دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من امرأة قويّة مدافعة عن حقوق النساء في قضايا التحرّش، ومحاميّة ترفع الصوت عالياً ضدّ قانون الإيجارات الجائر، وابنة مكافحة تحمل على عاتقها مسؤولية أسرتها بعد وفاة والدها، إلى زوجة متنمّرة، متمرّدة، هكذا تحوّلت شخصية أميرة التي تلعب دورها الممثلة نادين نجيم في مسلسل “طريق” دون أي مسوّغ درامي يترك لها حجّة تدافع بها عن تمرّدها وتنمّرها.
فالمحامية التي ظهرت بصورة البطلة بعد أن كشفت عن خاطف شقيق جابر سلطان (عابد فهد)، الحاضنة لشقيقتها وأمها، التي خاضت حروباً ضد قضابا التحرّش والاغتصاب، تصارع اليوم لإجهاض طفلها لأنّها لم تحقّق طموحها بعد، محامية تخرق القوانين عندما يتعلّق الأمر بمصلحة شخصية، لا تشبه أميرة المرأة القويّة التي ظهرت في الحلقات الأولى ملهمة للنساء مدافعة عن القانون بشراسة، الفتاة المقهورة من تشوّه أصاب وجهها ويدها ودفعت ثمنه خذلان حبيبها السابق لها، تخذل اليوم زوجها بدون أي مسوّغ يبرّر الانقلاب في شخصيتها.
ليس في النص ما يبرّر هذا الانقلاب في الشخصيّة تماماً كما انقلبت كل شخصيات المسلسل وكأنّ الكاتبتين سلام كسيري وفرح شيا اللتين أخذتا على عاتقهما تحويل قصة “الشريدة” للكاتب نجيب محفوظ إلى مسلسل من 30 حلقة، كتبت كل منهما حلقاتها على حدا، ثمّ جُمعت الحلقات كيفما اتفق وشاهدنا ما شاهدناه على الشاشة.
نص مسلسل “طريق” يبدو مضعضعاً، ركيكاً، عبارة عن قصصٍ تمّ تجميعها من هنا وهناك لشخصياتٍ جانبية، من قصّة شقيقة أميرة عبير (زينة ملكي) وخطيبها جنيد (جنيد زين الدين) التي أخذت حيزاً كبيراً من الحلقات الأولى حتّى أنّ بعض روّاد مواقع التواصل الاجتماعي أطلقوا على المسلسل في بداياته اسم “مسلسل عبير وجنيد”، إلى قصّة رغدة خطيبة جابر (ريتا حرب) التي بدورها شهدت شخصيتها انقلاباً جذرياً، من امرأة مستهترة متكبّرة، إلى امرأة مكسورة تعاني من الإدمان وتبحث عن علاج، إلى قضية وصية غامضة تركتها أم جابر بعد وفاتها في الحلقة الأولى، ويخشى الجميع من فتحها. أريد لها أن تكون عنصر تشويق فكانت النتيجة مخيّبة بكل المقاييس.
في الحلقة 21 وبعد حلقات طويلة خالية من الأحداث فُتحت وصية أشبه بمتاهة، بنميمة، بأحجيّة لزوم التشويق. فيديو تطلب فيه الأم من جابر أن يسأل اخته سعاد عن سرّ هي فيه الضحيّة والجلاّد، ووصيّة مكتوبة تطلب فيها منه أن يقصد داراً للعجزة ليسأل نزيلاً هناك عن سرٍ يخبئه، وصية كتبت قبل خمس سنوات من وفاة الأم، كان من الممكن أن يموت خلالها العجوز المصاب بالزهايمر.
أريد لهذه الوصيّة أن تكون محور اهتمام المشاهدين، بالتوازي مع مشاكل أميرة وجابر، أوحي للمشاهد أنّه سيكون أمام نتيجة مفادها أنّ الرجل العجوز (مصري الجنسية) سيكون والد جابر الحقيقي، وأنّ اخته سعاد هي والدته، وأنّ الدم المصري يجري في دماء جابر الذي يحب الأغاني المصرية الشعبية والكشري.
حبكة صبيانيّة تحوّلت إلى مادّة للتندّر على مواقع التواصل الاجتماعي، كيف يرضى الكبير عابد فهد الذي اشتغل على أدقّ تفاصيل شخصية جابر بحبكة كهذه؟ ألم يقرأ النص؟ ألم يتوقّع سلفاً ردّة فعل المشاهدين خصوصاً أن حبكة الوصيّة غير المحبوكة تطاله هو بشكلٍ خاص؟
حتى الآن لم تتّضح الصورة والأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، لا يرجى من المسلسل الكثير، فالثغرات بدت واضحة من الحلقات الأولى، تأخّر لقاء البطلين، وعندما اجتمعا لم تكن الحبكة مقنعة لتبرّر زواج المحامية المثقّفة برجلٍ جاهل، كما أنّ المشاكل التي حصلت بعد الزواج وأدّت إلى نفور أميرة لم تعالج بطريقة دراميّة مقنعة، تجعل من تمرّد الزوجة نتيجة حتميّة للفروقات بين المحامية المثقفة وتاجر اللحوم الأمي، بل بدت الزوجة في موقع المتنمّرة المتمرّدة الأنانية، المجرّدة من أي حجّة للدفاع عن وجهة نظرها هي التي اعتادت أن تدافع عن المظلومين تحت قوس العدالة.
ظلم النص المضعضع شخصية أميرة، بعد زفافها من جابر، لم يسلّط الضوء على طبيعة علاقتهما، ضاعت الكثير من التفاصيل التي توحي للمشاهد أنّه فوّت حلقات من المسلسل، فجأة أميرة التي تقدّمت هي نفسها بعرض زواج إلى جابر لم تعد تريده، لم نشاهد محاربة جابر لطموح أميرة بل سمعناها تتحدّث عنه لنكون كمشاهدين شهوداً على ما لم نشاهده بأمّ العين.
كان للعمل أن يكون أكثر ثراءً، أن تبدأ الأحداث بزواج أميرة وجابر، وأن تكون العقدة الأساسيّة الفروقات الاجتماعية التي تحول دون استمرار زواجهما، بدل التركيز الممل على علاقة شقيقتها بخطيبها ومشاكلهما الصبيانية، وعلى علاقة مريم (نهلة داوود) بجهاد (مجدي مشموشي) التي أقحمت عنوةً في المسلسل لزوم التطويل، على حساب الشخصيات الأساسيّة التي أهمل النص تفاصيلها، مفرغاً القصّة الأساسيّة من مضمونها، لصالح تفاصيل لو أقصيت من المسلسل، لوفّرت على المشاهد الكثير من التطويل الممل.
ظلم “طريق” نادين نجيم وعابد فهد اللذين اشتغلا على تفاصيل شخصيتيهما، تحوّلا إلى رافعة لنصٍ متهالكٍ، فكانا عنصري الجذب في عملٍ يحقّق نسبة مشاهدة مرتفعة بسبب نجوميّة أبطاله فحسب.
المشاهد التي جمعت نادين وعابد قليلة جداً، وقد تمرّ حلقات دون أن يجتمعا بمشهدٍ واحد، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول خللٍ لم يخفَ حتّى على المشاهد العادي، هل خشي أحدهما من أن يسرق الآخر الأضواء منه؟ هل كان ثمّة صعوبة في جمعهما في مشاهد مشتركة؟ هل خشي الطرفان من أن ينسب نجاحهما لثنائيّة جمعتهما في وقتٍ أراد كلٌ منهما أن يثبت نجاحه منفرداً؟ أم أنّ الأمر كلّه يعود إلى قصّة قصيرة أراد صنّاع العمل تحويلها إلى مسلسل طويل، فاستعانوا بكاتبتين ناشئتين لا تملكان ما يكفي من الخبرة، فشاهدنا ما شاهدناه على الشاشة؟
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة