تعبير الدبلوماسية الذكية الذي استخدمته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون لوصف سياسة بلادها الحالية تجاه سوريا، لا يليق بأميركا ولا يتناسب مع سمعتها وتاريخها الذي لم يعرف سوى الحروب الذكية والعقوبات الذكية والصفقات الذكية، التي لم تكن تتميز بالحد الأدنى من الذكاء.

هو مجرد تعبير مراوغ يقصد القول إن اميركا ليست معنية بشكل مباشر ببقاء أو سقوط النظام السوري. فهذا حسب كلام كلينتون شأن يقرره الأتراك والسعوديون، بعد السوريين طبعاً. ادارة الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما لن تتلفظ بالدعوة الى تنحّي الرئيس بشار الاسد عن السلطة، استجابة لنداءات معارضين سوريين ومناهضين عرب وأوروبيين غربيين، لكنها ستكتفي باللازمة التي باتت تتكرر في كل تصريح او بيان رسمي اميركي: الأسد فقط شرعيته وسوريا ستكون افضل حالاً من دونه.

صحيح أن موقف كلينتون يتقدم خطوة اضافية في الموقف الاميركي عندما تقول انه من الافضل ان تأتي الدعوة الى تنحي الاسد من تركيا والسعودية للمبادرة بدلاً من ان تأتي من اميركا، التي لا حول لها ولا نفوذ على الداخل السوري، الشارع او الجيش، حسبما قيل لمعظم الذين راجعوا واشنطن في هذا الشأن على مدى الاسابيع القليلة الماضية. وهو تقدير صحيح بالمقارنة مع ما لدى واشنطن من تأثير على الجيش وربما ايضاً على الشارع في تونس ومصر، ما شجع اوباما على الخروج بنفسه طالباً من الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك الرحيل.

وهو ايضا تصرف واقعي لان أحداً لا يستطيع ان يضمن ألا تصبح دعوة اوباما الاسد للتنحي الى صرخة في واد سحيق، او ان تؤدي الى عكس غايتها تماماً.. فضلاً عن ان اميركا لم تعد دولة عظمى لا يشق لها غبار ولا يعصى لها أمر. وبالتالي فإنه لن يكون من المستبعَد أن تثير كلمة رئيسها الحالي، الغارق في اسوأ ازمة اقتصادية تعرفها الولايات المتحدة في تاريخها، السخرية في دمشق، وبيروت طبعاً، وان تثير الحرج في انقرة والرياض.. وهذا هو الأهم.

في الحدود الحالية للموقف الأميركي الذي يتسم بقدر عال من الغباء، ثمة ما يربك الاتراك والسعوديين الذين لا يمكن ان يتحملوا مثل هذه المسؤولية السياسية والامنية والاخلاقية، مسؤولية الطلب من الاسد التنحي. فقد فعلت الرياض اقصى ما يمكن ان تفعله في هذه الحالة، عبر رسالة الملك عبد الله وقراره سحب السفير السعودي من دمشق.. وهي الخطوة التي ستقدم انقرة على اتخاذها خلال ايام، او ربما ساعات، والتي لا يمكن ان يتبعها الكثير من الخيارات العسكرية او السياسية او الاقتصادية الجذابة.

الأرجح انه لم يكن لكلام كلينتون وقع حسن على الاتراك والسعوديين، الذين باتوا يتحمّلون عبء التغيير في سوريا، مع أنهم حتى الآن على الأقل لا يميلون لمثل هذا الخيار ولا يحبون هذه الكلمة.. ولا يريدون ان تزعم اميركا انها اختارتهم لكي تمارس دبلوماسية ذكية غير مألوفة من قبل الاميركيين
  • فريق ماسة
  • 2011-08-17
  • 7271
  • من الأرشيف

ذكاء اميركي مزعوم

تعبير الدبلوماسية الذكية الذي استخدمته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون لوصف سياسة بلادها الحالية تجاه سوريا، لا يليق بأميركا ولا يتناسب مع سمعتها وتاريخها الذي لم يعرف سوى الحروب الذكية والعقوبات الذكية والصفقات الذكية، التي لم تكن تتميز بالحد الأدنى من الذكاء. هو مجرد تعبير مراوغ يقصد القول إن اميركا ليست معنية بشكل مباشر ببقاء أو سقوط النظام السوري. فهذا حسب كلام كلينتون شأن يقرره الأتراك والسعوديون، بعد السوريين طبعاً. ادارة الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما لن تتلفظ بالدعوة الى تنحّي الرئيس بشار الاسد عن السلطة، استجابة لنداءات معارضين سوريين ومناهضين عرب وأوروبيين غربيين، لكنها ستكتفي باللازمة التي باتت تتكرر في كل تصريح او بيان رسمي اميركي: الأسد فقط شرعيته وسوريا ستكون افضل حالاً من دونه. صحيح أن موقف كلينتون يتقدم خطوة اضافية في الموقف الاميركي عندما تقول انه من الافضل ان تأتي الدعوة الى تنحي الاسد من تركيا والسعودية للمبادرة بدلاً من ان تأتي من اميركا، التي لا حول لها ولا نفوذ على الداخل السوري، الشارع او الجيش، حسبما قيل لمعظم الذين راجعوا واشنطن في هذا الشأن على مدى الاسابيع القليلة الماضية. وهو تقدير صحيح بالمقارنة مع ما لدى واشنطن من تأثير على الجيش وربما ايضاً على الشارع في تونس ومصر، ما شجع اوباما على الخروج بنفسه طالباً من الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك الرحيل. وهو ايضا تصرف واقعي لان أحداً لا يستطيع ان يضمن ألا تصبح دعوة اوباما الاسد للتنحي الى صرخة في واد سحيق، او ان تؤدي الى عكس غايتها تماماً.. فضلاً عن ان اميركا لم تعد دولة عظمى لا يشق لها غبار ولا يعصى لها أمر. وبالتالي فإنه لن يكون من المستبعَد أن تثير كلمة رئيسها الحالي، الغارق في اسوأ ازمة اقتصادية تعرفها الولايات المتحدة في تاريخها، السخرية في دمشق، وبيروت طبعاً، وان تثير الحرج في انقرة والرياض.. وهذا هو الأهم. في الحدود الحالية للموقف الأميركي الذي يتسم بقدر عال من الغباء، ثمة ما يربك الاتراك والسعوديين الذين لا يمكن ان يتحملوا مثل هذه المسؤولية السياسية والامنية والاخلاقية، مسؤولية الطلب من الاسد التنحي. فقد فعلت الرياض اقصى ما يمكن ان تفعله في هذه الحالة، عبر رسالة الملك عبد الله وقراره سحب السفير السعودي من دمشق.. وهي الخطوة التي ستقدم انقرة على اتخاذها خلال ايام، او ربما ساعات، والتي لا يمكن ان يتبعها الكثير من الخيارات العسكرية او السياسية او الاقتصادية الجذابة. الأرجح انه لم يكن لكلام كلينتون وقع حسن على الاتراك والسعوديين، الذين باتوا يتحمّلون عبء التغيير في سوريا، مع أنهم حتى الآن على الأقل لا يميلون لمثل هذا الخيار ولا يحبون هذه الكلمة.. ولا يريدون ان تزعم اميركا انها اختارتهم لكي تمارس دبلوماسية ذكية غير مألوفة من قبل الاميركيين

المصدر : السفير /ساطع نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة