دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أزمة تاريخ وجغرافيا، وإرث توجس وشكوك، ومصالح تتصارع على رقعة شطرنج إقليمية غير مستقرة. هذا واقع العراق والكويت، وهما يواجهان منذ أشهر الأزمة الأبرز منذ الغزو، والتصعيد الأكبر بعد سقوط صدام حسين. لو كان الخلاف بين بلدين آخرين لكان ممكناً التسليم بأن في الامر تنافساً بين ميناءين، مبارك الكبير يقابله الفاو الكبير. لكن الأمر فضح السلام الهش بين بغداد والكويت، وكذلك التعايش الصعب للمكونات السياسية العراقية.
انطلق الاستنفار الديبلوماسي والعسكري والإعلامي من عقاله، مقدماً قراءتين متناقضتين لكل شيء، بما في ذلك الحقوق البحرية والقرارات الدولية، في لحظة إقليمية صعبة. إذ يستعد العراق، نظرياً على الأقل، لطي صفحة الوصاية الأميركية، وتواجه البلدان العربية الكثير من الأزمات. وليس الخليج باستثناء، فها هو شبح الحرب الأهلية يعود إلى اليمن، وها هي حكومة البحرين تنقض على المعارضة بالأحكام القضائية، وها هو التململ في المنطقة الشرقية بالسعودية نار تحت الرماد. وفي هذه البلدان الثلاثة، كما في الأزمة العراقية - الكويتية، تشير أصابع الاتهام إلى إيران، وإن بدرجات مختلفة.
حدود رخوة
لنتذكر قليلاً تاريخ الجارين اللدودين. الترسيم الأول للحدود يعود إلى رسالة نوري السعيد في تموز 1932 إلى السلطات البريطانية، صاحبة الوصاية على الكويت. وحين قررت لندن منح محميتها الاستقلال، عقد عبدالكريم قاسم مؤتمراً صحافياً في 25 حزيران 1961 وطالب بضم الكويت لكونها قضاء تابعاً للبصرة في العهد العثماني.
وبعد اعتراف بغداد باستقلال الإمارة، ظلت مسألة ترسيم الحدود منسية سنوات. حتى أن العراق وقع معاهدات مع السعودية والأردن متجاهلاً الكويت. ثم كان صباح 2 آب 1990، القوات العراقية احتلت الكويت، والذريعة استيلاؤها على أراض وحقول نفطية.
وعقب الانسحاب العراقي، رسم المجتمع الدولي الحدود، وطولها 216 كيلومتراً، بالقرار الرقم 833 لعام 1993. وتبنته بغداد بعد تمنع واعتراض على اقتطاع أراض في صفوان وأم قصر وتقليص مساحة مياهها الإقليمية.
تنافس ميناءين...
لنعد إلى ميناء مبارك الكبير، حامل اسم مبارك بن صباح الصباح، الحاكم السابع للبلاد. المشروع الطموح يقوم في جزيرة بوبيان غير المأهولة في أقصى شمال غرب الخليج حيث تنتهي الحدود المائية للكويت في مقابل خور عبدالله. وهي موقع مثير للجدل، فصدام كان حشد قوات قبالتها عام 1973. ومرات عدة في الثمانينات من القرن الماضي طالب الرئيس الراحل الإمارة بتأجيره إياها لتحرير اقتصاده من الضغط الإيراني.
والواقع أن رفض الكويت التخلي عنها دفع صدام إلى التفكير في ميناء بديل. مرت سنوات. وفي نيسان 2010، وُضع حجر الأساس لميناء الفاو الكبير. قال العراق إنه سيغير خريطة الملاحة البحرية، إذ سينقل البضائع من اليابان والصين وجنوب شرق آسيا إلى أوروبا عبر أراضيه ثم تركيا براً في خط سمي "قناة اليابسة" ليكون موازياً سريعاً وأقل كلفة لقناة السويس.
وفي مخططات المشروع التي أعدتها شركات إيطالية، رصيف عملاق وساحة للحاويات أكثر من مليون متر مربع، وطاقة استيعاب 99 مليون طن سنوياً. أما الكلفة الإجمالية فأربعة مليارات و400 مليون أورو. وخصصت وزارة النقل العراقية قبل أسبوعين 95 مليون أورو فقط لمباشرة المرحلة الأولى التي تبدأ مطلع 2012.
وفي المقابل، وضعت الكويت حجر الأساس لمشروعها في نيسان 2011. هو من أربع مراحل، تُنجز الأولى سنة 2015. وسيرتبط بالبر بجسور وطرق سريعة وفيه منطقة للتبادل التجاري وفنادق سياحية. وشرعت شركة "هيونداي" الكورية الجنوبية في وضع الركائز وإقامة منشآت.
... وأزمة بلدين
سريعاً استنفرت وزارة النقل العراقية محذرة من أن المشروع يقيد الملاحة في قناة خور عبدالله المؤدية إلى ميناءي أم قصر وخور الزبير، ويملأ المياه العراقية بالترسبات الطينية التي تعوق مرور السفن الكبيرة. والأهم أنه سيجعل ميناء الفاو غير ذي قيمة.
ولوح رئيس الوزراء نوري المالكي باللجوء إلى الأمم المتحدة بعدما رفضت الكويت تعليق العمل. وتعرض وزير الخارجية هوشيار زيباري لسيل من الانتقادات لتصريحه بأن مخاوف بلاده مبالغ فيها، مستنداً إلى تقرير خبراء بحريين وآخرين من وزارتي الخارجية والنقل زاروا الكويت في أيار. ورأى نواب في موقفه تدخلاً في اختصاص وزارة النقل، واتهموه بتلقي رشى من الكويت بمئة ألف دولار. وليس مصادفة انتماء هؤلاء إلى ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، ولا كون وزير النقل هادي العامري من أبرز حلفاء إيران. والأخير أكد الثلثاء للجنة الخدمات والإعمار في مجلس النواب العراقي أن ميناء مبارك ينتهك القرار 833 إذ يجعل الممر المائي العراقي ضمن المشروع الكويتي، مع العلم أن القرار يجيز لسفن العراق المتجهة إلى موانئه المرور شمال خور عبدالله، أي في المياه الكويتية.
ولوح العامري باتخاذ "قرارات حادة" بعدما كان توعد في 8 أيلول بإقفال منفذ صفوان الحدودي البري حيث رُفعت الرسوم على الشاحنات الآتية من الكويت ومُنع عبور أكثر من 60 منها يومياً.
ويسترعي الانتباه أن مجلس الوزراء العراقي لم يعتمد رأياً موحداً وغرق في تصريحات متناقضة، وأحال الملف على النواب المنقسمين بالقدر نفسه تبعاً لخلفياتهم السياسية والمذهبية، فناقشوه الثلثاء من دون إصدار أي توصية. وكذلك لم تتبن الحكومة الكويتية موقفاً تصالحياً لرئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي عبَر عنه هذا الأسبوع من طهران، مشيراً إلى إمكان إلغاء المرحلة الرابعة، وهي الأكثر إثارة للجدل لأنها تشمل توسيع الإمدادات لبناء كاسر للأمواج و60 رصيفاً تتداخل مع المياه العراقية.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة