في روايته الشهيرة «عمارة يعقوبيان»، وصف الكاتب المصري علاء الأسواني دائرة قصر النيل بـ«حتة الجاتوه» التي يتسابق عليها الجميع، بالنظر إلى صغر حجمها، جغرافياً وانتخابياً، ما يمنح المرشح هامشاً واسعاً للتحرك فيها بسهولة، ولأن أحياءها الراقية تجعل النائب الفائز في الانتخابات بمنأى عن «صداع الرأس» الذي قد تتسبب به مناطق أخرى في العاصمة المصرية.

أما اليوم فقد أصبح الوضع مختلفاً إذ اتسع النطاق الجغرافي لهذه الدائرة ليشمل الزمالك والموسكي وعابدين والأزبكية وبولاق أبو العلا وباب الشعرية والدرب الأحمر والظاهر والجمالية ومنشأة ناصر، ما يفقد المرشحين في تلك الدائرة قدرتهم على التحرك انتخابياً بسهولة فيها، ويدخل قوى جديدة في دائرة المنافسة على مقاعدها.

تلك عينة للتقسيم الانتخابي الجديد الذي فرضه قانون الانتخابات الذي أقره المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي كان موضع انتقادات حادة من قبل العديد من القوى السياسية، بعدما وضعت ظاهرة توسيع الدوائر، على امتداد المحافظات، في خانة الترويج للقوى النافذة على المستوى المالي والتنظيمي، أي رجال الأعمال المرتبطون بالحزب الوطني، ورموز التيار الإسلامي.

لكن الانتقادات التي ووجه بها هذا القانون لم تقتصر على هذا الجانب، فقد رأت قوى عديدة أن تقسيم دوائر البرلمان، بين ثلثين وفقاً لنظام القوائم، وثلث وفقاً للنظام الفردي، سيفسح أيضاً المجال أمام المرشحين النافذين، ومعظمهم من فلول الحزب الوطني، للاستحواذ على عدد لا بأس به من المقاعد، بالرغم من إلغاء المادة الخامسة التي كانت تحظر على الحزبيين الترشح في الدوائر الفردية.

ملامح القانون الجديد

وبموجب القانون الانتخابي الجديد، سيتــنافس المرشحــون، الذين تجاوز عددهم 15 ألفاً على 498 مقعداً في مجلــس الشعب و270 مقعداً في مجلس الشورى، فيما يحق للمجلس الأعلى للــقوات المسلحة أن يعين عشرة أعضاء في مجلس الشعب، فضلاً عن تعيينه ثلث أعضاء مجلس الشورى.

وقسمت تعديلات قانون مجلس الشعب مصر إلى 129 دائرة انتخابية (46 منها لنظام القوائم و83 لنظام الفردي)، فيما قسمت تعديلات قانون مجلس الشورى البلاد إلى 60 دائرة انتخابية (30 لنظام القوائم و30 لنظام الفردي). وحافظت هذه التعديلات على تمثيل العمال والفلاحين (نصف المقاعد البرلمانية)، فيما فرضت على الأحزاب ترشيح امرأة واحدة على الأقل ضمن قوائمها، متخلية بذلك عن الكوتا النسائية التي اعتمدت في السابق (12 في المئة).

وستجرى الانتخابات على عدة مراحل، وهي تنطلق في الثامن والعشرين من تشرين الثاني الحالي، وتنتهي في الحادي عشر من آذار المقبل.

وبالنسبة لمجلس الشعب ستجرى الانتخابات على ثلاث مراحل:

- المرحلة الأولى في 28 تشرين الثاني، وتشمل تسع محافظات (القاهرة، الفيوم، بور سعيد، دمياط، الاسكندرية، كفر الشيخ، أسيوط، الأقصر، والبحر الأحمر)، على أن تكون جولة الإعادة في الخامس من كانون الأول.

- المرحلة الثانية في 14 كانون الأول، وتشمل تسع محافظات (الجيزة، بني سويف، المنوفية، الشرقية، الإسماعيلية، السويس، البحيرة، سوهاج، وأسوان)، على أن تكون جولة الإعادة في 21 كانون الأول.

- المرحلة الثالثة في الثالث من كانون الثاني، وتشمل باقي محافظات (المنيا، القليوبية، الغربية، الدقهلية، شمال سيناء، جنوب سيناء، مطروح، قنا، والوادي الجديد)، على أن تكون جولة الإعادة في 10 كانون الثاني.

كذلك، ستجرى انتخابات مجلس الشورى على ثلاث مراحل كل منها يشمل المحافظات المذكورة أعلاه، حيث ستكون المرحلة الأولى في 29 كانون الثاني (جولة الإعادة في الخامس من شباط)، والمرحلة الثانية في 14 شباط (جولة الإعادة في 21 شباط)، والمرحلة الثالثة في الرابع من آذار (جولة الإعادة في 11 آذار).

ثغرات تمثيلية.. وتداعيات سياسية

نظرياً، يمكن القول إن القانون الجديد قد جاء ليضمن تمثيلاً أفضل للأحزاب السياسية، مقارنة بالقوانين التي أجريت على أساسها انتخابات العامين 2005 و2010، لكنه يبقى في الواقع أقل من سقف المطالب الديموقراطية التي قامت عليها ثورة 25 يناير، وحتى أقل تمثيلاً من القانون الذي جرت على أساسه انتخابات العام 1984، التي جرت وفقاً لنظام القوائم النسبية بشكل كامل، ما سمح حينها لقوى المعارضة بالحصول على نحو 20 في المئة من المقاعد البرلمانية.

ولعل الملاحظة الأولى التي يمكن تسجيلها بالنســبة للقانون الجديد، تتمثل في التعقيدات التي يحملها، سواء لجهة توزيع المقاعد بين النظامين النسبي والفردي، أو لجهة المعايير المتبعة لإعادة توزيع المقاعد في القوائم النسبية، وهو أمر تسبب بإرباك لدى كثيرين من السياسيين والإعلاميين، فكيف بالنسبة للمواطن العادي، الذي سيجد نفسه يصوّت عبر ورقتي اقتراع.

وبالرغم من أن اعتماد النظام النسبي، وإن على نطاق الثلثين، قد يؤدي نظرياً إلى تعزيز حضور الأحزاب الناشئة في البرلمان المقبل، وبالتالي ضمان تمثيل متوازن للقوى السياسية في البرلمان، إلا أن النظام قد يأتي بنتائج عكسية في بيئة سياسية تخطو أولى خطواتها باتجاه الديموقراطية، بعد ثلاثة عقود أو أكثر من الفساد.

وبذلك، فإن كثيرين يرون أن قانون الانتخابات الحالي سيرجح كفة الإسلاميين في ظل ضعف التنظيم داخل القوى الليبرالية واليسارية. وعلى هذا الأساس، وهو أمر سيجعل قوة هذه اللائحة أو تلك مرتبطة بالشخصيات السياسية التي تحتل رؤوس قوائمهما، ما يعني عملياً أن النظام النسبي المعتمد سيكون أقرب إلى نظام فردي مقنّع.

وعلاوة على ذلك، فإن ثمة من يتخوف من أن النظام الانتخابي الجديد سيضعف الأحزاب المدنية أكثر فأكثر، لأنه سيخلق صراعات داخلية حول توزيع المقاعد بين تلك الأحزاب، وحتى داخل الحزب الواحد، وهو ما تبدّى مؤخراً في موجة الانشقاقات التي طالت عدداً من الأحزاب اليسارية، والخلافات الحادة التي برزت ضمن «الكتلة المصرية»، التي ضمت عند تأسيسها 18 حزباً يسارياً وليبرالياً، لم يبق منها حالياً سوى ثلاثة أحزاب.

من جهة ثانية، يتوقع البعض أن يعزز القانون الجديد حالة الاستقطاب بين التيارين الإسلامي والعلماني، بجناحيه الليبرالي واليساري، على أن يشكل المستقلون كتلة وسطية بين الطرفين، وهو ما يدفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن المجلس العسكري سيجيد في المرحلة المقبلة اللعب على وتر هذا الاستقطاب للتحكم بالحياة السياسية في المرحلة الانتقالية.

لكن الأمر الأكثر خطورة، والذي يشكل مصدر قلق لشباب الثورة خصوصاً، هو أن حجم الدوائر المعتمد في القانون غير متسق، فثمة دوائر شديدة الاتساع، بما لا يسمح للأحزاب الليبرالية الناشئة وشباب الثورة بالقيام بدعاية انتخابية حقيقية، مقارنة بالأحزاب الكبيرة، ودوائر شديدة الضيق ستتيح المجال أمام المرشحين المستقلين النافذين، ومعظمهم مرتبط تاريخياً بالحزب الوطني المنحل، لكي يحققوا فوزاً سهلاً عبر استخدام المال والبلطجة والعصبيات العائلية والقبلية، علماً بأن هؤلاء تمرّسوا في لعبة الانتخابات طوال ثلاثة عقود.

ولعل ما يعزز تلك المخاوف هو أن سلطات المرحلة الانتقالية قد أحجمت عن إصدار قانون العزل السياسي لمن أفسد الحياة السياسية في العهد السابق، وعدم وضع أي ضوابط صارمة في ما يتعلق بالإنفاق الانتخابي.

لعل هذه المخاوف المرتبطة بقانون الانتخاب المصري تعيد تذكيرنا بمصطلح «الجيريماندرية» الذي ابتدع في النصف الأول من القرن التاسع عشر، والذي سمّي تيمّنا بحاكم ولاية ماساشوستس البردج جيري (1744 - 1814)، الذي قام بصياغة نظام لتوزيع الدوائر سمحت لحزبه بالفوز في الانتخابات عام 1812، ولهذا فإن ثمة إجماعا لدى المحللين الانتخابيين على أن معظم التشريعات الانتخابية في العالم الثالث تسير وفقاً لهذا الأسلوب في «التفضيل التقسيمي» لصالح هذا الطرف أو ذاك، وهو ما يطرح علامات استفهام حول ما إذا كان القانون الذي يحكم الانتخابات المصرية الحالية قد فصل لصالح حيتان المال والدين... بما يعيد إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2011-11-18
  • 10150
  • من الأرشيف

قانون انتخابات جديد...لإنتاج نظام قديم!

    في روايته الشهيرة «عمارة يعقوبيان»، وصف الكاتب المصري علاء الأسواني دائرة قصر النيل بـ«حتة الجاتوه» التي يتسابق عليها الجميع، بالنظر إلى صغر حجمها، جغرافياً وانتخابياً، ما يمنح المرشح هامشاً واسعاً للتحرك فيها بسهولة، ولأن أحياءها الراقية تجعل النائب الفائز في الانتخابات بمنأى عن «صداع الرأس» الذي قد تتسبب به مناطق أخرى في العاصمة المصرية. أما اليوم فقد أصبح الوضع مختلفاً إذ اتسع النطاق الجغرافي لهذه الدائرة ليشمل الزمالك والموسكي وعابدين والأزبكية وبولاق أبو العلا وباب الشعرية والدرب الأحمر والظاهر والجمالية ومنشأة ناصر، ما يفقد المرشحين في تلك الدائرة قدرتهم على التحرك انتخابياً بسهولة فيها، ويدخل قوى جديدة في دائرة المنافسة على مقاعدها. تلك عينة للتقسيم الانتخابي الجديد الذي فرضه قانون الانتخابات الذي أقره المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي كان موضع انتقادات حادة من قبل العديد من القوى السياسية، بعدما وضعت ظاهرة توسيع الدوائر، على امتداد المحافظات، في خانة الترويج للقوى النافذة على المستوى المالي والتنظيمي، أي رجال الأعمال المرتبطون بالحزب الوطني، ورموز التيار الإسلامي. لكن الانتقادات التي ووجه بها هذا القانون لم تقتصر على هذا الجانب، فقد رأت قوى عديدة أن تقسيم دوائر البرلمان، بين ثلثين وفقاً لنظام القوائم، وثلث وفقاً للنظام الفردي، سيفسح أيضاً المجال أمام المرشحين النافذين، ومعظمهم من فلول الحزب الوطني، للاستحواذ على عدد لا بأس به من المقاعد، بالرغم من إلغاء المادة الخامسة التي كانت تحظر على الحزبيين الترشح في الدوائر الفردية. ملامح القانون الجديد وبموجب القانون الانتخابي الجديد، سيتــنافس المرشحــون، الذين تجاوز عددهم 15 ألفاً على 498 مقعداً في مجلــس الشعب و270 مقعداً في مجلس الشورى، فيما يحق للمجلس الأعلى للــقوات المسلحة أن يعين عشرة أعضاء في مجلس الشعب، فضلاً عن تعيينه ثلث أعضاء مجلس الشورى. وقسمت تعديلات قانون مجلس الشعب مصر إلى 129 دائرة انتخابية (46 منها لنظام القوائم و83 لنظام الفردي)، فيما قسمت تعديلات قانون مجلس الشورى البلاد إلى 60 دائرة انتخابية (30 لنظام القوائم و30 لنظام الفردي). وحافظت هذه التعديلات على تمثيل العمال والفلاحين (نصف المقاعد البرلمانية)، فيما فرضت على الأحزاب ترشيح امرأة واحدة على الأقل ضمن قوائمها، متخلية بذلك عن الكوتا النسائية التي اعتمدت في السابق (12 في المئة). وستجرى الانتخابات على عدة مراحل، وهي تنطلق في الثامن والعشرين من تشرين الثاني الحالي، وتنتهي في الحادي عشر من آذار المقبل. وبالنسبة لمجلس الشعب ستجرى الانتخابات على ثلاث مراحل: - المرحلة الأولى في 28 تشرين الثاني، وتشمل تسع محافظات (القاهرة، الفيوم، بور سعيد، دمياط، الاسكندرية، كفر الشيخ، أسيوط، الأقصر، والبحر الأحمر)، على أن تكون جولة الإعادة في الخامس من كانون الأول. - المرحلة الثانية في 14 كانون الأول، وتشمل تسع محافظات (الجيزة، بني سويف، المنوفية، الشرقية، الإسماعيلية، السويس، البحيرة، سوهاج، وأسوان)، على أن تكون جولة الإعادة في 21 كانون الأول. - المرحلة الثالثة في الثالث من كانون الثاني، وتشمل باقي محافظات (المنيا، القليوبية، الغربية، الدقهلية، شمال سيناء، جنوب سيناء، مطروح، قنا، والوادي الجديد)، على أن تكون جولة الإعادة في 10 كانون الثاني. كذلك، ستجرى انتخابات مجلس الشورى على ثلاث مراحل كل منها يشمل المحافظات المذكورة أعلاه، حيث ستكون المرحلة الأولى في 29 كانون الثاني (جولة الإعادة في الخامس من شباط)، والمرحلة الثانية في 14 شباط (جولة الإعادة في 21 شباط)، والمرحلة الثالثة في الرابع من آذار (جولة الإعادة في 11 آذار). ثغرات تمثيلية.. وتداعيات سياسية نظرياً، يمكن القول إن القانون الجديد قد جاء ليضمن تمثيلاً أفضل للأحزاب السياسية، مقارنة بالقوانين التي أجريت على أساسها انتخابات العامين 2005 و2010، لكنه يبقى في الواقع أقل من سقف المطالب الديموقراطية التي قامت عليها ثورة 25 يناير، وحتى أقل تمثيلاً من القانون الذي جرت على أساسه انتخابات العام 1984، التي جرت وفقاً لنظام القوائم النسبية بشكل كامل، ما سمح حينها لقوى المعارضة بالحصول على نحو 20 في المئة من المقاعد البرلمانية. ولعل الملاحظة الأولى التي يمكن تسجيلها بالنســبة للقانون الجديد، تتمثل في التعقيدات التي يحملها، سواء لجهة توزيع المقاعد بين النظامين النسبي والفردي، أو لجهة المعايير المتبعة لإعادة توزيع المقاعد في القوائم النسبية، وهو أمر تسبب بإرباك لدى كثيرين من السياسيين والإعلاميين، فكيف بالنسبة للمواطن العادي، الذي سيجد نفسه يصوّت عبر ورقتي اقتراع. وبالرغم من أن اعتماد النظام النسبي، وإن على نطاق الثلثين، قد يؤدي نظرياً إلى تعزيز حضور الأحزاب الناشئة في البرلمان المقبل، وبالتالي ضمان تمثيل متوازن للقوى السياسية في البرلمان، إلا أن النظام قد يأتي بنتائج عكسية في بيئة سياسية تخطو أولى خطواتها باتجاه الديموقراطية، بعد ثلاثة عقود أو أكثر من الفساد. وبذلك، فإن كثيرين يرون أن قانون الانتخابات الحالي سيرجح كفة الإسلاميين في ظل ضعف التنظيم داخل القوى الليبرالية واليسارية. وعلى هذا الأساس، وهو أمر سيجعل قوة هذه اللائحة أو تلك مرتبطة بالشخصيات السياسية التي تحتل رؤوس قوائمهما، ما يعني عملياً أن النظام النسبي المعتمد سيكون أقرب إلى نظام فردي مقنّع. وعلاوة على ذلك، فإن ثمة من يتخوف من أن النظام الانتخابي الجديد سيضعف الأحزاب المدنية أكثر فأكثر، لأنه سيخلق صراعات داخلية حول توزيع المقاعد بين تلك الأحزاب، وحتى داخل الحزب الواحد، وهو ما تبدّى مؤخراً في موجة الانشقاقات التي طالت عدداً من الأحزاب اليسارية، والخلافات الحادة التي برزت ضمن «الكتلة المصرية»، التي ضمت عند تأسيسها 18 حزباً يسارياً وليبرالياً، لم يبق منها حالياً سوى ثلاثة أحزاب. من جهة ثانية، يتوقع البعض أن يعزز القانون الجديد حالة الاستقطاب بين التيارين الإسلامي والعلماني، بجناحيه الليبرالي واليساري، على أن يشكل المستقلون كتلة وسطية بين الطرفين، وهو ما يدفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن المجلس العسكري سيجيد في المرحلة المقبلة اللعب على وتر هذا الاستقطاب للتحكم بالحياة السياسية في المرحلة الانتقالية. لكن الأمر الأكثر خطورة، والذي يشكل مصدر قلق لشباب الثورة خصوصاً، هو أن حجم الدوائر المعتمد في القانون غير متسق، فثمة دوائر شديدة الاتساع، بما لا يسمح للأحزاب الليبرالية الناشئة وشباب الثورة بالقيام بدعاية انتخابية حقيقية، مقارنة بالأحزاب الكبيرة، ودوائر شديدة الضيق ستتيح المجال أمام المرشحين المستقلين النافذين، ومعظمهم مرتبط تاريخياً بالحزب الوطني المنحل، لكي يحققوا فوزاً سهلاً عبر استخدام المال والبلطجة والعصبيات العائلية والقبلية، علماً بأن هؤلاء تمرّسوا في لعبة الانتخابات طوال ثلاثة عقود. ولعل ما يعزز تلك المخاوف هو أن سلطات المرحلة الانتقالية قد أحجمت عن إصدار قانون العزل السياسي لمن أفسد الحياة السياسية في العهد السابق، وعدم وضع أي ضوابط صارمة في ما يتعلق بالإنفاق الانتخابي. لعل هذه المخاوف المرتبطة بقانون الانتخاب المصري تعيد تذكيرنا بمصطلح «الجيريماندرية» الذي ابتدع في النصف الأول من القرن التاسع عشر، والذي سمّي تيمّنا بحاكم ولاية ماساشوستس البردج جيري (1744 - 1814)، الذي قام بصياغة نظام لتوزيع الدوائر سمحت لحزبه بالفوز في الانتخابات عام 1812، ولهذا فإن ثمة إجماعا لدى المحللين الانتخابيين على أن معظم التشريعات الانتخابية في العالم الثالث تسير وفقاً لهذا الأسلوب في «التفضيل التقسيمي» لصالح هذا الطرف أو ذاك، وهو ما يطرح علامات استفهام حول ما إذا كان القانون الذي يحكم الانتخابات المصرية الحالية قد فصل لصالح حيتان المال والدين... بما يعيد إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة.    

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة