من الواضح أنّ الحرب على سورية، حوّلت جنوب البلاد من منطقة حدودية، تمتلك جبهة غير نشطة مع «إسرائيل» واقتصاداً حيوياً عابراً للحدود مع الأردن، إلى منطقة مضطربة باتت نقطة محورية للمنافسات الإقليمية. ومن شأن التطوّرات هناك، التي توجّهها جهات فاعلة محلية وإقليمية ودولية، أن تكون لها تداعيات تصل إلى أبعد من هذه المنطقة، إذ على الرغم من تسارع الأحداث التي تدور في شمال شرق سورية، إلا أنّ مشهدية الميدان في الجنوب السوري عادت لتتصدّر واجهة التطورات في الميدان السوري ..

وللأهمية المنضوية على الميدان فقد عزّز الجيش السوري في الفترة الماضية ضغطه عسكرياً على المسلحين في درعا، بالتزامن مع محاولات حلحلة ملف المسلحين المنضوين تحت لواء المصالحة، والذين عادوا مجدّداً لاستهداف القوات السورية، وليكونوا في جانب آخر رأس حربة إقليمية، بُغية تعقيد الملف السوري من جديد. كلّ هذا والجانب الروسي يحاول التوصل إلى حلّ سياسي لا يتعدّى سقف السيادة السورية، ويُبقي دمشق صاحبة اليد الطولى على عموم جغرافيتها.

الأنباء الواردة من درعا تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأنّ الدولة السورية عاقدة العزم على إعادة الأوضاع في درعا إلى نصابها الصحيح، خاصة بعد الأحداث الأمنية الأخيرة والتي استهدفت قوات الجيش السوري وكذا المدنيّين، وفي المقابل فإنّ التواجد العسكري السوري في تلك المنطقة، لا يأتي في إطار الاستعراض العسكري، فالخطط للقضاء على بؤر الإرهاب تنتظر الإطلاق، ريثما تنتهي روسيا من محاولاتها على اعتبارها الضامن لملف المصالحة من مهمتها الرامية لحلحلة الملف وفق الإطار السياسي.

في خضمّ ما سبق، فإنّ الصوت «الإسرائيلي» يرتفع مجدداً لجهة السعي في فرض واقع جديد يقضي بإبعاد القوات الإيرانية عن حدود الجولان المحتلّ، وصولاً الى طريق دمشق السويداء، والآن وبعد سنوات الحرب التي فرضت على سورية، فقد فشل أعداء الدولة السورية في انتزاع الجنوب من قبضة دمشق، مع موت مشاريع السيطرة على العاصمة انطلاقاً من درعا، وقد أسهمت الأجندات المتعدّدة في فشل تشكيل جسم عسكري موحّد يصلح لاحقاً لعقد تسوية سياسية مع الحكومة السورية، فالتطورات على جبهات الجنوب السوري تختصر مسارات الحرب، السياسية والميدانية، والصراع المحتدم على مناطق النفوذ بين غالبية القوى المنخرطة في الصراع على الأرض السورية.

وليس خافياً على أحد أنّ الانخراط العسكري الأميركي المباشر في الجنوب ووجود مستشارين أميركيين وبريطانيين على الحدود السورية الأردنية، وصولاً إلى القنيطرة، زاد المشهد تعقيداً، من دون أن يغيّر في موازين القوى، لا سيّما بعد النجاح الذي حقّقته قوات الجيش السوري وحلفاؤه، بالالتفاف حول الخطوط الأميركية الحمراء التي رسمتها واشنطن على امتداد الجبهة الجنوبية، وتمكن القوات السورية من تخطي خطوط واشنطن التي فقدت دور اليد الطولى في تحديد مسارات الحرب، أمام الدور الروسي والإيراني واندفاعة الجيش السوري للسيطرة على مساحات هائلة من الجغرافية السورية.

حقيقة الأمر وفي عمق المشهد الجديد في درعا وامتداداته ليطال كلّ الجنوب السوري، إذ يبدو واضحاً أنّ ما يشهده الجنوب السوري من تحرّك كلّ من الدولة السورية، وكذا فصائل إرهابية مرتبطة بقوى إقليمية، يؤكد أهمية الجنوب السوري وتحديداً درعا وريفها، الأمر الذي من شأنه تغيير المشهد الذي فرضته الدولة السورية إبان عمليتها العسكرية عام 2018، ودخول تلك المناطق في المصالحة، وفي جانبٍ آخر فإنّ المشهد برمّته في عموم الجنوب السوري وتحديداً درعا، يرتبط بالتوازنات الهشة التي فرضت من قبل روسيا، ما يعني ضرورة تغيّر هذا الواقع، وربطه مباشرة بتوازنات جديدة ترضاها دمشق.

يمكن القول إنّ أثّر الموقع الجغرافي لمحافظة درعا في جنوب سورية قرب الحدود مع الأردن ومرتفعات الجولان التي تحتلها «إسرائيل»، يفرض نمطاً من الضرورة العسكرية التي تتعلق بعمق السيادة السورية، ويبدو من خلال ذلك، أنّ «إسرائيل» تعمل في إطار هامشي على منع استقرار درعا، بغية الضغط بكافة الوسائل لإخراج الإيراني من سورية، ولمنع «إسرائيل» والأردن ولاعبين آخرين من عرقلة المسار السوري، عمدت روسيا إلى وضع استراتيجية استبعدت فيها مشاركة إيران وسهّلت ولادة مسارات الحوار النسبي، والقوة الناعمة، والتسويات. وبالتالي فإنّ عودة الإرهاب إلى ريف درعا بعد أمر عمليات إقليمي، غير مبرّر ولا يُمكن السكوت عنه.

في وقت سابق، أدّت طبيعة العملية التي قادتها روسيا إلى منع استعادة سيطرة دمشق الكاملة على الجنوب السوري، وأحلّت مكان دمشق صراعاً منخفض الوتيرة، فقد ارتدت ديناميكيات المنطقة الحدودية حلّة المضاعفات الإقليمية. وبالتالي فإنّ أيّ تطوّر يطرأ هناك ستكون له تبعات أبعد من هذه البقعة بكثير، ما يعني أنّ الدولة السورية وروسيا سيعيدون الأوضاع في درعا إلى المحطة الأولى، أيّ العودة إلى السيادة السورية بالكامل. دون ذلك سيكون للجيش السوري بُعد عسكري سيُغيّر موازين القوى في درعا وريفها.

  • فريق ماسة
  • 2021-01-30
  • 16471
  • من الأرشيف

التطورات في درعا… 
الأبعاد الاستراتيجية
 والتوقيت الإقليمي الحساس

من الواضح أنّ الحرب على سورية، حوّلت جنوب البلاد من منطقة حدودية، تمتلك جبهة غير نشطة مع «إسرائيل» واقتصاداً حيوياً عابراً للحدود مع الأردن، إلى منطقة مضطربة باتت نقطة محورية للمنافسات الإقليمية. ومن شأن التطوّرات هناك، التي توجّهها جهات فاعلة محلية وإقليمية ودولية، أن تكون لها تداعيات تصل إلى أبعد من هذه المنطقة، إذ على الرغم من تسارع الأحداث التي تدور في شمال شرق سورية، إلا أنّ مشهدية الميدان في الجنوب السوري عادت لتتصدّر واجهة التطورات في الميدان السوري .. وللأهمية المنضوية على الميدان فقد عزّز الجيش السوري في الفترة الماضية ضغطه عسكرياً على المسلحين في درعا، بالتزامن مع محاولات حلحلة ملف المسلحين المنضوين تحت لواء المصالحة، والذين عادوا مجدّداً لاستهداف القوات السورية، وليكونوا في جانب آخر رأس حربة إقليمية، بُغية تعقيد الملف السوري من جديد. كلّ هذا والجانب الروسي يحاول التوصل إلى حلّ سياسي لا يتعدّى سقف السيادة السورية، ويُبقي دمشق صاحبة اليد الطولى على عموم جغرافيتها. الأنباء الواردة من درعا تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأنّ الدولة السورية عاقدة العزم على إعادة الأوضاع في درعا إلى نصابها الصحيح، خاصة بعد الأحداث الأمنية الأخيرة والتي استهدفت قوات الجيش السوري وكذا المدنيّين، وفي المقابل فإنّ التواجد العسكري السوري في تلك المنطقة، لا يأتي في إطار الاستعراض العسكري، فالخطط للقضاء على بؤر الإرهاب تنتظر الإطلاق، ريثما تنتهي روسيا من محاولاتها على اعتبارها الضامن لملف المصالحة من مهمتها الرامية لحلحلة الملف وفق الإطار السياسي. في خضمّ ما سبق، فإنّ الصوت «الإسرائيلي» يرتفع مجدداً لجهة السعي في فرض واقع جديد يقضي بإبعاد القوات الإيرانية عن حدود الجولان المحتلّ، وصولاً الى طريق دمشق السويداء، والآن وبعد سنوات الحرب التي فرضت على سورية، فقد فشل أعداء الدولة السورية في انتزاع الجنوب من قبضة دمشق، مع موت مشاريع السيطرة على العاصمة انطلاقاً من درعا، وقد أسهمت الأجندات المتعدّدة في فشل تشكيل جسم عسكري موحّد يصلح لاحقاً لعقد تسوية سياسية مع الحكومة السورية، فالتطورات على جبهات الجنوب السوري تختصر مسارات الحرب، السياسية والميدانية، والصراع المحتدم على مناطق النفوذ بين غالبية القوى المنخرطة في الصراع على الأرض السورية. وليس خافياً على أحد أنّ الانخراط العسكري الأميركي المباشر في الجنوب ووجود مستشارين أميركيين وبريطانيين على الحدود السورية الأردنية، وصولاً إلى القنيطرة، زاد المشهد تعقيداً، من دون أن يغيّر في موازين القوى، لا سيّما بعد النجاح الذي حقّقته قوات الجيش السوري وحلفاؤه، بالالتفاف حول الخطوط الأميركية الحمراء التي رسمتها واشنطن على امتداد الجبهة الجنوبية، وتمكن القوات السورية من تخطي خطوط واشنطن التي فقدت دور اليد الطولى في تحديد مسارات الحرب، أمام الدور الروسي والإيراني واندفاعة الجيش السوري للسيطرة على مساحات هائلة من الجغرافية السورية. حقيقة الأمر وفي عمق المشهد الجديد في درعا وامتداداته ليطال كلّ الجنوب السوري، إذ يبدو واضحاً أنّ ما يشهده الجنوب السوري من تحرّك كلّ من الدولة السورية، وكذا فصائل إرهابية مرتبطة بقوى إقليمية، يؤكد أهمية الجنوب السوري وتحديداً درعا وريفها، الأمر الذي من شأنه تغيير المشهد الذي فرضته الدولة السورية إبان عمليتها العسكرية عام 2018، ودخول تلك المناطق في المصالحة، وفي جانبٍ آخر فإنّ المشهد برمّته في عموم الجنوب السوري وتحديداً درعا، يرتبط بالتوازنات الهشة التي فرضت من قبل روسيا، ما يعني ضرورة تغيّر هذا الواقع، وربطه مباشرة بتوازنات جديدة ترضاها دمشق. يمكن القول إنّ أثّر الموقع الجغرافي لمحافظة درعا في جنوب سورية قرب الحدود مع الأردن ومرتفعات الجولان التي تحتلها «إسرائيل»، يفرض نمطاً من الضرورة العسكرية التي تتعلق بعمق السيادة السورية، ويبدو من خلال ذلك، أنّ «إسرائيل» تعمل في إطار هامشي على منع استقرار درعا، بغية الضغط بكافة الوسائل لإخراج الإيراني من سورية، ولمنع «إسرائيل» والأردن ولاعبين آخرين من عرقلة المسار السوري، عمدت روسيا إلى وضع استراتيجية استبعدت فيها مشاركة إيران وسهّلت ولادة مسارات الحوار النسبي، والقوة الناعمة، والتسويات. وبالتالي فإنّ عودة الإرهاب إلى ريف درعا بعد أمر عمليات إقليمي، غير مبرّر ولا يُمكن السكوت عنه. في وقت سابق، أدّت طبيعة العملية التي قادتها روسيا إلى منع استعادة سيطرة دمشق الكاملة على الجنوب السوري، وأحلّت مكان دمشق صراعاً منخفض الوتيرة، فقد ارتدت ديناميكيات المنطقة الحدودية حلّة المضاعفات الإقليمية. وبالتالي فإنّ أيّ تطوّر يطرأ هناك ستكون له تبعات أبعد من هذه البقعة بكثير، ما يعني أنّ الدولة السورية وروسيا سيعيدون الأوضاع في درعا إلى المحطة الأولى، أيّ العودة إلى السيادة السورية بالكامل. دون ذلك سيكون للجيش السوري بُعد عسكري سيُغيّر موازين القوى في درعا وريفها.

المصدر : الماسةالسورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة