دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
منذ أنّ بدأت العمليات الحربية الروسية
في أوكرانيا يوم 24شباط الماضي، والغرب يؤكد أنّ العملية فاشلة وأنّ الجيش الروسي سيفشل
في مهمته ولن يستطيع أن يحقق أياً من أهدافه لأنه غير مجهّز في كل المجالات اللوجستية
والتخطيطية والتنفيذية والقيادية. بدأ الغرب مبكراً جداً عملية ضغط كبيرة في محاولة
لتسويق أنّ تأخر تحقيق تقدّم/انتصار روسي في أوكرانيا هو فشل تتحمّله القيادة الروسية
والجيش الروسي؛ تم استهداف الرئيس الروسي وجرت محاولة شيطنته والتشكيك بولاء قادة وضباط
جيشه وأنّ هناك خلافات داخل القيادة الروسية التي لا تدعم كلها الحرب في أوكرانيا؛
كل هذا بالتزامن مع فرض أشد ومختلف أنواع العقوبات على روسيا ومحاولة محاصرتها وإخضاعها.
لكن القادة الروس، وعلى رأسهم الرئيس بوتين،
أكدوا ويؤكدون أنّ العملية العسكرية في أوكرانيا تسير وفق الخطط الروسية وهي تحقق تقدماً
وستحقق أهدافها. والخميس 21/4/ أنجزت موسكو مهمّة السيطرة على مدينة ماريوبول الاستراتيجية،
وشددت الحصار على بقايا القوات الأوكرانية وحلفائها هناك؛ السيطرة على المدينة تعني
السيطرة على نحو ثمانين في المئة من ساحل أوكرانيا على البحر الأسود، وبسقوط المدينة
تكون روسيا قد خنقت الاقتصاد الأوكراني، وسيسمح لها هذا الإنجاز وما سيليه، بأن تقول
للشعب الروسي أن الحرب حققت أهدافها الميدانية؛ وبالطبع سيكون لهذا التطور أثرٌ بالغ
على المعارك في جنوب دونباس، حيث بدأت روسيا مرحلة جديدة من العمليات هناك للسيطرة
على كامل الإقليم. كما ستكون له تداعياته على مسار المفاوضات، التي جدّدت موسكو تأكيدها
أن مصيرها متوقف على تجاوب كييف مع المطالب الروسية!
لا نعرف بالضبط ما هي الأهداف الحقيقية
"المضمرة" للعملية الروسية في أوكرانيا، وبالتالي أين ومتى وكيف ستعتبر روسيا
أنها حققت أهدافها. ولكن طرح بعض الأسئلة يمكن أن يحرّض التفكير للتحليل في الأبعاد
الاستراتيجية للحرب في أوكرانيا: لماذا وضع بوتين السلاح النووي الروسي في خلفية المشهد
قبل بدء الحرب؟ لماذا أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن التجربة الأولى لإطلاق صاروخ
"سارمات" (الشيطان حسب التسمية الأمريكية) الفرط صوتي جرت في العشرين من
نيسان الحالي، وأنّ قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية ستتسلّم صواريخ سارمات في الخريف
المقبل، فيما وصف رئيس وكالة الفضاء الروسية التجربة بأنها "هدية للناتو"؟
أي هدية شيطانية هذه؟!
ما هي أبرز تصريحات المسؤولين الروس التي
أعلنها عميد الدبلوماسية الروسية ورئيس استخباراتها وتوضح غايات الحرب البعيدة؟
الأول، قال إنّ "الحرب من أجل مستقبل
النظام العالمي"، فيما اعتبر الثاني أنّ "الحرب ستحدد مصير ومستقبل ومكانة
روسيا العالمية".
من الواضح بحسب افتتاحية صحيفة الخليج الإماراتية
22/4/، أنّ روسيا مصّرة على تحقيق أهدافها سلماً أو حرباً، وهي تخوض المعركتين بالتوازي،
وتدرك أيضاً أن الولايات المتحدة والدول الغربية سوف تضغط على كييف لعدم الامتثال لشروط
التسوية، وستواصل تحريضها على القتال وتزويدها بالسلاح ووعود الدعم الأخرى؛ لكن في
النهاية لا بد من تسوية، ولا بد أن يفرض ميزان القوة نفسه في الميدان وعلى طاولة المفاوضات،
"إيذاناً ببداية نهاية النظام الدولي الحالي".
وعليه فإنه يمكن ملاحظة وتوقع الآتي:
إنّ الغرب وصل تقريباً إلى أقصى مدى من
العقوبات ضد روسيا واستنفد كل تهديداته، فما هي النتيجة حتى الآن؟
النتائج تبيّنها تصريحات المسؤولين الغربيين
التي بدأت تُظهِرُ الفشل الغربي؛ فقد أكدت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، الشرق
الأوسط22/4/، أن "تخلي الاتحاد الأوروبي عن النفط الروسي سيكون له تأثير مدمر
على أوروبا والعالم بأسره"، معربة عن "قلقها الشديد" حيال ذلك. واعتبرت
أيضاً أن من شأن الحظر الأوروبي أن يرفع أسعار النفط العالمية «وبعكس المتوقع، قد يكون
له تأثير سلبي ضئيل للغاية على روسيا، لأنها رغم تصديرها كميات أقل، فإن الأسعار التي
ستحصل عليها مقابل صادراتها قد ترتفع»؛ أي فشل العقوبات، هذا أولاً!
وثانياً، فقد تسارع التضخم السنوي في
19 دولة في منطقة اليورو، بحسب تقرير نهائي، في شهر آذار الماضي من 5.9% إلى 7.4%،
وذلك وفقا لبيانات "يوروستات". في المقابل، أفاد البنك المركزي الروسي، الخميس21/4/،
بأن احتياطيات روسيا الدولية ارتفعت بتاريخ 15 نيسان الجاري، بواقع 1.7 مليار دولار
ووصلت إلى 611.1 مليار دولار. وهذه الاحتياطيات
تتضمن ذهباً ونقدا أجنبياً؛ أي ارتداد العقوبات على أصحابها!
وثالثاً، فقد أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي
لشؤون الأمن والخارجية، جوزيب بوريل، أن "التكتل لا يخطط لفرض قيود مشددة على
إمدادات النفط من روسيا"، عقب تهديد دول أعضاء في الاتحاد بتعطيل مثل هذا القرار.
ونقلت صحيفة لوفيغارو الفرنسية عن بوريل قوله: "سيكون من الصعب للغاية تحقيق إجماع
في الاتحاد الأوروبي على حظر أو زيادة الرسوم على النفط الروسي، كون بعض الدول الأعضاء
أعلنت أنها ستستخدم حق النقض ضد أي قرار جماعي بهذا الصدد". وأشار إلى أن
"صورة انقسام التكتل مع زيادة صرامة العقوبات لن تطمئن الأوروبيين، بل سترضي موسكو".
وذكرت لوفيغارو أنّ "دول الاتحاد الأوروبي بما فيها بولندا وفرنسا، تؤيد الرفض
الكامل لمصادر الطاقة الروسية، بينما تعارض ألمانيا والنمسا وهنغاريا ذلك"؛ أي
الانقسام الأوروبي.
رابعاً، أعلن البنتاغون أنه يحاول الاتصال
بالقيادة العسكرية الروسية منذ فترة معينة، ولكن دون أي نجاح. وقال المتحدث باسم البنتاغون
أمس تعليقاً على إمكانية الاتصال بالجانب الروسي: "كنا نحاول منذ عدة أسابيع،
لكنهم لا يبدون اهتماما بذلك". كما أكد المتحدث أن الولايات المتحدة لن تشارك
في أي محاولات لفك الحصار الذي تفرضه القوات الروسية على الموانئ الأوكرانية في البحر
الأسود؛ أي ثبات وحزم الموقف الروسي!
خامساً، تؤكد كافة التصريحات والمواقف أنّ
العالم منقسم، ولكن لصالح روسيا وضد الولايات المتحدة وغربها المتغطرس؛ فقد أكدت تقارير
رسمية صينية أنّ 140 دلة لم تطبق العقوبات ضد روسيا؛ أي 74% من المجتمع الدولي ضد العقوبات
الغربية. والأسوأ أنّ في قائمة الدول الرافضة للعقوبات الغربية، عدد ممن تعتبرهم الولايات
المتحدة الأمريكية من حلفائها وأصدقائها؛ أي تراجع الثقة بالولايات المتحدة.
في المحصلة، من الواضح أنّ روسيا تتبع نهجاً
ثابتاً يعكس أولاً الثقة بالنفس وبالقدرات الذاتية، ويعكس كذلك الصبر وطول النفس الروسي
وانتظار النتائج المعاكسة للعقوبات الغربية على أوروبا والولايات المتحدة والغرب كله؛
التكتيك الروسي الدقيق يخدم الأهداف الاستراتيجية الكبيرة التي أعلنت عنها موسكو تباعاً
والتي يشاركها بها العالم، وأهمها إنهاء الهيمنة الغربية وهيمنة القطب الواحد وإيجاد
نظام دولي متعدد الأقطاب يكون أكثر عدالة؛ التكتيك الروسي يؤكد كذلك استعداد روسيا
لحرب شاملة اقتصادية وتجارية وسياسية وإعلامية وثقافية طويلة ومُكلفة، ولكنها ضرورية
وحاسمة لردع الغرب وإنهاء هيمنة القطب الواحد إلى غير رجعة، ولذلك فإنّ روسيا مستعدة
لدفع هذه التكاليف لتحقيق الغاية الأسمى..!!
المصدر :
محطة أخبار سورية/ بـديـع عفيـف
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة