حسب تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فإن اللجنة الدستورية اكتملت بعد الاتفاق على «الثلث» الخاص بالمجتمع المدني، في وقت تحدث فيه المبعوث الدولي لسورية، ستيفان دي ميستورا، أنه سيبحث مع الدول الضامنة هذه اللجنة في مطلع الأسبوع، وتبدو هذه التطورات بداية جديدة لاستئناف مسار سوتشي الذي رفضته الولايات المتحدة، ودعت لاستئناف العملية السياسية في جنيف.

عملياً فإن اللجنة الدستورية بتمثيلها الحالي تشكل أمراً واقعاً بالنسبة للولايات المتحدة، فتشكيلتها التي تضم طيفاً معارضاً دعمته الولايات المتحدة سابقا بشكل قوي؛ لم تعد ترضاها واشنطن التي باتت ترى تصورات الحل من خلال الصراع مع روسيا بالدرجة الأولى، وتطويق إيران وعزلها بشكل كامل عن شرق شواطئ المتوسط، فاللجنة الدستورية على المستوى الدولي لا تمثل حلاً واضحاً، وتشبه مسار أستانا عموماً الذي فرض حلولاً على الأرض من دون أن يشكل مخرجاً نهائياً للأزمة السورية.

بالنسبة لموسكو فإن اكتمال اللجنة الدستورية يشكل تهيئة لبيئة خاصة بالحل السورية، وحتى لو كان جنيف في النهاية نقطة الالتقاء الدولي فإن روسيا ترى في تراكم الحلول السياسية جزءاً من تسهيل الحل السياسي عموما، والاحتمالات القادمة وفق التصور الروسي تتعلق بأمرين:

– الأول الوصول إلى جنيف بحزمة سياسية يصعب على الدول الغربية رفضها بالكامل، فيظهر سياق للحل ستدخله الولايات المتحدة وفق شروطها ومن دون تغير السياق بالكامل، وفيما لو تحقق هذا الأمر فإن موسكو ستحقق توازناً سياسياً يضمن لها الوجود الطويل في الشرق الأوسط عموماً.

ضمن هذا الاحتمال فإن الولايات المتحدة تتعامل مع شرقي الفرات كنقطة ارتكاز يمكن من خلالها فرض توازنها الخاص، ليس عبر الضغط على الحل السياسي بل أيضاً لدفع تركيا للعب دور مختلف داخل التفاوض السياسي مع إيران وروسيا، ويبدو أن واشنطن تدير اللعبة مع أنقرة بشكل مختلف نظرا لحساسية الوضع التركي، فهي لا تسعى لقلب تحالفاتها مع موسكو بقدر التأثير في مواقفها لرسم التوازن بشكل يعرقل مهام موسكو الدولية وليس الإقليمية، فالموقف التركي بالنسبة للولايات المتحدة هو «كبح» التحرك الروسي دولياً عبر إبقاء نقاط التوتر المشتعلة.

– الاحتمال الثاني يتعلق بعدم قدرة اللجنة الدستورية على تقديم حالة سياسية مختلفة يمكنها التأثير في مسار جنيف، وفي هذه الحالة فإن العملية التي تسير عليها اللجنة الدستورية تصبح غاية، لأنها تدفع العديد من الدول للتعامل مع هذه «العملية»، فتصبح اللجنة الدستورية نقطة تماس لمواقف الدول.

ضمن عملية اللجنة الدستورية هناك تلاق للمواقف وفق المنطق الروسي، ومساحة مهمة تؤسس لتفاوض جديد على المستوى الدولي وليس السوري، فليس مهماً انفجار التناقضات في عمل اللجنة، بل الجهد الدبلوماسي المقدم لحل الخلافات وإيجاد الحلول، وهذا الرهان الروسي يحتاج إلى جهد من أطراف دولية أخرى؛ لتصبح العملية توافقات عامة قادرة على التعامل مع كل تعقيدات الأزمة السورية.

تبدو جميع الاحتمالات السابقة عائمة على إمكانية إعلان هذه اللجنة، وإلى قدرة المبعوث الدولي في أيام عمله الأخيرة على تمرير الأمر إلى الأمم المتحدة لجعل الجهد الدولي أرضية لشرعية هذه اللجنة، وبانتظار الأسبوعين القادمين فإن احتمالات المواجهات الديبلوماسية لا تزال قائمة حول اللجنة الدستورية وغيرها من المواضيع العالقة.

  • فريق ماسة
  • 2018-12-15
  • 13578
  • من الأرشيف

اللجنة الدستورية.. الخروج الصعب

حسب تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فإن اللجنة الدستورية اكتملت بعد الاتفاق على «الثلث» الخاص بالمجتمع المدني، في وقت تحدث فيه المبعوث الدولي لسورية، ستيفان دي ميستورا، أنه سيبحث مع الدول الضامنة هذه اللجنة في مطلع الأسبوع، وتبدو هذه التطورات بداية جديدة لاستئناف مسار سوتشي الذي رفضته الولايات المتحدة، ودعت لاستئناف العملية السياسية في جنيف. عملياً فإن اللجنة الدستورية بتمثيلها الحالي تشكل أمراً واقعاً بالنسبة للولايات المتحدة، فتشكيلتها التي تضم طيفاً معارضاً دعمته الولايات المتحدة سابقا بشكل قوي؛ لم تعد ترضاها واشنطن التي باتت ترى تصورات الحل من خلال الصراع مع روسيا بالدرجة الأولى، وتطويق إيران وعزلها بشكل كامل عن شرق شواطئ المتوسط، فاللجنة الدستورية على المستوى الدولي لا تمثل حلاً واضحاً، وتشبه مسار أستانا عموماً الذي فرض حلولاً على الأرض من دون أن يشكل مخرجاً نهائياً للأزمة السورية. بالنسبة لموسكو فإن اكتمال اللجنة الدستورية يشكل تهيئة لبيئة خاصة بالحل السورية، وحتى لو كان جنيف في النهاية نقطة الالتقاء الدولي فإن روسيا ترى في تراكم الحلول السياسية جزءاً من تسهيل الحل السياسي عموما، والاحتمالات القادمة وفق التصور الروسي تتعلق بأمرين: – الأول الوصول إلى جنيف بحزمة سياسية يصعب على الدول الغربية رفضها بالكامل، فيظهر سياق للحل ستدخله الولايات المتحدة وفق شروطها ومن دون تغير السياق بالكامل، وفيما لو تحقق هذا الأمر فإن موسكو ستحقق توازناً سياسياً يضمن لها الوجود الطويل في الشرق الأوسط عموماً. ضمن هذا الاحتمال فإن الولايات المتحدة تتعامل مع شرقي الفرات كنقطة ارتكاز يمكن من خلالها فرض توازنها الخاص، ليس عبر الضغط على الحل السياسي بل أيضاً لدفع تركيا للعب دور مختلف داخل التفاوض السياسي مع إيران وروسيا، ويبدو أن واشنطن تدير اللعبة مع أنقرة بشكل مختلف نظرا لحساسية الوضع التركي، فهي لا تسعى لقلب تحالفاتها مع موسكو بقدر التأثير في مواقفها لرسم التوازن بشكل يعرقل مهام موسكو الدولية وليس الإقليمية، فالموقف التركي بالنسبة للولايات المتحدة هو «كبح» التحرك الروسي دولياً عبر إبقاء نقاط التوتر المشتعلة. – الاحتمال الثاني يتعلق بعدم قدرة اللجنة الدستورية على تقديم حالة سياسية مختلفة يمكنها التأثير في مسار جنيف، وفي هذه الحالة فإن العملية التي تسير عليها اللجنة الدستورية تصبح غاية، لأنها تدفع العديد من الدول للتعامل مع هذه «العملية»، فتصبح اللجنة الدستورية نقطة تماس لمواقف الدول. ضمن عملية اللجنة الدستورية هناك تلاق للمواقف وفق المنطق الروسي، ومساحة مهمة تؤسس لتفاوض جديد على المستوى الدولي وليس السوري، فليس مهماً انفجار التناقضات في عمل اللجنة، بل الجهد الدبلوماسي المقدم لحل الخلافات وإيجاد الحلول، وهذا الرهان الروسي يحتاج إلى جهد من أطراف دولية أخرى؛ لتصبح العملية توافقات عامة قادرة على التعامل مع كل تعقيدات الأزمة السورية. تبدو جميع الاحتمالات السابقة عائمة على إمكانية إعلان هذه اللجنة، وإلى قدرة المبعوث الدولي في أيام عمله الأخيرة على تمرير الأمر إلى الأمم المتحدة لجعل الجهد الدولي أرضية لشرعية هذه اللجنة، وبانتظار الأسبوعين القادمين فإن احتمالات المواجهات الديبلوماسية لا تزال قائمة حول اللجنة الدستورية وغيرها من المواضيع العالقة.

المصدر : الماسة السورية/ الوطن


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة