ولا خيار لبكين إلا أن تدافع عن نفسها في سوريا، من خلال الدعم الاقتصادي بالحد الأدنى، فهي بحاجة إليها كموقع جيوسياسي مهم جداً لها، وخصوصاً بعد تهديدات واشنطن لتل أبيب جراء الاتفاقيات الاستثماريّة مع بكين، ولا سيما مرفأ حيفا.

تميَّزت الحضارة الصينيّة التي تعود إلى آلاف السنوات بمسارها الخاص المختلف عن كلّ الحضارات المتزامنة معها، وأدى موقعها الجغرافي في الطرف الشرقي من العالم القديم دوراً أساسياً في صياغة تشكيلها السياسيّ والاقتصاديّ المبنيّ على نمط ثقافيّ بعيد من الصّراعات الدينيّة.

وقد حماها ذلك لفترة طويلة من أن تتحول إلى ساحة صراع قوى خارجية أكبر منها، ما أتاح لها بناء كيان إمبراطوري في نهايات القرن الثالث الميلادي، توسّع في محيطه القريب من دون محاولات التمدد باتجاه الغرب نحو منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، وهذا ما جعلها بعيدة من مركز الأحداث العالمي الواقع بين الهضبة الإيرانية ووادي النيل وهضبة الأناضول، وهو ما نطلق عليه اصطلاحاً اسم "مناطق الهلال الخصيب".

بدأت الصّين مع بدايات تسعينيات القرن الماضي بالتحول إلى مسار جديد مختلف عما سبق، بحكم بداية نهضتها الاقتصادية الكبرى التي تأسّست على نموذج ثقافي خاص بها يستند إلى المدرسة الكونفوشيوسية، وساعدها في ذلك انهيار الاتحاد السوفياتي الذي خلق فراغاً في العراق وسوريا، فدُفعت إلى وضع أسس مشروع إمبراطوري جديد يعتمد على التوسع، من خلال التّعاون مع بقية الدول وتبادل المنافع الاقتصادية.

ومن هنا كانت أهمية سوريا بشكل خاص، فهي تمتلك أهمية جيوسياسية كبيرة في ذهن السياسيين الصينيين، بحكم إطلالتها على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وامتدادها البري إلى العراق وإيران، ما يؤهّلها إلى أن تكون مركزاً اقتصادياً مهماً للتبادل التجاري في كل الدول المحيطة بالمتوسط، وهذا ما دفع الرئيس الأسد إلى زيارة بكين في العام 2004، وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات بين الطرفين تتيح تدفّق الاستثمارات الصينية، بما في ذلك السماح لمئتي شركة صينية بالعمل في منطقة عدرا الصناعية وبناء 600 معمل.

وكان من المفترض أن تتحول فيها سوريا إلى أهم مركز صيني حول المتوسّط، بما يتيح للمنتجات الصينية الوصول إلى دوله خلال مدة أقصاها 10 أيام، بدلاً من 40 يوماً يستغرقها الشحن البحري من المرافئ الصينية.

 

مع بداية الحرب على سوريا وفيها في منتصف آذار/مارس 2011، تراجعت الصين عن كل المشاريع الاقتصادية، بسبب غياب عنصري الأمن والاستقرار السياسي، وبفعل العقوبات الاقتصادية المتتالية على الدولة السورية ومؤسَّسات القطاع الخاص، مع إدراكها أنّ أحد أهم أهداف الحرب الناجمة عن تمدّد ما يُسمى "الربيع العربي" هو استهدافها بشكل مباشر، إذا ما نجحت الولايات المتحدة بتمكين التيارات الإسلامية من السيطرة على مقاليد السلطة السياسية في شمال أفريقيا وغرب آسيا، وبالتالي انتقال الجماعات الإسلامية إلى كل من روسيا والصين وإيران، والعمل على زعزعة استقرارها الأمني، واستنزافها اقتصادياً، وتفكيكها اعتماداً على التنوع الديني والقومي فيها.

اتّخذت الصّين، استناداً إلى موروثها الثقافي، سياسة التنّين الحذر في التعامل مع الحرب السورية، محكومة بنقاط ضعفها ومصالحها الأربع، تتمثل الأولى بحاجتها الشديدة إلى الطاقة التي لا تمتلكها - ومصدرها الأساس دول الخليج وإيران والعراق – وتتعلق الثانية بالأهمية الاستراتيجية لمنطقة غرب آسيا، التي تقتضي السّير بسياسات متوازنة بين الأفرقاء المتناقضين فيها، وخصوصاً بين السعودية و"إسرائيل" من جهة، وتركيا وقطر من جهة ثانية، وإيران وسوريا ولبنان والعراق من جهة ثالثة، وكل ذلك في إطار محاولة التوازن مع الولايات المتحدة.

أما النقطة الثالثة، فهي تتعلّق بقلق بكين من الانتقادات السياسية لأي دولة من هذه الدول لوضع أقلية الإيغور المسلمة، التي يتم دعمها من الولايات المتحدة كقنبلة موقوتة في وجه الصين، بفعل دعم أي دولة لها على أساس مذهبي. والنقطة الرابعة ترتبط بتصوراتها لنفسها كدولة عظمى تحتاج إلى تقدير واحترام بقية الدول لها، بما يتناسب مع موقعها.

هذه النقاط الأربع دفعتها إلى التعاطي بحذر شديد، رغم استقدام آلاف المقاتلين الإيغور مع أُسرهم وإدخالهم إلى الأراضي السورية عبر تركيا، وبإدارة مباشرة من أجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية والتركية، لتأهيلهم وإعادة استخدامهم في الصين.

واقتصر دور الصين في البدايات على التشاور مع بعض القوى السورية المعارضة، لإنتاج حل سياسي يحمي سوريا من الرهانات الغربية، وعلى استخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي بالتوافق مع روسيا، لمنع توفير أي أرضية قانونية تتيح للغرب التدخل عسكرياً لإسقاط دمشق، وقطع الطريق على طهران وموسكو وبكين في المشروع الآسيوي، الذي يقضي بخروجه مع الولايات المتحدة من المنطقة كاملةً.

ولَم تتدخَّل الصين عسكرياً، رغم كل تهديدات أمنها القومي، على عكس إيران التي اندفعت في بداية الحرب إلى تقديم الاستشارات العسكرية، ثم دخول القوى الحليفة لها مع قيادات من الحرس الثوري لقيادة الأعمال العسكرية الدفاعية عن دمشق وبقية مناطق غرب سوريا، وتبعتها روسيا بتقديم الاستشارات والأسلحة المتناسبة مع أسلحة المجموعات الإسلامية.

وفي الشأن الاقتصادي أيضاً، هناك تدخل واضح من طهران لدعم دمشق اقتصادياً، بما يمنع سقوطها بمجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية، بما في ذلك الخبز الذي تدفع ثمنه منذ العام 2012، على عكس موسكو التي قدمت دعماً سياسياً وعسكرياً كبيراً، مع التعويض عن ذلك بمجموعة من الاستثمارات الكبيرة، فيما اقتصر دور بكين على الجانب السياسي فقط، وانسحبت بقيّة الشركات الصينية من سوريا، نتيجة التهديدات الأميركية بفرض العقوبات عليها، كما حصل لشركة "هواوي"، التي أغلقت مقراتها في نهاية العام 2019.

ومن الملاحظ أيضاً في الحذر الصيني، المشروع الذي أطلقه الرئيس الصيني شو بينغ من عاصمة تركمانستان في العام 2013، عندما ظهرت ملامح التغيير في موازين القوى الدولية، بإطلاق مشروع إحياء طريق الحرير القديم بتسميته الجديدة "طريق واحد - حيّز واحد"، مع استثناء العراق وسوريا منه. وأصبح في المخطط العام للطرق البرية مرورها من شمال غرب إيران وجنوب شرق تركيا باتجاه أوروبا.

توضّحت أكثر معالم سياسات الولايات المتحدة والغرب عموماً تجاه الصين بعد مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أظهر الوجه العدائي الحقيقي وطبيعة السياسات المتبعة لمحاصرة بكين وفك ارتباطها عن طهران وموسكو، وخصوصاً بجملة العقوبات الاقتصادية والتهديدات لكل هذه العواصم، وأتبعها بالموافقة على قانون "قيصر" الّذي يستهدف هيبة الدول الثلاث الداعمة لسوريا بأشكال مختلفة، والبدء بتنفيذه من منتصف شهر حزيران/يونيو، وهو ما فهمته طهران وموسكو اللتان أعلنتا عن رفضهما الخضوع له واستمرار مساعداتهما لدمشق، وسارعت طهران إلى إرسال وفد اقتصادي لدراسة آليات دعم الاقتصاد السوري بكل مستوياته.

ولا خيار لبكين إلا أن تدافع عن نفسها في سوريا، من خلال الدعم الاقتصادي بالحد الأدنى، فهي بحاجة إليها كموقع جيوسياسي مهم جداً لها، وخصوصاً بعد تهديدات واشنطن لتل أبيب جراء الاتفاقيات الاستثماريّة مع بكين، ولا سيما مرفأ حيفا.

كما أنَّ لبنان المنقسم على نفسه لم يُتح الفرصة للاستثمارات الصّينية البالغة 12.5 مليار دولار بالتدفّق إليه، لإعادة بناء البنية التحتية واستثمار مرفأ طرابلس، على الرغم من بيان السفارة الصينية في بيروت، الَّذي يتحدى التهديدات الأميركية للبنانيين في حال توجّههم شرقاً.

كما أنَّ المخاطر التركية على الأمن القومي الصينيّ ما زالت مستمرة بدعم الأقليات التركية المسلمة في إقليم شنغيانغ، إضافةً إلى اعتبار حكام أنقرة منذ العام 1986 أنّ المجال القومي الحيوي لها يمتدّ على كامل آسيا الوسطى، بما في ذلك تركستان الشرقية، إضافةً إلى دول الخليج التي لا يمكن المراهنة عليها، وهي الخاضعة كلياً لقرار واشنطن.

يتساءل السوريون: حضرت طهران وموسكو، فمتى ستأتي بكين؟

  • فريق ماسة
  • 2020-06-29
  • 17580
  • من الأرشيف

حضرت طهران وموسكو.. فمتى ستأتي بكين؟

  ولا خيار لبكين إلا أن تدافع عن نفسها في سوريا، من خلال الدعم الاقتصادي بالحد الأدنى، فهي بحاجة إليها كموقع جيوسياسي مهم جداً لها، وخصوصاً بعد تهديدات واشنطن لتل أبيب جراء الاتفاقيات الاستثماريّة مع بكين، ولا سيما مرفأ حيفا. تميَّزت الحضارة الصينيّة التي تعود إلى آلاف السنوات بمسارها الخاص المختلف عن كلّ الحضارات المتزامنة معها، وأدى موقعها الجغرافي في الطرف الشرقي من العالم القديم دوراً أساسياً في صياغة تشكيلها السياسيّ والاقتصاديّ المبنيّ على نمط ثقافيّ بعيد من الصّراعات الدينيّة. وقد حماها ذلك لفترة طويلة من أن تتحول إلى ساحة صراع قوى خارجية أكبر منها، ما أتاح لها بناء كيان إمبراطوري في نهايات القرن الثالث الميلادي، توسّع في محيطه القريب من دون محاولات التمدد باتجاه الغرب نحو منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، وهذا ما جعلها بعيدة من مركز الأحداث العالمي الواقع بين الهضبة الإيرانية ووادي النيل وهضبة الأناضول، وهو ما نطلق عليه اصطلاحاً اسم "مناطق الهلال الخصيب". بدأت الصّين مع بدايات تسعينيات القرن الماضي بالتحول إلى مسار جديد مختلف عما سبق، بحكم بداية نهضتها الاقتصادية الكبرى التي تأسّست على نموذج ثقافي خاص بها يستند إلى المدرسة الكونفوشيوسية، وساعدها في ذلك انهيار الاتحاد السوفياتي الذي خلق فراغاً في العراق وسوريا، فدُفعت إلى وضع أسس مشروع إمبراطوري جديد يعتمد على التوسع، من خلال التّعاون مع بقية الدول وتبادل المنافع الاقتصادية. ومن هنا كانت أهمية سوريا بشكل خاص، فهي تمتلك أهمية جيوسياسية كبيرة في ذهن السياسيين الصينيين، بحكم إطلالتها على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وامتدادها البري إلى العراق وإيران، ما يؤهّلها إلى أن تكون مركزاً اقتصادياً مهماً للتبادل التجاري في كل الدول المحيطة بالمتوسط، وهذا ما دفع الرئيس الأسد إلى زيارة بكين في العام 2004، وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات بين الطرفين تتيح تدفّق الاستثمارات الصينية، بما في ذلك السماح لمئتي شركة صينية بالعمل في منطقة عدرا الصناعية وبناء 600 معمل. وكان من المفترض أن تتحول فيها سوريا إلى أهم مركز صيني حول المتوسّط، بما يتيح للمنتجات الصينية الوصول إلى دوله خلال مدة أقصاها 10 أيام، بدلاً من 40 يوماً يستغرقها الشحن البحري من المرافئ الصينية.   مع بداية الحرب على سوريا وفيها في منتصف آذار/مارس 2011، تراجعت الصين عن كل المشاريع الاقتصادية، بسبب غياب عنصري الأمن والاستقرار السياسي، وبفعل العقوبات الاقتصادية المتتالية على الدولة السورية ومؤسَّسات القطاع الخاص، مع إدراكها أنّ أحد أهم أهداف الحرب الناجمة عن تمدّد ما يُسمى "الربيع العربي" هو استهدافها بشكل مباشر، إذا ما نجحت الولايات المتحدة بتمكين التيارات الإسلامية من السيطرة على مقاليد السلطة السياسية في شمال أفريقيا وغرب آسيا، وبالتالي انتقال الجماعات الإسلامية إلى كل من روسيا والصين وإيران، والعمل على زعزعة استقرارها الأمني، واستنزافها اقتصادياً، وتفكيكها اعتماداً على التنوع الديني والقومي فيها. اتّخذت الصّين، استناداً إلى موروثها الثقافي، سياسة التنّين الحذر في التعامل مع الحرب السورية، محكومة بنقاط ضعفها ومصالحها الأربع، تتمثل الأولى بحاجتها الشديدة إلى الطاقة التي لا تمتلكها - ومصدرها الأساس دول الخليج وإيران والعراق – وتتعلق الثانية بالأهمية الاستراتيجية لمنطقة غرب آسيا، التي تقتضي السّير بسياسات متوازنة بين الأفرقاء المتناقضين فيها، وخصوصاً بين السعودية و"إسرائيل" من جهة، وتركيا وقطر من جهة ثانية، وإيران وسوريا ولبنان والعراق من جهة ثالثة، وكل ذلك في إطار محاولة التوازن مع الولايات المتحدة. أما النقطة الثالثة، فهي تتعلّق بقلق بكين من الانتقادات السياسية لأي دولة من هذه الدول لوضع أقلية الإيغور المسلمة، التي يتم دعمها من الولايات المتحدة كقنبلة موقوتة في وجه الصين، بفعل دعم أي دولة لها على أساس مذهبي. والنقطة الرابعة ترتبط بتصوراتها لنفسها كدولة عظمى تحتاج إلى تقدير واحترام بقية الدول لها، بما يتناسب مع موقعها. هذه النقاط الأربع دفعتها إلى التعاطي بحذر شديد، رغم استقدام آلاف المقاتلين الإيغور مع أُسرهم وإدخالهم إلى الأراضي السورية عبر تركيا، وبإدارة مباشرة من أجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية والتركية، لتأهيلهم وإعادة استخدامهم في الصين. واقتصر دور الصين في البدايات على التشاور مع بعض القوى السورية المعارضة، لإنتاج حل سياسي يحمي سوريا من الرهانات الغربية، وعلى استخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي بالتوافق مع روسيا، لمنع توفير أي أرضية قانونية تتيح للغرب التدخل عسكرياً لإسقاط دمشق، وقطع الطريق على طهران وموسكو وبكين في المشروع الآسيوي، الذي يقضي بخروجه مع الولايات المتحدة من المنطقة كاملةً. ولَم تتدخَّل الصين عسكرياً، رغم كل تهديدات أمنها القومي، على عكس إيران التي اندفعت في بداية الحرب إلى تقديم الاستشارات العسكرية، ثم دخول القوى الحليفة لها مع قيادات من الحرس الثوري لقيادة الأعمال العسكرية الدفاعية عن دمشق وبقية مناطق غرب سوريا، وتبعتها روسيا بتقديم الاستشارات والأسلحة المتناسبة مع أسلحة المجموعات الإسلامية. وفي الشأن الاقتصادي أيضاً، هناك تدخل واضح من طهران لدعم دمشق اقتصادياً، بما يمنع سقوطها بمجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية، بما في ذلك الخبز الذي تدفع ثمنه منذ العام 2012، على عكس موسكو التي قدمت دعماً سياسياً وعسكرياً كبيراً، مع التعويض عن ذلك بمجموعة من الاستثمارات الكبيرة، فيما اقتصر دور بكين على الجانب السياسي فقط، وانسحبت بقيّة الشركات الصينية من سوريا، نتيجة التهديدات الأميركية بفرض العقوبات عليها، كما حصل لشركة "هواوي"، التي أغلقت مقراتها في نهاية العام 2019. ومن الملاحظ أيضاً في الحذر الصيني، المشروع الذي أطلقه الرئيس الصيني شو بينغ من عاصمة تركمانستان في العام 2013، عندما ظهرت ملامح التغيير في موازين القوى الدولية، بإطلاق مشروع إحياء طريق الحرير القديم بتسميته الجديدة "طريق واحد - حيّز واحد"، مع استثناء العراق وسوريا منه. وأصبح في المخطط العام للطرق البرية مرورها من شمال غرب إيران وجنوب شرق تركيا باتجاه أوروبا. توضّحت أكثر معالم سياسات الولايات المتحدة والغرب عموماً تجاه الصين بعد مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أظهر الوجه العدائي الحقيقي وطبيعة السياسات المتبعة لمحاصرة بكين وفك ارتباطها عن طهران وموسكو، وخصوصاً بجملة العقوبات الاقتصادية والتهديدات لكل هذه العواصم، وأتبعها بالموافقة على قانون "قيصر" الّذي يستهدف هيبة الدول الثلاث الداعمة لسوريا بأشكال مختلفة، والبدء بتنفيذه من منتصف شهر حزيران/يونيو، وهو ما فهمته طهران وموسكو اللتان أعلنتا عن رفضهما الخضوع له واستمرار مساعداتهما لدمشق، وسارعت طهران إلى إرسال وفد اقتصادي لدراسة آليات دعم الاقتصاد السوري بكل مستوياته. ولا خيار لبكين إلا أن تدافع عن نفسها في سوريا، من خلال الدعم الاقتصادي بالحد الأدنى، فهي بحاجة إليها كموقع جيوسياسي مهم جداً لها، وخصوصاً بعد تهديدات واشنطن لتل أبيب جراء الاتفاقيات الاستثماريّة مع بكين، ولا سيما مرفأ حيفا. كما أنَّ لبنان المنقسم على نفسه لم يُتح الفرصة للاستثمارات الصّينية البالغة 12.5 مليار دولار بالتدفّق إليه، لإعادة بناء البنية التحتية واستثمار مرفأ طرابلس، على الرغم من بيان السفارة الصينية في بيروت، الَّذي يتحدى التهديدات الأميركية للبنانيين في حال توجّههم شرقاً. كما أنَّ المخاطر التركية على الأمن القومي الصينيّ ما زالت مستمرة بدعم الأقليات التركية المسلمة في إقليم شنغيانغ، إضافةً إلى اعتبار حكام أنقرة منذ العام 1986 أنّ المجال القومي الحيوي لها يمتدّ على كامل آسيا الوسطى، بما في ذلك تركستان الشرقية، إضافةً إلى دول الخليج التي لا يمكن المراهنة عليها، وهي الخاضعة كلياً لقرار واشنطن. يتساءل السوريون: حضرت طهران وموسكو، فمتى ستأتي بكين؟

المصدر : الماسة السورية/ الميادين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة