إذا كان البعض في فريق 14 آذار لا يفصح عن كل ما يضمره، في انتظار ان ينجلي غبار العاصفة التي تضرب المنطقة وتجعل الرؤية في لبنان ضبابية، إلا ان هناك في هذا الفريق من يملك شجاعة أن يسمي الأشياء بأسمائها، ولو في الغرف المغلقة، متخليا عن القفازات والأقنعة التي يضطر كثيرون الى الاستعانة بها عندما يظهرون على المسرح السياسي. وبما ان الحدث السوري يفرض إيقاعه في هذه المرحلة، تلاحظ شخصية مقربة من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وتعمل عادة في الظل، انه وبرغم تأييد التيار لحراك الشعب السوري، إلا ان الحريري لم يقطع بعد الخيط الرفيع مع الرئيس السوري بشار الاسد، إذ انه لم يتناوله شخصيا في أي موقف منذ بدء الاحتجاجات، وهذا له معناه، مشيرا الى ان لا شيء مطلقا في السياسة، وبالتالي ما من عداوة دائمة او صداقة دائمة، ومن هنا، فإن بقاء النظام لن يؤدي بالضرورة الى نهاية تيار المستقبل سياسيا كما يفترض البعض، وربما تفرض المصالح التلاقي من جديد، في استعادة لسيناريو ما بعد قطيعة العام 2005.

وتؤكد الشخصية النافذة ان سعد الحريري باق في الخارج تحت وطأة الهاجس الأمني من جهة والتعثر المالي من جهة أخرى، وبالتالي لا ابعاد أو وظائف سياسية لهذا المنفى الطوعي، مشيرة الى ان الحريري يعلم جيدا ان مصير حكومة نجيب ميقاتي ليس متوقفا على عودته او عدمها، بل مرتبط بموازين القوى الإقليمية والدولية، وبالتالي فإنه يدرك ان العنصر الحاسم في المعادلة لا يتوقف على ما إذا كانت المعارضة في الداخل قوية او لا، ويقودها هو أم غيره.

وتلفت الشخصية الانتباه الى ان ميقاتي سُمي في طروف مختلفة، ويومها قيل ان سورية ستساعد في تأمين غطاء إقليمي ودولي لحكومته، أما اليوم فإن دمشق باتت معزولة وأصبحت هي التي تحتاج الى من يعيد لها الغطاء الاقليمي والدولي الذي سُحب منها.

ولكن ذلك لا يعني، وفق الشخصية الناشطة في الكواليس، ان الحريري غاب عن الساحة اللبنانية ليحضر في الساحة السورية، كما يروّج خصومه الذين يتهمونه بتمويل وتسليح مجموعات تخريبية في سورية، مشيرة الى أن الرئيس بشار الاسد يعلم جيدا في قرارة نفسه ان لا علاقة للحريري بكل الاتهامات التي تسوّق ضده. ويضيف بسخرية: لو كان سعد الحريري يملك من المال ما يتيح له مساعدة الثورة في سورية، لكان قد سدد بالدرجة الاولى ديونه ودفع رواتب الموظفين في مؤسساته.

وتخالف الشخصية نفسها وجهة النظر القائلة بأن النظام السوري تجاوز مرحلة الخطر، لافتة الانتباه الى ان تشكيل المجلس الوطني الانتقالي يشكل خطوة شديدة الأهمية، ومن المفترض ان تأخذ مداها في المرحلة المقبلة، وإن يكن الأمر يحتاج الى بعض الوقت حتى يتبلور.

وتهزأ هذه الشخصية من مقولة ان هناك مؤامرة على سورية وأن الخارج هو الذي يمسك بخيوط الأحداث للضغط على دمشق بسبب خياراتها السياسية، معتبرة ان التحرك الاحتجاجي هو داخلي بنسبة مئة بالمئة، وأن المجموعات المسلحة منشقة عن الجيش وليست صناعة خارجية، ولا صحة لتهريب السلاح عبر الحدود. وترى أن الرئيس الأسد كان بإمكانه تفادي كل التداعيات لو أحسن التصرف منذ اللحظة الأولى لأحداث درعا واتخذ الإجراءات الحاسمة لاحتوائها ومعاقبة المسؤولين عنها، ولكن مشكلته انه لا يملك عدة الشغل المناسبة ولا فريق العامل الملائم.

ورداً على مقولة ان أصابع الولايات المتحدة متغلغلة في الداخل السوري وأنها صاحبة دور اساسي في ضرب استقراره وأمنه، ترى الشخصية المقربة من الحريري ان هذه الفرضية خاطئة لان الصحيح هو ان أميركا تحاول اللحاق بالحراك الشعبي في تونس ومصر وسورية واليمن، وليست هي التي صنعته، بل أكثر من ذلك، يمكن القول ان إسرائيل نفسها متضررة من الثورات العربية لأن العدوى انتقلت بالهواء الى داخلها حيث سجلت للمرة الاولى في تاريخها تظاهرات حاشدة ضمت مئات الآلاف، كما ان التحولات الحاصلة في العالم العربي هي التي دفعت اسرائيل على سبيل المثال لا الحصر، الى الاعتذار من مصر لمقتل عدد من جنودها مؤخرا، وهذا أمر ما كان ليحصل لو ان نظام حسني مبارك موجود في السلطة، وحتى قبول إسرائيل بإجراء عملية تبادل الاسرى مع حركة «حماس» في هذا التوقيت، لا يمكن فصله عن اضطرارها الى التكيف مع الحراك العربي.. ولذلك فإن استحضار نظرية المؤامرة لتفسير ما يجري في العالم العربي لا ينطبق على الواقع.

وتعتقد الشخصية نفسها ان «حزب الله» أخطأ في وقوفه الى جانب النظام السوري، لأنه تسبب بذلك في جعل شريحة من الشعب السوري تتخذ موقفا عدائيا من المقاومة، خلافا لما كانت عليه قبل ان ينزلق الحزب الى هذا الاصطفاف غير المفيد. وتشير الى ان مصلحة الحزب كانت تقتضي ان يعلن احترامه لإرادة الشعب السوري وما يقرره، من دون الذهاب بعيدا في دعم النظام ولو فعل ذلك، لكان قد ربح الشعب والنظام في آن واحد، أما الآن فعليه ان يتحمل نتائج مغامرته إذا سقط النظام.

وفي ما خص استحقاق تمويل المحكمة الدولية، توحي الشخصية البارزة ان فريق 14آذار مستفيد كيف ما انتهى التجاذب حول التمويل، فإذا قررت الحكومة الدفع يكون هذا الفريق قد حصل على مبتغاه، وإذا رفضت الحكومة الدفع ثم تصدعت او سقطت تكون 14 آذار قد حققت مكسبا أيضا. وتلفت الانتباه الى ان المعادلة التي يطرحها «حزب الله» وقوامها الجمع بين رفض التمويل وحماية الحكومة مستحيلة، لأنه وكما تم إسقاط سعد الحريري على قاعدة، «المحكمة أو الحكم»، هكذا وجد الحزب نفسه أسير المعادلة ذاتها، فهو لا يستطيع ان يحكم ويطيّر تمويل المحكمة في وقت واحد، لان أي تنصل من الدفع سيفجر أزمة ثقة بين المجتمع الدولي والحكومة، ولئن كان البعض في 8 آذار يراهن على ان المجتمع الدولي ليس متفرغا للشأن اللبناني حاليا، إلا ان ذلك لا يمنع انه سينتظر الحكومة عند أول «كوع» ليصفي حساباته معها، ويمكن الافتراض، انه إذا قررت الحكومة لاحقا ان تستدين فهي لن تلقى التجاوب المعتاد، أو انها قد تُفاجأ بوضع فائدة مرتفعة، وقس على ذلك.

وتتوقف هذه الشخصية عند طرح النسبية الانتخابية من قبل حكومة نجيب ميقاتي، وتشير الى ان النائب وليد جنبلاط كان الاكثر صراحة في الاعلان عن رفض النسبية، لانه يدرك انه سيكون من أكبر الخاسرين منها، بالنظر الى خصوصية وضعه في الجبل والذي لا يحتمل تنازلات، معربا عن اعتقاده بأن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يستشعر وكـأن الاكثرية الحالية تحاول منذ الآن التحضير للاستغناء عن خدماته عبر إنتاج الاكثرية المقبلة في انتخابات 2013 من خلال اعتماد النسبية التي من شأنها ان تعيد خلط الاوراق وصياغة الأحجام، مع الأخذ بالاعتبار ان الاختراقات ستكون أقل في ساحة «حزب الله» وحركة «أمل» في الانتخابات المقبلة، وإن تكن مرشحة للاتساع في استحقاق 2017، حيث سيشعر الناخب الشيعي المتمايز ان الصوت الانتخابي استعاد قيمته، ويمكن البناء عليه، لإيجاد مساحة للتنوع في التمثيل النيابي داخل الطائفة الشيعية، من دون تجاهل حقيقة ان الحزب والحركة سيظلان القوة الشيعية الأكبر في المدى المنظور.

  • فريق ماسة
  • 2011-10-13
  • 12078
  • من الأرشيف

«زعيم «المستقبل» لم يقطع الخيط الرفيع مع الأسد والمصالح قد تفرض التلاقي». أوساط الحريري: الجمع بين رفض التمويل وحماية الحكومة.. مستحيل

إذا كان البعض في فريق 14 آذار لا يفصح عن كل ما يضمره، في انتظار ان ينجلي غبار العاصفة التي تضرب المنطقة وتجعل الرؤية في لبنان ضبابية، إلا ان هناك في هذا الفريق من يملك شجاعة أن يسمي الأشياء بأسمائها، ولو في الغرف المغلقة، متخليا عن القفازات والأقنعة التي يضطر كثيرون الى الاستعانة بها عندما يظهرون على المسرح السياسي. وبما ان الحدث السوري يفرض إيقاعه في هذه المرحلة، تلاحظ شخصية مقربة من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وتعمل عادة في الظل، انه وبرغم تأييد التيار لحراك الشعب السوري، إلا ان الحريري لم يقطع بعد الخيط الرفيع مع الرئيس السوري بشار الاسد، إذ انه لم يتناوله شخصيا في أي موقف منذ بدء الاحتجاجات، وهذا له معناه، مشيرا الى ان لا شيء مطلقا في السياسة، وبالتالي ما من عداوة دائمة او صداقة دائمة، ومن هنا، فإن بقاء النظام لن يؤدي بالضرورة الى نهاية تيار المستقبل سياسيا كما يفترض البعض، وربما تفرض المصالح التلاقي من جديد، في استعادة لسيناريو ما بعد قطيعة العام 2005. وتؤكد الشخصية النافذة ان سعد الحريري باق في الخارج تحت وطأة الهاجس الأمني من جهة والتعثر المالي من جهة أخرى، وبالتالي لا ابعاد أو وظائف سياسية لهذا المنفى الطوعي، مشيرة الى ان الحريري يعلم جيدا ان مصير حكومة نجيب ميقاتي ليس متوقفا على عودته او عدمها، بل مرتبط بموازين القوى الإقليمية والدولية، وبالتالي فإنه يدرك ان العنصر الحاسم في المعادلة لا يتوقف على ما إذا كانت المعارضة في الداخل قوية او لا، ويقودها هو أم غيره. وتلفت الشخصية الانتباه الى ان ميقاتي سُمي في طروف مختلفة، ويومها قيل ان سورية ستساعد في تأمين غطاء إقليمي ودولي لحكومته، أما اليوم فإن دمشق باتت معزولة وأصبحت هي التي تحتاج الى من يعيد لها الغطاء الاقليمي والدولي الذي سُحب منها. ولكن ذلك لا يعني، وفق الشخصية الناشطة في الكواليس، ان الحريري غاب عن الساحة اللبنانية ليحضر في الساحة السورية، كما يروّج خصومه الذين يتهمونه بتمويل وتسليح مجموعات تخريبية في سورية، مشيرة الى أن الرئيس بشار الاسد يعلم جيدا في قرارة نفسه ان لا علاقة للحريري بكل الاتهامات التي تسوّق ضده. ويضيف بسخرية: لو كان سعد الحريري يملك من المال ما يتيح له مساعدة الثورة في سورية، لكان قد سدد بالدرجة الاولى ديونه ودفع رواتب الموظفين في مؤسساته. وتخالف الشخصية نفسها وجهة النظر القائلة بأن النظام السوري تجاوز مرحلة الخطر، لافتة الانتباه الى ان تشكيل المجلس الوطني الانتقالي يشكل خطوة شديدة الأهمية، ومن المفترض ان تأخذ مداها في المرحلة المقبلة، وإن يكن الأمر يحتاج الى بعض الوقت حتى يتبلور. وتهزأ هذه الشخصية من مقولة ان هناك مؤامرة على سورية وأن الخارج هو الذي يمسك بخيوط الأحداث للضغط على دمشق بسبب خياراتها السياسية، معتبرة ان التحرك الاحتجاجي هو داخلي بنسبة مئة بالمئة، وأن المجموعات المسلحة منشقة عن الجيش وليست صناعة خارجية، ولا صحة لتهريب السلاح عبر الحدود. وترى أن الرئيس الأسد كان بإمكانه تفادي كل التداعيات لو أحسن التصرف منذ اللحظة الأولى لأحداث درعا واتخذ الإجراءات الحاسمة لاحتوائها ومعاقبة المسؤولين عنها، ولكن مشكلته انه لا يملك عدة الشغل المناسبة ولا فريق العامل الملائم. ورداً على مقولة ان أصابع الولايات المتحدة متغلغلة في الداخل السوري وأنها صاحبة دور اساسي في ضرب استقراره وأمنه، ترى الشخصية المقربة من الحريري ان هذه الفرضية خاطئة لان الصحيح هو ان أميركا تحاول اللحاق بالحراك الشعبي في تونس ومصر وسورية واليمن، وليست هي التي صنعته، بل أكثر من ذلك، يمكن القول ان إسرائيل نفسها متضررة من الثورات العربية لأن العدوى انتقلت بالهواء الى داخلها حيث سجلت للمرة الاولى في تاريخها تظاهرات حاشدة ضمت مئات الآلاف، كما ان التحولات الحاصلة في العالم العربي هي التي دفعت اسرائيل على سبيل المثال لا الحصر، الى الاعتذار من مصر لمقتل عدد من جنودها مؤخرا، وهذا أمر ما كان ليحصل لو ان نظام حسني مبارك موجود في السلطة، وحتى قبول إسرائيل بإجراء عملية تبادل الاسرى مع حركة «حماس» في هذا التوقيت، لا يمكن فصله عن اضطرارها الى التكيف مع الحراك العربي.. ولذلك فإن استحضار نظرية المؤامرة لتفسير ما يجري في العالم العربي لا ينطبق على الواقع. وتعتقد الشخصية نفسها ان «حزب الله» أخطأ في وقوفه الى جانب النظام السوري، لأنه تسبب بذلك في جعل شريحة من الشعب السوري تتخذ موقفا عدائيا من المقاومة، خلافا لما كانت عليه قبل ان ينزلق الحزب الى هذا الاصطفاف غير المفيد. وتشير الى ان مصلحة الحزب كانت تقتضي ان يعلن احترامه لإرادة الشعب السوري وما يقرره، من دون الذهاب بعيدا في دعم النظام ولو فعل ذلك، لكان قد ربح الشعب والنظام في آن واحد، أما الآن فعليه ان يتحمل نتائج مغامرته إذا سقط النظام. وفي ما خص استحقاق تمويل المحكمة الدولية، توحي الشخصية البارزة ان فريق 14آذار مستفيد كيف ما انتهى التجاذب حول التمويل، فإذا قررت الحكومة الدفع يكون هذا الفريق قد حصل على مبتغاه، وإذا رفضت الحكومة الدفع ثم تصدعت او سقطت تكون 14 آذار قد حققت مكسبا أيضا. وتلفت الانتباه الى ان المعادلة التي يطرحها «حزب الله» وقوامها الجمع بين رفض التمويل وحماية الحكومة مستحيلة، لأنه وكما تم إسقاط سعد الحريري على قاعدة، «المحكمة أو الحكم»، هكذا وجد الحزب نفسه أسير المعادلة ذاتها، فهو لا يستطيع ان يحكم ويطيّر تمويل المحكمة في وقت واحد، لان أي تنصل من الدفع سيفجر أزمة ثقة بين المجتمع الدولي والحكومة، ولئن كان البعض في 8 آذار يراهن على ان المجتمع الدولي ليس متفرغا للشأن اللبناني حاليا، إلا ان ذلك لا يمنع انه سينتظر الحكومة عند أول «كوع» ليصفي حساباته معها، ويمكن الافتراض، انه إذا قررت الحكومة لاحقا ان تستدين فهي لن تلقى التجاوب المعتاد، أو انها قد تُفاجأ بوضع فائدة مرتفعة، وقس على ذلك. وتتوقف هذه الشخصية عند طرح النسبية الانتخابية من قبل حكومة نجيب ميقاتي، وتشير الى ان النائب وليد جنبلاط كان الاكثر صراحة في الاعلان عن رفض النسبية، لانه يدرك انه سيكون من أكبر الخاسرين منها، بالنظر الى خصوصية وضعه في الجبل والذي لا يحتمل تنازلات، معربا عن اعتقاده بأن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يستشعر وكـأن الاكثرية الحالية تحاول منذ الآن التحضير للاستغناء عن خدماته عبر إنتاج الاكثرية المقبلة في انتخابات 2013 من خلال اعتماد النسبية التي من شأنها ان تعيد خلط الاوراق وصياغة الأحجام، مع الأخذ بالاعتبار ان الاختراقات ستكون أقل في ساحة «حزب الله» وحركة «أمل» في الانتخابات المقبلة، وإن تكن مرشحة للاتساع في استحقاق 2017، حيث سيشعر الناخب الشيعي المتمايز ان الصوت الانتخابي استعاد قيمته، ويمكن البناء عليه، لإيجاد مساحة للتنوع في التمثيل النيابي داخل الطائفة الشيعية، من دون تجاهل حقيقة ان الحزب والحركة سيظلان القوة الشيعية الأكبر في المدى المنظور.

المصدر : عماد مرمل/ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة