تواصل قوى 14 آذار إندفاعتها الهجومية ضد النظام السوري، حتى كاد أعضاء الأمانة العامة لهذه القوى يمتشقون السلاح ويتوجهون إلى بلدة عرسال البقاعية لمنع الدبابات السورية من تجاوز الحدود مرة أخرى، في «موقف سيادي» كان سيصبح أكثر إقناعا ومصداقية، لو انه يعترض أيضا، بالحرارة ذاتها، على الانتهاكات شبه المستمرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي للحدود الجنوبية والأجواء اللبنانية، حيث تغيب حماسة فريق 14 آذار للدفاع عن السيادة والاستقلال... أو كما حصل مع الأميركيين عندما مرر لهم فريق 14 آذار المعاهدة الأمنية الشهيرة مع قوى الأمن الداخلي.

وفي سياق «اللعب المفتوح»، لم تتأخر قوى 14 آذار في الاعلان عن تأييدها لـ«المجلس الوطني الانتقالي السوري» المعارض الذي جرى الإعلان عن تشكيله من اسطنبول، معتبرة ان ولادة المجلس تشكل تحولا مهما في مسار «الثورة السورية»، بينما ارتفع صوتها في المقابل ضد الموقف الرسمي اللبناني في مجلس الأمن، حيث امتنع لبنان عن التصويت على قرار إدانة سوريا الذي سقط بالفيتو الروسي والصيني.

ولئن كان رهان فريق 14 آذار على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد عاجلا أم آجلا هو رهان واضح وربما يكون مشروعا في السياسة، إلا ان الذهاب به الى حد المجاهرة بالوقوف الى جانب «المجلس الانتقالي السوري» الذي يضم في صفوفه معارضين متطرفين ينادون بالتدخل العسكري الدولي لإسقاط النظام، إنما يشكل «جرعة زائدة» في الطرح السياسي، لا يستطيع ان يهضمها الجسد اللبناني الهزيل.

ولعل المفارقة في هذا الطرح، ان 14 آذار كادت تسبق أشد الدول عدائية للنظام السوري في «الاعتراف» بالمجلس الوليد، بل هي بدت ملكية أكثر من الملك عندما تجاوز سقفها السياسي سقف العديد من المعارضين السوريين في الداخل والذين كانوا الأوائل في إبداء تحفظات وملاحظات على أدبيات هذا المجلس، رافضين الانضمام الى صفوفه.

وأبعد من هذه الاعتبارات، تمثل خطوة فريق 14 آذار بقيادة تيار المستقبل مساسا مباشرا بمضمون معاهدة «الأخوة والتعاون والتنسيق» التي تنظم العلاقة بين لبنان وسورية، وإذا كان البعض «يتحسس» من هذه المعاهدة ويعتبر انها غير متوازنة وأنها فرضت فرضا «أيام الوصاية»، فإن اتفاق الطائف الذي يكاد تيار المستقبل يجعله «نصا مقدسا»، يلحظ وجوب عدم زج لبنان في أي استهداف للحكم في سوريا.

وما يجدر التوقف عنده في هذا السياق، ان سلوك قوى 14 آذار حيال الأزمة السورية يخدم، من حيث يدري او لا يدري أصحابه، المنطق التاريخي للنظام السوري الذي لطالما اعتبر ان لبنان يشكل خاصرة رخوة له، وأن دمشق لا يمكنها ان تأمن جانبه لأنه يملك قابلية ان ينقلب عليها او أن يتحول إلى منصة لاستهدافها، بمجرد حصول تعديل في موازين القوى في غير مصلحتها، وهذا ما كان يؤمن للنظام باستمرار المبررات اللازمة للتدخل في لبنان وللمساهمة في صياغة توازناته الداخلية، تحت شعار الحاجة الى الحفاظ على الأمن القومي السوري.

وبهذا المعنى، جاءت مواقف فريق 14 آذار وعلى رأسه تيار المستقبل كي تقدم إلى نظام الاسد مادة إضافية تعزز وجهة النظر القائلة بأن الكلمة الفصل في العلاقة مع لبنان تبقى لموازين القوى وليس لنصوص المعاهدات والاتفاقات.

وإذا كان البعض في 14 آذار يراهن على أن رحيل بشار الأسد عن السلطة هو حتمي وبات مسألة وقت فقط، وبالتالي لا ضرورة للقلق من ردود فعل نظام آيل إلى السقوط ولا مبرر للركون إلى فرضيات هشة تتوقع له عمرا مديدا، فإن السؤال الذي يطل برأسه هنا: ماذا لو «نجا» النظام وبقي جارا للبنان، وكيف يمكن ان ينعكس ذلك على مستقبل العلاقة بينه وبين أطراف لبنانية أساسية قطعت وتقطع جسور العودة؟

تؤكد شخصية بارزة في تيار المستقبل ان «الموقف من أحداث سورية لا ينبع من حسابات ربح وخسارة، بل من خيارات مبدئية تحتم الوقوف إلى جانب الشعب السوري في مواجهة المذبحة التي يتعرض لها، ثم من قال أن النظام باق، ولماذا لا يكون السؤال: ماذا لو انتصرت الثورة وتغير الحكم؟».

وتعتبر الشخصية المذكورة أن تأييد 14 آذار وتيار المستقبل للمجلس الوطني الانتقالي السوري هو أمر بديهي يندرج في إطار الانسجام مع أنفسنا ومع الربيع العربي، لأن الحياد بين القاتل والضحية ليس مقبولا، والسكوت عما يتعرض له الشعب السوري لم يعد جائزا، لافتة الانتباه إلى أن المجلس الانتقالي يمثل حوالي 80 في المئة من المعارضة، ومن الطبيعي دعمه.

وتتساءل الشخصية نفسها: لماذا يحق للبعض في لبنان ان يجاهر بدعم المجلس الانتقالي في ليبيا بينما يؤخذ على قوى 14 آذار أنها تؤيد المجلس الانتقالي السوري.. أليست هذه ازدواجية فاقعة في المعايير، برغم ان الحالتين متشابهتان؟

وترى الشخصية الفاعلة في تيار المستقبل أن دمشق ليست بحاجة إلى ذريعة للتدخل في الشأن اللبناني، وهي بالتأكيد لم تكن تنتظر موقف 14 آذار مما يجري في سورية حتى تجد مبررا للتمدد في الساحة اللبنانية، وتاريخ تعاملها مع لبنان يثبت ذلك.

وتستغرب «الشخصية الزرقاء» إصرار الحكومة اللبنانية على أن تنأى بنفسها عن الجريمة التي تطال شعبا شقيقا، مشيرا إلى أنها تمارس سياسة دفن الرأس في الرمال، كما فعلت في مجلس الأمن حين امتنعت عن التصويت لصالح قرار إدانة سورية وحين تجاهلت فضيحة خرق الدبابات للحدود اللبنانية وتنفيذها عملية عسكرية في عرسال الأمر الذي كان يستوجب استدعاء السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي للاحتجاج أو أقله صدور بيان عن وزير الدفاع أو قيادة الجيش يشرح حقيقة ما حصل، ولكن يبدو أن الدولة تفقد القدرة على النطق عندما يتعلق الموضوع بأحداث سورية.

  • فريق ماسة
  • 2011-10-06
  • 8968
  • من الأرشيف

14 آذار تمارس «اللعب المفتوح»: المغامرة تكبر

تواصل قوى 14 آذار إندفاعتها الهجومية ضد النظام السوري، حتى كاد أعضاء الأمانة العامة لهذه القوى يمتشقون السلاح ويتوجهون إلى بلدة عرسال البقاعية لمنع الدبابات السورية من تجاوز الحدود مرة أخرى، في «موقف سيادي» كان سيصبح أكثر إقناعا ومصداقية، لو انه يعترض أيضا، بالحرارة ذاتها، على الانتهاكات شبه المستمرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي للحدود الجنوبية والأجواء اللبنانية، حيث تغيب حماسة فريق 14 آذار للدفاع عن السيادة والاستقلال... أو كما حصل مع الأميركيين عندما مرر لهم فريق 14 آذار المعاهدة الأمنية الشهيرة مع قوى الأمن الداخلي. وفي سياق «اللعب المفتوح»، لم تتأخر قوى 14 آذار في الاعلان عن تأييدها لـ«المجلس الوطني الانتقالي السوري» المعارض الذي جرى الإعلان عن تشكيله من اسطنبول، معتبرة ان ولادة المجلس تشكل تحولا مهما في مسار «الثورة السورية»، بينما ارتفع صوتها في المقابل ضد الموقف الرسمي اللبناني في مجلس الأمن، حيث امتنع لبنان عن التصويت على قرار إدانة سوريا الذي سقط بالفيتو الروسي والصيني. ولئن كان رهان فريق 14 آذار على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد عاجلا أم آجلا هو رهان واضح وربما يكون مشروعا في السياسة، إلا ان الذهاب به الى حد المجاهرة بالوقوف الى جانب «المجلس الانتقالي السوري» الذي يضم في صفوفه معارضين متطرفين ينادون بالتدخل العسكري الدولي لإسقاط النظام، إنما يشكل «جرعة زائدة» في الطرح السياسي، لا يستطيع ان يهضمها الجسد اللبناني الهزيل. ولعل المفارقة في هذا الطرح، ان 14 آذار كادت تسبق أشد الدول عدائية للنظام السوري في «الاعتراف» بالمجلس الوليد، بل هي بدت ملكية أكثر من الملك عندما تجاوز سقفها السياسي سقف العديد من المعارضين السوريين في الداخل والذين كانوا الأوائل في إبداء تحفظات وملاحظات على أدبيات هذا المجلس، رافضين الانضمام الى صفوفه. وأبعد من هذه الاعتبارات، تمثل خطوة فريق 14 آذار بقيادة تيار المستقبل مساسا مباشرا بمضمون معاهدة «الأخوة والتعاون والتنسيق» التي تنظم العلاقة بين لبنان وسورية، وإذا كان البعض «يتحسس» من هذه المعاهدة ويعتبر انها غير متوازنة وأنها فرضت فرضا «أيام الوصاية»، فإن اتفاق الطائف الذي يكاد تيار المستقبل يجعله «نصا مقدسا»، يلحظ وجوب عدم زج لبنان في أي استهداف للحكم في سوريا. وما يجدر التوقف عنده في هذا السياق، ان سلوك قوى 14 آذار حيال الأزمة السورية يخدم، من حيث يدري او لا يدري أصحابه، المنطق التاريخي للنظام السوري الذي لطالما اعتبر ان لبنان يشكل خاصرة رخوة له، وأن دمشق لا يمكنها ان تأمن جانبه لأنه يملك قابلية ان ينقلب عليها او أن يتحول إلى منصة لاستهدافها، بمجرد حصول تعديل في موازين القوى في غير مصلحتها، وهذا ما كان يؤمن للنظام باستمرار المبررات اللازمة للتدخل في لبنان وللمساهمة في صياغة توازناته الداخلية، تحت شعار الحاجة الى الحفاظ على الأمن القومي السوري. وبهذا المعنى، جاءت مواقف فريق 14 آذار وعلى رأسه تيار المستقبل كي تقدم إلى نظام الاسد مادة إضافية تعزز وجهة النظر القائلة بأن الكلمة الفصل في العلاقة مع لبنان تبقى لموازين القوى وليس لنصوص المعاهدات والاتفاقات. وإذا كان البعض في 14 آذار يراهن على أن رحيل بشار الأسد عن السلطة هو حتمي وبات مسألة وقت فقط، وبالتالي لا ضرورة للقلق من ردود فعل نظام آيل إلى السقوط ولا مبرر للركون إلى فرضيات هشة تتوقع له عمرا مديدا، فإن السؤال الذي يطل برأسه هنا: ماذا لو «نجا» النظام وبقي جارا للبنان، وكيف يمكن ان ينعكس ذلك على مستقبل العلاقة بينه وبين أطراف لبنانية أساسية قطعت وتقطع جسور العودة؟ تؤكد شخصية بارزة في تيار المستقبل ان «الموقف من أحداث سورية لا ينبع من حسابات ربح وخسارة، بل من خيارات مبدئية تحتم الوقوف إلى جانب الشعب السوري في مواجهة المذبحة التي يتعرض لها، ثم من قال أن النظام باق، ولماذا لا يكون السؤال: ماذا لو انتصرت الثورة وتغير الحكم؟». وتعتبر الشخصية المذكورة أن تأييد 14 آذار وتيار المستقبل للمجلس الوطني الانتقالي السوري هو أمر بديهي يندرج في إطار الانسجام مع أنفسنا ومع الربيع العربي، لأن الحياد بين القاتل والضحية ليس مقبولا، والسكوت عما يتعرض له الشعب السوري لم يعد جائزا، لافتة الانتباه إلى أن المجلس الانتقالي يمثل حوالي 80 في المئة من المعارضة، ومن الطبيعي دعمه. وتتساءل الشخصية نفسها: لماذا يحق للبعض في لبنان ان يجاهر بدعم المجلس الانتقالي في ليبيا بينما يؤخذ على قوى 14 آذار أنها تؤيد المجلس الانتقالي السوري.. أليست هذه ازدواجية فاقعة في المعايير، برغم ان الحالتين متشابهتان؟ وترى الشخصية الفاعلة في تيار المستقبل أن دمشق ليست بحاجة إلى ذريعة للتدخل في الشأن اللبناني، وهي بالتأكيد لم تكن تنتظر موقف 14 آذار مما يجري في سورية حتى تجد مبررا للتمدد في الساحة اللبنانية، وتاريخ تعاملها مع لبنان يثبت ذلك. وتستغرب «الشخصية الزرقاء» إصرار الحكومة اللبنانية على أن تنأى بنفسها عن الجريمة التي تطال شعبا شقيقا، مشيرا إلى أنها تمارس سياسة دفن الرأس في الرمال، كما فعلت في مجلس الأمن حين امتنعت عن التصويت لصالح قرار إدانة سورية وحين تجاهلت فضيحة خرق الدبابات للحدود اللبنانية وتنفيذها عملية عسكرية في عرسال الأمر الذي كان يستوجب استدعاء السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي للاحتجاج أو أقله صدور بيان عن وزير الدفاع أو قيادة الجيش يشرح حقيقة ما حصل، ولكن يبدو أن الدولة تفقد القدرة على النطق عندما يتعلق الموضوع بأحداث سورية.

المصدر : عماد مرمل -


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة