قبل ما يزيد على ست سنوات من الآن، وعلى وجه التحديد خلال شهر أيار من العام 2005، وصل سعر غرام الذهب من عيار /21/ إلى حدود /440/ ليرة واعتقد بعض المواكبين لأسعار المعدن الثمين،أن هذا الارتفاع يعتبر قياسياً ويمثل قفزة نوعية غير مسبوقة , بل أن من كان يرغب بالزواج أو الخطوبة , كان يأخذه الاعتقاد أن هذه الأسعار أصبحت فلكية ومن غير المعقول أن تبقى على حالها ولا بد من تراجعها ,‏وبالتالي ليس على الشخص الراغب بالزواج أو الخطوبة سوى التحلي بالصبر والانتظار على أمل تراجع الأسعار، ولكن بعد انقضاء هذه السنوات ,‏شهدت الأسعار ارتفاعاً صاروخياً يفوق كل التوقعات, حيث وصل سعر الغرام الواحد قبل أيام إلى /2330/ليرة لكل غرام، وهناك من يتوقع أن تصل الأسعار إلى حدود ( 2500 ) ليرة لكل غرام قبل نهاية العام الجاري 2011، وهذه التوقعات غير مستبعدة مادام أن سعر الغرام زاد بنحو /1900/ ليرة وخلال ست سنوات فقط..، والأسئلة البديهية بهذه الحالة: أين نحن من هذه التقديرات.. وماذا عن حقيقة البيع والشراء في السوق المحلية... والأهم: ماذا عن الأسباب الفعلية التي أدت وتؤدي إلى جعل هذا المعدن يزداد بريقاً؟!

انخفاض الأسعار أو ارتفاعها مرهون بالضرورة ,بتبدلات اقتصادية وسياسية إقليمية ودولية، لكن على الأغلب، فإنّ السبب التقليدي المألوف والمعتاد منذ سنوات طويلة، ويأخذ به عدد كبير من الاقتصاديين، يعود إلى انخفاض قيمة العملات الأجنبية مثل اليورو والين مقابل عملات أخرى مثل الدولار , وسواء كان الانخفاض من نصيب اليورو أو الدولار , فان ذلك يزيد الإقبال على شراء الذهب، وعلى وجه التحديد من جانب التجار ورجال الأعمال وكبار الصناعيين في الدول الصناعية، انطلاقاً من كون المعدن الأصفر يشكل ومنذ القديم ملاذاً آمناً في حال تعرض الأسواق إلى هزات اقتصادية، تماماً مثلما كان واقع الحال في أعقاب الزلزال الذي ضرب أسواق المال العالمية، ولأن انخفاض قيمة الدولار بات يؤثر سلباً على الدول المنتجة للنفط،، فإن دول الخليج العربي والتي في غالبيتها منتجة للذهب الأسود وبكميات عملاقة وكبيرة، فهي بادرت منذ الانخفاض الذي شهده الدولار خلال الربع الأخير من العام قبل الماضي بإجراء مباحثات سرية مع روسيا والصين واليابان وفرنسا لاستخدام سلة عملات بدلاً من الدولار الأمريكي في تجارة النفط، ولا ننسى أن بلدا عملاقا مثل الصين وبعد أن غير الكثير من هويته الاقتصادية بدأ يشتري كميات عملاقة من الذهب , ما يؤثر ذلك حتما على معادلة العرض والطلب, والأمر في هذا الجانب لا يتوقف على الصين وكبار المستثمرين ورجال الأعمال والبلدان المنتجة للنفط، وإنما أيضاً الناس العاديين الذين ونتيجة فرص الاستثمار المحفوفة بالمخاطر في المصارف والبنوك والبورصات، كانوا قد اختاروا تحويل  أموالهم إلى سبائك من المعدن الثمين، ما أحدث خللاً واضحا في ميزان العرض والطلب.‏

 

وبغض النظر عن مثل هذه التفاصيل التي أدت إلى ارتفاع أسعار الذهب، فإنه ومع ارتفاع الأسعار إلى حدود غير مسبوقة، فقد شهد هذا المعدن إقبالا على الشراء في السوق المحلية مقابل الإحجام عن البيع، والتفسير الوحيد لهذا الإقبال هو ما تشهده  البلاد من أحداث استثنائية تشجع البعض على شراء الذهب وخاصة من المصكوكات والليرات الذهبية تحسبا من تسديد الأثمان المرتفعة المسماة بأجور الشغل أو الصياغة , واللجوء إلى الذهب يأتي من باب الحرص على القيمة الشرائية لتحويشة  العمر , انطلاقا من توقعات إمكان انخفاض قيمة الليرة مقابل العملات الصعبة مثل الدولار واليورو.

وثمة من يشير في الأسواق وخاصة من جانب الباعة , أن الذين يقبلون على الشراء وبكميات كبيرة تفوق حدود المعتاد، ليسوا من أصحاب الدخل المحدود ولا من شريحة البرجوازية التقليدية، وإنما هم من شريحة الأغنياء الجدد الذين حصدوا  أرباحاً خيالية، لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد، بمفاهيم الإنتاج والاستثمار أو القيمة المضافة، وهؤلاء لأنهم لم يتعبوا أساساً في كسب أموالهم، ربما وجدوا بالذهب خياراً للاستثمار، أو بدافع «تبييض أموال» مثلما يفعل الكثير من التجار  ورجال الأعمال الذين يكسبون أموالهم بطرق غير مشروعة أو من خلال القيام بإبرام صفقات لتسويق منتجات ممنوعة وكانت قد دخلت الأسواق بطرق وأساليب ملتوية.

وفي مواجهة هذه الحقائق، فإن أسواق الذهب المحلية كانت متضررة جداً من ارتفاع أثمان هذا المعدن، ومؤشرات وبراهين هذا الاستنتاج أن إجمالي عدد الورش الحرفية التي تقوم بعمليات التصنيع في محافظة دمشق وحدها كان قد وصل إلى حدود  /100/ ورشة فقط، مقارنة بنحو /600/ ورشة في العام 2000، وفي هذا السياق يتعيّن عدم القفز عن حقيقة أن المصنعين في السوق المحلية هم الأكثر شهرة في دول المنطقة، وفي حال تصديره مصنعاً، فإن الاستفادة تتمثل بالقيمة المضافة بعد أن تتحوّل السبائك إلى قطع فنية مشغولة بحرفية عالية وبإتقان،.. وفيما لو صحت التوقعات التي تشير في إمكان وصول سعر الغرام الواحد إلى مبلغ ( 2500 ) ليرة قبل نهاية العام الحالي أو خلاله، فذلك  سيعني، أنّ تجارة الذهب في السوق المحلية سوف تزداد تراجعاً، لأنه – وكما ذكرنا – فإن القيمة المضافة التي كنا نتباهى بتحقيقها سوف تذهب إلى مكان آخر

 

  • فريق ماسة
  • 2011-08-01
  • 12904
  • من الأرشيف

فورة ذهب تجتاح الأسواق .. إقبال على الشراء.. والمسكوكات والليرات الأكثر رواجاً

  قبل ما يزيد على ست سنوات من الآن، وعلى وجه التحديد خلال شهر أيار من العام 2005، وصل سعر غرام الذهب من عيار /21/ إلى حدود /440/ ليرة واعتقد بعض المواكبين لأسعار المعدن الثمين،أن هذا الارتفاع يعتبر قياسياً ويمثل قفزة نوعية غير مسبوقة , بل أن من كان يرغب بالزواج أو الخطوبة , كان يأخذه الاعتقاد أن هذه الأسعار أصبحت فلكية ومن غير المعقول أن تبقى على حالها ولا بد من تراجعها ,‏وبالتالي ليس على الشخص الراغب بالزواج أو الخطوبة سوى التحلي بالصبر والانتظار على أمل تراجع الأسعار، ولكن بعد انقضاء هذه السنوات ,‏شهدت الأسعار ارتفاعاً صاروخياً يفوق كل التوقعات, حيث وصل سعر الغرام الواحد قبل أيام إلى /2330/ليرة لكل غرام، وهناك من يتوقع أن تصل الأسعار إلى حدود ( 2500 ) ليرة لكل غرام قبل نهاية العام الجاري 2011، وهذه التوقعات غير مستبعدة مادام أن سعر الغرام زاد بنحو /1900/ ليرة وخلال ست سنوات فقط..، والأسئلة البديهية بهذه الحالة: أين نحن من هذه التقديرات.. وماذا عن حقيقة البيع والشراء في السوق المحلية... والأهم: ماذا عن الأسباب الفعلية التي أدت وتؤدي إلى جعل هذا المعدن يزداد بريقاً؟! انخفاض الأسعار أو ارتفاعها مرهون بالضرورة ,بتبدلات اقتصادية وسياسية إقليمية ودولية، لكن على الأغلب، فإنّ السبب التقليدي المألوف والمعتاد منذ سنوات طويلة، ويأخذ به عدد كبير من الاقتصاديين، يعود إلى انخفاض قيمة العملات الأجنبية مثل اليورو والين مقابل عملات أخرى مثل الدولار , وسواء كان الانخفاض من نصيب اليورو أو الدولار , فان ذلك يزيد الإقبال على شراء الذهب، وعلى وجه التحديد من جانب التجار ورجال الأعمال وكبار الصناعيين في الدول الصناعية، انطلاقاً من كون المعدن الأصفر يشكل ومنذ القديم ملاذاً آمناً في حال تعرض الأسواق إلى هزات اقتصادية، تماماً مثلما كان واقع الحال في أعقاب الزلزال الذي ضرب أسواق المال العالمية، ولأن انخفاض قيمة الدولار بات يؤثر سلباً على الدول المنتجة للنفط،، فإن دول الخليج العربي والتي في غالبيتها منتجة للذهب الأسود وبكميات عملاقة وكبيرة، فهي بادرت منذ الانخفاض الذي شهده الدولار خلال الربع الأخير من العام قبل الماضي بإجراء مباحثات سرية مع روسيا والصين واليابان وفرنسا لاستخدام سلة عملات بدلاً من الدولار الأمريكي في تجارة النفط، ولا ننسى أن بلدا عملاقا مثل الصين وبعد أن غير الكثير من هويته الاقتصادية بدأ يشتري كميات عملاقة من الذهب , ما يؤثر ذلك حتما على معادلة العرض والطلب, والأمر في هذا الجانب لا يتوقف على الصين وكبار المستثمرين ورجال الأعمال والبلدان المنتجة للنفط، وإنما أيضاً الناس العاديين الذين ونتيجة فرص الاستثمار المحفوفة بالمخاطر في المصارف والبنوك والبورصات، كانوا قد اختاروا تحويل  أموالهم إلى سبائك من المعدن الثمين، ما أحدث خللاً واضحا في ميزان العرض والطلب.‏   وبغض النظر عن مثل هذه التفاصيل التي أدت إلى ارتفاع أسعار الذهب، فإنه ومع ارتفاع الأسعار إلى حدود غير مسبوقة، فقد شهد هذا المعدن إقبالا على الشراء في السوق المحلية مقابل الإحجام عن البيع، والتفسير الوحيد لهذا الإقبال هو ما تشهده  البلاد من أحداث استثنائية تشجع البعض على شراء الذهب وخاصة من المصكوكات والليرات الذهبية تحسبا من تسديد الأثمان المرتفعة المسماة بأجور الشغل أو الصياغة , واللجوء إلى الذهب يأتي من باب الحرص على القيمة الشرائية لتحويشة  العمر , انطلاقا من توقعات إمكان انخفاض قيمة الليرة مقابل العملات الصعبة مثل الدولار واليورو. وثمة من يشير في الأسواق وخاصة من جانب الباعة , أن الذين يقبلون على الشراء وبكميات كبيرة تفوق حدود المعتاد، ليسوا من أصحاب الدخل المحدود ولا من شريحة البرجوازية التقليدية، وإنما هم من شريحة الأغنياء الجدد الذين حصدوا  أرباحاً خيالية، لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد، بمفاهيم الإنتاج والاستثمار أو القيمة المضافة، وهؤلاء لأنهم لم يتعبوا أساساً في كسب أموالهم، ربما وجدوا بالذهب خياراً للاستثمار، أو بدافع «تبييض أموال» مثلما يفعل الكثير من التجار  ورجال الأعمال الذين يكسبون أموالهم بطرق غير مشروعة أو من خلال القيام بإبرام صفقات لتسويق منتجات ممنوعة وكانت قد دخلت الأسواق بطرق وأساليب ملتوية. وفي مواجهة هذه الحقائق، فإن أسواق الذهب المحلية كانت متضررة جداً من ارتفاع أثمان هذا المعدن، ومؤشرات وبراهين هذا الاستنتاج أن إجمالي عدد الورش الحرفية التي تقوم بعمليات التصنيع في محافظة دمشق وحدها كان قد وصل إلى حدود  /100/ ورشة فقط، مقارنة بنحو /600/ ورشة في العام 2000، وفي هذا السياق يتعيّن عدم القفز عن حقيقة أن المصنعين في السوق المحلية هم الأكثر شهرة في دول المنطقة، وفي حال تصديره مصنعاً، فإن الاستفادة تتمثل بالقيمة المضافة بعد أن تتحوّل السبائك إلى قطع فنية مشغولة بحرفية عالية وبإتقان،.. وفيما لو صحت التوقعات التي تشير في إمكان وصول سعر الغرام الواحد إلى مبلغ ( 2500 ) ليرة قبل نهاية العام الحالي أو خلاله، فذلك  سيعني، أنّ تجارة الذهب في السوق المحلية سوف تزداد تراجعاً، لأنه – وكما ذكرنا – فإن القيمة المضافة التي كنا نتباهى بتحقيقها سوف تذهب إلى مكان آخر  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة