دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يفاجئك ألان شووي، كبير مسؤولي الاستخبارات الفرنسية الخارجية سابقاً، مؤلف كتاب «في قلب أجهزة الاستخبارات: التهديد الإسلاموي بين الخيوط المزيفة والمخاطر الحقيقية»، بنظرته إلى «الربيع العربي»، ولجرأة تحليله لما يجري و«الصفقات» التي عقدت هنا وهناك يرى ألان شووي، كبير مسؤولي الاستخبارات الفرنسية الخارجية سابقاً، ما جرى في تونس ومصر، أنه انقلاب قام به جيشا البلدين على رئيسيهما السابقين، زين العابدين بن علي وحسني مبارك، في أعقاب «صفقة» مع الإدارة الأميركية، و«ليس ثورة شعبية».ويعتقد أيضاً بأن أمام الجيشين التونسي والمصري 4 سيناريوات لتركيب السلطة الجديدة: النمط الجزائري عبر إيقاف العملية الانتخابية والبحث عن طاغية جديد كما جرى في بداية التسعينيات، أو على النمط التركي من خلال البقاء في الثُّكَن ووضع السياسة تحت وصاية الجيش، أو النمط الباكستاني حيث يدخل الجيش بتحالف مع الإسلاميين، أو السوداني حيث تُترَك الساحة لتنازع الأحزاب المتفرقة المشارب ثم يقوم «الإخوان المسلمون» في الوقت المناسب بوضع يدهم على السلطة. وينتقد شووي بقوة استراتيجية بلاده التي تعمل مع العواصم الغربية الأخرى على تعبيد الطريق أمام سيطرة «الإخوان المسلمين» أو «الإسلام السياسي»، مستخفة بما ستحدثه في هذه البلدان من انقلابات قد تتحول إلى حروب أهلية في المجتمعات التعددية وإلى تقسيم بلدان الشرق الأوسط إلى دويلات مذهبية، وذلك لإسناد «يهودية الدولة الإسرائيلية» في المنطقة. وبناءً على ذلك، يجد رابطاً استراتيجياً بين قيام «الشرق الأوسط الجديد» و«الربيع العربي» و«خطة» وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في السبعينيات. ويقترح استخدام تسمية «الربيع الإسلاموي» بدل «الربيع العربي» لمطابقته على واقع الاستراتيجيات الإقليمية والخارجية.
وحين نسأله عن نظرته إلى ما جرى في عدد من البلدان العربية، يقول ألان شووي: «لا يوجد ربيع عربي واحد أمامنا، بل هي بصيغة الجمع. ثمة أصناف عدة تتشابه إلى حد ما في ما بينها، الأول يضم تونس ومصر، والثاني اليمن وسوريا، حيث لا علاقة لهما مباشرة بما جرى في المجموعة الأولى، ولدينا ليبيا كحالة خاصة، وهناك أيضاً الحالة البحرينية. إذاً، أمامنا أوضاع مختلفة جداً الواحدة عن الأخرى، وكذلك السيناريوات والمسارات. ويصعب علي الحديث عن الربيع العربي وسحبه على جميع الدول؛ لأن لكل واحدة خصوصيتها.
فلنبدأ بالوضع الحالي في ليبيا، فيقول: «علينا العودة إلى بداية الأحداث، بالتأكيد كان هناك ضيق سياسي كبير نتيجة 42 عاماً من حكم القذافي لكن لم يظهر قط أن ثمة ضيقاً اجتماعياً ـــــ اقتصادياً. ولم تندلع القلاقل في العاصمة، بل في طبرق وبنغازي، مع ظهور مفاجئ لمدنيين مسلحين على الحدود المصرية. من هنا، من حقنا أن نتساءل عن مصدر هذه الأسلحة التي لا أعتقد أنهم أخفوها تحت أسرّتهم لمدة 40 عاماً في بلد يسيطر عليه طاغية. وبعد ذلك بقليل، يظهر المجلس الوطني الانتقالي الذي يضم أشخاصاً مجهولين من قبل وسائل الإعلام الغربية، لكنهم معروفون هناك بأنهم إسلاميون منحدرون أصلاً من جماعة «الإخوان المسلمين» أو «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة» أو بعض أنصار الملكية وعدد من العملاء الأنغلوساكسونيين كخليفة حفتر، وغيره ممن ظهر فجأة على مسرح القتال. وفي كل الأحوال هؤلاء لا يضمون في عدادهم إلا غالبية من المجموعات الآتية من منطقة سيراينيك. أضف إلى ذلك تدخل غربي غير شرعي تحت غطاء حلف شماليّ الأطلسي؛ فقرار مجلس الأمن كان لحماية المدنيين من نيران جيش القذافي، لكنه لم ينص مثلاً على تسليح المتمردين وتدمير قصر الرئيس وقتل أولاده واستكمال الحرب حتى القضاء على العقيد الليبي».
ويتابع: «كنت أتوقع سقوط القذافي منذ شهر أيار؛ لأنه أُلبس لباس الشيطان بسبب عدم قدرته على مواجهة المتمردين، ولم يعرف كيف يحمي جماعته وائتلاف العشائر الموالية له. هذا كله كان يشير إلى خسارته سياسياً، ولكن هذا لا يعني أننا سنشهد غداً قيام ديموقراطية في ليبيا الموحدة، بل من الممكن أن نرى اضمحلال هذا البلد بالكامل».
وعن الوضع في تونس، واحتمال فوز حركة «النهضة»، قال شووي: «كان لدي أمل كبير بتونس، رغم أنها كانت تحت قبضة طاغية، حيث شهدت طوال الخمسين سنة المنصرمة نمواً ثقافياً جديراً بالاهتمام، سواء بالنسبة إلى العلمنة والانفتاح على الآخر والمساواة بين الرجل والمرأة والأحوال الشخصية، وشهدت محواً للأمية على نطاق واسع وحركة نقابية قوية، وكان يمكن قيام دولة ديموقراطية، إلا أن تأسيس أكثر من 55 حزباً ليبرالياً ويسارياً ومدنياً إلخ… في مقابل حركة «النهضة» وما تتلقاه هذه الأخيرة من أموال من بلدان عربية رجعية، يميل الكفة لمصلحة هذه الحركة في الانتخابات المقبلة».
ويضيف: «هذا ما نراه أيضاً في مصر، لكننا نلاحظ في هذين البلدين أن الإسلاميين ليسوا على عجلة من أمرهم للوصول إلى السلطة؛ لأنهم يتخوفون من مصاعب إدارة بلد في حالة إفلاس. لهذا، سيحاولون القيام بمناورات لتبيان عدم أهلية الليبراليين والقوميين والوسطيين على الحكم، وفي النهاية يخرجون فعلياً على المسرح كما جرى الأمر في السودان بين عامي 1985 و 1989».
وحين نسأله عمّا كان يقصده في كتابه المشار إليه أعلاه «بالصفقة» التي جرت بين الإدارة الأميركية وقيادتي الجيشين التونسي والمصري لإزاحة الرئيسين بن علي ومبارك، يجيب شووي: «كانت موجة الانتفاضات الشعبية في هذين البلدين في كانون الأول 2010 وكانون الثاني 2011 عفوية ومبررة بسبب هيمنة الطغمة على السلطة، لكن هذه الموجة لم تكن الأولى، إلا أنها المرة الأولى التي لم يشارك الجيشان في قمعها، بل واكباها بحنكة وتركا لها العنان لتتسع وتطيح السلطتين السياسيتين. بالمحصلة، أقول بعقل بارد إن الجيشين هما اللذان طردا الرئيسين مبارك وزين العابدين، لا ثورة الشعبين التونسي والمصري؛ لأنهما كانتا مقننتان، ولو أنهما استقطبتا أضواء الإعلام في ساحة التحرير وفي سيدي بوزيد وتونس للإيهام بأن السلطة هي في يد الشعبين.
ويكفي استرجاع ما جرى في تلك الفترة حين كان رئيسا هيئة الأركان رشيد عمار وسامي عنان يجريان، «بالصدفة»، محادثاتهما في واشنطن، وقد استمرا بالتواصل المستمر مع القيادات العسكرية الأميركية وفي مقدمها الأميرال مايك مولن، بعدما عادا إلى بلديهما وفي جعبتيهما ضمانتان بعدم معارضة إسقاط مبارك وزين العابدين، وحض الحلفاء على تمويل ودعم المبادرات الإصلاحية التي سيقودها المجلس العسكري في البلدين».
أما السبب، فيرى شووي أن «الجيشين ضاقا ذرعاً بوضع الرئيسين السابقين وعائلتيهما أيديهما على مقدرات البلدين من جهة، ولأن واشنطن أبلغت القيادتين بأن المخصصات العسكرية والمدنية التي تقدم سنوياً لهما سوف تخفض كثيراً في موازنة 2011، وذلك لدافع السياسة الأميركية الداخلية نتيجة الأزمة المالية من جهة أخرى. وأظن أن ما يشرح توزيع الأسلحة على الحدود المصرية مع ليبيا في بداية حركة الاحتجاجات، قد يكون الجزء الثاني من الصفقة التي عقدها عنان مع واشنطن لتعويض انخفاض المساعدات الأميركية عبر وضع اليد المصرية على المناطق الليبية المحاذية القريبة من منابع النفط».
ويعود شووي بالذاكرة إلى ما جرى من محاولات غربية في صيف 1991 لتقديم ليبيا على طبق من فضة إلى مصر ثمناً لالتحاقها بالتحالف الدولي عشية حرب تحرير الكويت. وحين نسأله عن الحالة السورية وعن مدى انشقاق الجيش ضد سلطته السياسية، يقول ألان شووي: «الجيش السوري لا يتحرك وفق المقاييس نفسها التي مشى عليها الجيشان التونسي والمصري، فهو ليس المشغل الاقتصادي الأساسي الأول في البلاد، لكنه أداة السلطة القائمة في دمشق. وسمعت عن انشقاق بعض العسكريين، لكننا نلاحظ عموماً أن الجيش يبقى منضبطاً وموالياً للسلطة والدور الاقتصادي تقوم به الماكينة السياسية لحزب البعث وفي مقدمها عائلة الرئيس الأسد والطائفة العلوية أساساً».
وعن مآل هذا النظام، يرى أن «السنية السياسية والإسلاموية هما عموماً وراء الاحتجاجات الجارية في سوريا وغيرها، وهذا معروف منذ زمن بعيد، لكن الجديد أننا نشهد مزيجاً من النمطين المصري والليبي، أي في رؤية الانتفاضة الشعبية غير المسلحة عموماً من جهة، وتزايد حجم التدخلات الأجنبية من جهة أخرى. وهنا لا بد من إلقاء الضوء على سياسة حزب العدالة والتنمية الذي نظم لقاءات لبعض أجنحة المعارضة السورية في تركيا، والمواقف والتصريحات الفرنسية والبريطانية خصوصاً ضد الرئيس الأسد ونظامه، ما وسع دائرة الضغوط وأعطى في المقابل للإسلاميين فرصة حشد قواهم في الشارع وفي المنابر».
ويرى أن «المشكلة هي أن الإسلام السياسي والإخوان المسلمين يقودون الاحتجاجات في بلد فيه أقليات علوية ودرزية وإسماعيلية وشيعية وكردية (ولو هم من المذهب السني) ومسيحية من كل الطوائف تناهز الأربعين في المئة من السكان، وهؤلاء لا يرغبون البتة في إفساح المجال لوصول السلفيين والإخوان إلى السلطة؛ لأن فتوى ابن تيمية لا تزال حاضرة في ذهنهم منذ القرن الرابع عشر. وكلما مورست الضغوط الخارجية على الأسد ونظامه، دفعناه إلى التصلب. في الواقع هو ليس متشدداً، بل يريد الحوار والقيام بعملية الانتقال الديموقراطي بهدوء. أما الضغوط الأجنبية فسيكون لها مردود عكسي؛ لأنها ستدفع المتشددين في الطائفة العلوية إلى الضغط على الأسد لكي لا يتنازل عن أي شيء. وفي كل الأحوال، إن الدول الغربية، في ضوء ما قامت به من تجاوزات لقرار مجلس الأمن الخاص بليبيا، لن تجد لها أذناً صاغية في أي محفل دولي مؤثر؛ لأن غالبية الدول الناشئة تعلمت الدرس. وإذا تصاعدت أكثر فأكثر الضغوط الغربية على النظام فستعطي جرعات دعم لحركات الاحتجاج الإسلاموية السنية، ما يدفع الأمور إلى حرب أهلية طائفية دموية على غرار الحرب اللبنانية، ما يؤثر بالتالي على إيقاظ الفتنة الطائفية في بلاد الأرز».
وعن موقف المملكة العربية السعودية، قال شووي: «لقد تيقنت السعودية أنها لعبت بالنار في العقود السابقة، وأن ليس لها مصلحة في إيجاد قعر أسود جديد إلى جانب العراق من شأنه أن يطيح استقرار المنطقة بالكامل، وأعتقد أن الملك عبد الله فهم مخاطر ذلك جيداً، وهو يحاول بالإمكانات المحدودة المتوافرة لديه أن يهدئ اللعبة».
ويختتم الحديث بالقول: «لا شك في أن أحداث سيدي بوزيد أطلقت الشرارة في تونس، لكنها لم تكن قادرة على الانتشار في كل المنطقة العربية. لكن قرار الغرب، وواشنطن في المقدمة، هو الذي وسع رقعة هذه الاحتجاجات في مصر ثم في البلدان العربية؛ لأن الرئيس باراك أوباما تبنى فكرة «البنتاغون» المعروفة بـ«الفوضى الخلاقة» لإسقاط الطغاة مداورة كأحجار الدومينو بغية إعادة خلط الأوراق لمصلحة بلاده. الجديد في الأمر أن أوباما كان أكثر حنكة من سلفه في تنفيذ هذه الاستراتيجية. وما ألاحظه أننا دخلنا مرحلة جديدة من المناورات لتصفية بعض النزاعات المزمنة كالقضية الفلسطينية وخلق أخرى جديدة ليست لمصلحة شعوب المنطقة. نحن على قاب قوسن من تنفيذ شعار وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في السبعينيات: تغيير كل شيء لعدم تغيير شيء».
المصدر :
جهاد يوسف الخليل -
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة