الأرضيّة التي تتيحها قرارات الجامعة العربية ضد سورية تخدم، بالتأكيد، قرار المواجهة العسكرية الغربية، إن وجد. لا خلاف، كما يبدو، أن التحرك العسكري الغربي ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد يستلزم غطاءً عربياً، على غرار ما حصل في الحالة الليبية، لكن، في الوقت نفسه، العلاقة بين المطلبين ليست سببية وليست ضرورية بالمطلق، إن وجد قرار المواجهة العسكرية لدى الغرب، وإلا فإن ما تقوم به دول "الاعتدال" العربي سيبقى جهداً يخدم مقاربة أخرى، بديلة من الخيار العسكري المتعذّر.

ومن السذاجة القول إن دول "الاعتدال" العربي غير مدركة لحدود القوة لدى الغرب في هذه المرحلة، وتحديداً لدى الأميركيين، تجاه سوريا. في الوقت نفسه، السذاجة ستكون أكبر، إن كان الحديث عن حراك عربي في معزل عن قرار أميركي، أو أقله، رضى أميركي. ومطلق السذاجة الحديث عن «نخوة»عربية، على غير العادة المتأصلة لدى دول تجذرت في الاستبداد والتبعية وقهر مواطنيها، تندفع فجأة للدفاع عن حقوق الإنسان والديموقراطية... في سوريا. الواقع يشير، لمن يريد التقاط إشاراته، الى وجود محورين متقابلين في المنطقة، وصلا بالفعل الى مرحلة إعلان نتائج منازلة دامت سنوات: محور ينتصر، ويشمل بالطبع سوريا، وينتظر الإعلان عن انكسار أعدائه، وفي المقابل، محور مهزوم، يشمل دول «الاعتدال» العربي، يحاول الحدّ من خسارته أو التعويض عنها بالهجوم على سوريا، أما باقي الكلام، فلزوم المواجهة، لا أكثر.

وفي الحراك العربي الأخير مؤشرات دالة على واقع الجانبين وإمكاناتهما، بعدما فشلت كل المحاولات والرهانات حتى الآن. ولا جدال بأن الأميركيين وعواصم قرار غربية أخرى يجهدون بالفعل لإطاحة نظام الرئيس بشار الأسد، رغم اتضاح تعذر الخيار العسكري ضده، إلا أن برودة تلقي الحراك العربي الأخير ضد دمشق كانت لافتة وتشير الى قدرة الغرب الفعلية ضد هذا البلد، والى التقدير السائد لديها، حيال التداعيات السلبية لأي مواجهة عسكرية مع سوريا. وما جولة الرباط الأخيرة إلا تعبير عملي، أو انعكاس عملي للبرودة الغربية، قياساً بموقف الجامعة العربية الذي سبقه قبل أيام، وبالتالي تعدّ تراجعاً لجهة مضمونها وحدّتها وطريقة مقاربتها، رغم كل ما يمكن أن يبنى عليها لاحقاً.

وطالما أن الخيار العسكري متعذّر، وأن سوريا وأعداءها على حد سواء، يدركون تعذّره، فإن إمكانات الجهة المقابلة وقدرتها ستكون محدودة التأثير، فسوريا قادرة، كما يبدو، على مواجهة الضغوط في مستويات ما دون الحرب العسكرية المباشرة، وإن كان بعض منها مؤذياً نسبياً، وخاصة أن لديها، أي سوريا، قدرات بمعيّة حلفائها، لاحتواء وتجاوز معظم الإجراءات والتوجهات العملية المتاحة أمام أعدائها في هذه المرحلة، بما يحكى أنه سيساق ضدها بوتيرة متسارعة للمرحلة المقبلة.

معنى ذلك أنه رغم وجود مروحة واسعة من الضغوط أمام دول "الاعتدال" العربي ضد سوريا، قد تلجأ إليها بالفعل التزاماً بالوكالة الأميركية المعطاة لها، إلا أن ضابطة عدم وجود قرار حربي عسكري، من شأنها أن تحوّل معظم الضغوط الى نوع من الحرب النفسية، رغم قدرة جزء منها، على الإيذاء نسبياً.

مع ذلك، يجب القول، وإعادة القول، ان الهجمة العربية والغربية على سوريا، التي تعدّ عملاً هجومياً في ظاهرها الحالي، هي، واقعاً ومن ناحية أهدافها الاستراتيجية، عمل دفاعي وقائي، وربما استباقي أيضاً، في محاولة من المحور الأميركي والمنساقين معه، لمواجهة مسبقة لليوم الذي يلي الإعلان عن الانكسار في العراق وفي المنطقة عموماً، والهجمة على سوريا تأتي في هذا الإطار: الحؤول دون أن يتمكن محور المقاومة، وسوريا بطبيعة الحال، من قطف ثمار جهود ناجحة، دامت سنوات، ضد الهيمنة والسيطرة الأميركية على المنطقة.

تبقى الإشارة الى أن المواقف الروسية المتشددة لمصلحة سوريا، والتي أعقبت الفيتو في مجلس الأمن، تؤكد وجود مقاربة روسية جديدة ومختلفة عما مضى، وقد تكشفت أكثر في الموقف الروسي الحازم في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. والتأييد الروسي لسوريا هو أيضاً معطى يزيد بالتأكيد من منعتها وقدرتها على مواجهة الضغوط. صانع القرار في موسكو معنيّ بالدفاع عن سوريا بوصفها جزءاً من محور ينتصر في المنطقة، ولن تكفيه في مرحلة التراجع الأميركي حصة افتراضية في واقع افتراضي يراد أن يتحقق أميركياً في الساحة السورية، لمرحلة ما بعد الخروج من العراق، بكل ما ينطوي عليه من معانٍ وأبعاد وتداعيات استراتيجية في المنطقة.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-11-20
  • 11353
  • من الأرشيف

ضغوط الوقت الضائع ضدّ سورية

  الأرضيّة التي تتيحها قرارات الجامعة العربية ضد سورية تخدم، بالتأكيد، قرار المواجهة العسكرية الغربية، إن وجد. لا خلاف، كما يبدو، أن التحرك العسكري الغربي ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد يستلزم غطاءً عربياً، على غرار ما حصل في الحالة الليبية، لكن، في الوقت نفسه، العلاقة بين المطلبين ليست سببية وليست ضرورية بالمطلق، إن وجد قرار المواجهة العسكرية لدى الغرب، وإلا فإن ما تقوم به دول "الاعتدال" العربي سيبقى جهداً يخدم مقاربة أخرى، بديلة من الخيار العسكري المتعذّر. ومن السذاجة القول إن دول "الاعتدال" العربي غير مدركة لحدود القوة لدى الغرب في هذه المرحلة، وتحديداً لدى الأميركيين، تجاه سوريا. في الوقت نفسه، السذاجة ستكون أكبر، إن كان الحديث عن حراك عربي في معزل عن قرار أميركي، أو أقله، رضى أميركي. ومطلق السذاجة الحديث عن «نخوة»عربية، على غير العادة المتأصلة لدى دول تجذرت في الاستبداد والتبعية وقهر مواطنيها، تندفع فجأة للدفاع عن حقوق الإنسان والديموقراطية... في سوريا. الواقع يشير، لمن يريد التقاط إشاراته، الى وجود محورين متقابلين في المنطقة، وصلا بالفعل الى مرحلة إعلان نتائج منازلة دامت سنوات: محور ينتصر، ويشمل بالطبع سوريا، وينتظر الإعلان عن انكسار أعدائه، وفي المقابل، محور مهزوم، يشمل دول «الاعتدال» العربي، يحاول الحدّ من خسارته أو التعويض عنها بالهجوم على سوريا، أما باقي الكلام، فلزوم المواجهة، لا أكثر. وفي الحراك العربي الأخير مؤشرات دالة على واقع الجانبين وإمكاناتهما، بعدما فشلت كل المحاولات والرهانات حتى الآن. ولا جدال بأن الأميركيين وعواصم قرار غربية أخرى يجهدون بالفعل لإطاحة نظام الرئيس بشار الأسد، رغم اتضاح تعذر الخيار العسكري ضده، إلا أن برودة تلقي الحراك العربي الأخير ضد دمشق كانت لافتة وتشير الى قدرة الغرب الفعلية ضد هذا البلد، والى التقدير السائد لديها، حيال التداعيات السلبية لأي مواجهة عسكرية مع سوريا. وما جولة الرباط الأخيرة إلا تعبير عملي، أو انعكاس عملي للبرودة الغربية، قياساً بموقف الجامعة العربية الذي سبقه قبل أيام، وبالتالي تعدّ تراجعاً لجهة مضمونها وحدّتها وطريقة مقاربتها، رغم كل ما يمكن أن يبنى عليها لاحقاً. وطالما أن الخيار العسكري متعذّر، وأن سوريا وأعداءها على حد سواء، يدركون تعذّره، فإن إمكانات الجهة المقابلة وقدرتها ستكون محدودة التأثير، فسوريا قادرة، كما يبدو، على مواجهة الضغوط في مستويات ما دون الحرب العسكرية المباشرة، وإن كان بعض منها مؤذياً نسبياً، وخاصة أن لديها، أي سوريا، قدرات بمعيّة حلفائها، لاحتواء وتجاوز معظم الإجراءات والتوجهات العملية المتاحة أمام أعدائها في هذه المرحلة، بما يحكى أنه سيساق ضدها بوتيرة متسارعة للمرحلة المقبلة. معنى ذلك أنه رغم وجود مروحة واسعة من الضغوط أمام دول "الاعتدال" العربي ضد سوريا، قد تلجأ إليها بالفعل التزاماً بالوكالة الأميركية المعطاة لها، إلا أن ضابطة عدم وجود قرار حربي عسكري، من شأنها أن تحوّل معظم الضغوط الى نوع من الحرب النفسية، رغم قدرة جزء منها، على الإيذاء نسبياً. مع ذلك، يجب القول، وإعادة القول، ان الهجمة العربية والغربية على سوريا، التي تعدّ عملاً هجومياً في ظاهرها الحالي، هي، واقعاً ومن ناحية أهدافها الاستراتيجية، عمل دفاعي وقائي، وربما استباقي أيضاً، في محاولة من المحور الأميركي والمنساقين معه، لمواجهة مسبقة لليوم الذي يلي الإعلان عن الانكسار في العراق وفي المنطقة عموماً، والهجمة على سوريا تأتي في هذا الإطار: الحؤول دون أن يتمكن محور المقاومة، وسوريا بطبيعة الحال، من قطف ثمار جهود ناجحة، دامت سنوات، ضد الهيمنة والسيطرة الأميركية على المنطقة. تبقى الإشارة الى أن المواقف الروسية المتشددة لمصلحة سوريا، والتي أعقبت الفيتو في مجلس الأمن، تؤكد وجود مقاربة روسية جديدة ومختلفة عما مضى، وقد تكشفت أكثر في الموقف الروسي الحازم في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. والتأييد الروسي لسوريا هو أيضاً معطى يزيد بالتأكيد من منعتها وقدرتها على مواجهة الضغوط. صانع القرار في موسكو معنيّ بالدفاع عن سوريا بوصفها جزءاً من محور ينتصر في المنطقة، ولن تكفيه في مرحلة التراجع الأميركي حصة افتراضية في واقع افتراضي يراد أن يتحقق أميركياً في الساحة السورية، لمرحلة ما بعد الخروج من العراق، بكل ما ينطوي عليه من معانٍ وأبعاد وتداعيات استراتيجية في المنطقة.  

المصدر : يحيى دبوق\ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة