دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يقولون مجازاً، إن الرسالة غالباً ما تقرأ من العنوان، وهذه الجملة المعدودة الكلمات في معناها يمكن إسقاطها على التقرير الأخير للمنظمة الدولية والخاص بالتحقيق في أحداث الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية ومقتل 9 نشطاء أتراك على متن السفينة التركية «مرمرة» بيد القوات الإسرائيلية العام الماضي، وخلص تقرير جودفري بالمر، إلى أن الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة وسياسة العقاب الجماعي هما «قانونيان»، وهذا الإسقاط يمكن أن يُعثر على ترجمته المباشرة لو عدنا إلى طريقة التعاطي الدبلوماسي والمسلكي للمنظمة الدولية والمنظمات الدولية الأخرى مع الشأن العربي الخاص بالصراع مع دولة الاحتلال.
ولعل الأمر الذي يجب لفت الانتباه إليه في هذا السياق هو«راحة الضمير» للمنظمة الدولية المضمونة «بخطاب المواعظ» الأخلاقية كلما تعلق الأمر «بحماية الديمقراطية» وحقوق الإنسان والكفاح ضد الفقر، و«محاربة الإرهاب» التي تتولى ترديدها جوقة زعماء الدول ضمن مجموع أوسع للخطاب التبشيري للديمقراطية وحقوق الإنسان المنتهكة في فلسطين وقطاعها المحاصر.
يمكن أن يتبادر إلى ذهننا الشك في أن شاغلنا الرئيس، إذا ما حصل المستحيل ووجدنا أنفسنا في وضع «الدولة الفلسطينية» على حدود الرابع من حزيران 67 وانعتاق الأرض الفلسطينية وسكانها من عتق الاحتلال «وإحلال رغبة السلام» بين العرب وإسرائيل فينبغي عندئذ رؤية وتفهم السبب الذي يجعل الآخرين يرون العالم على نحو ما يرونه وأن نحدد بكل نزاهة من المعتدي ومن ضحية العدوان والحصار.
وهذه القصة الخرافية التي تقبع في أذهاننا، هي التي صورت لنا الواقع القائم على عبارات مكافحة الإرهاب، التي خرقت أبسط حقوق الإنسان في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، ولا ريب في أن الحجة الأكثر بعداً في «أخلاق» وضمير المجتمع الدولي عبر تقرير بالمر عن حصار غزة ومدلولاته القانونية هو تراكم الجنون الليبرالي، بالسماح لإسرائيل أن تعترض كل ما يشير إلى فاشيتها في العصر الحديث وإبقاء اعتراضاتها طي الخفاء وتسويق من يمارس القهر والقتل والحصار والاستيطان والعدوان بمنتهى الكياسة، وحين يسعى الفلسطينيون للتحرر بوسائلهم، أو الاحتجاج أمام «المنظمات الدولية» فإن حقوق الإنسان والديمقراطية تغتصب منهم.
وإذا ما فكر العرب في الوقوف إلى جانب قضاياهم العادلة يصار إلى تخريب أنظمتهم بألف طريقة وطريقة، أما حين يثور العرب على الاحتلال والظلم فتنهال الاتهامات الشيطانية وتباشر عملها منظمات المجتمع الدولي بإطلاق صرخات استنكار الفعل المقاوم للاحتلال.
مع ضخامة الفوارق التي نتجت عن ارتداء المجتمع الدولي لقناعه الإنساني في تجربته العربية والعالمثالثية أضحى فهم وتعرية الوجه القبيح «للمنظمات الدولية» ضرورة راسخة مع وجود الملايين في العالم العربي الذين لا يشاطرون السيد جودفري بالمر رأيه وتقريره إن كان الحصار يستحق أن يموت لأجله المئات في غزة، وإن كان يبدو للسيد بالمر قتل مدنيين وحصارهم وإذلالهم أمراً مقبولاً وضرورياً، فإن ذلك لا يحول دون طرح الأسئلة الكبرى التي تدور في رأس كل عربي وإنسان على وجه الأرض حيال تلك المأساة.
القناع الإنساني، لحصار غزة يرقد تحته عشرات الأقنعة المتصلة بمصير قضية شعب يرزح تحت الاحتلال، على حين قضايا التحرر ومحاربة الإرهاب وحقوق الإنسان وحماية الديمقراطية، تشكل منطلقاً ثابتاً لحملات التدخل الغربي والأميركي لزعزعة أنظمة سياسية في العالم، حتى بتنا بحاجة لكثير من «حسن الظن» لرؤية الأقنعة المتبدلة التي لا تخفي الاشمئزاز والأهوال الكبرى في عملية مستمرة لابتلاع مموه بأوهام قانونية تتخذ أسماءً متعددة على أنها إنجاز إنساني، يتعارض فعلها مع المثل العليا للإنسانية والعدالة، لتغدو الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي التي يزعم الغرب حبها كارثة تلاحقهم لتسقط قناعهم الإنساني في نمط الانتقادات الوظيفية التي لا تشمل ولا تقترب من إسرائيل.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة