عندما اوحت “بريطانيا العظمى”  للدول العربية التي ُصنعت "مستقلة شكلياً "بعد الحرب العالمية الثانية بانشاء  منظمة سياسية تجمع  هذه الدول ظن البعض من البسطاء و حسني النية ان بريطانيا تغار على مصالح العرب ، و نسوا انها هي " التي اطلقت في العام 1917 وعد بلفور لليهود الصهاينة بان تكون فلسطين وطنا قوميا لهم ، وهي  التي كانت في العام 1916 قد ابرمت اتفاق تقاسم الشرق مع فرنسا و  خدعت بذلك  الشريف حسين مطلق" الثورة العربية الكبرى " بوجه تركيا العثمانية التي حكمت بلاد العرب لنيف و اربعة عقود ، و جعلته يعمل معها ضد العثمانيين في الحرب الاولى ، ظن البسطاء ان بريطانيا الاستعمارية تستدرك الموقف في العام 1945  و تعوض للعرب ما تسببت باهداره من سبل الوحدة ، و قدمت لهم نموذجا يؤطرون قواهم به على طريق الوحدة اسمي "جامعة الدول العربية ".

 

و في المسار التاريخي للجامعة العربية و منذ انشائها كانت هذه الجامعة و بكل اجهزتها بدءاً من مؤسسة االقمة الى المجالس و الفروع و الهيئات ، ( باستثناء المرحلة الناصرية )  لا تقدم للعرب الا ما يحملهم على القنوط و التيأييس و الاستسلام امام اي خطر خارجي ، ففي اول تجربة لها ارسلت جيش الانقاذ الى فلسطين لينقذها من الصهيونية فأديرت المعركة بما انقذ مشروع الدولة الصهيونية و ضيع فلسطين كما ضيع حتى فرصة اقامة الدولة الفلسطنية بمقتضى القرار 181 ( دولة فلسطين  التي يلهث الجمع من اجلها لاقامتها على مساحة لا تتعدى 40% مما كان سيكون في العام 1948 ، و على مساحة تقل عن 22% من ارض فلسطين التاريخية ) ، و في ايامنا الحاضرة كان للجامعة العربية موقف لا يقل سوءا عن تاريخها حيث قررت و بكل وقاحة و تفلت من حس قومي ان تقدم ليبيا للحلف الاطلسي ليستعمرها و يتقاسمها بحجة تخليصها من طاغية من طغاة العصر (معمر االقذافي ) ، و هي بدل ان تشكل الجيش العربي الذي يذهب لينقذ  ليبيا من طاغيتها و يحفظ سيادتها و يعيد الامن اليها  و و يرسي و باي سبيل حلاً  يعيد للشعب اللبيبي حقوقه (حقوق الانسان و المواطن ) و يحفظ للدولة كرامتها و وحدتها و ثراواتها ، اقدمت على تسليم ليبيا للغرب ليدمرها و يعيد صياغتها كما يناسب مصالحه .

 

و اليوم و في الاجتماع الاخير لمجلس وزراء العرب ظهر و بشكل نافر طبيعة الجامعة ضد المصلحة العربية من خلال موقفها الاخير من ملفين اثنين : البحرين و سوريا :

 

1)      ففي الاول دعمت  الجامعة ملك البحرين في سعيه لفرض الامن في البلاد دون الحديث عن اي شأن اخر يتعلق بصرخات الشعب البحراني الذي خرج الى الشارع مطالبا باقل ما يمكن من حقوق المواطن و الانسان، متوسلا فقط   الصوت و التظاهر في الشارع دون ان يكون له اعلام محلي او اقليمي فاعل ينقل صوته و دون ان يشهر سلاحا مهما كان نوعه سلاحا ابيضا او نارياً ، و احتفظ بسلمية حركته المطلبية لا يتعدى فيها السلوك الذي تقره كل القوانيين و الشرائع ، و رد عليه النظام بالنار و الدمار و الاعتقال و السجن و الطرد من العمل و سحب رخص ممارسة المهن و يستمر ممارساً ضده ما لو طال امده لامكن القول بانه سيكون جريمة ضد الانسانية تتمثل في الابادة االجماعية ، وهنا تأتي الجامعة العربية لتشد على يد الملك الذي استعان بجيوش دول مجلس التعاون الخليجي (قوى  درع الجزيرة) لسحق الحركة المطلبية السلمية تلك و التنكيل بالشعب الاعزل الذي لم يقتل موظفا او رجل امن طيلة مسيرته الاحتجاجية  ،موقف يشكل  دعماً للجريمة و تشجيعاً عليها .

2)   اما في الثاني حيث ان نرى بوضوح كلي ان بعض المناطق في سوريا حولت من قبل الجماعات الداخلية المحتضنة من دول عربية و اقليمية و دولية مسرحا للعنف و الارهاب ضد المواطن و ضد الدولة السورية بكل اجهزتها و مؤسساتها المدنية و العسكرية و ان القتل يجري على يد تلك الجماعات المسلحة بدم بارد و تستمر محاولات تقطيع اوصال البلاد و تجزئتها و تقسيمها شراذم و مناطق متناحرة ، و ان الدولة السورية لتي تصدت للامر على خطين اصلاحي تستجيب به لمطالب الشعب العامل من اجل بلاده ، و امني لتحفظ امن الشعب في مواجهة حركة العصيان المسلح و الارهاب التخريبي ، و بدل ان تتخذ الجامعة العربية قرارا يقوم على  دعم الدولة و الشعب السوري  عبر :

-    الطلب  من بعض  الدول العربية  التوقف فورا عن  دعم  الارهاب على الارض السورية بالمال و السلاح و الاعلام

-    التأييد للمسعى الرسمي السوري في الامن و الاصلاح .

-    الرفض و الاستنكار للتدخل الاجنبي في سوريا ،

-     ادانة الاعمال الارهابية و الدعوة لوقفها فورا .

-   عرض مساعدة شريفة لدفع الحوار الوطني  الداخلي في سوريا لتحقيق الاصلاح المنشود باقصر المهل و اقل معاناة ممكنة .

بدل كل ذلك اتخذت الجامعة و خلافا لميثاقها موقفا  يشجع الجريمة و القتل و الارهاب في سوريا على ايدي مخربين خارجين عن القانون  و طلبت من الدولة السورية و بكل بساطة ان تتوقف هي عن حفظ امن الوطن و اتاحة الفرص للارهاب ان يستشري ، كما طلبت من اكثرية الشعب السوري الخضوع لمطالب الاقلية المرتهنة لخارج (كما طالب كاميرون ) حتى يرفع العلم الاسرائيلي في دمشق بعد استسلامها .

اما في ملاحظة اخرى فقد كان مذهلاً  ان تستضيف الجامعة رئيس وزراء تركيا اردغاون ليهدد سوريا من على منبرها و يوجه الدروس للعرب مجتمعين و يحضر اذهانهم لتقبل عودة العثمانية بحلة جديدة لتحكمهم ، و في نفس الوقت تهاجم الجامعة  ايران و تحذر من خطرها المزعوم على  العرب رغم ما تقوم به ايران من عمل خدمة للقضية العربية الاولى ، و هكذا يعطى منبر الجامعة لحليف اسرائيل الاستراتيجي في المنطقة و تهاجم الجامعة و تندد بالحليف الاستراتيجي للعرب في قضية فلسطين و سواها .

هذه هي الجامعة العربية اليوم كانت بالامس ايضا ( باستثناء المرحلة الناصرية خلال الستينات ) اداة تمرير المشاريع الغربية على العرب ، و اطاراً يجهض سعيهم للوحدة الحقيقة ، جامعة انشأت بفكر غربي بريطاني  و يجني اليوم الغرب ثمار ما زرع و يتحكم بالجامعة عبر دول – اكذوبة من ممالك و امارات و مشيخات ، زرع هو حكامها اصلا ليكونوا حراسا لمصالحه عندنا . ، جامعة تتخذ  مظلة و جسرا للتدخل الاجنبي و التسليم للغرب و الاستسلام امامه ، فكما خدرت الفلسطنيين و تسببت بضياع وطنهم فانها تخدر شعوبا عربية اخرى من اجل الغرب ايضا ، و الاخطر في سلوكها اليوم نفسها المذهبي الطائفي الذي يلبي رغبة الغرب في صراع مذهبي و اثني في الشرق فهل ستنجح في مهمتها خاصة في سوريا ؟

لا اعتقد ان النجاح  متيسرلها اليوم  اذ رغم  ان  اصحاب الشأن فيها نسوا كما يبدو من هي  سوريا ،فان  الواقع سيفهمهم  ان المقاومة ليست بالسلاح فقط ، و ان مقاومة خططهم خاصة  خطة تسليم سوريا و المقاومة للغرب لن تنجح لان في المواجهة  رجال يعرفون كيف يدافعون عن حقهم و قضيتهم  وان  لسوريا من الحلفاء من سيمنع الجامعة من تحقيق اهدافها بالتسليم و استدعاء الاجنبي ليقسمها وليستعمرها مجددا  ، و نصر تموز 2006 ينتظر ان يتكرر .

 

 

  • فريق ماسة
  • 2011-09-17
  • 9524
  • من الأرشيف

الجامعة العربية لمن؟... و لماذا؟

عندما اوحت “بريطانيا العظمى”  للدول العربية التي ُصنعت "مستقلة شكلياً "بعد الحرب العالمية الثانية بانشاء  منظمة سياسية تجمع  هذه الدول ظن البعض من البسطاء و حسني النية ان بريطانيا تغار على مصالح العرب ، و نسوا انها هي " التي اطلقت في العام 1917 وعد بلفور لليهود الصهاينة بان تكون فلسطين وطنا قوميا لهم ، وهي  التي كانت في العام 1916 قد ابرمت اتفاق تقاسم الشرق مع فرنسا و  خدعت بذلك  الشريف حسين مطلق" الثورة العربية الكبرى " بوجه تركيا العثمانية التي حكمت بلاد العرب لنيف و اربعة عقود ، و جعلته يعمل معها ضد العثمانيين في الحرب الاولى ، ظن البسطاء ان بريطانيا الاستعمارية تستدرك الموقف في العام 1945  و تعوض للعرب ما تسببت باهداره من سبل الوحدة ، و قدمت لهم نموذجا يؤطرون قواهم به على طريق الوحدة اسمي "جامعة الدول العربية ".   و في المسار التاريخي للجامعة العربية و منذ انشائها كانت هذه الجامعة و بكل اجهزتها بدءاً من مؤسسة االقمة الى المجالس و الفروع و الهيئات ، ( باستثناء المرحلة الناصرية )  لا تقدم للعرب الا ما يحملهم على القنوط و التيأييس و الاستسلام امام اي خطر خارجي ، ففي اول تجربة لها ارسلت جيش الانقاذ الى فلسطين لينقذها من الصهيونية فأديرت المعركة بما انقذ مشروع الدولة الصهيونية و ضيع فلسطين كما ضيع حتى فرصة اقامة الدولة الفلسطنية بمقتضى القرار 181 ( دولة فلسطين  التي يلهث الجمع من اجلها لاقامتها على مساحة لا تتعدى 40% مما كان سيكون في العام 1948 ، و على مساحة تقل عن 22% من ارض فلسطين التاريخية ) ، و في ايامنا الحاضرة كان للجامعة العربية موقف لا يقل سوءا عن تاريخها حيث قررت و بكل وقاحة و تفلت من حس قومي ان تقدم ليبيا للحلف الاطلسي ليستعمرها و يتقاسمها بحجة تخليصها من طاغية من طغاة العصر (معمر االقذافي ) ، و هي بدل ان تشكل الجيش العربي الذي يذهب لينقذ  ليبيا من طاغيتها و يحفظ سيادتها و يعيد الامن اليها  و و يرسي و باي سبيل حلاً  يعيد للشعب اللبيبي حقوقه (حقوق الانسان و المواطن ) و يحفظ للدولة كرامتها و وحدتها و ثراواتها ، اقدمت على تسليم ليبيا للغرب ليدمرها و يعيد صياغتها كما يناسب مصالحه .   و اليوم و في الاجتماع الاخير لمجلس وزراء العرب ظهر و بشكل نافر طبيعة الجامعة ضد المصلحة العربية من خلال موقفها الاخير من ملفين اثنين : البحرين و سوريا :   1)      ففي الاول دعمت  الجامعة ملك البحرين في سعيه لفرض الامن في البلاد دون الحديث عن اي شأن اخر يتعلق بصرخات الشعب البحراني الذي خرج الى الشارع مطالبا باقل ما يمكن من حقوق المواطن و الانسان، متوسلا فقط   الصوت و التظاهر في الشارع دون ان يكون له اعلام محلي او اقليمي فاعل ينقل صوته و دون ان يشهر سلاحا مهما كان نوعه سلاحا ابيضا او نارياً ، و احتفظ بسلمية حركته المطلبية لا يتعدى فيها السلوك الذي تقره كل القوانيين و الشرائع ، و رد عليه النظام بالنار و الدمار و الاعتقال و السجن و الطرد من العمل و سحب رخص ممارسة المهن و يستمر ممارساً ضده ما لو طال امده لامكن القول بانه سيكون جريمة ضد الانسانية تتمثل في الابادة االجماعية ، وهنا تأتي الجامعة العربية لتشد على يد الملك الذي استعان بجيوش دول مجلس التعاون الخليجي (قوى  درع الجزيرة) لسحق الحركة المطلبية السلمية تلك و التنكيل بالشعب الاعزل الذي لم يقتل موظفا او رجل امن طيلة مسيرته الاحتجاجية  ،موقف يشكل  دعماً للجريمة و تشجيعاً عليها . 2)   اما في الثاني حيث ان نرى بوضوح كلي ان بعض المناطق في سوريا حولت من قبل الجماعات الداخلية المحتضنة من دول عربية و اقليمية و دولية مسرحا للعنف و الارهاب ضد المواطن و ضد الدولة السورية بكل اجهزتها و مؤسساتها المدنية و العسكرية و ان القتل يجري على يد تلك الجماعات المسلحة بدم بارد و تستمر محاولات تقطيع اوصال البلاد و تجزئتها و تقسيمها شراذم و مناطق متناحرة ، و ان الدولة السورية لتي تصدت للامر على خطين اصلاحي تستجيب به لمطالب الشعب العامل من اجل بلاده ، و امني لتحفظ امن الشعب في مواجهة حركة العصيان المسلح و الارهاب التخريبي ، و بدل ان تتخذ الجامعة العربية قرارا يقوم على  دعم الدولة و الشعب السوري  عبر : -    الطلب  من بعض  الدول العربية  التوقف فورا عن  دعم  الارهاب على الارض السورية بالمال و السلاح و الاعلام -    التأييد للمسعى الرسمي السوري في الامن و الاصلاح . -    الرفض و الاستنكار للتدخل الاجنبي في سوريا ، -     ادانة الاعمال الارهابية و الدعوة لوقفها فورا . -   عرض مساعدة شريفة لدفع الحوار الوطني  الداخلي في سوريا لتحقيق الاصلاح المنشود باقصر المهل و اقل معاناة ممكنة . بدل كل ذلك اتخذت الجامعة و خلافا لميثاقها موقفا  يشجع الجريمة و القتل و الارهاب في سوريا على ايدي مخربين خارجين عن القانون  و طلبت من الدولة السورية و بكل بساطة ان تتوقف هي عن حفظ امن الوطن و اتاحة الفرص للارهاب ان يستشري ، كما طلبت من اكثرية الشعب السوري الخضوع لمطالب الاقلية المرتهنة لخارج (كما طالب كاميرون ) حتى يرفع العلم الاسرائيلي في دمشق بعد استسلامها . اما في ملاحظة اخرى فقد كان مذهلاً  ان تستضيف الجامعة رئيس وزراء تركيا اردغاون ليهدد سوريا من على منبرها و يوجه الدروس للعرب مجتمعين و يحضر اذهانهم لتقبل عودة العثمانية بحلة جديدة لتحكمهم ، و في نفس الوقت تهاجم الجامعة  ايران و تحذر من خطرها المزعوم على  العرب رغم ما تقوم به ايران من عمل خدمة للقضية العربية الاولى ، و هكذا يعطى منبر الجامعة لحليف اسرائيل الاستراتيجي في المنطقة و تهاجم الجامعة و تندد بالحليف الاستراتيجي للعرب في قضية فلسطين و سواها . هذه هي الجامعة العربية اليوم كانت بالامس ايضا ( باستثناء المرحلة الناصرية خلال الستينات ) اداة تمرير المشاريع الغربية على العرب ، و اطاراً يجهض سعيهم للوحدة الحقيقة ، جامعة انشأت بفكر غربي بريطاني  و يجني اليوم الغرب ثمار ما زرع و يتحكم بالجامعة عبر دول – اكذوبة من ممالك و امارات و مشيخات ، زرع هو حكامها اصلا ليكونوا حراسا لمصالحه عندنا . ، جامعة تتخذ  مظلة و جسرا للتدخل الاجنبي و التسليم للغرب و الاستسلام امامه ، فكما خدرت الفلسطنيين و تسببت بضياع وطنهم فانها تخدر شعوبا عربية اخرى من اجل الغرب ايضا ، و الاخطر في سلوكها اليوم نفسها المذهبي الطائفي الذي يلبي رغبة الغرب في صراع مذهبي و اثني في الشرق فهل ستنجح في مهمتها خاصة في سوريا ؟ لا اعتقد ان النجاح  متيسرلها اليوم  اذ رغم  ان  اصحاب الشأن فيها نسوا كما يبدو من هي  سوريا ،فان  الواقع سيفهمهم  ان المقاومة ليست بالسلاح فقط ، و ان مقاومة خططهم خاصة  خطة تسليم سوريا و المقاومة للغرب لن تنجح لان في المواجهة  رجال يعرفون كيف يدافعون عن حقهم و قضيتهم  وان  لسوريا من الحلفاء من سيمنع الجامعة من تحقيق اهدافها بالتسليم و استدعاء الاجنبي ليقسمها وليستعمرها مجددا  ، و نصر تموز 2006 ينتظر ان يتكرر .    

المصدر : العميد أمين حطيط -


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة