البوسنة والهرسك أو الغابون تؤمّن لواشنطن الأصوات السبعة المطلوبة لتجنّب استخدام الفيتو

يبدو أن الدول الأوروبية حسمت تصويتها في مجلس الأمن ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما يعني أنه بات للولايات المتحدة ستة أصوات، وما تحتاج إليه هو صوت سابع ممتنع أو معارض، يجنّبها استخدام حق النقض

بذلت إدارة باراك أوباما ما بوسعها لكي تغطي عجز الرئيس الأميركي عن تحقيق الوعود التي قطعها في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عام بأن تكون فلسطين ممثلة هذه السنة فيها كدولة. أما جون بولتون، مندوب الجمهوريين الأسبق لدى الأمم المتحدة، فنصح الإدارة الأميركية لمواجهة الإصرار الفلسطيني على التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، أو الجمعية العامة، طلباً لعضوية كاملة في الأول، ولعضوية مراقب في الثانية، بأن تتبع الأسلوب نفسه الذي سلكته عام 1989. حينها، هددت واشنطن منظمة التحرير بقطع المساعدات عن اللاجئين الفلسطينيين، فتراجعت عن طلب العضوية.

بالأسلوب نفسه، وحتى قبل أن يحسم محمود عباس والوفد الفلسطيني الكبير المرافق له أمره بتوجيه خطابه إلى الأمين العام، طالباً أن تطبق الشرعية الدولية بعض قراراتها، عقدت الدول الغربية المانحة اجتماعاً مع سلام فياض وأركان حكومته، أصدرت خلاله موقفاً معارضاً للقفز فوق مفاوضات عطّلها الاستيطان المستمر. موقف يترجم سياسياً بأن الدول الأوروبية، التي التزمت بإقامة الدولة الفلسطينية تبحث عن مبرر لتلبية الرغبات الأميركية ـــــ الإسرائيلية.

وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن فياض غادر الاجتماع غاضباً بعد رفض نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون تعبير «إقامة دولتين» في البيان الختامي للاجتماع. وقال أيالون: «يجب كتابة دولتين لشعبين، لا إقامة دولتين فقط». وأضاف، بعدما غادر سلام فياض قاعة الاجتماع في مقابلة أجرتها معه الصحيفة: «ماذا يريد الفلسطينيون؟ دولة فلسطينية واحدة أم دولة ثنائية القومية؟». وطالب فياض خلال الاجتماع أن تقدم إسرائيل تسهيلات لسكان الضفة الغربية. ولكن أيالون رد قائلاً: «لن نراهن على أمن إسرائيل. كل شيء مرتبط بأمن إسرائيل، وعلى الدول المانحة ألا تعطي أموالها للسلطة الفلسطينية للتحريض على إسرائيل ولمقاطعة المنتجات الإسرائيلية».

في هذا الوقت، كانت الدبلوماسية الأميركية تتحرك بعصبية زائدة وحنق من عصيان أبو مازن وإصراره على التوجه إلى الأمم المتحدة. فحاولت إفشال المسعى الفلسطيني من شتى النواحي، ولا سيما في مجلس الأمن الدولي الذي يميل بتركيبته الحالية إلى مصلحة إسرائيل. فالولايات المتحدة لا تريد أن يتوجه الثأر العربي الإسلامي إليها وحدها، وتفضل أن يضيع الدم الفلسطيني بين القبائل. ألمانيا أعلنت موقفاً صريحاً بأنها ستعارض في مجلس الأمن عضوية الدولة الفلسطينية، بحجة أن الطريق إلى ذلك يجب أن تسلك التفاوض. وكولومبيا، التي تشبه المستعمرة الأميركية لما على أرضها من قواعد ولاعتمادها على المساعدات الأميركية في ميزانياتها كذلك تصطف إلى الجانب الألماني. وتحدثت الصحافة البريطانية عن أن لندن تتعرض لضغوط شديدة من أجل اتخاذ موقف يجرّ فرنسا والبرتغال إلى ركوب القطار الألماني. موقف تجلى في اجتماع الدول المانحة في نيويورك أمس.

وإذا كانت واشنطن تحتاج إلى سبعة أصوات في المجلس لكي تعطل أي مشروع قرار من هذا النوع، فإن الغابون والبوسنة والهرسك باتتا الدولتين الأكثر عرضة للضغوط من أجل ترجيح هذه الكفة. في المقابل، هناك دول أعلنت تأييدها علناً لمشروع العضوية، على رأسها روسيا والصين ولبنان والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل ونيجيريا. وإذا كان شعب البوسنة والهرسك يتعاطف مع القضية الفلسطينية عموماً، فإن موقف الحكومة السياسي يميل في الغالب إلى مجاراة الموقف الألماني في أسوأ الأحوال، أو إلى الامتناع عن التصويت في أفضله. وبالتالي من الصعب تصور أن تقف هذه الدولة، المدينة في استقلالها عن يوغوسلافيا لحلف الأطلسي، موقفاً سيادياً. تبقى الغابون، الدولة الأفريقية، عرضة للضغوط الأميركية الأوروبية التي لا تقابلها ضغوط عربية أو إسلامية. وبناءً على ذلك، يصبح التوجه إلى مجلس الأمن ضرباً من المقامرة. وربما قرر أبو مازن تغيير مساره في اللحظة الأخيرة وسلوك طريق الجمعية العامة لكي يحصل على الحد الأدنى، أي قبول مقعد الدولة الفلسطينية المراقبة، مستندة إلى نحو 128 صوتاً، هي ثلثا الأصوات المطلوبة من أصل 193 عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وبينما سيتجاهل باراك أوباما، في خطابه الذي يلقيه في الجمعية العامة التطرق إلى موضوع الدولة الفلسطينية، وسيركز على أمور كالأمراض والأزمة السورية، يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك واشنطن ونيويورك استكمالاً لجهود تطويع البيت الأبيض. ويذكر أن مبعوثي الإدارة الأميركية، دنيس روس وروبرت هيل، كانا قد عرضا اقتراحاً جديداً على الفلسطينيين لتجديد المفاوضات على أساس حدود 1967 مع تبادل أراض بما يجاري الواقع الديموغرافي الذي فرضته المستوطنات. وقال ديفيد ماكوفسكي، مدير قسم السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أول من أمس إنه «جاء وقت الدراما... يأتي الأسوأ من الشرق الأوسط إلى نيويورك. إنهم يحاولون التوصل إلى حل غير الحل التفاوضي للخروج من هذه الأزمة».

ولوحظ في هذا الصدد أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التقط مع أعضاء اللجنة الرباعية صوراً تذكارية يوم الأحد الماضي من دون الخروج بأية مواقف. واكتفى الأمين العام الأسبوع الماضي بإرسال خطاب إلى السلطة الفلسطينية يؤكد فيه أن اعتراف الدول بفلسطين «شأن ثنائي لا صلة للأمم المتحدة به». ورضوخاً عند مشيئة الدول الأكثر نفوذاً ترأس بان، أمس، ندوة على هامش اجتماعات الجمعية العامة تتعلق بالإرهاب.

 

 

 

  • فريق ماسة
  • 2011-09-19
  • 10596
  • من الأرشيف

«الدولة» وأبواب مجلس الأمن الموصدة

البوسنة والهرسك أو الغابون تؤمّن لواشنطن الأصوات السبعة المطلوبة لتجنّب استخدام الفيتو يبدو أن الدول الأوروبية حسمت تصويتها في مجلس الأمن ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما يعني أنه بات للولايات المتحدة ستة أصوات، وما تحتاج إليه هو صوت سابع ممتنع أو معارض، يجنّبها استخدام حق النقض بذلت إدارة باراك أوباما ما بوسعها لكي تغطي عجز الرئيس الأميركي عن تحقيق الوعود التي قطعها في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عام بأن تكون فلسطين ممثلة هذه السنة فيها كدولة. أما جون بولتون، مندوب الجمهوريين الأسبق لدى الأمم المتحدة، فنصح الإدارة الأميركية لمواجهة الإصرار الفلسطيني على التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، أو الجمعية العامة، طلباً لعضوية كاملة في الأول، ولعضوية مراقب في الثانية، بأن تتبع الأسلوب نفسه الذي سلكته عام 1989. حينها، هددت واشنطن منظمة التحرير بقطع المساعدات عن اللاجئين الفلسطينيين، فتراجعت عن طلب العضوية. بالأسلوب نفسه، وحتى قبل أن يحسم محمود عباس والوفد الفلسطيني الكبير المرافق له أمره بتوجيه خطابه إلى الأمين العام، طالباً أن تطبق الشرعية الدولية بعض قراراتها، عقدت الدول الغربية المانحة اجتماعاً مع سلام فياض وأركان حكومته، أصدرت خلاله موقفاً معارضاً للقفز فوق مفاوضات عطّلها الاستيطان المستمر. موقف يترجم سياسياً بأن الدول الأوروبية، التي التزمت بإقامة الدولة الفلسطينية تبحث عن مبرر لتلبية الرغبات الأميركية ـــــ الإسرائيلية. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن فياض غادر الاجتماع غاضباً بعد رفض نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون تعبير «إقامة دولتين» في البيان الختامي للاجتماع. وقال أيالون: «يجب كتابة دولتين لشعبين، لا إقامة دولتين فقط». وأضاف، بعدما غادر سلام فياض قاعة الاجتماع في مقابلة أجرتها معه الصحيفة: «ماذا يريد الفلسطينيون؟ دولة فلسطينية واحدة أم دولة ثنائية القومية؟». وطالب فياض خلال الاجتماع أن تقدم إسرائيل تسهيلات لسكان الضفة الغربية. ولكن أيالون رد قائلاً: «لن نراهن على أمن إسرائيل. كل شيء مرتبط بأمن إسرائيل، وعلى الدول المانحة ألا تعطي أموالها للسلطة الفلسطينية للتحريض على إسرائيل ولمقاطعة المنتجات الإسرائيلية». في هذا الوقت، كانت الدبلوماسية الأميركية تتحرك بعصبية زائدة وحنق من عصيان أبو مازن وإصراره على التوجه إلى الأمم المتحدة. فحاولت إفشال المسعى الفلسطيني من شتى النواحي، ولا سيما في مجلس الأمن الدولي الذي يميل بتركيبته الحالية إلى مصلحة إسرائيل. فالولايات المتحدة لا تريد أن يتوجه الثأر العربي الإسلامي إليها وحدها، وتفضل أن يضيع الدم الفلسطيني بين القبائل. ألمانيا أعلنت موقفاً صريحاً بأنها ستعارض في مجلس الأمن عضوية الدولة الفلسطينية، بحجة أن الطريق إلى ذلك يجب أن تسلك التفاوض. وكولومبيا، التي تشبه المستعمرة الأميركية لما على أرضها من قواعد ولاعتمادها على المساعدات الأميركية في ميزانياتها كذلك تصطف إلى الجانب الألماني. وتحدثت الصحافة البريطانية عن أن لندن تتعرض لضغوط شديدة من أجل اتخاذ موقف يجرّ فرنسا والبرتغال إلى ركوب القطار الألماني. موقف تجلى في اجتماع الدول المانحة في نيويورك أمس. وإذا كانت واشنطن تحتاج إلى سبعة أصوات في المجلس لكي تعطل أي مشروع قرار من هذا النوع، فإن الغابون والبوسنة والهرسك باتتا الدولتين الأكثر عرضة للضغوط من أجل ترجيح هذه الكفة. في المقابل، هناك دول أعلنت تأييدها علناً لمشروع العضوية، على رأسها روسيا والصين ولبنان والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل ونيجيريا. وإذا كان شعب البوسنة والهرسك يتعاطف مع القضية الفلسطينية عموماً، فإن موقف الحكومة السياسي يميل في الغالب إلى مجاراة الموقف الألماني في أسوأ الأحوال، أو إلى الامتناع عن التصويت في أفضله. وبالتالي من الصعب تصور أن تقف هذه الدولة، المدينة في استقلالها عن يوغوسلافيا لحلف الأطلسي، موقفاً سيادياً. تبقى الغابون، الدولة الأفريقية، عرضة للضغوط الأميركية الأوروبية التي لا تقابلها ضغوط عربية أو إسلامية. وبناءً على ذلك، يصبح التوجه إلى مجلس الأمن ضرباً من المقامرة. وربما قرر أبو مازن تغيير مساره في اللحظة الأخيرة وسلوك طريق الجمعية العامة لكي يحصل على الحد الأدنى، أي قبول مقعد الدولة الفلسطينية المراقبة، مستندة إلى نحو 128 صوتاً، هي ثلثا الأصوات المطلوبة من أصل 193 عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وبينما سيتجاهل باراك أوباما، في خطابه الذي يلقيه في الجمعية العامة التطرق إلى موضوع الدولة الفلسطينية، وسيركز على أمور كالأمراض والأزمة السورية، يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك واشنطن ونيويورك استكمالاً لجهود تطويع البيت الأبيض. ويذكر أن مبعوثي الإدارة الأميركية، دنيس روس وروبرت هيل، كانا قد عرضا اقتراحاً جديداً على الفلسطينيين لتجديد المفاوضات على أساس حدود 1967 مع تبادل أراض بما يجاري الواقع الديموغرافي الذي فرضته المستوطنات. وقال ديفيد ماكوفسكي، مدير قسم السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أول من أمس إنه «جاء وقت الدراما... يأتي الأسوأ من الشرق الأوسط إلى نيويورك. إنهم يحاولون التوصل إلى حل غير الحل التفاوضي للخروج من هذه الأزمة». ولوحظ في هذا الصدد أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التقط مع أعضاء اللجنة الرباعية صوراً تذكارية يوم الأحد الماضي من دون الخروج بأية مواقف. واكتفى الأمين العام الأسبوع الماضي بإرسال خطاب إلى السلطة الفلسطينية يؤكد فيه أن اعتراف الدول بفلسطين «شأن ثنائي لا صلة للأمم المتحدة به». ورضوخاً عند مشيئة الدول الأكثر نفوذاً ترأس بان، أمس، ندوة على هامش اجتماعات الجمعية العامة تتعلق بالإرهاب.      

المصدر : الاخبار /نزار عبود


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة