قالت صحيفة الأخبار نقلاً عن مصدر دبلوماسي فرنسي أن وزير الخارجية ألان جوبيه يستعد لتنحية السفير الفرنسي في دمشق، إيريك شوفالييه. وأوضح المصدر، المطلع على نحو وثيق على التجاذبات التي تدور منذ أسابيع في كواليس الدبلوماسية الفرنسية،أن القطرة التي أفاضت الكأس في "قضية شوفالييه"، كانت مبادرته بزيارة حماه، أسوةً بما فعله السفير الأميركي، روبرت فورد، من دون إبلاغ الخارجية الفرنسية مسبقاً بهذه الخطوة.

وقد أثارت هذه المبادرة، وما تبعها من تجمعات وهجمات على مقر السفارة الفرنسية في دمشق، حفيظة جوبيه، الذي أكّد لمقربيه أن قراره بتنحية شوفالييه قد اتُّخذ ولا رجعة عنه. وأضاف المصدر الفرنسي إن "واقعة حماه" مثّلت فصلاً جديداً في مسلسل طويل من العلاقات المتوترة بين السفير شوفالييه والـ "كي دورسيه"، التي تعود إلى فترة تولي برنار كوشنير الوزارة، وخصوصاً عندما أغدق عليه هذا الأخير في أيار 2009، ترقية إدارية غير اعتيادية تمهيداً لتعيينه سفيراً، ليصبح "وزيراً متعدد الصلاحيات"، وهي الرتبة الإدارية الأرقى في السلّم الدبلوماسي الفرنسي، ما أثار استهجان الإستبلشمنت الدبلوماسي، الذي احتج على "الطابع غير النظامي" للترقية.

وترجمت التجاذبات القوية في كواليس وزارة الخارجية، في ترشيح شوفالييه لمناصب في سفارات ذات أهمية ثانوية، مثل هايتي والأردن، لكنه رفض ذلك، وأصرّ على أن يجري تعيينه في سفارة ذات أهمية استراتيجية تليق بمقامه ورتبته الجديدة. ومع إدراكه أن نجم ولي نعمته، كوشنير، كان قد بدأ آنذاك في الأفول، لجأ شوفالييه إلى الأمين العام لقصر الرئاسية، آنذاك، وزير الداخلية الحالي كلود غيّون. وذكّر "حافظ أسرار ساركوزي" بأنه كان مهندس "دبلوماسية الصدمة"، التي جرى التخطيط لها في ديوان الوزير كوشنير، وأدّت إلى "سياسة اليد الممدودة" تجاه سورية.

اقتنع كلود غيون بمرافعة شوفالييه، ونجح في إقناع ساركوزي بتعيينه سفيراً في دمشق، بوصفه الشخص الأمثل لمواصلة وتكريس سياسة التقارب مع دمشق.

وفي شباط الماضي، مع تولي آلان جوبيه منصب وزارة الخارجية، شنت السّرايا الدبلوماسية حرباً بلا هوادة ضد بقايا رموز العهد الكوشنيري، وفي مقدمتهم السفير إيريك شوفالييه. وبلغت تلك الحملة أوجها في نيسان الماضي، على أثر برقية دبلوماسية حرّرها الأخير، في بداية الحركات الاحتجاجية في سورية أوصى من خلالها بـ "منح فسحة من الوقت للرئيس السوري بشار الأسد لمعالجة الأمور"، مبرّراً ذلك بقوله إن "الرئيس السوري يريد الإصلاح (...) ولا يجوز الاستبعاد بأن تكون هناك أطراف خارجية تعمل، بالفعل، على تغذية الاحتجاجات والتظاهرات..."

عثر خصوم شوفالييه على الفرصة التي كانوا يتحيّنونها للإجهاز عليه. ولم تلبث أصداء حملتهم ضدّه أن وصلت إلى قصر "الإليزيه"، لتفجر إحدى "نوبات الغضب المدوية" التي يشتهر بها الرئيس ساركوزي، بعدما بدأت تتسرّب إلى الصحف الفرنسية معلومات تصف السفير شوفالييه بأنه أصبح "بشّارياً" حتى النخاع، وأنه لا يزال مستمراً، حتى بعد اندلاع التظاهرات، في دعوة رجل الأعمال المقرب من الرئيس السوري، رامي مخلوف، على الغداء في مقر إقامته الرسمية.

كادت "الغضبة الرئاسية" تعصف بالسفير شوفالييه، لكن ولي نعمته الجديد، كلود غيون، شفع له مجدداً لدى الإليزيه، شارحاً للرئيس ساكوزي بأنه لا ضير في أن يستقبل سفير فرنسي مختلف الشخصيات العامة، بمن فيها الأكثر إثارة للجدل، لسماع مختلف وجهات النظر، وتكوين رؤية شاملة للأوضاع، فذلك من أبجديات العمل الدبلوماسي.

ساد الاعتقاد، لبعض الوقت، بأن الغضبة الساركوزية ضد إيريك شوفالييه مرت بسلام، لكن اسمه سرعان ما برز مجدداً في ملف آخر. فبعد الفضيحة الجنسية التي أودت بالمرشح الرئاسي دومينيك شتروس ـ كان، تركزت سهام الفريق الرئاسي على المرشحة الاشتراكية البديلة الأبرز مارتين أوبري. وكُلّفت مديرية الأمن الداخلي بإعداد تقرير شامل عن كل الشخصيات المقربة من أوبري في الجهاز الإداري الفرنسي، ليتبين أن شوفالييه متزوج إحدى مستشارات أوبري في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، ما عصف بآخر ما بقي له من رصيد الثقة لدى الرئيس ساركوزي، فأصبح يطالب آلان جوبيه برأس شوفالييه في الحال.

ويرجح المصدر الدبلوماسي بأن شوفالييه أدرك أن أي وساطة لن تشفع له هذه المرة. لذا أقدم على مبادرته المثيرة للجدل بزيارة حماه، دون أي اتفاق مسبق مع وزارة الخارجية الفرنسية، مراهناً بأن الانتقادات الرسمية السورية التي ستثيرها ـ لا محالة ـ خطوة كهذه، من شأنها أن تضع الحكومة الفرنسية في حرج، بحيث لا يمكن أن تُقدم على عزل سفير يتعرض لـ "حملة شرسة بسبب تعاطفه مع ربيع الثورات العربية".

لكن العارفين بفكر ومنهج وزير الخارجية آلان جوبيه يجزمون بأن مثل هذه الاعتبارات لن تدفعه إلى التراجع عن قراره بعزل إيريك شوفالييه. وذلك ليس فقط بسبب الضغوط الساركوزية التي تطالب برأسه، بل لأن جوبيه ـ الديغولي يستهجن بشدة، كما يقول المقربون منه، أن يجري التلاعب بصدقية وهيبة الدبلوماسية الفرنسية من أجل اعتبارات شخصية بمثل هذه الوضاعة
  • فريق ماسة
  • 2011-07-25
  • 12929
  • من الأرشيف

السفير الفرنسي زار حماه... دون التنسيق مع الخارجية الفرنسية لاحراج حكومة بلاده

قالت صحيفة الأخبار نقلاً عن مصدر دبلوماسي فرنسي أن وزير الخارجية ألان جوبيه يستعد لتنحية السفير الفرنسي في دمشق، إيريك شوفالييه. وأوضح المصدر، المطلع على نحو وثيق على التجاذبات التي تدور منذ أسابيع في كواليس الدبلوماسية الفرنسية،أن القطرة التي أفاضت الكأس في "قضية شوفالييه"، كانت مبادرته بزيارة حماه، أسوةً بما فعله السفير الأميركي، روبرت فورد، من دون إبلاغ الخارجية الفرنسية مسبقاً بهذه الخطوة. وقد أثارت هذه المبادرة، وما تبعها من تجمعات وهجمات على مقر السفارة الفرنسية في دمشق، حفيظة جوبيه، الذي أكّد لمقربيه أن قراره بتنحية شوفالييه قد اتُّخذ ولا رجعة عنه. وأضاف المصدر الفرنسي إن "واقعة حماه" مثّلت فصلاً جديداً في مسلسل طويل من العلاقات المتوترة بين السفير شوفالييه والـ "كي دورسيه"، التي تعود إلى فترة تولي برنار كوشنير الوزارة، وخصوصاً عندما أغدق عليه هذا الأخير في أيار 2009، ترقية إدارية غير اعتيادية تمهيداً لتعيينه سفيراً، ليصبح "وزيراً متعدد الصلاحيات"، وهي الرتبة الإدارية الأرقى في السلّم الدبلوماسي الفرنسي، ما أثار استهجان الإستبلشمنت الدبلوماسي، الذي احتج على "الطابع غير النظامي" للترقية. وترجمت التجاذبات القوية في كواليس وزارة الخارجية، في ترشيح شوفالييه لمناصب في سفارات ذات أهمية ثانوية، مثل هايتي والأردن، لكنه رفض ذلك، وأصرّ على أن يجري تعيينه في سفارة ذات أهمية استراتيجية تليق بمقامه ورتبته الجديدة. ومع إدراكه أن نجم ولي نعمته، كوشنير، كان قد بدأ آنذاك في الأفول، لجأ شوفالييه إلى الأمين العام لقصر الرئاسية، آنذاك، وزير الداخلية الحالي كلود غيّون. وذكّر "حافظ أسرار ساركوزي" بأنه كان مهندس "دبلوماسية الصدمة"، التي جرى التخطيط لها في ديوان الوزير كوشنير، وأدّت إلى "سياسة اليد الممدودة" تجاه سورية. اقتنع كلود غيون بمرافعة شوفالييه، ونجح في إقناع ساركوزي بتعيينه سفيراً في دمشق، بوصفه الشخص الأمثل لمواصلة وتكريس سياسة التقارب مع دمشق. وفي شباط الماضي، مع تولي آلان جوبيه منصب وزارة الخارجية، شنت السّرايا الدبلوماسية حرباً بلا هوادة ضد بقايا رموز العهد الكوشنيري، وفي مقدمتهم السفير إيريك شوفالييه. وبلغت تلك الحملة أوجها في نيسان الماضي، على أثر برقية دبلوماسية حرّرها الأخير، في بداية الحركات الاحتجاجية في سورية أوصى من خلالها بـ "منح فسحة من الوقت للرئيس السوري بشار الأسد لمعالجة الأمور"، مبرّراً ذلك بقوله إن "الرئيس السوري يريد الإصلاح (...) ولا يجوز الاستبعاد بأن تكون هناك أطراف خارجية تعمل، بالفعل، على تغذية الاحتجاجات والتظاهرات..." عثر خصوم شوفالييه على الفرصة التي كانوا يتحيّنونها للإجهاز عليه. ولم تلبث أصداء حملتهم ضدّه أن وصلت إلى قصر "الإليزيه"، لتفجر إحدى "نوبات الغضب المدوية" التي يشتهر بها الرئيس ساركوزي، بعدما بدأت تتسرّب إلى الصحف الفرنسية معلومات تصف السفير شوفالييه بأنه أصبح "بشّارياً" حتى النخاع، وأنه لا يزال مستمراً، حتى بعد اندلاع التظاهرات، في دعوة رجل الأعمال المقرب من الرئيس السوري، رامي مخلوف، على الغداء في مقر إقامته الرسمية. كادت "الغضبة الرئاسية" تعصف بالسفير شوفالييه، لكن ولي نعمته الجديد، كلود غيون، شفع له مجدداً لدى الإليزيه، شارحاً للرئيس ساكوزي بأنه لا ضير في أن يستقبل سفير فرنسي مختلف الشخصيات العامة، بمن فيها الأكثر إثارة للجدل، لسماع مختلف وجهات النظر، وتكوين رؤية شاملة للأوضاع، فذلك من أبجديات العمل الدبلوماسي. ساد الاعتقاد، لبعض الوقت، بأن الغضبة الساركوزية ضد إيريك شوفالييه مرت بسلام، لكن اسمه سرعان ما برز مجدداً في ملف آخر. فبعد الفضيحة الجنسية التي أودت بالمرشح الرئاسي دومينيك شتروس ـ كان، تركزت سهام الفريق الرئاسي على المرشحة الاشتراكية البديلة الأبرز مارتين أوبري. وكُلّفت مديرية الأمن الداخلي بإعداد تقرير شامل عن كل الشخصيات المقربة من أوبري في الجهاز الإداري الفرنسي، ليتبين أن شوفالييه متزوج إحدى مستشارات أوبري في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، ما عصف بآخر ما بقي له من رصيد الثقة لدى الرئيس ساركوزي، فأصبح يطالب آلان جوبيه برأس شوفالييه في الحال. ويرجح المصدر الدبلوماسي بأن شوفالييه أدرك أن أي وساطة لن تشفع له هذه المرة. لذا أقدم على مبادرته المثيرة للجدل بزيارة حماه، دون أي اتفاق مسبق مع وزارة الخارجية الفرنسية، مراهناً بأن الانتقادات الرسمية السورية التي ستثيرها ـ لا محالة ـ خطوة كهذه، من شأنها أن تضع الحكومة الفرنسية في حرج، بحيث لا يمكن أن تُقدم على عزل سفير يتعرض لـ "حملة شرسة بسبب تعاطفه مع ربيع الثورات العربية". لكن العارفين بفكر ومنهج وزير الخارجية آلان جوبيه يجزمون بأن مثل هذه الاعتبارات لن تدفعه إلى التراجع عن قراره بعزل إيريك شوفالييه. وذلك ليس فقط بسبب الضغوط الساركوزية التي تطالب برأسه، بل لأن جوبيه ـ الديغولي يستهجن بشدة، كما يقول المقربون منه، أن يجري التلاعب بصدقية وهيبة الدبلوماسية الفرنسية من أجل اعتبارات شخصية بمثل هذه الوضاعة

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة