يستمر التراجع في تلبية دعوات المعارضات السورية إلى التظاهر بعدما تحولت وحدة المعارضة نفسها إلى شعار ليوم الجمعة الماضي ، فقد بلغت انقساماتها وصراعاتها درجة الفضيحة الكبرى في نظر محازبيها ، الذين جعلوا من الدعوة إلى وحدتها شعارا "يناضلون" في سبيله ، بينما يقر معظمهم بأن الانشقاقات والنزاعات بين المعارضين هي نتيجة لمنافسات غير شريفة ، ولارتباطات بالدول الراعية لخطة تخريب سورية ، والتي تدفع كل منها مجموعات من المعارضين إلى الواجهة عبر المؤتمرات واللقاءات ، التي داخ السوريون في ملاحقة تناسلها الجاري على مدار الساعة ، والآتي كل يوم بخبر وبهيئة وبمجلس ورئيس وبيان ، دون احترام لعقول الناس وبعيدا عن أي رصانة تفترضها الخطب التي يلقيها متحدثو المعارضات عبر الشاشات المكرسة لحسابهم بالأمر الأميركي وبالنفط العربي.

أولا: المفارقات الفضائحية في مسار خطة تخريب سورية تزايدت بقوة خلال الأسبوع الماضي وآخرها كانت ببطولة السيد هيثم المالح الذي يدعى في بعض وسائل الإعلام على انه الزعيم الأوسع تأثيرا في المعارضة، والذي كان صاحب الدعوة إلى احد مجالس اسطنبول بدعم من المخابرات التركية وتنظيم الأخوان المسلمين ، ثم قفز إلى القاهرة لينقلب على مجلسه بهيئة جديدة ، وهو صاحب عبارة أن الصراع بين المعارضين هو نزاع على الكراسي بينما وصف منافسه الرئاسي  برهان غليون ذلك الصراع الشرس بأنه صراع على جلد الدب قبل صيده ( أي دب و أي صيد ؟ ).

ببساطة ظهر هيثم المالح مطالبا بتدخل الحلف الأطلسي عسكريا في سورية عبر إحدى القنوات ثم ظهر على قناة أخرى ليلحس تصريحه السابق إثر الضجة والإحراج الذين أثارهما كلامه ودون اعتبار لماء الوجه و هذا نموذج للعقلية السياسية التي تتصرف بها قيادات المعارضات السورية يكشف حقيقة نواياها و طريقة تصرفها.

ثانيا: أما في المشهد الإعلامي فقد واظبت محطات الطابور الأطلسي النفطي الذي يستهدف سورية استعمال أشرطة قديمة ومزورة للإيحاء بأن في سورية احتجاجات ضخمة ومستمرة على الأرض ويوم الجمعة الماضي بثت قناة الجزيرة صورا لمظاهرة ترفع يافطات عن المجاعة في الصومال لم ينتبه مفبركو الأصوات التي أنزلت عليها إلى وجود يافطات تطالب بالتبرع لأطفال الصومال وليس بإسقاط النظام في سورية، وإمعانا في احتقار عقول المشاهدين قام مخرج هذه "التحفة" بطمس اللوغو الأصلي للمحطة التي بثت الشريط ، بما يسميه فنيو المونتاج "ضربة موزاييك" لطمس صورة اللوغو فظهرت لطخة مبهمة مكان اللوغو في زاوية الشاشة ، وهو ما يعتبر توقيعا رسميا على التزوير و السرقة من قبل قناة الجزيرة.

وفي مشهد آخر يوم الجمعة أيضا ، اشتبكت مذيعة الجزيرة مع احد شهود عيانها الذي كان يتحدث من حمص وفقا لما أعلن على الشاشة (وربما من قلب الاستديو والعلم عند الله ) عندما لم يعطها ما تريد استخراجه من كلام عن مجازر وعن منشقين من الجيش زعمت الجزيرة في تقاريرها أنهم يشتبكون مع قوى الأمن ، بينما شاهد العيان الذي اختارته لم يستطع على الهواء أن يلبي المذيعة النشيطة بفبركة خبر يخدم الرواية التي كلفت باختلاقها فكانت فضيحة أخرى و اشتبكت المذيعة مع "ناشطها" الذي سارعت لإغلاق الخط معه بعد مشادة و صراخ .

تتبدل الأسماء والأماكن على القنوات وتتبدل التقسيمات الإدارية السورية أيضا، فلم يعد أي سوري يستغرب أن يرد اسم بلدته من محافظة دير الزور ، مثلا ، على أنها في محافظة اللاذقية أو طرطوس أو درعا  بينما تبث صور لأحداث يعرف المواطن المسكين أنها لم تقع في بلدته لكن يفرض عليه الرضوخ لمشيئة الشيخ حمد والمفكر عزمي بشارة ومدير الجزيرة الجديد الذي خلف خنفر في منصبه.

ثالثا: بالتوازي مع التصميم الإعلامي على ترسيخ الانطباع باستمرار الاحتجاجات والمواجهات يتبين بالوقائع أن حجم من يلبون الدعوات قد تقلص إلى ما دون الأربعة آلاف في كل أنحاء سورية وأن المشهد الرئيسي للأزمة في سورية والوجه الرئيسي لنشاط المعارضين بات العمل المسلح ضد الدولة ومؤسساتها ، من خلال الهجمات الإرهابية التي استهدفت قوى الجيش والأمن ومواقعها في أكثر من منطقة من البلاد وخصوصا في محافظة حمص.

بكلمة و في الفصل الثاني من الأزمة باتت الدولة الوطنية السورية في معركة ضد العصابات الإرهابية المسلحة التي ما يزال الحلف الدولي العربي التركي الحاضن لدورها في التآمر على سورية ، يمدها بكميات كبيرة من الأسلحة والأموال ، وعلى الرغم من الانجازات المهمة التي حققتها المؤسسة العسكرية والأمنية الوطنية في مكافحة تهريب الأسلحة والأموال عبر الحدود وفي العمل الجاري لتفكيك العصابات الإرهابية.

رابعا:  إلى جانب الضجيج الإعلامي و السياسي ، يتمادى تصعيد الضغوط ضد سورية من جانب دول الحلف الأطلسي وتركيا والحكومات العربية التابعة لواشنطن ، وتشير الوقائع إلى أن خطة إرباك سورية واستنزافها قد أعدت لتسير على موجة طويلة زمنيا ، فيستمر الضجيج الإعلامي بالفبركة والتحريض ، وتتواصل العقوبات وتدابير الحصار التي انضم إليها رئيس حكومة الوهم العثماني أردوغان ، بينما تستمر عملية تمويل وتسليح عصابات الإرهاب للتخريب ولتنظيم عمليات القتل والتفجير على الأراضي السورية.

الطاغي اليوم في مشهد الأحداث السورية هو تحول المعارضات إلى مخطط الإرهاب والى تنظيم واجهات سياسية متناحرة تلتقي على طلب التدخل الأجنبي ، وليست حيلة "الحماية الدولية" إلا خدعة موجهة إلى الرأي العام السوري الذي كشف ارتباط واجهات المعارضة بالاستخبارات الأجنبية وسعيها إلى وضع البلاد تحت الانتداب والاحتلال.

طريق سورية إلى الإصلاح والتماسك الوطني سوف يشهد خطوات كبيرة في الفترة القريبة القادمة ولكن معركة سورية مع الإرهاب والتدخل الاستعماري سوف تستمر لأن الحلقة المركزية التي تحكم خطة تخريب سورية هي حماية إسرائيل واستنزاف القوة التي تمثل العامود الفقري لكتلة المقاومة .

سوف تشهد الأشهر الباقية حتى نهاية السنة ، موعد مباشرة الهروب الأميركي من العراق الكثير من حملات التصعيد واستدراج التفاوض ، لأن سورية وإيران ترفضان حتى اليوم أي مساومة تعطي الاحتلال الأميركي ثمنا لخروجه من العراق، وأول ما يطلبه الأميركيون في هذا الثمن هو ضمان حماية إسرائيل ، التي حركوا لأجلها قواعد الدرع الصاروخي إلى الحدود التركية السورية.

مرة أخرى إنها معركة استقلال سورية وسيادتها ودورها الإقليمي وليست مجرد اضطرابات داخلية، لم يبق فيها أثر لاحتجاج عفوي و لا علاقة لها بالمطالب الإصلاحية فالقوى المحركة ميدانيا هي واجهات للتدخل الأجنبي و طربوش لعصابات الإرهاب.

يقول البعض بتفاؤل أن فئات معارضة في الداخل بدأت تصحو لهذه الحقيقة نرجو من الله أن يلهمهم و يقذف النور في صدورهم ، وربما يكون مؤتمر الحوار المقبل آخر فرصة لمن يصحو طالما صدر الدولة الوطنية و رئيسها المظلوم ، يتسع لاحتواء المخلصين .

 

  • فريق ماسة
  • 2011-09-24
  • 6800
  • من الأرشيف

سورية : ضجيج و ضغوط و إرهاب

يستمر التراجع في تلبية دعوات المعارضات السورية إلى التظاهر بعدما تحولت وحدة المعارضة نفسها إلى شعار ليوم الجمعة الماضي ، فقد بلغت انقساماتها وصراعاتها درجة الفضيحة الكبرى في نظر محازبيها ، الذين جعلوا من الدعوة إلى وحدتها شعارا "يناضلون" في سبيله ، بينما يقر معظمهم بأن الانشقاقات والنزاعات بين المعارضين هي نتيجة لمنافسات غير شريفة ، ولارتباطات بالدول الراعية لخطة تخريب سورية ، والتي تدفع كل منها مجموعات من المعارضين إلى الواجهة عبر المؤتمرات واللقاءات ، التي داخ السوريون في ملاحقة تناسلها الجاري على مدار الساعة ، والآتي كل يوم بخبر وبهيئة وبمجلس ورئيس وبيان ، دون احترام لعقول الناس وبعيدا عن أي رصانة تفترضها الخطب التي يلقيها متحدثو المعارضات عبر الشاشات المكرسة لحسابهم بالأمر الأميركي وبالنفط العربي. أولا: المفارقات الفضائحية في مسار خطة تخريب سورية تزايدت بقوة خلال الأسبوع الماضي وآخرها كانت ببطولة السيد هيثم المالح الذي يدعى في بعض وسائل الإعلام على انه الزعيم الأوسع تأثيرا في المعارضة، والذي كان صاحب الدعوة إلى احد مجالس اسطنبول بدعم من المخابرات التركية وتنظيم الأخوان المسلمين ، ثم قفز إلى القاهرة لينقلب على مجلسه بهيئة جديدة ، وهو صاحب عبارة أن الصراع بين المعارضين هو نزاع على الكراسي بينما وصف منافسه الرئاسي  برهان غليون ذلك الصراع الشرس بأنه صراع على جلد الدب قبل صيده ( أي دب و أي صيد ؟ ). ببساطة ظهر هيثم المالح مطالبا بتدخل الحلف الأطلسي عسكريا في سورية عبر إحدى القنوات ثم ظهر على قناة أخرى ليلحس تصريحه السابق إثر الضجة والإحراج الذين أثارهما كلامه ودون اعتبار لماء الوجه و هذا نموذج للعقلية السياسية التي تتصرف بها قيادات المعارضات السورية يكشف حقيقة نواياها و طريقة تصرفها. ثانيا: أما في المشهد الإعلامي فقد واظبت محطات الطابور الأطلسي النفطي الذي يستهدف سورية استعمال أشرطة قديمة ومزورة للإيحاء بأن في سورية احتجاجات ضخمة ومستمرة على الأرض ويوم الجمعة الماضي بثت قناة الجزيرة صورا لمظاهرة ترفع يافطات عن المجاعة في الصومال لم ينتبه مفبركو الأصوات التي أنزلت عليها إلى وجود يافطات تطالب بالتبرع لأطفال الصومال وليس بإسقاط النظام في سورية، وإمعانا في احتقار عقول المشاهدين قام مخرج هذه "التحفة" بطمس اللوغو الأصلي للمحطة التي بثت الشريط ، بما يسميه فنيو المونتاج "ضربة موزاييك" لطمس صورة اللوغو فظهرت لطخة مبهمة مكان اللوغو في زاوية الشاشة ، وهو ما يعتبر توقيعا رسميا على التزوير و السرقة من قبل قناة الجزيرة. وفي مشهد آخر يوم الجمعة أيضا ، اشتبكت مذيعة الجزيرة مع احد شهود عيانها الذي كان يتحدث من حمص وفقا لما أعلن على الشاشة (وربما من قلب الاستديو والعلم عند الله ) عندما لم يعطها ما تريد استخراجه من كلام عن مجازر وعن منشقين من الجيش زعمت الجزيرة في تقاريرها أنهم يشتبكون مع قوى الأمن ، بينما شاهد العيان الذي اختارته لم يستطع على الهواء أن يلبي المذيعة النشيطة بفبركة خبر يخدم الرواية التي كلفت باختلاقها فكانت فضيحة أخرى و اشتبكت المذيعة مع "ناشطها" الذي سارعت لإغلاق الخط معه بعد مشادة و صراخ . تتبدل الأسماء والأماكن على القنوات وتتبدل التقسيمات الإدارية السورية أيضا، فلم يعد أي سوري يستغرب أن يرد اسم بلدته من محافظة دير الزور ، مثلا ، على أنها في محافظة اللاذقية أو طرطوس أو درعا  بينما تبث صور لأحداث يعرف المواطن المسكين أنها لم تقع في بلدته لكن يفرض عليه الرضوخ لمشيئة الشيخ حمد والمفكر عزمي بشارة ومدير الجزيرة الجديد الذي خلف خنفر في منصبه. ثالثا: بالتوازي مع التصميم الإعلامي على ترسيخ الانطباع باستمرار الاحتجاجات والمواجهات يتبين بالوقائع أن حجم من يلبون الدعوات قد تقلص إلى ما دون الأربعة آلاف في كل أنحاء سورية وأن المشهد الرئيسي للأزمة في سورية والوجه الرئيسي لنشاط المعارضين بات العمل المسلح ضد الدولة ومؤسساتها ، من خلال الهجمات الإرهابية التي استهدفت قوى الجيش والأمن ومواقعها في أكثر من منطقة من البلاد وخصوصا في محافظة حمص. بكلمة و في الفصل الثاني من الأزمة باتت الدولة الوطنية السورية في معركة ضد العصابات الإرهابية المسلحة التي ما يزال الحلف الدولي العربي التركي الحاضن لدورها في التآمر على سورية ، يمدها بكميات كبيرة من الأسلحة والأموال ، وعلى الرغم من الانجازات المهمة التي حققتها المؤسسة العسكرية والأمنية الوطنية في مكافحة تهريب الأسلحة والأموال عبر الحدود وفي العمل الجاري لتفكيك العصابات الإرهابية. رابعا:  إلى جانب الضجيج الإعلامي و السياسي ، يتمادى تصعيد الضغوط ضد سورية من جانب دول الحلف الأطلسي وتركيا والحكومات العربية التابعة لواشنطن ، وتشير الوقائع إلى أن خطة إرباك سورية واستنزافها قد أعدت لتسير على موجة طويلة زمنيا ، فيستمر الضجيج الإعلامي بالفبركة والتحريض ، وتتواصل العقوبات وتدابير الحصار التي انضم إليها رئيس حكومة الوهم العثماني أردوغان ، بينما تستمر عملية تمويل وتسليح عصابات الإرهاب للتخريب ولتنظيم عمليات القتل والتفجير على الأراضي السورية. الطاغي اليوم في مشهد الأحداث السورية هو تحول المعارضات إلى مخطط الإرهاب والى تنظيم واجهات سياسية متناحرة تلتقي على طلب التدخل الأجنبي ، وليست حيلة "الحماية الدولية" إلا خدعة موجهة إلى الرأي العام السوري الذي كشف ارتباط واجهات المعارضة بالاستخبارات الأجنبية وسعيها إلى وضع البلاد تحت الانتداب والاحتلال. طريق سورية إلى الإصلاح والتماسك الوطني سوف يشهد خطوات كبيرة في الفترة القريبة القادمة ولكن معركة سورية مع الإرهاب والتدخل الاستعماري سوف تستمر لأن الحلقة المركزية التي تحكم خطة تخريب سورية هي حماية إسرائيل واستنزاف القوة التي تمثل العامود الفقري لكتلة المقاومة . سوف تشهد الأشهر الباقية حتى نهاية السنة ، موعد مباشرة الهروب الأميركي من العراق الكثير من حملات التصعيد واستدراج التفاوض ، لأن سورية وإيران ترفضان حتى اليوم أي مساومة تعطي الاحتلال الأميركي ثمنا لخروجه من العراق، وأول ما يطلبه الأميركيون في هذا الثمن هو ضمان حماية إسرائيل ، التي حركوا لأجلها قواعد الدرع الصاروخي إلى الحدود التركية السورية. مرة أخرى إنها معركة استقلال سورية وسيادتها ودورها الإقليمي وليست مجرد اضطرابات داخلية، لم يبق فيها أثر لاحتجاج عفوي و لا علاقة لها بالمطالب الإصلاحية فالقوى المحركة ميدانيا هي واجهات للتدخل الأجنبي و طربوش لعصابات الإرهاب. يقول البعض بتفاؤل أن فئات معارضة في الداخل بدأت تصحو لهذه الحقيقة نرجو من الله أن يلهمهم و يقذف النور في صدورهم ، وربما يكون مؤتمر الحوار المقبل آخر فرصة لمن يصحو طالما صدر الدولة الوطنية و رئيسها المظلوم ، يتسع لاحتواء المخلصين .  

المصدر : غالب قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة