دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
رأي القدس
ينتظر الكثيرون، داخل سورية وخارجها، الخطوة التركية التالية بعد ان اعلن احمد داوود اوغلو وزير الخارجية التركي ان مطالبته السلطات السورية بسحب جميع قواتها ودباباتها من المدن السورية التي اطلقها قبل يومين هي آخر مناشدة من نوعها، ولن يصدر اي كلام مماثل بعدها.
الولايات المتحدة الامريكية ممثلة بوزيرة خارجيتها السيدة هيلاري كلينتون لمحت الى ما يمكن ان تفعله تركيا عندما قالت انها الى جانب المملكة العربية السعودية هما المكلفتان بالقول ان نظام سورية فقد شرعيته وليست الولايات المتحدة.
ماذا يعني هذا الحديث الامريكي غير كونه حث البلدين المسلمين على تكوين حلف جديد يتولى مسؤولية التعاطي مع الملف السوري مباشرة ودون اي تدخل امريكي. فتركيا هي القوة الاقليمية الاسلامية الاضخم الى جانب ايران، والمملكة العربية السعودية هي الاغنى ماليا والاكثر قلقا من القوة الايرانية العسكرية والسياسية المتنامية.
من الواضح ان المملكة العربية السعودية التي خسرت العراق او بالاحرى قدمته لقمة سائغة للنفوذ الايراني عندما تواطأت بغباء مع مخططات المحافظين الامريكيين الجدد واطاحت بالنظام العراقي السابق، لا تريد ان تخسر سورية ايضا، وبالغباء نفسه، ويبدو انها واستجابة لضغوط ادارة الرئيس اوباما، انحازت بقوة الى المعسكر المناوئ للنظام السوري، وتمثل ذلك من خلال الخطاب الذي وجهه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى الرئيس السوري وطالبه فيه صراحة بوقف فوري لاعمال القتل التي يمارسها نظامه، وهو موقف سعودي يؤكد الانحياز دون تحفظ للانتفاضة السورية.
لا نعتقد ان السعودية وتركيا بصدد اعلان حرب على سورية، ولسنا مع الرأي القائل بان ايران قد تغامر بحرب اقليمية لحماية حليفها السوري، فكلفة الحرب باهظة ماديا وبشريا، علاوة على كونها غير مضمونة النتائج، وهذا ما يفسر، بطريقة او بأخرى استمرار النظام في دمشق في اللجوء الى حلوله الامنية الدموية على امل حسم الاوضاع لصالحه واخماد الاحتجاجات في مهدها.
الخيار الاكثر ترجيحا الذي يمكن ان يلجأ اليه التحالف السعودي ـ التركي الجديد، الذي يرتكز على اسس طائفية ظاهرة للعيان، هو تسليح بعض القوى السلفية السورية، وتكرار تجربة المثلث السني في العراق في بدايات الاحتلال الامريكي، مع فارق اساسي وهو ان الجماعات المنخرطة في اعمال العنف والتفجير في المثلث السني كانت مدعومة، بشكل مباشر او غير مباشر من سورية، وضد الولايات المتحدة الامريكية ومشروعها الاحتلالي في العراق، بينما اي تسليح لجماعات سورية معارضة سيكون بمباركة امريكية وضد النظام السوري العلماني وهنا تكمن المفارقة الكبرى.
الحروب الامريكية في العالمين العربي والاسلامي لم تكن ناجحة، ولدينا مثلان، الاول في العراق حيث جاءت النتائج عكسية تماما، وتكبدت الولايات المتحدة خسائر تصل ما يقرب من التريليون دولار علاوة على مقتل اربعة آلاف من جنودها، اما حربها في افغانستان فتقترب من هزيمة كبرى ومذهلة بسبب مقاومة حركة طالبان الشرسة وضعف نظام حامد كرزاي. فبعد عشر سنوات من المجهود الحربي وارسال مئة الف جندي امريكي، تتفاوض الادارة الامريكية على اعادة طالبان الى سدة الحكم مجددا مقابل خروج آمن لقواتها.
وهذه الهزائم في العراق وافغانستان هي التي منعت الادارة الامريكية، وبقرار حاسم من الكونغرس، من الاشتراك بشكل مباشر في عمليات الناتو في ليبيا، وهي التي تدفعها الى الاستعانة بقوى اسلامية للتعاطي مع الملف السوري، وهذا ما يفسر تخفيها خلف اي تحالف سعودي ـ تركي جديد يمكن ان ينشأ في المستقبل القريب.
سورية تنزلق بسرعة الى مرحلة استقطاب طائفي، قد تؤدي الى حرب اهلية ربما تتطور الى حرب اقليمية لا احد يستطيع ان يتنبأ بنتائجها، والشيء الوحيد الممكن التنبؤ به هو ان معدل منسوب الدم النازف سيتضاعف، ويدفع الابرياء ثمنه الاكبر.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة