دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
سعى الرئيس الأميركي جو بايدن في كلمته الافتراضية في مؤتمر ميونيخ للأمن الليلة، الى تقديم نفسه ” بطل العودة” الى الساحة الدولية، فحمل بيمناه سيف الاتهام للنظام الروسي بأنه ” فاسد يهاجم الديمقراطية الاميركية ويهدد نظامنا واوروبا ” ودعا الى “مواجهة مساوئ النظام الاقتصادي الصيني” وكذلك ” مواجه تصرفات ايران المزعزعة للاستقرار في كل الشرق الأوسط” ، ورفع راية تجديد التحالف مع الشركاء الأوروبيين وحلف الأطلسي الذي هو ” الأساس الأقوى لأمننا وان اي هجوم على دولة عضو فيه يمثل هجوما على دول الحلف كافة” . كما اكد انه لن يسمح بعودة داعش الى المنطقة.
كان يُمكن لهذه الصورة أن تذكّر العالم بمنطق “الكاوبوي” المنتصر دائما على الهنود الحمر في الأفلام، أو تذكّر بمنطق المُبشّر جورج بوش الأبن ضد محور شر الهنود السمر ( ايران وسوريا والعراق اضافة الى كوريا الشمالية وغيرها) لكن الرجل، رفع بيسراه غصن الزيتون، فشدد على أنه لا يريد مواجهة روسيا، وانه يرحب بالتحدي في المنافسة مع الصين، وأكد خصوصا انه قابل بالعودة الى التفاوض مع ايران من بوابة 5+1. ربما العنتريات اذا هي مقدمة للتفاوض لا للمواجهات والحروب.
من الطبيعي بعد هذا الخطاب أمام مؤتمر بأهمية مؤتمر ميونيخ، أن يسأل المرء، كيف سيمضي بادين قدما في مواجهة دولة باتت تقارعه بدوره واقتصاده على المستوى العالمي كالصين، وأين وكيف سيتحدى روسيا، وهل يفكّر فقط بالتفاوض مع ايران لمنعها من الوصول قريبا الى السلاح النووي، أم يرغب بسحبها من مشروع الحزام والطريق الصيني، ومن تعزيز التحالف مع روسيا، فيأمل بأن يقود التفاوض معها الى تغيير سلوكها الاقليمي والدولي؟
قبل الجواب، لا بد من الاشارة الى ان التمهيد لمؤتمر ميونيخ حصل قبل أربعة وعشرين ساعة من خلال اجتماع وزراء خارجية أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، فهم اذ رحبوا برغبة بايدن العودة الى الاتفاق ودعوا ايران للامتثال الى شروطه وعدم الاقدام على ما يخرقه، فان النقطة الأهم في هذا الاجتماع تمثلت بالتخلي عن شرط كثُر الحديث عنه مؤخرا ويقضي بتوسيع التفاوض الى دولٍ خليجية واسرائيل، وبحث الدور الاقليمي لايران والحد من صواريخها الباليستية.
في هذا السياق قال الوزراء حرفيا : “ان مجموعة الدول الثلاث والولايات المتحدة الأمريكية اكدت عزمها على تعزيز خطة العمل الشاملة المشتركة في مرحلة لاحقة، وذلك بالتشاور مع دول المنطقة والمجتمع الدولي بأسره، بغية معالجة المخاوف الأمنية الماثلة على نطاق أوسع والمرتبطة ببرامج إيران الخاصة بإنتاج الصواريخ وأنشطتها الإقليمية.” ( الكلام عن مرحلة لاحقة فضفاض ما يعني ان العودة الى التفاوض ستكون كما تريدها ايران تماما متعلقة فقط بالبرنامج النووي) .
مثل هذا الكلام الاوروبي، وما سبقه من خطوة أميركية لتجميد قرار ترامب بتمديد العقوبات على ايران في مجلس الأمن، يؤكد أن الاوروبيين راغبون أولا بالعودة الى الاتفاق وبأسرع وقت ممكن خشية تطوير ايران فعليا سلاحا نوويا، وهم لذلك قالوا في اجتماعهم :” أكدت مجموعة الدول الثلاث والولايات المتحدة الأمريكية أنّ مصلحتها الأمنية الأساسية المشتركة تستدعي الحفاظ على نظام عدم انتشار الأسلحة النووية وضمان عدم تمكّن إيران من حيازة أسلحة نووية أبدًا” .
الواضح أن ايران فرضت نفسها ملفاً أوليا على مستوى العالم، وقد زادت الأطلسيين واسرائيل قلقا من خلال المهلة الزمنية التي حددتها في 21 الجاري، لوقف العمل بالبروتوكول الاضافي للوكالة الدولية للطاقة ، وهذا ما سرّع الاجتماعات الاوروبية الاميركية وكذلك خطوة تجميد تمديد العقوبات الترامبية. وبذلك تصبح الرسائل الأميركية والاوروبية جليّة لايران بأن الباب مفتوحا للعودة الى المفاوضات لكن عليها التوقت عن تخصيب اليورانيوم والالتزام الحرفي بالاتفاق ، وللصين وروسيا بضرورة فصل الملف النووي عن المشاكل العالمية الأخرى.
لا يُمكن فهم الاتجاه لانهاء حرب اليمن، من زاويته الأخلاقية أو الانسانية، كما يدّعي الاطلسيون، وانما من بوابة فتح معابر أمام التفاهم مع ايران وسحب صواعق التفجير. ( فلو كانت الانسانية هي الاساس، لانتهت مأساة الصومال وفلسطين منذ دهر)
ماذا عن العراق وسوريا؟
ثمة رغبة مُعلنة من بادين بالاستمرار في العمل العسكري على الاراضي العراقية والسورية تحت ذريعة محاربة داعش ، وكذلك فان وزراء الخارجية أكدوا ” التزامهم بمواصلة الجهود الجوهرية الرامية إلى مكافحة التهديد الذي يمثله تنظيم داعش والقضاء عليه في العراق وسورية” .
لا يمكن فصل ملف داعش، عن الصراع بين المحورين في الشرق الأوسط، ولذلك فان العراق وسوريا سيستمران ساحتين لشد الحبال قبل وخلال التفاوض( لو حصل)، وبايدن يرفع لواء حماية الديمقراطية لاستخدامه لاحقا في هكذا ساحات.
لكن كيف وبأي طريقة، فكلام بايدن تصادمي مع أكبر دولة مؤثرة في الملف السوري، اي روسيا فلاديمير بوتين، هل يستطع سيد البيت الأبيض العودة “مظفّرا” الى الاراضي السورية في ظل الصدام مع موسكو التي فتحت كوة في الجدار الاسرائيلي السوري عبر قضية تبادل الأسرى، وهي تطمح لتوسيع ذلك نحو مفاوضات جديدة؟ وماذا لو سبقه بوتين بمبادرات عسكرية وسياسية اخرى قبل الانتخابات الرئاسية السورية؟
وماذا لو فشل أو تأخر التفاوض الايراني الاميركي، حيث ان طهران تتمسك برفع العقوبات عنها وعودة أميركا اولا الى التفاوض، هل تكون الاراضي السورية والعراقية سبيلا للضغط على أميركا؟
اللافت ان ذكر سوريا غاب تماما عن اجتماع وزراء خارجية أميركا والدول الاوروبية الثلاثة باستثناء داعش، وهذا ما يفسر تماما أن هذا الملف تماما كملف لبنان لم يخضعا بعد لاهتمام ادارة بايدن، فأولويتها الآن هي منع ايران من تطوير قدراتها النووية، وهذا يحتاج العودة الى التفاوض، حتى بتنازلات أطلسية، وقد رأينا بداية التنازلات بحصر التفاوض بالاتفاق وليس بدور أيران أو باسلحتها.
أيقارعُ الصين وروسيا حقاً
ثم اذا كان بايدن ومعه الاوروبيون عازمين على مواجهة الصين، فهل نفهم الخطوات الصينية الأخيرة حيال سورية ( 150 ألف لقاح، وادانة العقوبات ومساعدات عسكرية ولوجستية لضرب الارهابيين وبينهم صينيون) في سياق تعزيز بكين مواقع منافستها القاسية مع أميركا ودعما للحليف الروسي في كل الساحات التي تراهما مناسبة من آسيا الى الشرق الأوسط فافريقيا؟
ربما مع الوقت سيفهم الرئيس الأميركي الجديد، أن ما قبل عهد ترامب ليس كما بعده، وان مواجهة الصين وروسيا وايران وداعش في وقت واحد، ليست مفيدة لمستقبل العالم ” الديمقراطي” الذي عاد يُبشّر به في ميونيخ، فهذا العالم الديمقراطي فشل في مواجهة كورونا والأزمات الاقتصادية، ولم يستطع صد ايران ولا أوقف الحرب السورية ولا اوقفت تمزق ليبيا ولا مأساة اليمن، وها هو يعود للتفاوض مع طهران دون ان تقدم تنازلات وانما من موقع القوة رغم قسوة العقوبات الاقتصادية.
هو هكذا سيفعل حتما مع الصين وروسيا لاحقا… انتهى عصر الأحادية الى غير رجعة، والصين التي مارست استراتيجية النعامة في تمددها عبر العالم في العقود الماضية، لن تتردد في ابراز أنيابها تماما كما فعلت روسيا في العقد الأخير. والأهم ان لا يصدق اصحاب القلوب الطيبة أن بايدن سيواجهة ” انشطة ايران المزعزعة في الشرق الأوسط” كما يقول. فهذا كلام للاستهلاك قبل التفاوض حتما.
المصدر :
سامي كليب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة