ظهر موقفان في الساعات القليلة الماضية يعكسان تشويشا وارتباكا وربما إحباطا في الموقف من «المسألة السورية»، ولا سيما لجهة احتمالات التدخل العسكري التركي وإقامة منطقة عازلة تكرر الكلام حولها كثيرا في الآونة الأخيرة.

الموقف الأول من رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان الذي انتقد الغرب لعدم تعامله مع الأزمة في سورية كما تعامل مع ليبيا، أي بحزم وصولا إلى تدخل عسكري أممي أو «أطلسي». وقد عزا اردوغان عدم اهتمام الغرب بسورية لأنه لا يوجد فيها نفط وثروات.

أما الموقف الثاني فكان من جانب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية محمد رياض الشقفة، خلال مؤتمر في اسطنبول، دعا فيه تركيا إلى التدخل العسكري ولو بمفردها.

ويحمل الموقفان التباسات متعددة منها أن الغرب، بعكس ما قال اردوغان، مهتم جدا بالوضع السوري شأنه شأن تركيا بل اهتم بها أكثر بكثير من ليبيا. لكن المشكلة أن الغرب، كما تركيا، قد اصطدم رهانهما على تدخل عسكري دولي في سورية بالفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن، ولولا ذلك لكانت طائرات حلف شمال الأطلسي ومعها الطائرات التركية تصول في سماء سورية وبوارجهما تقف قبالة اللاذقية والقرداحة.

اما الدعوة للتدخل العسكري التركي في سورية انطلاقا من اقامة منطقة عازلة فدونها شروط غير قابلة للتحقق في هذه المرحلة. ونسجل هنا الملاحظات الاتية:

1ـ إن أية منطقة عازلة ستكون بالطبع داخل الاراضي السورية، وليس داخل الأراضي التركية.

2ـ إنها ستكون مخصصة للنازحين السوريين الهاربين من ملاحقة الجيش السوري. وتركيا كررت أكثر من مرة أن إقامة هذه المنطقة تستوجب حصول موجات هجرة كبيرة بمئات الآلاف، وهذه غير متحققة حتى الآن ولا يتوقع أن تتحقق في المدى المنظور.

3ـ إن إقامة هذه المنطقة تعني أنها تحتاج للحماية من هجمات الجيش السوري برا وجوا وربما بحرا. وهذا يفيد اضطلاع قوات عسكرية أجنبية بحماية هذه المنطقة.

4ـ إن ذلك يتطلب بالنسبة لتركيا خيارا من اثنين: صدور قرار عن مجلس الأمن على غرار القرار بشأن ليبيا وهذا يبدو غير متوقع في المدى المنظور في ظل الفيتو الروسي والصيني واحتمال استمراره. أما الخيار الثاني فهو صدور قرار من حلف شمال الأطلسي تشارك فيه تركيا كونها عضوا في الحلف ومثل هذا القرار أيضا غير متوقع قريبا.

5ـ وحدها فوضى شاملة في سوريةا وخروج المناطق عن سيطرة السلطة المركزية توفر لأنقرة ذريعة لتدخل عسكري منفرد من جانبها في سورية بمعزل عن منطقة عازلة أو غير عازلة، وذلك تخوفا وتطويقا لظهور أية «حالة كردية» انفصالية في شمال سورية تشكل تهديدا للأمن القومي التركي ووحدة التراب التركي عبر اتصالها الجغرافي بالمنطقة الكردية في تركيا، وصولا إلى إقامة ممر كردي يصل جبال قنديل في العراق إلى ضفاف المتوسط وفي ذلك قطع للجغرافيا التركية عن الجغرافيا العربية بالكامل.

6ـ في ظل استحالة أو استبعاد كل الاحتمالات السابقة حتى الآن، من غير المتوقع أن يغامر، أو يقامر، اردوغان وحكومته وجيشه، باتخاذ قرار التدخل العسكري المنفرد لإقامة منطقة عازلة داخل سورية. وما يؤكد استحالة ذلك هو الخطاب المحبط الذي خرج به اردوغان بالأمس ويأس المعارضة السورية في الخارج من تدخل عسكري دولي وتحريضها أنقرة على التدخل المنفرد... المستحيل.

  • فريق ماسة
  • 2011-11-17
  • 10401
  • من الأرشيف

لماذا لن تقيم تركيا «منطقة عازلة» داخل سورية؟

ظهر موقفان في الساعات القليلة الماضية يعكسان تشويشا وارتباكا وربما إحباطا في الموقف من «المسألة السورية»، ولا سيما لجهة احتمالات التدخل العسكري التركي وإقامة منطقة عازلة تكرر الكلام حولها كثيرا في الآونة الأخيرة. الموقف الأول من رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان الذي انتقد الغرب لعدم تعامله مع الأزمة في سورية كما تعامل مع ليبيا، أي بحزم وصولا إلى تدخل عسكري أممي أو «أطلسي». وقد عزا اردوغان عدم اهتمام الغرب بسورية لأنه لا يوجد فيها نفط وثروات. أما الموقف الثاني فكان من جانب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية محمد رياض الشقفة، خلال مؤتمر في اسطنبول، دعا فيه تركيا إلى التدخل العسكري ولو بمفردها. ويحمل الموقفان التباسات متعددة منها أن الغرب، بعكس ما قال اردوغان، مهتم جدا بالوضع السوري شأنه شأن تركيا بل اهتم بها أكثر بكثير من ليبيا. لكن المشكلة أن الغرب، كما تركيا، قد اصطدم رهانهما على تدخل عسكري دولي في سورية بالفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن، ولولا ذلك لكانت طائرات حلف شمال الأطلسي ومعها الطائرات التركية تصول في سماء سورية وبوارجهما تقف قبالة اللاذقية والقرداحة. اما الدعوة للتدخل العسكري التركي في سورية انطلاقا من اقامة منطقة عازلة فدونها شروط غير قابلة للتحقق في هذه المرحلة. ونسجل هنا الملاحظات الاتية: 1ـ إن أية منطقة عازلة ستكون بالطبع داخل الاراضي السورية، وليس داخل الأراضي التركية. 2ـ إنها ستكون مخصصة للنازحين السوريين الهاربين من ملاحقة الجيش السوري. وتركيا كررت أكثر من مرة أن إقامة هذه المنطقة تستوجب حصول موجات هجرة كبيرة بمئات الآلاف، وهذه غير متحققة حتى الآن ولا يتوقع أن تتحقق في المدى المنظور. 3ـ إن إقامة هذه المنطقة تعني أنها تحتاج للحماية من هجمات الجيش السوري برا وجوا وربما بحرا. وهذا يفيد اضطلاع قوات عسكرية أجنبية بحماية هذه المنطقة. 4ـ إن ذلك يتطلب بالنسبة لتركيا خيارا من اثنين: صدور قرار عن مجلس الأمن على غرار القرار بشأن ليبيا وهذا يبدو غير متوقع في المدى المنظور في ظل الفيتو الروسي والصيني واحتمال استمراره. أما الخيار الثاني فهو صدور قرار من حلف شمال الأطلسي تشارك فيه تركيا كونها عضوا في الحلف ومثل هذا القرار أيضا غير متوقع قريبا. 5ـ وحدها فوضى شاملة في سوريةا وخروج المناطق عن سيطرة السلطة المركزية توفر لأنقرة ذريعة لتدخل عسكري منفرد من جانبها في سورية بمعزل عن منطقة عازلة أو غير عازلة، وذلك تخوفا وتطويقا لظهور أية «حالة كردية» انفصالية في شمال سورية تشكل تهديدا للأمن القومي التركي ووحدة التراب التركي عبر اتصالها الجغرافي بالمنطقة الكردية في تركيا، وصولا إلى إقامة ممر كردي يصل جبال قنديل في العراق إلى ضفاف المتوسط وفي ذلك قطع للجغرافيا التركية عن الجغرافيا العربية بالكامل. 6ـ في ظل استحالة أو استبعاد كل الاحتمالات السابقة حتى الآن، من غير المتوقع أن يغامر، أو يقامر، اردوغان وحكومته وجيشه، باتخاذ قرار التدخل العسكري المنفرد لإقامة منطقة عازلة داخل سورية. وما يؤكد استحالة ذلك هو الخطاب المحبط الذي خرج به اردوغان بالأمس ويأس المعارضة السورية في الخارج من تدخل عسكري دولي وتحريضها أنقرة على التدخل المنفرد... المستحيل.

المصدر : السفير /محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة