يكاد لا يمرّ يوم في ألمانيا من دون تناقل خبر جريمة قتل أو اغتصاب، أو كلاهما على أيدي مهاجرين مراهقين، عدا عن الجرائم الموصوفة بأنها صغيرة مثل السرقة والاعتداء بالضرب أو الشتم أو محاولة تجنّب دفع ثمن تذاكر المواصلات العامة وما إلى ذلك.

 

بعض وسائل الإعلام والتضليل الألمانية تركّز عادة على ثلاث تبعيات هي العراقية والسورية والأفغانية، ربما بسبب كمية الجرائم والجنح الكبيرة الناتجة عن كون أعداد تلك الجماعات الثلاث كبيرة وتُنتج بالتالي مخالفات أكثر من غيرها، نسبياً وليس بالمطلق؛ مع أن القوانين الألمانية تمنع نشر تبعية/جنسية المذنبين قبل إدانتهم في المحاكم. وسائل الإعلام الألمانية تلتزم بالقوانين المعمول بها، لكنها تركّز في تناولها «نشاطات» الجاليات الأجنبية الإجرامية في الوقت نفسه على التجمّعات العائلية العصابية المهاجرة، مثل الصرب والروس والألبان والأتراك واللبنانيين والنيجيريين وغيرهم، نظراً إلى خطورتهم الكبيرة مقارنة بالجرائم الفردية التي يرتكبها اللاجئون السوريون والعراقيون والأفغان، علماً بأن قسماً كبيراً من طالبي اللجوء العراقيين غادروا ألمانيا عائدين إلى بلادهم بعدما اكتشفوا أن ألمانيا الحقيقية مختلفة عن تلك التي رأوها في الأفلام.

إذا كانت وسائل الإعلام/ التضليل الألمانية تُعلمنا بالجوانب السلبية عن حياة اللاجئين، فألا توجد جوانب إيجابية وَجب عليها البحث عنها، كما تفرض مهنة الصحافة والإعلام وحتى وسائل التضليل؟ هذا لا يسري على وسائل الإعلام الحكومية من قنوات التلفزيون والإذاعة حيث لا تسمح الرقابة الداخلية بنشر أيّ دعاية مبتذلة معادية للأجانب.

لكن ثمة مؤسسات حكومية «تراقب» أوضاع اللاجئين، صغاراً وكباراً، وتقدّم تقاريرها علانية لمساعدة حكومات الولايات الألمانية والحكومة الاتحادية على رسم سياسة مناسبة لتطور أوضاعهم وكيفية الاستفادة منهم في سوق العمل. المؤسسة الاتحادية الرئيسة المنوط بها دراسة أحوال اللاجئين، صغاراً وكباراً هي Das Bundesamt für Migration und Flüchtlinge/المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين التي تنشر أبحاثها على نحو دوري والمتوافرة مجاناً في موقعها في الإنترنت. وهناك أيضاً ‹forschungszentrum migration, integration und asyl /مركز أبحاث الهجرة والاندماج واللجوء.

المكتب الاتحادي هذا نشر في شهر شباط من العام الجاري نتائج أبحاث مفصّلة قام بها لمعرفة مدى اندماج أبناء المهاجرين وطالبي اللجوء في النظام التعليمي الألماني، بالتالي إمكانية اندماجه في المجتمع الألماني وفي سوق العمل، ويمكن لأيّ راغب بمعرفة تفاصيل كيفية تحصيل النتائج المنشورة، والمدعمة بالجداول والرسوم البيانية والإحصاءات المتكاملة الحصول عليها من موقع المركز المذكور.

لن نخوض في تفاصيل الجوانب آنفة الذكر ونلخّص تلك النتائج بالقول: لقد تبيّن للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين أن اندماج التلاميذ والطلاب السوريين في النظام التعليمي يفوق رديفه لدى الجنسيات الأخرى، بما في ذلك الآتون من دول أوروبا الشرقية. المغزى من المقارنة هنا أن الأخيرين يعيشون في مجتمعات ودول مستقرة لا تعاني الحروب والدمار كما سوريا والعراق على سبيل الذكر. كما تبيّن لباحثي المكتب الاتحادي أن التلاميذ والطلاب السوريين متفوّقون على غيرهم من أبناء الجاليات والمهاجرين الأخرى، بل إن أداءهم في مختلف مراحل الدراسة، بما في ذلك المدارس المهنية متميّز.

السبب، وفق ‹المكتب الاتحادي› أن «أحد التفسيرات المحتملة لذلك يكمُن في التشابه الكبير بين أنظمة التعليم الألمانية والسورية/ Eine mögliche Erklärung dafür liege in den großen Gemeinsamkeiten des deutschen und des syrischen Bildungssystems».

هذا الاستنتاج الذي تناولته صحيفة «تسايت»، التي تعدّ من أهم أبواق النخب الحاكمة ورأس تحريرها لفترة المستشار الألماني الراحل هلموت شمدت، بالحديث والتحليل لم يمر مرور الكرام حيث اندلعت معارك على الإنترنت تشكّك في الأمر، ووصل الأمر بالبعض إلى التشكيك في أهلية من أنجز الأبحاث، مع أنهم من الأكاديميين المتخصصين وأسماؤهم تتذيل التقارير.

بعض المعلّقين، وغالبيتهم من الألمان اليساريين من محترفي الانتهازية وعدم المقدرة على التعلّم من أغلاط الغير بل حتى من أغلاطهم أنفسهم، رفضوا النتائج المعلنة والمتوافرة للجميع، بدعوى أنها تناقض تحليلاتهم «الخنفشارية» للأزمة السورية وتناقض في الوقت نفسه النعوت الفظة والقبيحة التي أطلقوها على الرئيس السوري بشار الأسد، بدلاً من إعادة النظر في رؤاهم الحولاء، إن لم تكن العمياء على نحو كامل.

آخرون ممن لا فائدة من محاورتهم لجؤوا إلى التشكيك في مستوى النظام التعليمي الألماني، الذي يخرِّج سنوياً الآلاف من العلماء المشهورين عالمياً في مجالات تخصصهم، وأرجعوا التشابهات المذكورة بينه وبين النظام التعليمي السوري إلى انحطاط مستوى الأول (كذا!). وهناك من رفض إقامة أيّ ربط أو علاقة بين طبيعة الرئيس السوري من ناحية والنظام التعليمي السوري.

وجدت إجابات عديدة عن التعليق الأخير، لكن أبلغها كان قول أحد المعلقين الألمان، الذي وقّع باسمه الكامل ويقول: «لو أن الرئيس السوري فعلاً كما تُصوّره نعوت المعارضين له لما اكترث بإقامة نظام تعليمي لأبناء شعبه يملك تشابهاً كبيراً مع النظام التعليمي الألماني؛ (أي العائد لدولة مصنعة متطورة). بل إن اهتمامه بمستوى تعليم أبناء شعبه يعكس طبيعته الحضارية الحقيقية المخالفة والمناقضة لنعوت المعارضين له»

 

  • فريق ماسة
  • 2019-03-17
  • 9890
  • من الأرشيف

يا أبناء اللاجئين السوريين وبناتهم، ماذا تفعلون في ألمانيا!

يكاد لا يمرّ يوم في ألمانيا من دون تناقل خبر جريمة قتل أو اغتصاب، أو كلاهما على أيدي مهاجرين مراهقين، عدا عن الجرائم الموصوفة بأنها صغيرة مثل السرقة والاعتداء بالضرب أو الشتم أو محاولة تجنّب دفع ثمن تذاكر المواصلات العامة وما إلى ذلك.   بعض وسائل الإعلام والتضليل الألمانية تركّز عادة على ثلاث تبعيات هي العراقية والسورية والأفغانية، ربما بسبب كمية الجرائم والجنح الكبيرة الناتجة عن كون أعداد تلك الجماعات الثلاث كبيرة وتُنتج بالتالي مخالفات أكثر من غيرها، نسبياً وليس بالمطلق؛ مع أن القوانين الألمانية تمنع نشر تبعية/جنسية المذنبين قبل إدانتهم في المحاكم. وسائل الإعلام الألمانية تلتزم بالقوانين المعمول بها، لكنها تركّز في تناولها «نشاطات» الجاليات الأجنبية الإجرامية في الوقت نفسه على التجمّعات العائلية العصابية المهاجرة، مثل الصرب والروس والألبان والأتراك واللبنانيين والنيجيريين وغيرهم، نظراً إلى خطورتهم الكبيرة مقارنة بالجرائم الفردية التي يرتكبها اللاجئون السوريون والعراقيون والأفغان، علماً بأن قسماً كبيراً من طالبي اللجوء العراقيين غادروا ألمانيا عائدين إلى بلادهم بعدما اكتشفوا أن ألمانيا الحقيقية مختلفة عن تلك التي رأوها في الأفلام. إذا كانت وسائل الإعلام/ التضليل الألمانية تُعلمنا بالجوانب السلبية عن حياة اللاجئين، فألا توجد جوانب إيجابية وَجب عليها البحث عنها، كما تفرض مهنة الصحافة والإعلام وحتى وسائل التضليل؟ هذا لا يسري على وسائل الإعلام الحكومية من قنوات التلفزيون والإذاعة حيث لا تسمح الرقابة الداخلية بنشر أيّ دعاية مبتذلة معادية للأجانب. لكن ثمة مؤسسات حكومية «تراقب» أوضاع اللاجئين، صغاراً وكباراً، وتقدّم تقاريرها علانية لمساعدة حكومات الولايات الألمانية والحكومة الاتحادية على رسم سياسة مناسبة لتطور أوضاعهم وكيفية الاستفادة منهم في سوق العمل. المؤسسة الاتحادية الرئيسة المنوط بها دراسة أحوال اللاجئين، صغاراً وكباراً هي Das Bundesamt für Migration und Flüchtlinge/المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين التي تنشر أبحاثها على نحو دوري والمتوافرة مجاناً في موقعها في الإنترنت. وهناك أيضاً ‹forschungszentrum migration, integration und asyl /مركز أبحاث الهجرة والاندماج واللجوء. المكتب الاتحادي هذا نشر في شهر شباط من العام الجاري نتائج أبحاث مفصّلة قام بها لمعرفة مدى اندماج أبناء المهاجرين وطالبي اللجوء في النظام التعليمي الألماني، بالتالي إمكانية اندماجه في المجتمع الألماني وفي سوق العمل، ويمكن لأيّ راغب بمعرفة تفاصيل كيفية تحصيل النتائج المنشورة، والمدعمة بالجداول والرسوم البيانية والإحصاءات المتكاملة الحصول عليها من موقع المركز المذكور. لن نخوض في تفاصيل الجوانب آنفة الذكر ونلخّص تلك النتائج بالقول: لقد تبيّن للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين أن اندماج التلاميذ والطلاب السوريين في النظام التعليمي يفوق رديفه لدى الجنسيات الأخرى، بما في ذلك الآتون من دول أوروبا الشرقية. المغزى من المقارنة هنا أن الأخيرين يعيشون في مجتمعات ودول مستقرة لا تعاني الحروب والدمار كما سوريا والعراق على سبيل الذكر. كما تبيّن لباحثي المكتب الاتحادي أن التلاميذ والطلاب السوريين متفوّقون على غيرهم من أبناء الجاليات والمهاجرين الأخرى، بل إن أداءهم في مختلف مراحل الدراسة، بما في ذلك المدارس المهنية متميّز. السبب، وفق ‹المكتب الاتحادي› أن «أحد التفسيرات المحتملة لذلك يكمُن في التشابه الكبير بين أنظمة التعليم الألمانية والسورية/ Eine mögliche Erklärung dafür liege in den großen Gemeinsamkeiten des deutschen und des syrischen Bildungssystems». هذا الاستنتاج الذي تناولته صحيفة «تسايت»، التي تعدّ من أهم أبواق النخب الحاكمة ورأس تحريرها لفترة المستشار الألماني الراحل هلموت شمدت، بالحديث والتحليل لم يمر مرور الكرام حيث اندلعت معارك على الإنترنت تشكّك في الأمر، ووصل الأمر بالبعض إلى التشكيك في أهلية من أنجز الأبحاث، مع أنهم من الأكاديميين المتخصصين وأسماؤهم تتذيل التقارير. بعض المعلّقين، وغالبيتهم من الألمان اليساريين من محترفي الانتهازية وعدم المقدرة على التعلّم من أغلاط الغير بل حتى من أغلاطهم أنفسهم، رفضوا النتائج المعلنة والمتوافرة للجميع، بدعوى أنها تناقض تحليلاتهم «الخنفشارية» للأزمة السورية وتناقض في الوقت نفسه النعوت الفظة والقبيحة التي أطلقوها على الرئيس السوري بشار الأسد، بدلاً من إعادة النظر في رؤاهم الحولاء، إن لم تكن العمياء على نحو كامل. آخرون ممن لا فائدة من محاورتهم لجؤوا إلى التشكيك في مستوى النظام التعليمي الألماني، الذي يخرِّج سنوياً الآلاف من العلماء المشهورين عالمياً في مجالات تخصصهم، وأرجعوا التشابهات المذكورة بينه وبين النظام التعليمي السوري إلى انحطاط مستوى الأول (كذا!). وهناك من رفض إقامة أيّ ربط أو علاقة بين طبيعة الرئيس السوري من ناحية والنظام التعليمي السوري. وجدت إجابات عديدة عن التعليق الأخير، لكن أبلغها كان قول أحد المعلقين الألمان، الذي وقّع باسمه الكامل ويقول: «لو أن الرئيس السوري فعلاً كما تُصوّره نعوت المعارضين له لما اكترث بإقامة نظام تعليمي لأبناء شعبه يملك تشابهاً كبيراً مع النظام التعليمي الألماني؛ (أي العائد لدولة مصنعة متطورة). بل إن اهتمامه بمستوى تعليم أبناء شعبه يعكس طبيعته الحضارية الحقيقية المخالفة والمناقضة لنعوت المعارضين له»  

المصدر : الماسة السورية/ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة