يترقب الإقليمُ مسارَ التعاطي الأميركي مع عواصم المنطقة، بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. لم تحدد واشنطن طرق تعاطيها مع ساحات إقليمية لغاية الآن. لكن القراءات السياسية بدأت تستند إلى تاريخ وآراء ومنهجية عمل المكلّفين أميركياً بملفات الإقليم. لذا، جرى الحديث عن رمزية إختيار ​الإدارة الأميركية​ للدبلوماسي روبرت مالي مبعوثاً خاصاً لدى إيران، وما تعنيه هذه الخطوة من إستعداد واشنطن للعودة إلى إتفاق التسوية مع طهران.

 

إذا كان الخطُّ الأميركي-الإيراني واضحاً في مسار تفاوضي مرتقب ستسلكه إدارة البيت الأبيض الجديدة، إستناداً إلى تجربة سابقة نجحت بين طهران وواشنطن، قبل أن يسحقها الرئيس الأميركي السابق ​دونالد ترامب​، فإن غياب الإستراتيجية الأميركية تجاه سوريا يفرض التساؤلات: لماذا لم تُعلن واشنطن عن خطة عمل تجاه دمشق، كما الحال إزاء طهران؟ هل يحاول الأميركيون ممارسة المزيد من الضغوط لإزاحة الرئيس السوري ​بشار الأسد​ من المشهد في إنتخابات مقبلة بعد أشهر؟ كيف سيتعامل الأميركيون مع سوريا بإعتبارها حاضنة الدورين الروسي والإيراني؟ هل تُشكّل إمتداداً للتفاوض مع طهران؟ أم تأتي ضمن قواعد الإشتباك السياسي مع موسكو؟.

توحي كلُّ المُعطيات السياسية والدبلوماسية أنّ ​الولايات المتحدة​ تُعيد دراسة الملف السوري، وسط معلومات تُفيد أن هناك قناعة بعدم وجود مصلحة، لا أميركية، ولا عربية، ولا اقليمية، ولا أوروبية، بالمُضي في إضعاف دمشق، عسكرياً او سياسياً أو إقتصادياً. رُصد كلامٌ ومقالات لمسؤولين أميركيين ومؤثّرين في إدارة بايدن يدعون الى رفع عقوبات عن سوريا تحت عنوان إنساني، ومراجعة العلاقة مع الرئيس السوري بشار الأسد، لأن بقاءه على رأس السلطة في بلاده بات مطلباً دولياً لا سوريّاً فحسب.

 

يُمكن هنا قراءة الإندفاعة الكردية لفتح علاقة مع دمشق، على أنها تأتي بناء على توجيهات أميركية بالذات. قيل إن لقاءات حصلت في الأيام الماضية بين شخصيات سياسية كردية وأمنية سورية. علماً أن القوى الكردية حاولت توسيع نفوذها شمال وشرق البلاد في ظل وجود حماية أميركية لها، لا يبدو انها ستستمر طويلاً، لأن التوجه الاميركي يقضي بإعادة النظر بالوجود العسكري في سوريا الذي يؤمن الدعم المفتوح لوحدات “حماية الشعب” الكردية. لكن الخشية تأتي من جانب الأتراك الساعين لطحن الكُرد الذين يعتبرونهم خطراً على توازنات بلادهم. ومن هنا تُصبح الحاجة لدمشق مضاعفة عند كلّ من الأميركيين والكُرد.

 

يلتقي منطقياً التوجه الخليجي مع هذا السياق، خصوصاً ​الإمارات العربية​ المتحدة التي يحاربها “​الإخوان المسلمين​” ومن بينهم الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​. فهل تبقى ​دول الخليج​ الأساسية بعيدة عن الشام؟.

تؤكد مصادر مطّلعة وجود محاولات لتقريب المسافات بين دول خليجية وسوريا. لم يعد هناك موانع تُبعد دمشق عن ​الرياض​ مثلاً. علما ان العلاقة بين الإمارات العربية وسوريا هي طبيعية، ضمنياً. واذا كانت أبوظبي سبق وأعادت فتح سفارتها في الشام، فإن الطريق سيكون معبّداً لإعادة فتح سفارة المملكة ​السعودية​ في دمشق ايضاً. لقد حانت ساعة الصفر لإعادة تلك العلاقات الخليجية-السورية إلى طبيعتها بعد سنوات من التباعد والجفاء والصراع غير المبرر بين بلدين ركنين في ​العالم العربي​.

اذا كانت إيران ذاهبة إلى إجراء اتفاقية مع الولايات المتحدة الأميركية، فما الذي يمنع العرب أن يُعيدوا وهج الإتفاقيات الطبيعية فيما بينهم، وتحديداً: ​العراق​، سوريا، ​الأردن​، السعودية، الإمارات، ​الكويت​، مصر، ولبنان. مع حفاظ كل بلد على خصوصيات علاقاته الإقليمية والدولية. لا يمكن أن يستمر التباعد الذي يستغلّه المتطرفون بإنعاش “داعش” وأخواتها تارة، أو يؤمّن لأردوغان أرضية خصبة للعبث بساحات عربية تارة أخرى. لا يمكن ابداً إبقاء ​الأزمة​ التي تخدم مشروع الأتراك الراغبين بأن يبقى العرب اسرى خلافاتهم المركّبة.

لذا، سُجلّت مساعٍ على صعيد لم الشمل إنطلاقاً من مقاربة عربية واقعية لسوريا، تتوافق عملياً مع النظرة الغربية والروسية والإقليمية، ما عدا ​تركيا​. فما هي الإيجابيات المرتقبة؟.

يعتبر الأميركيون المؤثرون أنفسهم أن إعادة دور سوريا يعني ضبط ساحتها، وسحبها من الإرتماء في الحضنين الروسي والإيراني، كي تبقى تلعب في إطار التوازنات الدقيقة في الإقليم. عندها يمكن أن تتكامل الجهود التعاونية العراقية-السورية في الحد من انتعاش تنظيم “داعش”: تبدأ الخطوات بمصالحات مع عشائر عربية سنّية. ثم عبر البوابة الإقتصادية التي تحتاج الى مزيد من التفعيل.

 

يستفيد الخليجيون بتحصين أنفسهم ضد اي نفوذ تركي طامح باللعب في ساحاتهم، ويكسبون توازن السوريين في العلاقات بينهم وبين الإيرانيين.

لن تعترض ​روسيا​، بل تقتضي مصلحتها بتشجيع أي تقارب سوري خليجي يخفف الضغوط الإقتصادية عن دمشق. علما ان موسكو ترتبط بعلاقات ممتازة مع دول الخليج، وقد تُترجم بصفقة طائرات سوخوي 57 من روسيا الى ​الامارات​ بعد تجميد واشنطن خطوة التسليح.

 

ماذا عن لبنان؟.

سيكون اول المستفيدين، امنيا وسياسيا وحكوميا واقتصاديا واجتماعيا. وللكلام صلة.

  • فريق ماسة
  • 2021-01-30
  • 12690
  • من الأرشيف

انقلاب في المشهد السوري.. انفتاح أمريكي على دمشق وعودة للعلاقات مع السعودية

يترقب الإقليمُ مسارَ التعاطي الأميركي مع عواصم المنطقة، بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. لم تحدد واشنطن طرق تعاطيها مع ساحات إقليمية لغاية الآن. لكن القراءات السياسية بدأت تستند إلى تاريخ وآراء ومنهجية عمل المكلّفين أميركياً بملفات الإقليم. لذا، جرى الحديث عن رمزية إختيار ​الإدارة الأميركية​ للدبلوماسي روبرت مالي مبعوثاً خاصاً لدى إيران، وما تعنيه هذه الخطوة من إستعداد واشنطن للعودة إلى إتفاق التسوية مع طهران.   إذا كان الخطُّ الأميركي-الإيراني واضحاً في مسار تفاوضي مرتقب ستسلكه إدارة البيت الأبيض الجديدة، إستناداً إلى تجربة سابقة نجحت بين طهران وواشنطن، قبل أن يسحقها الرئيس الأميركي السابق ​دونالد ترامب​، فإن غياب الإستراتيجية الأميركية تجاه سوريا يفرض التساؤلات: لماذا لم تُعلن واشنطن عن خطة عمل تجاه دمشق، كما الحال إزاء طهران؟ هل يحاول الأميركيون ممارسة المزيد من الضغوط لإزاحة الرئيس السوري ​بشار الأسد​ من المشهد في إنتخابات مقبلة بعد أشهر؟ كيف سيتعامل الأميركيون مع سوريا بإعتبارها حاضنة الدورين الروسي والإيراني؟ هل تُشكّل إمتداداً للتفاوض مع طهران؟ أم تأتي ضمن قواعد الإشتباك السياسي مع موسكو؟. توحي كلُّ المُعطيات السياسية والدبلوماسية أنّ ​الولايات المتحدة​ تُعيد دراسة الملف السوري، وسط معلومات تُفيد أن هناك قناعة بعدم وجود مصلحة، لا أميركية، ولا عربية، ولا اقليمية، ولا أوروبية، بالمُضي في إضعاف دمشق، عسكرياً او سياسياً أو إقتصادياً. رُصد كلامٌ ومقالات لمسؤولين أميركيين ومؤثّرين في إدارة بايدن يدعون الى رفع عقوبات عن سوريا تحت عنوان إنساني، ومراجعة العلاقة مع الرئيس السوري بشار الأسد، لأن بقاءه على رأس السلطة في بلاده بات مطلباً دولياً لا سوريّاً فحسب.   يُمكن هنا قراءة الإندفاعة الكردية لفتح علاقة مع دمشق، على أنها تأتي بناء على توجيهات أميركية بالذات. قيل إن لقاءات حصلت في الأيام الماضية بين شخصيات سياسية كردية وأمنية سورية. علماً أن القوى الكردية حاولت توسيع نفوذها شمال وشرق البلاد في ظل وجود حماية أميركية لها، لا يبدو انها ستستمر طويلاً، لأن التوجه الاميركي يقضي بإعادة النظر بالوجود العسكري في سوريا الذي يؤمن الدعم المفتوح لوحدات “حماية الشعب” الكردية. لكن الخشية تأتي من جانب الأتراك الساعين لطحن الكُرد الذين يعتبرونهم خطراً على توازنات بلادهم. ومن هنا تُصبح الحاجة لدمشق مضاعفة عند كلّ من الأميركيين والكُرد.   يلتقي منطقياً التوجه الخليجي مع هذا السياق، خصوصاً ​الإمارات العربية​ المتحدة التي يحاربها “​الإخوان المسلمين​” ومن بينهم الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​. فهل تبقى ​دول الخليج​ الأساسية بعيدة عن الشام؟. تؤكد مصادر مطّلعة وجود محاولات لتقريب المسافات بين دول خليجية وسوريا. لم يعد هناك موانع تُبعد دمشق عن ​الرياض​ مثلاً. علما ان العلاقة بين الإمارات العربية وسوريا هي طبيعية، ضمنياً. واذا كانت أبوظبي سبق وأعادت فتح سفارتها في الشام، فإن الطريق سيكون معبّداً لإعادة فتح سفارة المملكة ​السعودية​ في دمشق ايضاً. لقد حانت ساعة الصفر لإعادة تلك العلاقات الخليجية-السورية إلى طبيعتها بعد سنوات من التباعد والجفاء والصراع غير المبرر بين بلدين ركنين في ​العالم العربي​. اذا كانت إيران ذاهبة إلى إجراء اتفاقية مع الولايات المتحدة الأميركية، فما الذي يمنع العرب أن يُعيدوا وهج الإتفاقيات الطبيعية فيما بينهم، وتحديداً: ​العراق​، سوريا، ​الأردن​، السعودية، الإمارات، ​الكويت​، مصر، ولبنان. مع حفاظ كل بلد على خصوصيات علاقاته الإقليمية والدولية. لا يمكن أن يستمر التباعد الذي يستغلّه المتطرفون بإنعاش “داعش” وأخواتها تارة، أو يؤمّن لأردوغان أرضية خصبة للعبث بساحات عربية تارة أخرى. لا يمكن ابداً إبقاء ​الأزمة​ التي تخدم مشروع الأتراك الراغبين بأن يبقى العرب اسرى خلافاتهم المركّبة. لذا، سُجلّت مساعٍ على صعيد لم الشمل إنطلاقاً من مقاربة عربية واقعية لسوريا، تتوافق عملياً مع النظرة الغربية والروسية والإقليمية، ما عدا ​تركيا​. فما هي الإيجابيات المرتقبة؟. يعتبر الأميركيون المؤثرون أنفسهم أن إعادة دور سوريا يعني ضبط ساحتها، وسحبها من الإرتماء في الحضنين الروسي والإيراني، كي تبقى تلعب في إطار التوازنات الدقيقة في الإقليم. عندها يمكن أن تتكامل الجهود التعاونية العراقية-السورية في الحد من انتعاش تنظيم “داعش”: تبدأ الخطوات بمصالحات مع عشائر عربية سنّية. ثم عبر البوابة الإقتصادية التي تحتاج الى مزيد من التفعيل.   يستفيد الخليجيون بتحصين أنفسهم ضد اي نفوذ تركي طامح باللعب في ساحاتهم، ويكسبون توازن السوريين في العلاقات بينهم وبين الإيرانيين. لن تعترض ​روسيا​، بل تقتضي مصلحتها بتشجيع أي تقارب سوري خليجي يخفف الضغوط الإقتصادية عن دمشق. علما ان موسكو ترتبط بعلاقات ممتازة مع دول الخليج، وقد تُترجم بصفقة طائرات سوخوي 57 من روسيا الى ​الامارات​ بعد تجميد واشنطن خطوة التسليح.   ماذا عن لبنان؟. سيكون اول المستفيدين، امنيا وسياسيا وحكوميا واقتصاديا واجتماعيا. وللكلام صلة.

المصدر : الماسةالسورية/النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة