دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
خلال سنوات الحرب في سوريا، والتدخُّل الأجنبي،
خرج السوريون بحكمة مفادها أنه إذا رأيت الجانب الأميركي في واجهة اجتماع سياسي، فإنه
غالباً يريد إحراقه، وإذا كان متستّراً في الظلّ، فهو بالتأكيد يسعى إلى إنجاحه. وهذا
بالضبط ما حدث في اجتماع استوكهولم، في 9 و10 نيسان الجاري، الذي بدَت الصدارة فيه
للسويديّين والبريطانيين، بينما كانت وزارة الخارجية الأميركية تنشط بكثافة في الخلفية،
حتى إن موظّفيها تواصلوا مع عدد من المشاركين في الاجتماع، عدّة مرّات قبل موعده، للتأكد
من حضورهم ضماناً لـ»التنوّع»، علماً بأنها عادة ما تكتفي باتصال واحد، وأحياناً مراسلة
عبر البريد الإلكتروني.
شكّل الاجتماع، بحسب مصادر متابعة، تحدّثت
إليها «الأخبار»، نقطة بداية في مشروع توسيع «مسد»، وتحويله إلى منصّة جامعة لشخصيات
وكيانات سياسية معارِضة. وحضره قرابة 40 شخصية سياسية ومدنية سورية، يمثّلون خلفيات
متنوّعة، وبعضهم كان غائباً عن النشاط السياسي لفترة طويلة، مثل الداعية الإسلامي المعارض
محمد حبش، في حين أن بعضهم أعضاء في كيانات سياسية موجودة مثل أليس مفرج (هيئة التنسيق)،
وكذلك أعضاء «المجلس الاستشاري النسوي للمبعوث الأممي»، كمجدولين حسن وأسماء كفتارو
وزوزان علوش، لكنهنّ حضرن بصفاتهنّ الشخصية وليس نيابةً عن المجلس.
على أن النقطة الجوهرية التي دارت حولها
النقاشات في اجتماع العاصمة السويدية، الذي رشَّحت الخارجية الأميركية معظم المدعوّين
إليه، بالتنسيق مع مركز «أوف بالم» السويدي، كانت «النظام اللامركزي في سوريا»، وإمكانية
تطبيقه إدارياً وسياسياً، وتقديمه كحلٍّ سياسي وحيد ومتَّفق عليه بين السوريين، واعتباره
من قِبَل الحاضرين، وخصوصاً «مسد»، تصحيحاً لمسار الحراك الذي اندلع في سوريا عام
2011.
لا منافسة لـ»الائتلاف»
على رغم تزامن اجتماع استوكهولم مع إعادة
هيكلة «الائتلاف المعارض»، إلّا أن مصادر «الأخبار» تؤكّد أنه «لا يهدف إلى وراثته
في تمثيل المعارضة السورية، وأن ما يحدث هو إضفاء أكبر شرعية ممكنة على الكيان السياسي
في الشمال الشرقي، تمهيداً لرفع العقوبات عن مناطق سيطرة قسد من قِبَل الإدارة الأميركية
التي تريده تنظيماً متنوّعاً مغطىً بأوسع طيف سياسي، للذهاب بعيداً في مشروع النظام
اللامركزي حتى يصل إلى الفدرالية». وتسعى الخارجية الأميركية، حالياً، إلى تثبيت الوضع
الراهن في سوريا أطول فترة ممكنة، في ظلّ مواجهتها المتصاعدة مع روسيا في أوكرانيا،
بحيث تقطع أيّ تواصل محتمل بين «مسد» ودمشق، وتنمّي الخلافات بينهما، وتدعم التصعيد
القائم حالياً في القامشلي، وسيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» على مؤسسات الدولة السورية
التي يقع بعضها ضمن المربّع الأمني التابع للحكومة في المدينة.
استثناءات من العقوبات
تقول مصادر دبلوماسية، لـ»الأخبار»، إن
المشروع الأميركي حالياً هو تغيير شكل الكيانات السياسية في الشمال الشرقي والشمال
الغربي، حتى ولو اضطر الأمر إلى دمج «حكومة الائتلاف»، مع حكومة «الإنقاذ» المدعومة
من «هيئة تحرير الشام». وتضيف المصادر إن الأميركيين «طرحوا هذه الفكرة أخيراً على
الأتراك والائتلاف المعارض، بحيث تكون خطوة على طريق فدرالية ريف حلب مع إدلب، وفدرالية
الحسكة مع الرقة وريف دير الزور، ويتمّ العمل حالياً على بحْث إخراج الفدرالية الأخيرة
بطريقة تبدّد مخاوف تركيا من كيان كردي على الحدود».
يطرح المشروع تعزيز العلاقات الاقتصادية
بين منطقتَي سيطرة «قسد» والفصائل المسلحة وقطع العلاقات الاقتصادية مع دمشق كلياً
أمّا الخطوة الموازية التي يطرحها المشروع،
فهي العمل على تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين المنطقتَين السوريتَين، وقطْع
العلاقات الاقتصادية بين الشمالَين الشرقي والغربي من جهة، ودمشق من جهة أخرى، بحيث
لا تستفيد المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية إطلاقاً من رفع العقوبات عن شمال
شرق سوريا، مع السماح باتساع الاستفادة غرباً فقط، في اتجاه مناطق سيطرة الفصائل المسلحة،
علماً بأن الإدارة الأميركية تسعى إلى تنفيذ رفع العقوبات قريباً جداً، وفق ما أكده،
لـ»الأخبار»، مصدر دبلوماسي غربي حضر اجتماع استوكهولم. وهنالك سيناريوان مطروحان لرفع
العقوبات، وتقديم استثناءات من قانون «قيصر» الأميركي: الأوّل عن الشمال الشرقي والشمال
الغربي معاً، تكون مشروطة غرباً بعدم التعامل مع منظمات تصنّفها واشنطن إرهابية، أو
عن الشمال الشرقي فقط، على أن يُغَضّ النظر عن العلاقة التجارية مع شمال غرب سوريا،
بحيث تمرّ الأموال والبضائع وغيرها، من الشمال الغربي وإليه، بحدّ أدنى من الرقابة.
المشروع الأميركي الذي يعدّ واحداً من مشاريع
كثيرة طُرحت سابقاً، بعضها نجح واستمر، وبعضها انتهى سريعاً، سيساهم في تراجع أولوية
المسار الدولي برعاية الأمم المتحدة بما في ذلك اجتماعات اللجنة الدستورية، إلّا أن
مدى نجاحه واستمراره ربّما يتوقّف حالياً على الدور الروسي في مواجهته أو تقديم مشاريع
بديلة.
المصدر :
الأخبار /بلال سليطين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة