ظن اليمنيون في شباط الماضي أن فرصة التغيير التاريخية تطرق بابهم آتية من شمال إفريقيا وأن عليهم استغلالها للإطاحة بالدكتاتورية التي تكبّلهم منذ 3 عقود. وضع «الثائرون» نصب أعينهم شعار «على صالح التنحي» تماما كما فعل من قبلهم التونسيون والمصريون مع كل من المخلوعين زين العابدين بن علي وحسني مبارك، إلا ان اليمنيين اصطدموا مرة أخرى بسطوة الزمن الذي اكسب الرئيس علي عبدالله صالح خبرة «الرقص على رؤوس الثعابين». ليست المواجهة اليوم مع «ثعابين» من النوع السياسي التي تحاول الحصول على مكاسبها الخاصة بمعارضة صالح فيناور الاخير بدوره للتنصل من مطالبها، بل انها مواجهة شعب، قد تشمل على اقل تقدير نصف اليمنيين.

يوم اصيب الرئيس في 3 حزيران الماضي اثر هجوم على مسجد قصر الرئاسة في صنعاء، قال المعارضون في نفوسهم «انتهى»، الا ان علاج 3 اشهر في الرياض، الجار الاكثر حضورا في اليمن، لم يبعد صالح عن العراك الداخلي، فعاد مفاجئا الانصار والاعداء بخطاب خالٍ من نية التنحي، بل على وقع الرصاص المتبادل بين قواته وقوات خصمه المنشق اللواء علي محسن.

لماذا عاد الرئيس الذي دفعته المواجهة لذوق طعم الموت؟ اين السعودية من هذه العودة؟ ماذا عن المخرج الذي قد تقدمه الولايات المتحدة؟ أي خطة قد تضمّد جراح احد افقر البلدان في المنطقة والعالم؟

«عودة صالح المفاجئة لن تحمل الاستقرار لليمن»... هذا ما يقوله الكاتب في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية جيمس فالون الذي يرى أن دعوة الرئيس الأخيرة لوقف إطلاق النار في صنعاء لا تتعدى كونها محاولة منه لوضع نفسه «فوق المتشاجرين» بل بصورة «الوسيط». يشير فالون إلى أن صالح عاجز اليوم عن السيطرة مجددا على الوضع في البلاد، ولكن بالرغم من ذلك «يبقى قادرا على تمديد حالة الجمود لأشهر، إذ على الرغم من الانشقاقات الواسعة في المؤسسة العسكرية وفي حزبه الحاكم، يظهر أن الوحدات الموالية لصالح أفضل تجهيزا من غيرها، ولا تزال في قبضة أفراد الأسرة».

لعودة «الناجي» من هجوم المسجد، تماما بعد لقائه الملك السعودي في الرياض، بُعد اكثر درامية. ويقول كاتب «الغارديان» البريطانية جيمس سبنسر انه لا يمكن الفصل بين توقيت العودة وتدهور الوضع الأمني في صنعاء، حيث حاول المحتجون توسيع نطاق تظاهرتهم سيرا نحو القصر، بغطاء من قوات محسن، فكان نجل صالح، احمد، قائد الحرس الجمهوري، بالمرصاد. «قد تكون عودة الرئيس ومحاولة استعادة صلاحياته، جزءا من إستراتيجيته لإطالة حوار غير فعال مع المعارضة السياسية، بوساطة مجلس التعاون الخليجي.. سيستمر الرئيس بلا شك بسياسة التأخير والتعتيم: بدء المفاوضات من جديد، والإصرار على شروط مسبقة غير مقبولة. اما دعوته للانتخابات المبكرة في خطاب الاحد الماضي، فليست سوى جزء من هذه السياسة»... مع ذلك، تبقى العودة غريبة. فالرئيس اليمني كان ينأى بنفسه عن الضغوط السياسية بمجرد خضوعه للعلاج في السعودية، فهل عاد لتلقي الضغوط؟ يعتبر سبنسر ان الهدف الثاني لعودة صالح هو «استغلاله الوضع الحالي لركب قطار الانقسام من جديد وإعادة الانخراط في الخلافات اليمنية وتموضعه مرة أخرى في موقع القادر على إعادة فرض النظام والقانون».

قد يعبّر ما سبق عن نوايا صالح الذي أبى الهزيمة مصرا على ان ما قبل 3 حزيران هو تماما كما بعده. ولكن اين الرياض وواشنطن من «الثورة» اليمنية؟ ينظر الجانبان إلى ما شكله بحر المعارضين في اليمن على مدى 8 اشهر على انه «أزمة» لا «ثورة» وهذا ما يترجم بوضوح في أسلوب معالجة كلّ منهما لما يحصل في صنعاء.

سماح المملكة بعودة صالح تعني الكثير. فبعد استضافتهم له في أرقى الأمكنة لتشجيعه على البقاء «ضيفاً دائما»، عاد السعوديون للخيار الآخر على اعتبار ان «امن اليمن من امن السعودية وان ادارة اليمن بشكل جزئي خيرٌ من عدم ادارته ابدا». كما افادت تقارير اخبارية بأن المملكة المنقسمة بهذا الشأن لم تتوصل لتسمية الخلف «فيبقى صالح اهون الشرين».

اما واشنطن فتظهر بصورة المتفرّج. اذ ترى دانا ستاستر في مقال بعنوان «ماذا يمكن فعلا للولايات المتحدة القيام به لليمن؟» نشرته «ذا اتلانتيك»، انه «منذ بداية الانتفاضة في صنعاء، كانت واشنطن حريصة على العمل من البوابة السعودية»، فللمملكة تاريخ طويل ومعقّد في اليمن.. «احرصوا على إبقاء اليمن ضعيفاً»... كلمة اوصى بها الملك عبدالعزيز أبناءه في العام 1953، تكفي لفهم الأداء السعودي الحالي وقرار المملكة عدم الابقاء على استضافة صالح وحثه على توقيع المبادرة الخليجية. وتضيف ستاستر «بالرغم من الهدف السعودي وتشنج العلاقة بين الرياض وواشنطن، يصرّ الرئيس الأميركي على العمل مع جيران اليمن لتأمين انتقال سلمي للسلطة مسوّقاً للاتفاق الخليجي».

من المرجح ان تعجز المبادرة الخليجية، في حال توقيعها، عن الانتقال باليمن إلى برّ الامان في وقت تشتعل صنعاء بين شمال يسيطر عليه الحوثيون المسلحون وجنوب مدجج بالعمليات العسكرية ضد منتمين إلى «القاعدة»، لذا يرى المحلل في جامعة جورج واشنطن، مارك لينك، انه «حان الوقت لتخطو الولايات المتحدة ومعها المجتمع الدولي بشكل حازم لفرض انتقال السلطة والتنديد بالمجازر التي يقوم بها النظام، بل القول علنا: على صالح التنحي!»...

 

  • فريق ماسة
  • 2011-09-29
  • 4802
  • من الأرشيف

صالح يعود إلى العراك اليمني من البوابة السعودية قالها عبدالعزيز.. «احرصوا على إبقاء اليمن ضعيفاً»

ظن اليمنيون في شباط الماضي أن فرصة التغيير التاريخية تطرق بابهم آتية من شمال إفريقيا وأن عليهم استغلالها للإطاحة بالدكتاتورية التي تكبّلهم منذ 3 عقود. وضع «الثائرون» نصب أعينهم شعار «على صالح التنحي» تماما كما فعل من قبلهم التونسيون والمصريون مع كل من المخلوعين زين العابدين بن علي وحسني مبارك، إلا ان اليمنيين اصطدموا مرة أخرى بسطوة الزمن الذي اكسب الرئيس علي عبدالله صالح خبرة «الرقص على رؤوس الثعابين». ليست المواجهة اليوم مع «ثعابين» من النوع السياسي التي تحاول الحصول على مكاسبها الخاصة بمعارضة صالح فيناور الاخير بدوره للتنصل من مطالبها، بل انها مواجهة شعب، قد تشمل على اقل تقدير نصف اليمنيين. يوم اصيب الرئيس في 3 حزيران الماضي اثر هجوم على مسجد قصر الرئاسة في صنعاء، قال المعارضون في نفوسهم «انتهى»، الا ان علاج 3 اشهر في الرياض، الجار الاكثر حضورا في اليمن، لم يبعد صالح عن العراك الداخلي، فعاد مفاجئا الانصار والاعداء بخطاب خالٍ من نية التنحي، بل على وقع الرصاص المتبادل بين قواته وقوات خصمه المنشق اللواء علي محسن. لماذا عاد الرئيس الذي دفعته المواجهة لذوق طعم الموت؟ اين السعودية من هذه العودة؟ ماذا عن المخرج الذي قد تقدمه الولايات المتحدة؟ أي خطة قد تضمّد جراح احد افقر البلدان في المنطقة والعالم؟ «عودة صالح المفاجئة لن تحمل الاستقرار لليمن»... هذا ما يقوله الكاتب في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية جيمس فالون الذي يرى أن دعوة الرئيس الأخيرة لوقف إطلاق النار في صنعاء لا تتعدى كونها محاولة منه لوضع نفسه «فوق المتشاجرين» بل بصورة «الوسيط». يشير فالون إلى أن صالح عاجز اليوم عن السيطرة مجددا على الوضع في البلاد، ولكن بالرغم من ذلك «يبقى قادرا على تمديد حالة الجمود لأشهر، إذ على الرغم من الانشقاقات الواسعة في المؤسسة العسكرية وفي حزبه الحاكم، يظهر أن الوحدات الموالية لصالح أفضل تجهيزا من غيرها، ولا تزال في قبضة أفراد الأسرة». لعودة «الناجي» من هجوم المسجد، تماما بعد لقائه الملك السعودي في الرياض، بُعد اكثر درامية. ويقول كاتب «الغارديان» البريطانية جيمس سبنسر انه لا يمكن الفصل بين توقيت العودة وتدهور الوضع الأمني في صنعاء، حيث حاول المحتجون توسيع نطاق تظاهرتهم سيرا نحو القصر، بغطاء من قوات محسن، فكان نجل صالح، احمد، قائد الحرس الجمهوري، بالمرصاد. «قد تكون عودة الرئيس ومحاولة استعادة صلاحياته، جزءا من إستراتيجيته لإطالة حوار غير فعال مع المعارضة السياسية، بوساطة مجلس التعاون الخليجي.. سيستمر الرئيس بلا شك بسياسة التأخير والتعتيم: بدء المفاوضات من جديد، والإصرار على شروط مسبقة غير مقبولة. اما دعوته للانتخابات المبكرة في خطاب الاحد الماضي، فليست سوى جزء من هذه السياسة»... مع ذلك، تبقى العودة غريبة. فالرئيس اليمني كان ينأى بنفسه عن الضغوط السياسية بمجرد خضوعه للعلاج في السعودية، فهل عاد لتلقي الضغوط؟ يعتبر سبنسر ان الهدف الثاني لعودة صالح هو «استغلاله الوضع الحالي لركب قطار الانقسام من جديد وإعادة الانخراط في الخلافات اليمنية وتموضعه مرة أخرى في موقع القادر على إعادة فرض النظام والقانون». قد يعبّر ما سبق عن نوايا صالح الذي أبى الهزيمة مصرا على ان ما قبل 3 حزيران هو تماما كما بعده. ولكن اين الرياض وواشنطن من «الثورة» اليمنية؟ ينظر الجانبان إلى ما شكله بحر المعارضين في اليمن على مدى 8 اشهر على انه «أزمة» لا «ثورة» وهذا ما يترجم بوضوح في أسلوب معالجة كلّ منهما لما يحصل في صنعاء. سماح المملكة بعودة صالح تعني الكثير. فبعد استضافتهم له في أرقى الأمكنة لتشجيعه على البقاء «ضيفاً دائما»، عاد السعوديون للخيار الآخر على اعتبار ان «امن اليمن من امن السعودية وان ادارة اليمن بشكل جزئي خيرٌ من عدم ادارته ابدا». كما افادت تقارير اخبارية بأن المملكة المنقسمة بهذا الشأن لم تتوصل لتسمية الخلف «فيبقى صالح اهون الشرين». اما واشنطن فتظهر بصورة المتفرّج. اذ ترى دانا ستاستر في مقال بعنوان «ماذا يمكن فعلا للولايات المتحدة القيام به لليمن؟» نشرته «ذا اتلانتيك»، انه «منذ بداية الانتفاضة في صنعاء، كانت واشنطن حريصة على العمل من البوابة السعودية»، فللمملكة تاريخ طويل ومعقّد في اليمن.. «احرصوا على إبقاء اليمن ضعيفاً»... كلمة اوصى بها الملك عبدالعزيز أبناءه في العام 1953، تكفي لفهم الأداء السعودي الحالي وقرار المملكة عدم الابقاء على استضافة صالح وحثه على توقيع المبادرة الخليجية. وتضيف ستاستر «بالرغم من الهدف السعودي وتشنج العلاقة بين الرياض وواشنطن، يصرّ الرئيس الأميركي على العمل مع جيران اليمن لتأمين انتقال سلمي للسلطة مسوّقاً للاتفاق الخليجي». من المرجح ان تعجز المبادرة الخليجية، في حال توقيعها، عن الانتقال باليمن إلى برّ الامان في وقت تشتعل صنعاء بين شمال يسيطر عليه الحوثيون المسلحون وجنوب مدجج بالعمليات العسكرية ضد منتمين إلى «القاعدة»، لذا يرى المحلل في جامعة جورج واشنطن، مارك لينك، انه «حان الوقت لتخطو الولايات المتحدة ومعها المجتمع الدولي بشكل حازم لفرض انتقال السلطة والتنديد بالمجازر التي يقوم بها النظام، بل القول علنا: على صالح التنحي!»...  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة