أثارت الاستقالة الجماعية لقادة القوات المسلحة في تركيا الكثير من التعليقات والتوقعات. وفي حين اعتبرت تعليقات أن الاستقالة عنت استسلام الجيش التركي للسلطة السياسية ذات الطابع الإسلامي، فإن البعض نظر إليها على أنها نهاية الجمهورية الأولى التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، والتي كانت الكلمة الأولى فيها للجيش.

ومع أن واحدا من أسباب الهالة والنفوذ التي اكتسبها الجيش التركي خلال العقود الماضية ناتج من ضعف السلطة السياسية وإذعان الطبقة السياسية لإملاءات العسكر، غير أن التحولات التي تشهدها تركيا تعود أيضا إلى تبدل الظروف والمعطيات  الإقليمية والدولية، ومن أهمها تردي علاقة العسكر مع الولايات المتحدة التي كانت الراعية الرسمية لنظام الوصاية العسكرية، في اثر احتلال العراق والبدء بمحاولة تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتطلب أدوات جديدة وسياسات مختلفة  متصلة بقوى سياسية محددة في تركيا وفي المنطقة.

تقول أصلي ايدين طاشباش في صحيفة «ميللييت» إن ما جرى كان يعني «تصفير» تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، والاستقالات لم تكن استعراضا للقوة، بل صرخة عجز.

ولا ترى الكاتبة أن الاستقالات مفاجئة، بل هي سياق في مسيرة تقليص نفوذ العسكر من العام 2002. وقالت إنها «حقيقة اجتماعية أن الفئات التي بقيت خارج السلطة قد وجدت في الإرادة المدنية لحزب العدالة والتنمية ملاذا يقوّي السلطة  السياسية».

وتقول الكاتبة إن الذي جرى هو جزء من التغيير الذي يطال الجمهورية التي أسسها أتاتورك، وان الآن هناك فلسفة جديدة لتركيا التي لم يعد لها أن تواصل «الديموقراطية العسكرية» التي كانت موائمة لظروف مرحلة تأسيس الجمهورية والحرب  الباردة.

وتقول طاشباش إن انتفاء وجود مسألة عسكرية بعد اليوم لا يعني انتهاء المعركة من أجل الديموقراطية، إذ ان في السجن 56 صحافيا معتقلا، وهناك معتقلون سياسيون منذ سنوات في السجن من دون صدور أي حكم بشأنهم، كما أن ما يزيد على  70 ألف مواطن لا تزال هواتفهم تخضع للتنصت. وتضيف أن تركيا تريد المزيد من الديموقراطية إذ ان مشكلات كثيرة لا تزال موجودة على صعيد حقوق الإنسان والديموقراطية، ولا تزال هناك «مركزية سلطة مدنية أو ناعمة أو  ديموقراطية غير ليبرالية».

وقالت الكاتبة إن استقالة القيادة العسكرية تحمل معنى رمزيا في زمن التحولات، مشيرة إلى أن ميلاد الحقبة الجديدة يمكن أن يكون انتخابات 22 تموز العام 2007 أو استفتاء 12 أيلول 2010، أو الاستقالات في 29 تموز

2011، لكن يمكن القول إن صفحة الجمهورية الأولى التي أسسها أتاتورك في العام 1923 بنظام علماني وضمانة عسكرية قد طويت. واعتبرت أن تركيا اليوم أمام جمهورية ثانية لم تتضح بعد مواصفاتها، والتي ستحدد وفقا لمدى  ارتباطها بقضية الديموقراطية والحريات الفردية.

وفي صحيفة «يني شفق» كتب علي بيرم اوغلو الأكاديمي المختص بعلاقة الجيش بالحياة السياسية إن حدث الاستقالات عادي، لكنه كان من أهم الأحداث في تاريخ علاقة الجيش بالسلطة السياسية. ويقول إن الاستقالات خطوة تراجعية،  وتحمل معنى السير في اتجاه مدنية الحياة السياسية وتحمل قيمة مدنية.

واعتبر أنها خطوة نحو ارتباط العسكر بالسلطة المدنية لا العكس، كما أن اجتماعات مجلس الشورى العسكري الحالية في ظل هذه الأجواء تحدّ من «حكمه الذاتي»، كما أنها تعني أن لا تراجع في قضية محاكمات قضايا المطرقة و« ارغينيكون». وانتهى إلى القول إن القرارات التي ستصدر عن اجتماعات الشورى العسكرية ستقوّي دور الأمن المدني في حماية الأمن الداخلي بدلا من أن يقوم الجيش بهذا الدور.

وفي هذا الإطار، اجتمع رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان مع المجلس العسكري الأعلى لاختيار قيادات جديدة بعد استقالة كبار الضباط. ورأس أردوغان اجتماعا للمجلس العسكري الأعلى، الذي يجتمع مرتين في السنة، وتستمر اجتماعاته  أربعة أيام، قبل أن يزور اردوغان وكبار الجنرالات ضريح أتاتورك.

وحضر الاجتماع وزير الدفاع عصمت يلماز والقائد العام للدرك نجدت اوزيل، الذي اختير لتولي منصب القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان بعد استقالة رئيس الأركان ايشيك كوشانير، لكن من غير المتوقع تعيينه رسميا رئيساً لهيئة الأركان إلى أن يتم  الإعلان عن حركة الترقيات كلها الخميس المقبل.

 محمد نور الدين

 

 

  • فريق ماسة
  • 2011-08-01
  • 8940
  • من الأرشيف

تركيا.. نهاية الجمهورية الأولى

            أثارت الاستقالة الجماعية لقادة القوات المسلحة في تركيا الكثير من التعليقات والتوقعات. وفي حين اعتبرت تعليقات أن الاستقالة عنت استسلام الجيش التركي للسلطة السياسية ذات الطابع الإسلامي، فإن البعض نظر إليها على أنها نهاية الجمهورية الأولى التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، والتي كانت الكلمة الأولى فيها للجيش. ومع أن واحدا من أسباب الهالة والنفوذ التي اكتسبها الجيش التركي خلال العقود الماضية ناتج من ضعف السلطة السياسية وإذعان الطبقة السياسية لإملاءات العسكر، غير أن التحولات التي تشهدها تركيا تعود أيضا إلى تبدل الظروف والمعطيات  الإقليمية والدولية، ومن أهمها تردي علاقة العسكر مع الولايات المتحدة التي كانت الراعية الرسمية لنظام الوصاية العسكرية، في اثر احتلال العراق والبدء بمحاولة تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتطلب أدوات جديدة وسياسات مختلفة  متصلة بقوى سياسية محددة في تركيا وفي المنطقة. تقول أصلي ايدين طاشباش في صحيفة «ميللييت» إن ما جرى كان يعني «تصفير» تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، والاستقالات لم تكن استعراضا للقوة، بل صرخة عجز. ولا ترى الكاتبة أن الاستقالات مفاجئة، بل هي سياق في مسيرة تقليص نفوذ العسكر من العام 2002. وقالت إنها «حقيقة اجتماعية أن الفئات التي بقيت خارج السلطة قد وجدت في الإرادة المدنية لحزب العدالة والتنمية ملاذا يقوّي السلطة  السياسية». وتقول الكاتبة إن الذي جرى هو جزء من التغيير الذي يطال الجمهورية التي أسسها أتاتورك، وان الآن هناك فلسفة جديدة لتركيا التي لم يعد لها أن تواصل «الديموقراطية العسكرية» التي كانت موائمة لظروف مرحلة تأسيس الجمهورية والحرب  الباردة. وتقول طاشباش إن انتفاء وجود مسألة عسكرية بعد اليوم لا يعني انتهاء المعركة من أجل الديموقراطية، إذ ان في السجن 56 صحافيا معتقلا، وهناك معتقلون سياسيون منذ سنوات في السجن من دون صدور أي حكم بشأنهم، كما أن ما يزيد على  70 ألف مواطن لا تزال هواتفهم تخضع للتنصت. وتضيف أن تركيا تريد المزيد من الديموقراطية إذ ان مشكلات كثيرة لا تزال موجودة على صعيد حقوق الإنسان والديموقراطية، ولا تزال هناك «مركزية سلطة مدنية أو ناعمة أو  ديموقراطية غير ليبرالية». وقالت الكاتبة إن استقالة القيادة العسكرية تحمل معنى رمزيا في زمن التحولات، مشيرة إلى أن ميلاد الحقبة الجديدة يمكن أن يكون انتخابات 22 تموز العام 2007 أو استفتاء 12 أيلول 2010، أو الاستقالات في 29 تموز 2011، لكن يمكن القول إن صفحة الجمهورية الأولى التي أسسها أتاتورك في العام 1923 بنظام علماني وضمانة عسكرية قد طويت. واعتبرت أن تركيا اليوم أمام جمهورية ثانية لم تتضح بعد مواصفاتها، والتي ستحدد وفقا لمدى  ارتباطها بقضية الديموقراطية والحريات الفردية. وفي صحيفة «يني شفق» كتب علي بيرم اوغلو الأكاديمي المختص بعلاقة الجيش بالحياة السياسية إن حدث الاستقالات عادي، لكنه كان من أهم الأحداث في تاريخ علاقة الجيش بالسلطة السياسية. ويقول إن الاستقالات خطوة تراجعية،  وتحمل معنى السير في اتجاه مدنية الحياة السياسية وتحمل قيمة مدنية. واعتبر أنها خطوة نحو ارتباط العسكر بالسلطة المدنية لا العكس، كما أن اجتماعات مجلس الشورى العسكري الحالية في ظل هذه الأجواء تحدّ من «حكمه الذاتي»، كما أنها تعني أن لا تراجع في قضية محاكمات قضايا المطرقة و« ارغينيكون». وانتهى إلى القول إن القرارات التي ستصدر عن اجتماعات الشورى العسكرية ستقوّي دور الأمن المدني في حماية الأمن الداخلي بدلا من أن يقوم الجيش بهذا الدور. وفي هذا الإطار، اجتمع رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان مع المجلس العسكري الأعلى لاختيار قيادات جديدة بعد استقالة كبار الضباط. ورأس أردوغان اجتماعا للمجلس العسكري الأعلى، الذي يجتمع مرتين في السنة، وتستمر اجتماعاته  أربعة أيام، قبل أن يزور اردوغان وكبار الجنرالات ضريح أتاتورك. وحضر الاجتماع وزير الدفاع عصمت يلماز والقائد العام للدرك نجدت اوزيل، الذي اختير لتولي منصب القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان بعد استقالة رئيس الأركان ايشيك كوشانير، لكن من غير المتوقع تعيينه رسميا رئيساً لهيئة الأركان إلى أن يتم  الإعلان عن حركة الترقيات كلها الخميس المقبل.  محمد نور الدين    

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة