بالتأكيد ما بعد قمة هلسنكي ليس كما قبلها، كما يقول الكثير من المراقبين والمتابعين، وخاصة ما يتعلق بالملف السوري، وكذلك أن المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد وترامب كشف بشكل أو بآخر عن أن الساحة السورية ستكون الساحة التي يمكن أن تظهر فيها التفاهمات الروسية الأميركية بعد أن اتضح أن الميزان العسكري الميداني بدأ يميل بشكل كاسح لمصلحة الدولة السورية.

الآن جرى الكثير من المياه تحت الجسر، وبعد سبع سنوات من الحرب الفاشية على سورية سقطت خطط التقسيم والتفتيت من أجل ابتلاع الجولان المحتل، والذي وافقت الجماعات المرتبطة بالقوى الخارجية، والتي سٌميت زوراً «معارضة سورية» على التخلي عن الجولان، وبيعه لإسرائيل مقابل جلب هؤلاء لكراسي الحكم، والسلطة في دمشق، ومن ثم هناك حاجة لحلول جذرية في المستقبل، ولم يعد بالإمكان الترقيع لأن الاستقرار لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي كٌنا، وما زلنا نتحدث عنها، إلا أن الذي غير الأوضاع ليس أن أحداً تغير، وأن أحداً أصبح خيرّاً وإنما لأن هناك على هذا الطريق الطويل تضحيات هائلة، ودماء غزيرة قدمها الجيش العربي السوري، والشعب السوري للحفاظ على وحدة سورية بعيداً عن مشاريع التقسيم، والتفتيت، والمعارضات المرتبطة، والمرتهنة، والتي أثبتت أنها تنتمي لكل شيء إلا سورية، ومدرستها الوطنية العريقة.

لكن مرة أخرى، أعود للتأكيد أن الهم، والقلق ليس خارجياً بعد هذا الصمود الأسطوري للشعب، والجيش، والدولة، ودعم الحلفاء، فالقلق بالنسبة لي يبقى داخلياً، وليس خارجياً، وكنت قد أشرت في مقالي عبر «الوطن» بتاريخ 5 تموز 2018 تحت العنوان ذاته أن علينا أن نغير، ونتغير، وسأحاول هنا أن أكمل بعض الأفكار التي سبق أن كتبت عنها في مقالي السابق، من خلال طرح الأسئلة الصعبة، والمقلقة التي تشغل بال الشارع السوري والمواطنين السوريين في كل مكان، وتتعلق بما نراه، ونسمع به من ممارسات، وفساد أصبح السكوت عنه بمنزلة جريمة كبرى بحقنا كنخب ثقافية وطنية، وأحزاب، والأهم مؤسسات الدولة ذات العلاقة، والأكثر أهمية تجاه أسر الشهداء، والجرحى الذين قدموا دماءهم من أجل عزة بلدهم، ومن أجل مستقبل أكثر ازدهاراً للأجيال القادمة، وليس من أجل فاسد هنا، وفاسد هناك، ولص هنا، ولص هناك يحاضر علينا بالوطنية والشرف والإخلاص، وهو كذاب منافق بممارساته، ولصوصيته، ومحاولته التذاكي علينا، ونحن نرى، ونسمع، ونقرأ في كل يوم قصصاً تشيب لها الأبدان، ومن ثم لا بد من أن نبدأ من مكان ما ولحظة ما، وألا نترك الأمور على عواهنها لأن ما يحدث هو خطر، وخطر للغاية، ودعوني أطرح عليكم جميعاً أسئلة يطرحها السوريون في كل يوم وفي كل ساعة، ونتساءل من خلالها لماذا يحدث ما يحدث لدينا، وإلى أين نسير؟ ومنها:

لماذا يبدع السوريون في الخارج في كل شيء: العلم، المعرفة، التكنولوجيا، التجارة، الصناعة، البحث العلمي، وفي الطب، وكل المجالات، ونبدأ نحن هنا بنقل أخبارهم، وأخبار تفوقهم، وتميزهم، من دون أن نطرح سؤالاً على أنفسنا، أين تكمن العلة، والسبب؟ هنا تكمن الجرأة، والشجاعة، والمكاشفة! وكفانا افتخار بما ليس لدينا! لأن في ذلك إدانة لأنفسنا، ولمنظومتنا، ولطرق تفكيرنا! ولنطرح السؤال بشكل أكثر وضوحاً: هل أصبحت لدينا قوى طاردة للإبداع والتميز والتفوق؟ والجواب نعم، وبكل فخر! وإلا فلماذا هذا العدد الهائل من المتميزين السوريين في الخارج؟ ولماذا تهرب كوادرنا للخارج؟ وماذا يجب أن نفعل لإعادتهم، وجذبهم، وتأمين البيئة المناسبة لكي يصبوا تميزهم، وإبداعهم في بلدهم ومن أجل شعبهم، ولا أعتقد أننا إذا فعلّنا ذلك فسوف يمتنعون عن العودة، أو عن تقديم خبراتهم ولو جزئياً لبلدهم! أو توظيف أموالهم، واستثماراتهم هنا في البلد!

القضية لا ترتبط بقرار سياسي فقط، بل بتأمين البيئة الإدارية، والقانونية، والشراكة ضمن إطار جو نظيف بعيد عن الفساد، وشبكاته التي أصبحت تترصد كل شيء لتعرف من أين ستنهب، وتسلب، وتبتز!

الأمر لا يتعلق فقط بما هو في الخارج، بل أيضاً بمن تبقى من المبدعين والمتميزين، والشرفاء، والذين سيصابون بالجلطة لعدم القدرة، والعجز عن تغيير واقع أصبح فيه كل شيء بتسعيرة، وبثمن، وأصبحت الخدمة للناس العاديين، والبسطاء موضع تساؤل: ماذا وراء ذلك؟ وكم قبضت من وراء ذلك حتى وصل الأمر للامتناع عن خدمة أحد منعاً للشبهة! هل هناك وضع مزرٍ أكثر من ذلك، ثم نتساءل: لماذا تتدهور الأمور ولماذا تضعف ثقة المواطن بالحكومة وكيف يمكن أن نستعيدها؟

الجواب بسيط: لا يمكن لفاسد، أن يكون واجهة للدولة أو أن يكون جاذباً لأحد في الداخل، أو الخارج، كما أنه لا يمكن لمنافق لا يتمتع بأدنى درجات الاحترام أن يشكل جسراً للعبور إلى الوطن، وساحاته، ولا نموذجاً، أو قدوة لأحد، وخاصة أننا في بلدٍ كل شيء فيه معروف، ومكشوف، والبعض لم يعد يخجل، أو يستحي، أو يرتدع.

البعض ذهب بنّا قبل فترة إلى أن القضية الأساسية في سورية هي تغول التيار الديني، وأن هذا التيار هو السبب في كل ما يحدث، وحدث في سورية، والحل في العلمانية، وهنا أود أن أطرح السؤال على كل هؤلاء: هل المطلوب الآن أن نخلق صراعاً جديداً بين العلمانيين، والمتدينين؟ ونشغل أنفسنا في نقاش تاريخ ديني لا يقدم ولا يؤخر؟ والسبب أنه لا فرق حقيقة بين الفاسد العلماني، والفاسد المتدين، فالأول ينتحل صفة التقدمية، ويتاجر بشعارات دكانه ليضحك على الناس، والثاني لديه عدة نصب أخرى باسم الدين، والصلاة، ويدغدغ عواطف الناس تحت راية الدين، لكنه في النهاية مثل العلماني الفاسد يلتقيان بالأهداف، والغايات، ويخربان معاً.

إذاً: جوهر القضية أخلاقي، وليس إيديولوجي، وجوهر القضية هو النموذج، والقدوة، أي عندما أكون علمانياً أتمتع بأخلاق رفيعة، ونزاهة، وأخدم الناس سوف أفرض احترامي على كل السوريين، وعندما أكون متديناً وأعكس هذا التدين بالسلوك، والنزاهة، وخدمة الناس من دون تجارة بالدين فسوف أحظى باحترام كل السوريين، فالمتدين، والعلماني سوف يلتقيان عند نقطة مشتركة، وهي خدمة الوطن، والشعب.

يا أيها العلمانيون، ويا أيها المتدينون قدموا لنا نماذجكم، والقدوة التي سنسير خلفها سلوكاً، وقولاً، وعملاً، فإننا بالتأكيد ساعة إذ سنشيد، ونمتدح وطنيين سوريين يعملون من أجل سورية، وشعبها، وتقدمها، وازدهارها، ولن يهمنا كثيراً كمواطنين إيديولوجية أي كان، ما دام هذا البعد الإيديولوجي يسخر لمصلحة الوطن، والشعب الذي يفترض، وندعي أننا نعمل من أجل مصالحه.

ما بعد هلسنكي، وما قبل هلسنكي، لا تختلف الأمور كثيراً بالنسبة لي، لأن الأسئلة التي طرحتها، لا تزال تتردد على ألسنة السوريين في كل يوم، وفي كل ساعة، وقد لا يمتلك البعض الجرأة لطرحها تحتاج إلى صراحة وإجابات، كما أنني ما زلت مصراً على الاعتقاد أننا استهدفنا بحرب فاشية لسبع سنوات مضنية، وسنبقى موضع استهداف في المستقبل كذلك ولهذا فإن الخطورة دائماً هي في الداخل، وما لم نجب على أسئلة السوريين بوضوح، وجرأة، وشفافية، فإنني أعتقد أن الخطر قائم علينا الآن وفي المستقبل، لأننا بذلك نكون كمن يجمع حطباً، ويعطي أعداءه عود ثقاب ليشعلوه، والتغير، والتغيير لا بد منه لتفادي حريق كبير في المستقبل، كما أنني بتُ أذهب بالتفكير أبعد من ذلك، وأسأل هل هناك من يعمل على ضرب وتدمير الحاضنة الاجتماعية الشعبية الواسعة للصمود السوري من خلال هذه النماذج التي تصدمّنا في كل يوم بممارساتها، وقصص فسادها، واستهتارها بمشاعر هذا الشعب الصابر العظيم الذي يستحق أكثر من ذلك.

الأسئلة التي طرحتها فعلاً أسمعها من كثيرين، والإجابة عنها ليست في إلقاء المسؤوليات على أشخاص، ومؤسسات فقط، وإنما يحتاج الأمر إلى عمل وطني واسع مؤسساتي، وفردي نضع من خلاله هذه القضايا، والأسئلة تحت مجهر البحث، ونعمل معاً من أجل أن ننهض بقوة لنستعيد قوانا وتألقنا، فسورية تستحق منّا الكثير، وشعبها العظيم يحتاج إلى رجالٍ حقيقيين، وشرفاء، ومحترمين لينهضوا بهذه المهام الجسام، وكفريق عمل واحد مع سيادة الرئيس بشار الأسد الذي لا يخفي أبداً في كل أحاديثه، وبشكل شفاف خيبة أمله من الأداء المتراجع للمؤسسات الحكومية، ويؤكد دائماً أهمية البيت الداخلي، لمواجهة الأخطار الخارجية، فلنتحمل جميعاً المسؤولية كل في موقعه من أجل بلدنا، ولنتعلم الدروس، ونأخذ العبر، وجوهرها أنه لا بد من أن نغير ونتغير كي نرضى عن أنفسنا، ونفرض احترامنا على الخصوم والأصدقاء.

 

  • فريق ماسة
  • 2018-07-18
  • 13558
  • من الأرشيف

لابد أن نُغير ونتغير

بالتأكيد ما بعد قمة هلسنكي ليس كما قبلها، كما يقول الكثير من المراقبين والمتابعين، وخاصة ما يتعلق بالملف السوري، وكذلك أن المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد وترامب كشف بشكل أو بآخر عن أن الساحة السورية ستكون الساحة التي يمكن أن تظهر فيها التفاهمات الروسية الأميركية بعد أن اتضح أن الميزان العسكري الميداني بدأ يميل بشكل كاسح لمصلحة الدولة السورية. الآن جرى الكثير من المياه تحت الجسر، وبعد سبع سنوات من الحرب الفاشية على سورية سقطت خطط التقسيم والتفتيت من أجل ابتلاع الجولان المحتل، والذي وافقت الجماعات المرتبطة بالقوى الخارجية، والتي سٌميت زوراً «معارضة سورية» على التخلي عن الجولان، وبيعه لإسرائيل مقابل جلب هؤلاء لكراسي الحكم، والسلطة في دمشق، ومن ثم هناك حاجة لحلول جذرية في المستقبل، ولم يعد بالإمكان الترقيع لأن الاستقرار لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي كٌنا، وما زلنا نتحدث عنها، إلا أن الذي غير الأوضاع ليس أن أحداً تغير، وأن أحداً أصبح خيرّاً وإنما لأن هناك على هذا الطريق الطويل تضحيات هائلة، ودماء غزيرة قدمها الجيش العربي السوري، والشعب السوري للحفاظ على وحدة سورية بعيداً عن مشاريع التقسيم، والتفتيت، والمعارضات المرتبطة، والمرتهنة، والتي أثبتت أنها تنتمي لكل شيء إلا سورية، ومدرستها الوطنية العريقة. لكن مرة أخرى، أعود للتأكيد أن الهم، والقلق ليس خارجياً بعد هذا الصمود الأسطوري للشعب، والجيش، والدولة، ودعم الحلفاء، فالقلق بالنسبة لي يبقى داخلياً، وليس خارجياً، وكنت قد أشرت في مقالي عبر «الوطن» بتاريخ 5 تموز 2018 تحت العنوان ذاته أن علينا أن نغير، ونتغير، وسأحاول هنا أن أكمل بعض الأفكار التي سبق أن كتبت عنها في مقالي السابق، من خلال طرح الأسئلة الصعبة، والمقلقة التي تشغل بال الشارع السوري والمواطنين السوريين في كل مكان، وتتعلق بما نراه، ونسمع به من ممارسات، وفساد أصبح السكوت عنه بمنزلة جريمة كبرى بحقنا كنخب ثقافية وطنية، وأحزاب، والأهم مؤسسات الدولة ذات العلاقة، والأكثر أهمية تجاه أسر الشهداء، والجرحى الذين قدموا دماءهم من أجل عزة بلدهم، ومن أجل مستقبل أكثر ازدهاراً للأجيال القادمة، وليس من أجل فاسد هنا، وفاسد هناك، ولص هنا، ولص هناك يحاضر علينا بالوطنية والشرف والإخلاص، وهو كذاب منافق بممارساته، ولصوصيته، ومحاولته التذاكي علينا، ونحن نرى، ونسمع، ونقرأ في كل يوم قصصاً تشيب لها الأبدان، ومن ثم لا بد من أن نبدأ من مكان ما ولحظة ما، وألا نترك الأمور على عواهنها لأن ما يحدث هو خطر، وخطر للغاية، ودعوني أطرح عليكم جميعاً أسئلة يطرحها السوريون في كل يوم وفي كل ساعة، ونتساءل من خلالها لماذا يحدث ما يحدث لدينا، وإلى أين نسير؟ ومنها: لماذا يبدع السوريون في الخارج في كل شيء: العلم، المعرفة، التكنولوجيا، التجارة، الصناعة، البحث العلمي، وفي الطب، وكل المجالات، ونبدأ نحن هنا بنقل أخبارهم، وأخبار تفوقهم، وتميزهم، من دون أن نطرح سؤالاً على أنفسنا، أين تكمن العلة، والسبب؟ هنا تكمن الجرأة، والشجاعة، والمكاشفة! وكفانا افتخار بما ليس لدينا! لأن في ذلك إدانة لأنفسنا، ولمنظومتنا، ولطرق تفكيرنا! ولنطرح السؤال بشكل أكثر وضوحاً: هل أصبحت لدينا قوى طاردة للإبداع والتميز والتفوق؟ والجواب نعم، وبكل فخر! وإلا فلماذا هذا العدد الهائل من المتميزين السوريين في الخارج؟ ولماذا تهرب كوادرنا للخارج؟ وماذا يجب أن نفعل لإعادتهم، وجذبهم، وتأمين البيئة المناسبة لكي يصبوا تميزهم، وإبداعهم في بلدهم ومن أجل شعبهم، ولا أعتقد أننا إذا فعلّنا ذلك فسوف يمتنعون عن العودة، أو عن تقديم خبراتهم ولو جزئياً لبلدهم! أو توظيف أموالهم، واستثماراتهم هنا في البلد! القضية لا ترتبط بقرار سياسي فقط، بل بتأمين البيئة الإدارية، والقانونية، والشراكة ضمن إطار جو نظيف بعيد عن الفساد، وشبكاته التي أصبحت تترصد كل شيء لتعرف من أين ستنهب، وتسلب، وتبتز! الأمر لا يتعلق فقط بما هو في الخارج، بل أيضاً بمن تبقى من المبدعين والمتميزين، والشرفاء، والذين سيصابون بالجلطة لعدم القدرة، والعجز عن تغيير واقع أصبح فيه كل شيء بتسعيرة، وبثمن، وأصبحت الخدمة للناس العاديين، والبسطاء موضع تساؤل: ماذا وراء ذلك؟ وكم قبضت من وراء ذلك حتى وصل الأمر للامتناع عن خدمة أحد منعاً للشبهة! هل هناك وضع مزرٍ أكثر من ذلك، ثم نتساءل: لماذا تتدهور الأمور ولماذا تضعف ثقة المواطن بالحكومة وكيف يمكن أن نستعيدها؟ الجواب بسيط: لا يمكن لفاسد، أن يكون واجهة للدولة أو أن يكون جاذباً لأحد في الداخل، أو الخارج، كما أنه لا يمكن لمنافق لا يتمتع بأدنى درجات الاحترام أن يشكل جسراً للعبور إلى الوطن، وساحاته، ولا نموذجاً، أو قدوة لأحد، وخاصة أننا في بلدٍ كل شيء فيه معروف، ومكشوف، والبعض لم يعد يخجل، أو يستحي، أو يرتدع. البعض ذهب بنّا قبل فترة إلى أن القضية الأساسية في سورية هي تغول التيار الديني، وأن هذا التيار هو السبب في كل ما يحدث، وحدث في سورية، والحل في العلمانية، وهنا أود أن أطرح السؤال على كل هؤلاء: هل المطلوب الآن أن نخلق صراعاً جديداً بين العلمانيين، والمتدينين؟ ونشغل أنفسنا في نقاش تاريخ ديني لا يقدم ولا يؤخر؟ والسبب أنه لا فرق حقيقة بين الفاسد العلماني، والفاسد المتدين، فالأول ينتحل صفة التقدمية، ويتاجر بشعارات دكانه ليضحك على الناس، والثاني لديه عدة نصب أخرى باسم الدين، والصلاة، ويدغدغ عواطف الناس تحت راية الدين، لكنه في النهاية مثل العلماني الفاسد يلتقيان بالأهداف، والغايات، ويخربان معاً. إذاً: جوهر القضية أخلاقي، وليس إيديولوجي، وجوهر القضية هو النموذج، والقدوة، أي عندما أكون علمانياً أتمتع بأخلاق رفيعة، ونزاهة، وأخدم الناس سوف أفرض احترامي على كل السوريين، وعندما أكون متديناً وأعكس هذا التدين بالسلوك، والنزاهة، وخدمة الناس من دون تجارة بالدين فسوف أحظى باحترام كل السوريين، فالمتدين، والعلماني سوف يلتقيان عند نقطة مشتركة، وهي خدمة الوطن، والشعب. يا أيها العلمانيون، ويا أيها المتدينون قدموا لنا نماذجكم، والقدوة التي سنسير خلفها سلوكاً، وقولاً، وعملاً، فإننا بالتأكيد ساعة إذ سنشيد، ونمتدح وطنيين سوريين يعملون من أجل سورية، وشعبها، وتقدمها، وازدهارها، ولن يهمنا كثيراً كمواطنين إيديولوجية أي كان، ما دام هذا البعد الإيديولوجي يسخر لمصلحة الوطن، والشعب الذي يفترض، وندعي أننا نعمل من أجل مصالحه. ما بعد هلسنكي، وما قبل هلسنكي، لا تختلف الأمور كثيراً بالنسبة لي، لأن الأسئلة التي طرحتها، لا تزال تتردد على ألسنة السوريين في كل يوم، وفي كل ساعة، وقد لا يمتلك البعض الجرأة لطرحها تحتاج إلى صراحة وإجابات، كما أنني ما زلت مصراً على الاعتقاد أننا استهدفنا بحرب فاشية لسبع سنوات مضنية، وسنبقى موضع استهداف في المستقبل كذلك ولهذا فإن الخطورة دائماً هي في الداخل، وما لم نجب على أسئلة السوريين بوضوح، وجرأة، وشفافية، فإنني أعتقد أن الخطر قائم علينا الآن وفي المستقبل، لأننا بذلك نكون كمن يجمع حطباً، ويعطي أعداءه عود ثقاب ليشعلوه، والتغير، والتغيير لا بد منه لتفادي حريق كبير في المستقبل، كما أنني بتُ أذهب بالتفكير أبعد من ذلك، وأسأل هل هناك من يعمل على ضرب وتدمير الحاضنة الاجتماعية الشعبية الواسعة للصمود السوري من خلال هذه النماذج التي تصدمّنا في كل يوم بممارساتها، وقصص فسادها، واستهتارها بمشاعر هذا الشعب الصابر العظيم الذي يستحق أكثر من ذلك. الأسئلة التي طرحتها فعلاً أسمعها من كثيرين، والإجابة عنها ليست في إلقاء المسؤوليات على أشخاص، ومؤسسات فقط، وإنما يحتاج الأمر إلى عمل وطني واسع مؤسساتي، وفردي نضع من خلاله هذه القضايا، والأسئلة تحت مجهر البحث، ونعمل معاً من أجل أن ننهض بقوة لنستعيد قوانا وتألقنا، فسورية تستحق منّا الكثير، وشعبها العظيم يحتاج إلى رجالٍ حقيقيين، وشرفاء، ومحترمين لينهضوا بهذه المهام الجسام، وكفريق عمل واحد مع سيادة الرئيس بشار الأسد الذي لا يخفي أبداً في كل أحاديثه، وبشكل شفاف خيبة أمله من الأداء المتراجع للمؤسسات الحكومية، ويؤكد دائماً أهمية البيت الداخلي، لمواجهة الأخطار الخارجية، فلنتحمل جميعاً المسؤولية كل في موقعه من أجل بلدنا، ولنتعلم الدروس، ونأخذ العبر، وجوهرها أنه لا بد من أن نغير ونتغير كي نرضى عن أنفسنا، ونفرض احترامنا على الخصوم والأصدقاء.  

المصدر : الوطن / د. بسام ابو عبد الله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة