دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بين الوقائع الميدانية في سورية، والتي لا ينكرها احد، وبين الإثارة الإعلامية، خاصة من قبل فضائيات عربية لم يعد دورها خافيا على احد، تستمر الأزمة السورية مفتوحة على مصراعيها ومعها يحتدم الصراع بين النظام السوري من جهة وعدد من الأنظمة العربية وفي مقدمها النظام القطري من جهة ثانية.
ويلمس زوار دمشق هذه الأيام إحساسا كبيرا بحجم التحديات التي يواجهها النظام، ولا سيما تحدي التوازن بين قرار المضي قدما في العملية الإصلاحية، وبين الحفاظ على الاستقرار مع التمييز بين المعارضة الهادفة السلمية والتي تدفع باتجاه تسريع الإصلاحات وفق رؤية ديموقراطية لسوريا الحديثة، وبين المجموعات التي تعبث بالأمن والاستقرار وتعيث قتلا وترهيبا. وكل ذلك مقرون بعملية شد أحزمة داخلية تحسبا للمزيد من الضغط الدولي من خلال العقوبات الاقتصادية برغم اعتماد الاكتفاء الذاتي على مستوى الزراعة والصناعة، إلا أن ذلك لا يعني عدم إصابة التجار الكبار بأضرار وخسائر مادية مباشرة وكبيرة.
في دمشق، ثمة حديث كان يهمس به في الخفاء وبدأ يتسرب إلى العلن، عن سبب الحنق القطري الذي وصل إلى حد الحقد المقرون بالغضب العارم «فالقصة ـ كما يرويها أصحاب الشأن ـ تعود إلى زيارة قام بها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى دمشق والتقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد، وكان جدول أعمالها محصورا ببند وحيد، «وهو بعد خسارة العرب وتحديدا سورية للحصة الممكنة التحقق نتيجة رفض الدخول في الحملة العسكرية ضد العراق تحت لواء الولايات المتحدة الاميركية، بحيث ذهبت الثروة النفطية العراقية حصصا بنسب متفاوتة لدول التحالف الذي احتل العراق، فإنه من المفيد عدم تكرار الخطأ لا بل الخطيئة، واستباق الأمور عبر الموافقة على الدخول في الحرب المقبلة على ليبيا، التي لم تكن قد بدأت بعد، لأن المكتشف من الثروات النفطية كبير ويستحق المجازفة لحجز حصة في الغنائم للتحالف الجديد ـ القديم الذي سيشترك في الاحتلال المقنع للدولة العربية الثانية بعد العراق. فكان جواب الأسد بالرفض المطلق من منطلق مبدئي يستند إلى المسوغات ذاتها التي قدمها يوم رفض تغطية الحرب الأميركية الغربية على العراق، فكان أن اتبع العرض القطري بأن الدخول في حرب كهذه سيؤمن استقرارا طويل الأمد للنظام السوري وعدم تعريضه للاستهداف كما يحصل في دول عربية عدة، وأيضا كان الجواب السوري بأن القيادة السورية تحتكم إلى الثوابت الرافضة للاحتلالات والداعمة للمقاومة على مساحة الوطن العربي من العراق إلى فلسطين إلى لبنان. فكان أن عاد الأمير القطري غاضبا ومنذ ذلك الحين بدأ التحول السياسي المصحوب بحملة إعلامية قطرية مركزة».
ما يلفت الانتباه في دمشق أيضا «الاطمئنان إلى أن الأمور ذاهبة إلى الاستيعاب برغم فداحة الخسائر التي يتكبدها الجيش والمدنيون، في ظل حديث متزايد عن مؤتمر قطري لحزب البعث قد يدعى إلى عقده في أي لحظة بما يؤسس لتحفيز وتيرة الإصلاحات، ويترافق ذلك مع همس عن تغييرات وشيكة في مواقع حساسة والاتيان بدم جديد يواكب المرحلة المقبلة».
«التآمر علينا كبير من بوابة لبنان والأمور موثقة بالأرقام والتواريخ وتلكلخ هي النموذج، وتركيا لم تقصر والصدمة كبيرة من حجم الخداع الذي مورس في العلاقة مع سورية إلا أن لدى القيادة السورية أوراقا كثيرة لم تستخدم منها شيئا وهي تتمهل كثيرا قبل الإقدام على أي تصرف».
ما يستفز السوريين هو الحديث «عن الفرز المذهبي والطائفي الذي لم تعرفه سورية من قبل»، ويقولون «في كل مفاصل الدولة من الحكومة إلى المصرف المركزي إلى المواقع العسكرية والأمنية والاقتصادية والمحافظات، توجد شخصيات سورية من الطائفة السنية» ويستدرك هؤلاء بالقول «على كل حال شعبية السيد الرئيس لدى السنة أكبر منها لدى الطوائف الأخرى، والانتخابات المقبلة ستثبت ذلك».
الحديث يتركز أيضا «على المجموعات والبيئات التي تستغلها الجهات الخارجية وهي في معظمها بيئات اجتماعية مسحوقة ومعدومة وستكون مستهدفة في اولويات البرامج الإصلاحية لإعادة تنميتها بشريا على الصعد كافة». وثمة حديث أيضا «عن الأصوليين الذين يتدفقون من دول مجاورة تماما كما حصل مع العراق وهناك وقائع مثبتة أيضا واعترافات وموقوفون وكل شيء سيظهر في أوانه وكل دولة ستزود في الوقت المناسب بالملف الذي يعنيها خصوصا إن هناك اتفاقات تنظم العلاقة مع كل الأشقاء والأصدقاء».
في سورية الكثير من الآمال المعلقة على المستقبل وإرادة صادقة بالتحديث والإصلاح، وقلق من حجم الضغوط المتزايدة واطمئنان إلى وفاء الحلفاء، وهمس أخير عن عرض جديد وصل عبر قنوات محددة مفاده «ليستقبل الرئيس الأسد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو فيسترجع الجولان ويبرم معاهدة سلام فتنقلب الأمور رأسا على عقب لتأخذ سورية مكانها الأول في المنطقة إلى جانب إسرائيل وحينها لا حديث عن نفوذ عربي أو تركي أو ما شابه، وليترك الفلسطينيون لمصيرهم فيفاوضوا على ما يستطيعون تحصيله من شبه دويلة، وليقطع الدعم عن المقاومة «ويا دار ما دخلك شر»، لكن الجواب السوري كان: لا تفريط بالثوابت ولا معنى لنظام في سوريا بلا فلسطين والمقاومة».
المصدر :
السفير /داود رمال
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة