دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كان خبر إسقاط طائرة استطلاع روسية على مسافة قريبة من الساحل السوري مؤخرًا، خبرًا سيئًا بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأن إسقاط الطائرة وجّه ضربة معنوية لهيبة موسكو ووضعه في مأزق، ذلك أنه لا يستطيع النأي بالنفس نهائيًّا عن الصراع بين "إسرائيل" وإيران. وبالتالي، أصبح بوتين أمام خيارين: إما الانكفاء تحت وطأة الضغط الإسرائيلي، وإما اتخاذ قرار حاسم بوضع خطوط حمراء أمام "إسرائيل" التي واصلت غاراتها على الأراضي السورية تحت سقف التنسيق المتفق عليه بين موسكو وتل أبيب، التي عمدت إلى تكثيف هجماتها وصولا إلى هجوم اللاذقية، الذي أدى إلى سقوط الطائرة الروسية ومقتل 15 عسكريًّا كانوا على متنها، وهو ما ترك تداعيات غير متوقعة على التنسيق الروسي - الإسرائيلي، وصولًا إلى قرار موسكو تسليم الجيش السوري منظومة "إس 300".
في الحقيقة، الغارة الإسرائيلية على مواقع ومنشآت سورية في اللاذقية حملت مفاجأتين:
الأولى: تمدد الغارات الإسرائيلية، فهذه المرة الأولى التي تُستهدف فيها مدينة اللاذقية بهجوم إسرائيلي نوعي ومركز، بعدما كانت الهجمات تستهدف حصرًا أھدافًا ومواقع في محيط دمشق ومنطقة حمص وعلى مقربة من الحدود اللبنانية.
الثانية: والأھم، سقوط طائرة روسية ومقتل 15 عسكريًّا روسيًّا كانوا على متنھا، الأمر الذي اعتُبر بمثابة ضربة عسكرية موجعة تتلقاھا موسكو، ھي الثانية في نوعھا منذ تدخلھا العسكري في سوريا بعد إسقاط مقاتلات تركية لطائرة روسية في منطقة الحدود التركية – السورية.
الإسرائيليون شعروا بفداحة ما حدث ودقّة الموقف، وأنھم في ورطة شديدة مع الروس. فھذه الحادثة تشكل انتكاسة لـ"بوتين" وتنال من ھيبته، لأن الروس لا يحتملون الاستفزاز ولا يجدون تفسيرًا للتأخر الذي حصل في إبلاغھم كما في كل مرة بغارات الطيران الإسرائيلي ومسرحھا وتوقيتھا، إذ إن الإبلاغ حصل قبل دقيقة واحدة لم تكن كافية لاتخاذ الاحتياطات اللازمة، خصوصا وأن المنطقة المستھدفة ھي حيوية جدا بالنسبة للروس.
في البداية أوحت موسكو أنھا تقبّلت وتفھمت التفسيرات الإسرائيلية التي ادعت أن الدفاعات السورية ھي المسؤولة عن سقوط الطائرة، ولكنھا سرعان ما سلكت طريقًا آخر واتخذت موقفًا متشددا ذھب في اتجاھين أساسيين:
- الأول: شن حملة إعلامية تحمّل "إسرائيل" مسؤولية سقوط الطائرة الروسية، وتقدم استنتاجات لوزارة الدفاع الروسية تتحدث عن "خداع إسرائيلي" لموسكو في ھذا الملف.
- الثاني: اتخاذ إجراءات تتعلق بتعزيز قدرات الجيش السوري الدفاعية في وجه التھديدات الإسرائيلية وتقييد ھامش الحركة والمناورة الإسرائيلية في الساحة والأجواء السورية، وھذه الإجراءات تُرجمت خصوصًا في تزويد دمشق بأنظمة "إس 300 " القادرة على اعتراض الأھداف الجوية على مسافة تتجاوز 250 كيلومترا، إضافة الى تجھيز المراكز القيادية لقوات الدفاع الجوي السورية بنظام آلي للتحكم، موجود حصريا لدى الجيش الروسي، ما سيضمن الإدارة المركزية للدفاعات الجوية السورية والتعرف إلى الطائرات الروسية في الأجواء ورصدھا. وبالتالي، هذا يشير بوضوح الى أن النشاط العسكري الإسرائيلي فوق سوريا سيصبح محدودًا وخطرًا.
في الواقع، كانت روسيا تخطط وتريد منذ زمن تزويد النظام السوري بصواريخ أرض - جو متطورة ورادارات تشويش، وكانت"إسرائيل" تحبط في كل مرة ھذا المسعى، الى أن وجدت موسكو الآن الذريعة والمناسبة كي تنفذ رغبتھا وقرارھا. وعلى الرغم من أنھم أوضحوا بأن ھذه الصفقة ليست موجھة إلى دولة ثالثة، فقد أدركت " إسرائيل" أنھا موجھة ضدھا.
في تل أبيب صدمة حيال ردة فعل روسيا والطريقة التي تصرفت بھا. وكشفت أوساط سياسية في تل أبيب أن الأزمة بين" إسرائيل" وروسيا على خلفية إسقاط الطائرة الروسية "إيل 20" لا تزال بعيدة عن الحل، والمحققون الروس يقولون إن أداء الجيش الإسرائيلي في ھذه الحادثة "غير مھني".
وفي وقت كُشف فيه عن أن بوتين رفض استقبال نتنياھو في موسكو بغرض تسوية الأزمة الناشئة عن سقوط الطائرة الروسية فوق اللاذقية، تجندت الإدارة الأميركية لمساندته.
من الواضح أن ما حصل لن يردع "إسرائيل" عن مواصلة اعتداءاتھا على الساحة السورية التي ستكون من الآن فصاعدًا أكثر حذرًا، انطلاقًا من أن تل أبيب ترى بأن استمرار ھذه الاعتداءات ھي الحد الأدنى الذي لا تستطيع التراجع عنه، كون البديل عنه تعاظم المخاطر على أمنھا القومي انطلاقا من الساحة السورية وعبرھا، وتحاول من خلاله أيضا التأثير على صياغة أي ترتيب سياسي وأمني يرتبط بمستقبل الساحة السورية.
الجانب الروسي الذي تبنى قرار "تبريد الرؤوس الحامية" على سلوك "إسرائيل" منذ عام 2015 تاريخ التدخل العسكري الروسي في سوريا وليس فقط على حادث طائرة "إيل 20 "، يبدو أنه استخلص في نھاية المطاف أن "إسرائيل" بدأت تشكّل تھديدًا للمصالح الروسية في سوريا، وأنھا تريد من روسيا أن تنضم الى حربھاعلى إيران في سوريا، وبالمقابل، فإن الإسرائيليين بدأوا يكتشفون أنھم خُدعوا أو "انبھروا" بألاعيب نتنياھو عندما كان يمتدح نفسه على العلاقات المميّزة مع بوتين. والآن تعود العلاقات الروسية - الإسرائيلية الى حجمھا الطبيعي ويظھر أن ما يھم روسيا ھو مصالحھا، ومصلحتھا الآن إلقاء المسؤولية على "إسرائيل" وإحداث تغييرات في التفاھمات الإسرائيلية - الروسية في سوريا، بحيث يكون لموسكو دور أكبر وثقل أكبر في الحسابات الإسرائيلية.
المصدر :
سركيس أبو زيد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة