخلال الدولة بوعودها بشأن إدخال معلومات عن الطائفة الشيعية في الكتب المدرسية. وقال إن محطات التلفزيون الرسمية لا تولي اهتماما بالطائفة الشيعية، داعيا إلى تلافي هذه النواقص ملمحا إلى مسؤولية رئاسة الشؤون الدينية عن هذا التجاهل.

وفي الشق السياسي لكلمته قال اوزغوندوز إن المنطقة مرجل يغلي وان السياسات الأميركية في أفغانستان والعراق وليبيا، حولت المنطقة إلى خراب، والديموقراطية التي ادعت أميركا أنها ستأتي بها لم تكن سوى دم ودموع وفقر. وقال «اليوم يتحدثون عن جلب الديموقراطية إلى سوريا، فيما هم في اليمن والبحرين يدعمون الحاكمين».

وانتقد الرياض قائلا إن حكام السعودية لم يكتفوا بسحق الشعب في البحرين بالدبابات والشعب اليمني بالطائرات بل أيضا يدعمون إسرائيل التي ارتكبت المجازر بحق أطفال لبنان وغزة. وأضاف ان المال الذي ينفقه المسلمون في الحج والعمرة يرسله حكام السعودية إلى إسرائيل لقتل المسلمين، كذلك يرسلون العصابات الإرهابية إلى سوريا لضرب نظام الرئيس بشار الأسد الذي يقاوم إسرائيل، ولنشر الفكر الوهابي التكفيري.

وانتقد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين لم ينبسا ببنت شفة أمام الجرائم التي يرتكبها ملك السعودية، بل بالعكس يقدمان له كل الدعم.

وقال إن الشعب في البحرين واليمن يتظاهر اعزل من السلاح ومع ذلك ارتكبوا بحقه المجازر، ولم يشر احد إلى ذلك، فيما أقاموا الدنيا وأقعدوها حول الوضع في سوريا رغم أن غالبية الشعب السوري تدعم النظام. وأضاف إن أصل المؤامرة هو معاقبة النظام السوري على مواقفه ضد الصهيونية والامبريالية ودعمه حركات المقاومة.

وقال اوزغوندوز انه في مقابل الصمت تجاه إسرائيل وجرائمها تخرج اليوم الأمم المتحدة والجامعة العربية، وفي مقدمها النظام السعودي، لتكونا لعبة بيد أميركا من اجل محاصرة النظام في سوريا وكل ذلك من اجل إراحة إسرائيل.

وانتقد اوزغوندوز سياسات وزير الخارجية احمد داود اوغلو، قائلا «ما شأن تركيا بقرارات جامعة الدول العربية؟»، داعيا إياه إلى إعادة النظر باستراتيجية العمق الاستراتيجي وتحويل خسائر تركيا إلى مكاسب. وأضاف «أي مكاسب من تعريض وحدة الأمة التركية ووحدة جغرافيتها للخطر؟ يجب أن تفكر تركيا مليا بذلك. ووزارة الخارجية عندها كل المعلومات كي تفكر بشكل سليم». وتابع «إن الامبريالية تريد تحويل سوريا إلى ساحة حرب، فهل تركيا إلى جانب الامبرياليين أم ضدهم؟. هل سنكون إلى جانب الظالمين أم المظلومين؟». ودعا تركيا وإيران إلى العمل معا لحل المشاكل في البحرين واليمن وسوريا.

وتطرق الشيخ صلاح الدين اوزغوندوز إلى قضية الدرع الصاروخي في تركيا قائلا «إن الجميع يعلم بأنه أنشئ لخدمة وضمان أمن إسرائيل». وأضاف «إن الحكومة بقيادة رجب طيب اردوغان لم تعط تفسيرا يطمئن المواطنين. ولا نريد أن نصدّق أن اردوغان يخدم الصهيونية». وقال انه «يحق لنا كمواطنين انتظار مثل هذا البيان». ووصف النظام في سوريا بأنه «حرا أكثر» من بقية انظمة العالم العربي.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2011-12-07
  • 9721
  • من الأرشيف

عاشوراء اسطنبول: هجوم لاذع على سياسات أردوغان والسعودية

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، سجل رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان سابقة عندما شارك كأول رئيس حكومة تركية في احتفالات عاشوراء التي نظمها الوقف الإسلامي الجعفري في اسطنبول. لكن احتفالات العاشر من محرم، أمس الأول، كانت تعكس صورة معاكسة، حيث تمثل حزب العدالة والتنمية بصورة ضعيفة بالمراسم فيما غاب اردوغان، مكتفيا ببرقية إلى الاحتفال، الذي لم يكن حضوره بديهيا في الأساس، ولا سيما انه يمر في فترة نقاهة في منزله اثر العملية الجراحية التي أجريت له قبل أسبوعين في القولون. لم تكن الثورات العربية في السنة الماضية قد بدأت، ولم يكن التحسس من سياسات أنقرة الغربية قد كبر، بل بعد بدء الثورة في البحرين كان لأردوغان موقف لافت بتحذيره من «كربلاء جديدة» هناك، أعقبتها زيارة للنجف ومرقد الإمام علي بناء لدعوة من المرجع الأعلى لشيعة العراق السيد علي السيستاني. لكن «الانفتاح الشيعي» وقف عند هذا الحد، والتزمت أنقرة بعد ذلك صمتا مطبقا إزاء ما يجري في البحرين، فيما لم تتوقف «ماكينة» المواقف عن العمل تجاه الوضع في سوريا رغم الانتقادات الواسعة التي ووجهت بها السياسة التركية من جانب إيران والعراق وآخرين. وها هو الانتقاد يكتمل في اسطنبول، ومن إحدى ضواحيها الفقيرة، منطقة «حلقه لي»، حيث التواجد الشيعي الأكثف في تركيا. حضر الآخرون بقياداتهم العليا: زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو، زعيم حزب السعادة (حزب الراحل نجم الدين اربكان) مصطفى قالاماق، وابرز القادة العلويين ولا سيما رئيس وقف «جمع» عز الدين دوغان، وحجة الإسلام مصطفى مرسل ممثلا عن مرشد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي ووفود أجنبية أخرى. لكن لفت حضور رئيس الشؤون الدينية الشيخ محمد غورميز للمرة الأولى، وهو أعلى موقع ديني سنّي في البلاد. وتميز الاحتفال الذي شارك فيه عشرات الآلاف من الشيعة، بالهجوم الكبير الذي شنّه رئيس الوقف الشيعي الجعفري الشيخ صلاح الدين اوزغوندوز، الذي يعتبر زعيم الطائفة الشيعية في تركيا (التي تقدّر بعض الإحصاءات عددها بمليونين أو أكثر) على سياسات اردوغان الأطلسية، وعلى السياسات السعودية و«الوهابية التكفيرية». وفي كلمته أمام الحشود قال قالاماق إن جرح كربلاء لن يختم أبدا. وأضاف «بالأمس قتل يزيد الإمام الحسين، واليوم يواصل اليزيديون سفك الدماء». وتحدث كيليتشدار اوغلو عن مأساة كربلاء، قائلا إن هذا الألم لن يخمد وسوف يبقى على الدوام. وإذ اعتبر مأساة كربلاء التي ارتكبها يزيد بداية الفتنة بين المسلمين دعا إلى عدم التفرقة بين المسلمين، محييا في ختام كلمته «الإمام الحسين وأهل البيت وكل محبي أهل البيت». وفي كلمته أمام الحشود طالب اوزغوندوز الحكومة بتنفيذ وعود سابقة لها بجعل يوم عاشوراء عطلة رسمية. وطالب بعدم نسيان أي طائفة من الذكر في الدستور الجديد في حال أشير إلى الجماعات الدينية، وكذلك الأمر بالنسبة للجماعات الاتنية في حال تقرر إدراج أسمائها في الدستور. ودعا الجمهورية التركية لعدم التمييز بين أبنائها، والنظر إليهم جميعا بعين المساواة. وحدد ثلاثة مطالب من الدولة: العدالة في التمثيل والتوزيع، المساواة في الفرص وأمام القوانين، الحرية في التعبير عن الفكر وتعلم المعتقدات الموجودة في البلد. وانتقد اوزغوندوز الدولة لأنها لا تساوي بين أتباع الديانات والمذاهب والاتنيات في الفرص في التوظف في الدولة وفي توفير الإنماء لكل المناطق. ودعا إلى إعادة النظر في الوجود القانوني لرئاسة الشؤون الدينية (التي تمثل السنّة) بطريقة لا تلغيها، لكن تجعل تقديم الخدمات لكل الطوائف والمذاهب بصورة عادلة ممكنا. وانتقد إخلال الدولة بوعودها بشأن إدخال معلومات عن الطائفة الشيعية في الكتب المدرسية. وقال إن محطات التلفزيون الرسمية لا تولي اهتماما بالطائفة الشيعية، داعيا إلى تلافي هذه النواقص ملمحا إلى مسؤولية رئاسة الشؤون الدينية عن هذا التجاهل. وفي الشق السياسي لكلمته قال اوزغوندوز إن المنطقة مرجل يغلي وان السياسات الأميركية في أفغانستان والعراق وليبيا، حولت المنطقة إلى خراب، والديموقراطية التي ادعت أميركا أنها ستأتي بها لم تكن سوى دم ودموع وفقر. وقال «اليوم يتحدثون عن جلب الديموقراطية إلى سوريا، فيما هم في اليمن والبحرين يدعمون الحاكمين». وانتقد الرياض قائلا إن حكام السعودية لم يكتفوا بسحق الشعب في البحرين بالدبابات والشعب اليمني بالطائرات بل أيضا يدعمون إسرائيل التي ارتكبت المجازر بحق أطفال لبنان وغزة. وأضاف ان المال الذي ينفقه المسلمون في الحج والعمرة يرسله حكام السعودية إلى إسرائيل لقتل المسلمين، كذلك يرسلون العصابات الإرهابية إلى سوريا لضرب نظام الرئيس بشار الأسد الذي يقاوم إسرائيل، ولنشر الفكر الوهابي التكفيري. وانتقد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين لم ينبسا ببنت شفة أمام الجرائم التي يرتكبها ملك السعودية، بل بالعكس يقدمان له كل الدعم. وقال إن الشعب في البحرين واليمن يتظاهر اعزل من السلاح ومع ذلك ارتكبوا بحقه المجازر، ولم يشر احد إلى ذلك، فيما أقاموا الدنيا وأقعدوها حول الوضع في سوريا رغم أن غالبية الشعب السوري تدعم النظام. وأضاف إن أصل المؤامرة هو معاقبة النظام السوري على مواقفه ضد الصهيونية والامبريالية ودعمه حركات المقاومة. وقال اوزغوندوز انه في مقابل الصمت تجاه إسرائيل وجرائمها تخرج اليوم الأمم المتحدة والجامعة العربية، وفي مقدمها النظام السعودي، لتكونا لعبة بيد أميركا من اجل محاصرة النظام في سوريا وكل ذلك من اجل إراحة إسرائيل. وانتقد اوزغوندوز سياسات وزير الخارجية احمد داود اوغلو، قائلا «ما شأن تركيا بقرارات جامعة الدول العربية؟»، داعيا إياه إلى إعادة النظر باستراتيجية العمق الاستراتيجي وتحويل خسائر تركيا إلى مكاسب. وأضاف «أي مكاسب من تعريض وحدة الأمة التركية ووحدة جغرافيتها للخطر؟ يجب أن تفكر تركيا مليا بذلك. ووزارة الخارجية عندها كل المعلومات كي تفكر بشكل سليم». وتابع «إن الامبريالية تريد تحويل سوريا إلى ساحة حرب، فهل تركيا إلى جانب الامبرياليين أم ضدهم؟. هل سنكون إلى جانب الظالمين أم المظلومين؟». ودعا تركيا وإيران إلى العمل معا لحل المشاكل في البحرين واليمن وسوريا. وتطرق الشيخ صلاح الدين اوزغوندوز إلى قضية الدرع الصاروخي في تركيا قائلا «إن الجميع يعلم بأنه أنشئ لخدمة وضمان أمن إسرائيل». وأضاف «إن الحكومة بقيادة رجب طيب اردوغان لم تعط تفسيرا يطمئن المواطنين. ولا نريد أن نصدّق أن اردوغان يخدم الصهيونية». وقال انه «يحق لنا كمواطنين انتظار مثل هذا البيان». ووصف النظام في سوريا بأنه «حرا أكثر» من بقية انظمة العالم العربي.    

المصدر : السفير /محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة