دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كثرت الاغتيالات في سورية في الشهر الأخير، وتمركزت في ثلاث مناطق ساخنة أبرزها حمص وريفها تليهما كل من حماه وإدلب. إلا أن من أكثر الاغتيالات تأثيراً في الرأي العام كان الذي استهدف ابن مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، وذلك في ادلب على باب جامعته، برفقة أستاذه.
لم يكن اغتيال سارية ابن الثانية والعشرين عادياً. ذلك أن الاستهدافات التي سبقته حملت طابعاً عسكرياً وطائفياً في أغلب الأحيان، وتميزت بمحاولة استنزاف الدولة وتعميق الأزمة الوطنية واستهداف العسكريين والأمنيين كما المدنيين بالكمائن والرصاص الطيار.
لكن ما يميّز استهداف حسون عبر فؤاد ابنه، هو الطابع الثأري للعملية، والتي عكسها أحد الناطقين باسم «التنسيقيات» على محطة «الجزيرة» حين رأى تعليقاً على الحادثة أن على كل شخص أن «يحدّد موقفه» من الأحداث. وهو خطاب يحمّل الأسرة المفجوعة مسؤولية موقف المفتي السياسي وبالتالي يبرر الثمن الدموي، من دون أن يعلن صراحة مسؤولية جماعته عن الاغتيال.
واللافت أنه حتى اللحظة لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن القتل، لا عن تلك العملية ولا عما سبقها، باستثناء بيانات «المنشقين» على اختلاف تسمياتهم، رغم إنشائية هذه البيانات وخلوّها من المعلومات الموثوقة.
لكن سحب ثمانينيات القرن الماضي لم تعد في سماء سوريا فقط، وإنما انهمرت مطراً أسود، ذلك أن توقف وسائل الإعلام عند مقتل الشاب سارية لرمزيته حجب ما لحق بهذه الجريمة من عمليات قنص وقتل في كل من ريف حماه وإدلب طالت مدنيين وعسكريين من مختلف الفئات.
وبالتأكيد سيفرز هذا التكتيك أوضاعاً جديدة حساسة تبعث على الشؤم، كما سيعزز من حجج التشديد الأمني ويبرر الشعور بالتهديد المسلح للسلطة والشعب معاً يوماً بعد يوم.
وقد وقع خبر اغتيال سارية على غالبية السوريين وقعاً شديد السوء، رغم كثرة أخبار الخطف والقنص الأخرى على صفحات المواقع السورية. كان للخبر وقع خاص. أولاً لأن الفتى ابن المفتي، الذي عكس وفاء للدولة ودافع عنها، وثانياً لأن الرجل من أكثر رجال الدين تسامحاً في سوريا، وانفتاحاً أيضاً على الآخر، وتلقي السلطة السورية ثقلاً كبيراً على انفتاحه في ترسيخ هذه الصورة عن الإسلام. وثالثاً لأن الرجل سواء اتفق البعض في الرأي معه أم لا، محبوب لجاذبية حديثه وحسن معشره. وقد تميّز الرجل من دون شك، حتى في محنة كبيرة كهذه، فألقى كلمة في تشييع ابنه تصدرت الصفحات الخاصة للعديد من السوريين على الشبكات الاجتماعية، كما تداولتها مواقع الانترنت الإخبارية بتسجيلها المصور، إضافة إلى عرضها والتعليق عليها في تلفزيونات سورية وعربية.
نجح الرجل المفجوع بابنه، في أن يرفع معنويات من استمع إليه من السوريين، ببلاغته وصدق مشاعره. ويقول كثيرون ممن بكوا تعاطفاً مع الرجل، أن بكاءهم ربما كان على الوطن والأمة ككل، وعلى ما وصلت إليه الأمور من تردّ.
إذ لا زال البعض غير مصدق أن ما يجري يحصل حقيقة في بلاده. فلا أخبار القتل تتوقف، ولا أخبار التشييع تغيب عن نشرات الأخبار. وفي بلد فاخر أهله بمستوى الأمان الذي يتمتعون به منذ عقود، أصبح على المرء أن يحسب حساب خطواته، وأن يتجنب مدناً بأكملها وطرقاً دولية معينة، فيما يتردد الحديث عن عائلات سافرت خارج البلاد مهاجرة ولو موقتاً إلى جهات مختلفة بينها بيروت، وهو ما يثير وجعاً أكبر لدى السوري.
وفيما يزداد ثقل الوضع الأمني على كاهل السلطة يغيب الحديث عن المسار السياسي، والذي يرى سياسيون في حزب البعث وخارجه أن «لا مفرّ منه» ، على الرغم من غياب ملامح أية خطوات مقبلة، واستحالة حصول أية عملية انتخابية أو استفتاء دستوري في ظلّ الاشتعال الحالي.
المصدر :
السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة