مرة أخرى يروي الجنرال السوداني الجنوبي جوزيف لاقو قصة الدور الإسرائيلي في دعم التمرد ضد الحكم المركزي في الخرطوم. وكان لاقو جنديا في الجيش السوداني، وفر منه في الستينيات، وجمع حوله عددا من المتمردين الشماليين، وحوّلهم إلى قوة منظمة ضد الحكم المركزي. وهو يعتبر المؤسس الفعلي للحركة الشعبية والجيش الشعبي. وقد سبق أن كشف النقاب عن الدور الإسرائيلي في مقابلة له مع صحيفة «هآرتس» قبل حوالى عام. وبعد إعلان استقلال جنوب السودان ألقى لاقو محاضرة شكر فيها الدول الأجنبية التي قدمت لحركته معونات مالية وعسكرية، لكنه رفض في المحاضرة الإشارة إلى هذه الدول.

غير أنه في اليوم التالي فتح قلبه لأحد كبار الإعلاميين الإسرائيليين، موتي كيرشنباوم، من القناة العاشرة، الذي كان يعد فيلما وثائقيا عن الدولة الجديدة. وبالرغم من أن العلاقات الإسرائيلية مع الحركة الشعبية في جنوب السودان كانت معروفة إلا أن هذا اللقاء يعتبر من الوثائق النادرة حول هذه العلاقة.

وقال لاقو لكيرشنباوم: «ذهبت إلى إسرائيل، بقدر ما أذكر، في كانون الأول عام 1968. وقد وصلت إلى هناك بطرق ملتوية. إذ كنت قد كتبت رسالة بعد حرب الأيام الستة لرئيس الحكومة الإسرائيلية حينها ليفي أشكول، هنأت فيها رئيس الحكومة بالنصر وقلت له، سيدي رئيس الحكومة أنا أبارك لكم، أنتم شعب الله المختار، نجاحاتكم. ونحن وإياكم نحارب العرب أنفسهم الذين تحاربون. إذا ققدّمتم الدعم لي فإن بوسعي توفير شيء لكم بنجاح، سوف أشد وثاق الجيش السوداني وأمنعه من الوصول إلى مصر لمقاتلتكم إلى جانب المصريين».

وبحسب الفيلم الوثائقي فإن رسالة لاقو وصلت إلى ليفي أشكول الذي بالضبط في تلك الأيام أصيب بمرض أودى بحياته بعد ذلك بوقت قصير. ويشير لاقو إلى أن «خليفة أشكول، المرأة الرائعة، غولدا مئير، عثرت على الرسالة وقالت: أحضروا لي هذا الشاب إلى هنا، بغض النظر عن الوسائل، أحضروه الى إسرائيل للتباحث معه».

ويشير الفيلم إلى أن غولدا مئير لحظت الفرصة الكامنة في دق إسفين في قلب دولة عربية معادية لإسرائيل وتساعد أعداءها. وطلبت من رئيس الأركان عدم إضاعة الفرصة. ويقول لاقو «تم تهريبي الى إسرائيل بكل معنى الكلمة. إذ سافرت إلى إيطاليا حيث قدموا لي هناك جواز سفر مزوراً، لا أعرف كيف جلبوه، ولكن ثمة شخصا وجهه يشبه وجهي ولون بشرته يشبه بشرتي وما شابه. واضطررت لقضاء سبعة أيام في غرفة وأنا أتعلم كيفية التوقيع مثله على الأوراق. وبجواز السفر هذا طرت إلى إسرائيل، ووصلت الى مطار اللد».

ويضيف لاقو: «التقيت رئيسة الحكومة غولدا مئير. وقلت لها إن رجالنا في جنوب السودان رفضوا في العام 1958 في البرلمان مشروع قانون لمقاطعة إسرائيل، ولذلك فإننا أصدقاء لكم. وقلت إن صداقتنا معكم تبدأ من هناك». ويشير لاقو إلى أن «غولدا الشجاعة شجعتنا، عززت قوتنا، وسمحت لنا ببناء جيشنا. وأنا أقول لأصدقائي الطيبين من إسرائيل: شكرا لكم على الدعم الذي قدمتموه لنا».

ورأى ضباط الجيش الإسرائيلي الذين التقوا لاقو فيه قائدا يمكن الركون إليه. وقد أوصى هؤلاء الحكومة بالاستجابة لطلباته تزويد المتمردين في السودان بالأسلحة والعتاد.

ويقول لاقو: «عدت إلى جنوب السودان، وأعددت منطقة لإنزال الأسلحة والمعدات، وبعد أسبوع وصل الوفد الإسرائيلي. ورأوا ما فعلت فأرسلوا برقية لإسرائيل قائلين إن هذا الرجل يعرف عما يتحدث. الأمر عملي وممكن». وبعدها بدأت شحنات الأسلحة والذخائر الإسرائيلية في الوصول جواً إلى جنوب السودان حيث كانت تلقى بالمظلات في مناطق حددت سلفا. ومنذ ذلك الحين شرع المتمردون الجنوبيون في بناء قوتهم الحربية المنظمة.

ويقول لاقو «لقد جاؤوا وألقوا الأسلحة والذخائر بالمظلات وذهبت الطائرات إلى كينيا للتزود بالوقود في طريق عودتها إلى إسرائيل».

وكانت الغلبة حتى ذلك الوقت للجيش الاسوداني ولكن بعد المساعدات العسكرية الإسرائيلية شرع جيش المتمردين بتحقيق إنجازات على القوات الحكومية السودانية. ويشدد الجنرال لاقو على أن الأسلحة والذخائر من إسرائيل هي التي أنقذت الجنوبيين من الخسارة أمام الشماليين. وقال إن «هذه الأسلحة حسنت وضعنا خلال ثلاثة أشهر. ولم يتمكن الجيش السوداني خلال تلك الفترة من البقاء في جوبا ولم يعد يعرف شيئا عما يجري في توريت. وقد فهموا أن الوضع تغير على صعيد ميزان القوى في ميدان المعركة. وعرفوا أن رجالنا لا بد أن حصلوا على مساعدة من طرف ما».

والواقع أن إسرائيل في تلك الفترة أنشأت تحالفا مع الحكومة الاثيوبية، وشرعت الدولتان في تقديم دعم مشترك للمتمردين الجنوبيين. وسمحت اثيوبيا لإسرائيل بإنشاء معسكرات تدريب على أراضيها لتدريب ضباط من المتمردين الجنوبيين والجيش الاثيوبي نفسه. ومن بين المتدربين كان قادة الحركة الشعبية الحاليين وبينهم الزعيم السابق جون غارانغ والزعيم الحالي سالفا كير.

ختاما يمكن القول إن لإسرائيل الآن في جنوب السودان عشرات من السفراء على شكل رجال أعمال غالبيتهم من رجال الأمن السابقين الذين أنشأوا علاقات على مر السنين مع الجيش الشعبي ورجاله. ويبرز جليا بين هؤلاء نائب رئيس الموساد الأسبق رفائيل إيتان الذي يقيم علاقات مميزة مع القيادة الحالية في الجنوب السوداني. كما لا يمكن تجاهل الاستثمار الإسرائيلي في اللاجئين السودانيين والذين تمت إعادة ما لا يقل عن ألف منهم إلى هناك ليخدموا كسفراء «نوايا طيبة» في الدولة الجديدة.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-10-11
  • 5787
  • من الأرشيف

جنرال سوداني جنوبي يروي قصة الدعم الإسرائيلي للمتمردين

مرة أخرى يروي الجنرال السوداني الجنوبي جوزيف لاقو قصة الدور الإسرائيلي في دعم التمرد ضد الحكم المركزي في الخرطوم. وكان لاقو جنديا في الجيش السوداني، وفر منه في الستينيات، وجمع حوله عددا من المتمردين الشماليين، وحوّلهم إلى قوة منظمة ضد الحكم المركزي. وهو يعتبر المؤسس الفعلي للحركة الشعبية والجيش الشعبي. وقد سبق أن كشف النقاب عن الدور الإسرائيلي في مقابلة له مع صحيفة «هآرتس» قبل حوالى عام. وبعد إعلان استقلال جنوب السودان ألقى لاقو محاضرة شكر فيها الدول الأجنبية التي قدمت لحركته معونات مالية وعسكرية، لكنه رفض في المحاضرة الإشارة إلى هذه الدول. غير أنه في اليوم التالي فتح قلبه لأحد كبار الإعلاميين الإسرائيليين، موتي كيرشنباوم، من القناة العاشرة، الذي كان يعد فيلما وثائقيا عن الدولة الجديدة. وبالرغم من أن العلاقات الإسرائيلية مع الحركة الشعبية في جنوب السودان كانت معروفة إلا أن هذا اللقاء يعتبر من الوثائق النادرة حول هذه العلاقة. وقال لاقو لكيرشنباوم: «ذهبت إلى إسرائيل، بقدر ما أذكر، في كانون الأول عام 1968. وقد وصلت إلى هناك بطرق ملتوية. إذ كنت قد كتبت رسالة بعد حرب الأيام الستة لرئيس الحكومة الإسرائيلية حينها ليفي أشكول، هنأت فيها رئيس الحكومة بالنصر وقلت له، سيدي رئيس الحكومة أنا أبارك لكم، أنتم شعب الله المختار، نجاحاتكم. ونحن وإياكم نحارب العرب أنفسهم الذين تحاربون. إذا ققدّمتم الدعم لي فإن بوسعي توفير شيء لكم بنجاح، سوف أشد وثاق الجيش السوداني وأمنعه من الوصول إلى مصر لمقاتلتكم إلى جانب المصريين». وبحسب الفيلم الوثائقي فإن رسالة لاقو وصلت إلى ليفي أشكول الذي بالضبط في تلك الأيام أصيب بمرض أودى بحياته بعد ذلك بوقت قصير. ويشير لاقو إلى أن «خليفة أشكول، المرأة الرائعة، غولدا مئير، عثرت على الرسالة وقالت: أحضروا لي هذا الشاب إلى هنا، بغض النظر عن الوسائل، أحضروه الى إسرائيل للتباحث معه». ويشير الفيلم إلى أن غولدا مئير لحظت الفرصة الكامنة في دق إسفين في قلب دولة عربية معادية لإسرائيل وتساعد أعداءها. وطلبت من رئيس الأركان عدم إضاعة الفرصة. ويقول لاقو «تم تهريبي الى إسرائيل بكل معنى الكلمة. إذ سافرت إلى إيطاليا حيث قدموا لي هناك جواز سفر مزوراً، لا أعرف كيف جلبوه، ولكن ثمة شخصا وجهه يشبه وجهي ولون بشرته يشبه بشرتي وما شابه. واضطررت لقضاء سبعة أيام في غرفة وأنا أتعلم كيفية التوقيع مثله على الأوراق. وبجواز السفر هذا طرت إلى إسرائيل، ووصلت الى مطار اللد». ويضيف لاقو: «التقيت رئيسة الحكومة غولدا مئير. وقلت لها إن رجالنا في جنوب السودان رفضوا في العام 1958 في البرلمان مشروع قانون لمقاطعة إسرائيل، ولذلك فإننا أصدقاء لكم. وقلت إن صداقتنا معكم تبدأ من هناك». ويشير لاقو إلى أن «غولدا الشجاعة شجعتنا، عززت قوتنا، وسمحت لنا ببناء جيشنا. وأنا أقول لأصدقائي الطيبين من إسرائيل: شكرا لكم على الدعم الذي قدمتموه لنا». ورأى ضباط الجيش الإسرائيلي الذين التقوا لاقو فيه قائدا يمكن الركون إليه. وقد أوصى هؤلاء الحكومة بالاستجابة لطلباته تزويد المتمردين في السودان بالأسلحة والعتاد. ويقول لاقو: «عدت إلى جنوب السودان، وأعددت منطقة لإنزال الأسلحة والمعدات، وبعد أسبوع وصل الوفد الإسرائيلي. ورأوا ما فعلت فأرسلوا برقية لإسرائيل قائلين إن هذا الرجل يعرف عما يتحدث. الأمر عملي وممكن». وبعدها بدأت شحنات الأسلحة والذخائر الإسرائيلية في الوصول جواً إلى جنوب السودان حيث كانت تلقى بالمظلات في مناطق حددت سلفا. ومنذ ذلك الحين شرع المتمردون الجنوبيون في بناء قوتهم الحربية المنظمة. ويقول لاقو «لقد جاؤوا وألقوا الأسلحة والذخائر بالمظلات وذهبت الطائرات إلى كينيا للتزود بالوقود في طريق عودتها إلى إسرائيل». وكانت الغلبة حتى ذلك الوقت للجيش الاسوداني ولكن بعد المساعدات العسكرية الإسرائيلية شرع جيش المتمردين بتحقيق إنجازات على القوات الحكومية السودانية. ويشدد الجنرال لاقو على أن الأسلحة والذخائر من إسرائيل هي التي أنقذت الجنوبيين من الخسارة أمام الشماليين. وقال إن «هذه الأسلحة حسنت وضعنا خلال ثلاثة أشهر. ولم يتمكن الجيش السوداني خلال تلك الفترة من البقاء في جوبا ولم يعد يعرف شيئا عما يجري في توريت. وقد فهموا أن الوضع تغير على صعيد ميزان القوى في ميدان المعركة. وعرفوا أن رجالنا لا بد أن حصلوا على مساعدة من طرف ما». والواقع أن إسرائيل في تلك الفترة أنشأت تحالفا مع الحكومة الاثيوبية، وشرعت الدولتان في تقديم دعم مشترك للمتمردين الجنوبيين. وسمحت اثيوبيا لإسرائيل بإنشاء معسكرات تدريب على أراضيها لتدريب ضباط من المتمردين الجنوبيين والجيش الاثيوبي نفسه. ومن بين المتدربين كان قادة الحركة الشعبية الحاليين وبينهم الزعيم السابق جون غارانغ والزعيم الحالي سالفا كير. ختاما يمكن القول إن لإسرائيل الآن في جنوب السودان عشرات من السفراء على شكل رجال أعمال غالبيتهم من رجال الأمن السابقين الذين أنشأوا علاقات على مر السنين مع الجيش الشعبي ورجاله. ويبرز جليا بين هؤلاء نائب رئيس الموساد الأسبق رفائيل إيتان الذي يقيم علاقات مميزة مع القيادة الحالية في الجنوب السوداني. كما لا يمكن تجاهل الاستثمار الإسرائيلي في اللاجئين السودانيين والذين تمت إعادة ما لا يقل عن ألف منهم إلى هناك ليخدموا كسفراء «نوايا طيبة» في الدولة الجديدة.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة