يُحسب للرئيس السوداني عمر حسن البشير وصوله قبل غيره الى دمشق طاويا بذلك مرحلة العداء أو الجفاء أو الحياد الذي مارسته دول عربية حيال سورية، ويُحسب للرئيس بشار الأسد رغبته بطي صفحة الضغينة مع دول عربية.

ولكي نبتعد عن العواطف ونعرف بالوقائع ماذا جرى ويجري اليكم الملاحظات التالية:

• لا يُمكن أن يتفرّد البشير بزيارة دمشق دون تنسيق مع دول عربية وفي مقدمها السعودية، حيث أن جيشه يناصر جيشها في اليمن، وأن الخرطوم كانت قد أبعدت السفير الايراني سابقا لأجل السعودية.

• العلاقات الاستراتيجية الروسية السودانية لعبت دورا في تغيير موقف البشير، وهو قال صراحة من قلب موسكو بعد استقباله من قبل الرئيس بوتين في أواخر العام الماضي: "ان ما يحصل اليوم في سورية هو نتيجة التدخل الأمريكي، ولا تسوية سياسية من دون الرئيس السوري بشار الأسد".

• زيارة البشير إلى دمشق التي هي جزء مفصلي من محور المقاومة حالياً، تُعتبر ردا على التسريبات والمعلومات الإسرائيلية عن قرب التطبيع مع السودان وعن زيارة قريبة لنتنياهو إلى الخرطوم، وهو ما دفع بعض التيارات السودانية إلى الترويج للتطبيع كسبيل للخروج من المشاكل الكثيرة التي يعانيها السودان اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، يحتاج البشير إلى التذكير بلاءات الخرطوم التاريخية في هذه الأوقات بالضبط، وذلك لأسباب أخلاقية ودينية وسياسية وأمنية ، رغم أن بعض المعلقين يقولون نرجو أن لا تكون الزيارة إلى دمشق تبريرا لما قد يحصل لاحقاً بين السودان واسرائيل.

• رغم العلاقات القوية بين البشير والسعودية التي اعتبر مرارا أن أمنها " خطٌ" أحمر، إلا أنها تعني انعطافة كبيرة في موقف الاخوان المسلمين الذين يدور الرئيس السوداني أيضا في فلكهم، وإن لم تكن انعطافة فهي نكسة لهم، ربما مفهوم الانعطافة أكبر حاليا خصوصا بعد عودة حماس الى الحضن الايراني ومساعيها لإعادة فتح علاقات مع دمشق حيث أوصدت أبواب كثيرة في وجهها رغم الوعود المعسولة الكثيرة حين كان يراد لها ان تكون في موقف العداء للقيادة السورية.

• قبل زيارته إلى سورية فان الرئيس البشير كان قد التقى مطولا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي رغم التصريحات العلانية، فان بلاده تمضي قدما في التنسيق الأمني وبعض السياسي مع سورية.

• لا يُمكن فصل زيارة البشير الى دمشق عن التحولات العربية الآخذة بالاتساع حيال سورية، فهل ننسى أن وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة كان قد قال بعد لقائه نظيره السوري وليد المعلم " يجب ان تعود كل الأراضي السورية الى سيطرة الحكومة". وهنا لا بد من الاشارة إلى ان وزير الخارجية الجزائرية الذي كانت ولا تزال بلاده مناصرة لسورية وفلسطين بقوة، كان افتتح الزيارات العربية الرفيعة الى دمشق.

• لا يمكن فصلها كذلك عن التحولات الإقليمية والدولية، فهذا وزير خارجية تركيا يقول صراحة اننا نفكر بالتعامل مجددا مع الأسد اذا ما تم انتخابه مجددا. ما يعني أن الشرط الدولي الأخير للتسوية السياسية أي عدم ترشح الأسد قد سقط بدوره، وأن ما بقي من معارضة سورية ما عادت قادرة على فرض أي شرط جدي.

* السعودية أيضا بعثت برسائل الى دمشق، والامارات تريد فتح سفارتها ربما قريبا، لكن الدول الخليجية تريد من القيادة السورية تخفيف علاقاتها مع ايران، لا ندري بهذا الصدد تماما هل جاء البشير ينصح بهذا أم أنه جاء لإعادة مياه السودان الى مجاريها مع طهران بعدما تفاقم الوضع الاقتصادي عنده رغم الوعود الكثيرة.

لا شك أن ما عاشته وتحملته سورية على مدى السنوات الثماني الماضية وكيفية الخروج منه، يُشكل حالة استثنائية ينبغي دراستها كنموذج استثنائي لدولة عرفت كيف تنهض من تحت الدمار رغم تآلف قوى عالمية وإقليمية ومال واعلام وإرهاب ضدها .....ولا شك أيضا أن قلب العروبة النابض عاد إلى نبضه الكبير رغم آخر المشاكل في مناطق الشمال والشرق وسط أوهام أميركا وتركيا وأحلام الكرد الذين يجب ان يحذروا من حلفائهم قبل خصومهم.


  • فريق ماسة
  • 2018-12-16
  • 14698
  • من الأرشيف

بالمنطق لا بالعواطف.. ليس البشير وحده في دمشق وقلب العروبة ينبض مجدداً

يُحسب للرئيس السوداني عمر حسن البشير وصوله قبل غيره الى دمشق طاويا بذلك مرحلة العداء أو الجفاء أو الحياد الذي مارسته دول عربية حيال سورية، ويُحسب للرئيس بشار الأسد رغبته بطي صفحة الضغينة مع دول عربية. ولكي نبتعد عن العواطف ونعرف بالوقائع ماذا جرى ويجري اليكم الملاحظات التالية: • لا يُمكن أن يتفرّد البشير بزيارة دمشق دون تنسيق مع دول عربية وفي مقدمها السعودية، حيث أن جيشه يناصر جيشها في اليمن، وأن الخرطوم كانت قد أبعدت السفير الايراني سابقا لأجل السعودية. • العلاقات الاستراتيجية الروسية السودانية لعبت دورا في تغيير موقف البشير، وهو قال صراحة من قلب موسكو بعد استقباله من قبل الرئيس بوتين في أواخر العام الماضي: "ان ما يحصل اليوم في سورية هو نتيجة التدخل الأمريكي، ولا تسوية سياسية من دون الرئيس السوري بشار الأسد". • زيارة البشير إلى دمشق التي هي جزء مفصلي من محور المقاومة حالياً، تُعتبر ردا على التسريبات والمعلومات الإسرائيلية عن قرب التطبيع مع السودان وعن زيارة قريبة لنتنياهو إلى الخرطوم، وهو ما دفع بعض التيارات السودانية إلى الترويج للتطبيع كسبيل للخروج من المشاكل الكثيرة التي يعانيها السودان اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، يحتاج البشير إلى التذكير بلاءات الخرطوم التاريخية في هذه الأوقات بالضبط، وذلك لأسباب أخلاقية ودينية وسياسية وأمنية ، رغم أن بعض المعلقين يقولون نرجو أن لا تكون الزيارة إلى دمشق تبريرا لما قد يحصل لاحقاً بين السودان واسرائيل. • رغم العلاقات القوية بين البشير والسعودية التي اعتبر مرارا أن أمنها " خطٌ" أحمر، إلا أنها تعني انعطافة كبيرة في موقف الاخوان المسلمين الذين يدور الرئيس السوداني أيضا في فلكهم، وإن لم تكن انعطافة فهي نكسة لهم، ربما مفهوم الانعطافة أكبر حاليا خصوصا بعد عودة حماس الى الحضن الايراني ومساعيها لإعادة فتح علاقات مع دمشق حيث أوصدت أبواب كثيرة في وجهها رغم الوعود المعسولة الكثيرة حين كان يراد لها ان تكون في موقف العداء للقيادة السورية. • قبل زيارته إلى سورية فان الرئيس البشير كان قد التقى مطولا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي رغم التصريحات العلانية، فان بلاده تمضي قدما في التنسيق الأمني وبعض السياسي مع سورية. • لا يُمكن فصل زيارة البشير الى دمشق عن التحولات العربية الآخذة بالاتساع حيال سورية، فهل ننسى أن وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة كان قد قال بعد لقائه نظيره السوري وليد المعلم " يجب ان تعود كل الأراضي السورية الى سيطرة الحكومة". وهنا لا بد من الاشارة إلى ان وزير الخارجية الجزائرية الذي كانت ولا تزال بلاده مناصرة لسورية وفلسطين بقوة، كان افتتح الزيارات العربية الرفيعة الى دمشق. • لا يمكن فصلها كذلك عن التحولات الإقليمية والدولية، فهذا وزير خارجية تركيا يقول صراحة اننا نفكر بالتعامل مجددا مع الأسد اذا ما تم انتخابه مجددا. ما يعني أن الشرط الدولي الأخير للتسوية السياسية أي عدم ترشح الأسد قد سقط بدوره، وأن ما بقي من معارضة سورية ما عادت قادرة على فرض أي شرط جدي. * السعودية أيضا بعثت برسائل الى دمشق، والامارات تريد فتح سفارتها ربما قريبا، لكن الدول الخليجية تريد من القيادة السورية تخفيف علاقاتها مع ايران، لا ندري بهذا الصدد تماما هل جاء البشير ينصح بهذا أم أنه جاء لإعادة مياه السودان الى مجاريها مع طهران بعدما تفاقم الوضع الاقتصادي عنده رغم الوعود الكثيرة. لا شك أن ما عاشته وتحملته سورية على مدى السنوات الثماني الماضية وكيفية الخروج منه، يُشكل حالة استثنائية ينبغي دراستها كنموذج استثنائي لدولة عرفت كيف تنهض من تحت الدمار رغم تآلف قوى عالمية وإقليمية ومال واعلام وإرهاب ضدها .....ولا شك أيضا أن قلب العروبة النابض عاد إلى نبضه الكبير رغم آخر المشاكل في مناطق الشمال والشرق وسط أوهام أميركا وتركيا وأحلام الكرد الذين يجب ان يحذروا من حلفائهم قبل خصومهم.

المصدر : سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة