وأخيراً… انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله وسط انقسام مريع بين منظمات مؤيدة وأخرى معارضة. غير أن الظاهرة اللافتة المرافقة لانعقاد المؤتمر الشائخ هي عدم اكتراث الشارع الفلسطيني نتيجةَ عدم اكتراث جميع المنظمات، مؤيدةً ومعارضة، بمسألة الانقسام وعدم الوفاء بعهود مقطوعة لتحقيق المصالحة الوطنية رغم كل ما يواجه القضية من أخطار وتحديات.

ليس الانقسام والخلافات المريرة ما تسبّب سابقاً بتأخير اجتماع المجلس الوطني ولا لاحقاً برفض تأجيله الى ما بعد معالجة تداعيات الانقسام. ثمة أسباب أخرى متعددة، أهمها خمسة:

أولها، ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، البالغ من العمر 83 سنة، اراد تشريع إجراءات وترتيبات قانونية لتأمين خلافته في حال مغادرته المشهد السياسي لأي سببٍ من الأسباب. صحيح أنه، بحسب احكام النظام السياسي للسلطة الفلسطينية، يتولّى رئيس المجلس التشريعي الرئاسة في حال شغور منصب الرئيس لمدة شهرين يصار خلالها الى اجراء انتخابات لملء المنصب الشاغر، لكن تعطيل اعمال المجلس التشريعي بسبب خلافات حركتيْ «فتح» و»حماس» واستغلال «إسرائيل» لها لتدويم تعطيل المجلس، استوجب البحث عن طريقة لتفادي الفراغ في الرئاسة، فكان أن جرى إقرار الاقتراح القاضي بتعديل النظام السياسي لينصّ على تفويض مهمات المجلس الوطني الى المجلس المركزي لمنظمة التحرير، لتمكينه تالياً من اختيار رئيسٍ للسلطة الفلسطينية عند شغور هذا المنصب. بذلك يكون المجلس الوطني الشائخ قد أحيل نهائياً على التقاعد، واصبح المجلس المركزي هو برلمان الشعب الفلسطيني.

ثانيها، عجّلت في انعقاد المجلس الوطني الخشية من أن يؤدي المزيد من التأخير في عقده الى فقدان النصاب القانوني في قيادة منظمة التحرير نتيجةَ وفاة عدد من الأعضاء وإصابة آخرين بأمراض الشيخوخة. ذلك كله من شأنه ان يُفضي الى إضعاف المنظمة في الشارع الفلسطيني، كما على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ثالثها، تردّي الوضع الاقتصادي بسبب الحصار الإسرائيلي المضروب على قطاع غزة وانعكاسه على الضفة الغربية أضعف قدرة السلطة على تسديد رواتب آلاف الموظفين. وزاد الطين بلّة قيام جهاز الإحصاء الفلسطيني بكشف تقرير «مسح القوى العاملة» في الربع الثالث من العام الماضي، وفيه أن عدد العمال الفلسطينيين وصل الى ما يقارب 129 الفاً، منهم 70 الفاً يعملون داخل أراضي 1948 المحتلة، ونحو 23 الفاً يعملون في مستوطنات الضفة الغربية. كل ذلك يطرح سؤالاً جوهرياً عن مدى قدرة منظمة التحرير وجديتها في مقاومة الاحتلال، عندما يكون هذا العدد الكبير من العمال الفلسطينيين يعتمدون في معيشتهم على دولة العدو.

رابعها، نقلت «القناة الثانية» العبرية عن مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع أن دونالد ترامب سيطرح «خطة للسلام» بعد تدشين السفارة الأميركية في القدس المحتلة يوم 14 ايار/ مايو المقبل. عناوين الخطة تتضمن دفع تعويضات مادية مجزية للفلسطينيين في مقابل عودتهم الى المفاوضات، وضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية لـِ «إسرائيل» في مقابل انسحابات تدريجية إسرائيلية من مناطق فلسطينية محتلة. كل ذلك يستوجب، في رأي اركان منظمة التحرير، تنظيم مؤسساتها وتصليب عودها لمواجهة هذه المخاطر والتحديات.

خامسها، استبق رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية عقد المجلس الوطني بتلميحٍ الى احتمال تشكيل إطار بديل من منظمة التحرير «في حال بقيت أبوابها مغلقة في وجه الحركة». هذا الموقف الصارم دفع، على ما يبدو، اركان «فتح» على رفض تأجيل عقد المجلس الوطني، وبالتالي تأكيد انعقاده لمواجهة التحديات الماثلة.

المنظماتُ المعارضة سخرت من إيراد هذه الأسباب الخمسة تبريراً لانعقاد المجلس الوطني الشائخ وذكّرت الفلسطينيين بأن «فتح» احتكرت منظمة التحرير منذ إنشائها، وتخلّت عن الكفاح المسلّح وحق العودة بتوقيعها اتفاق اوسلو سنة 1993، وألهت الشعب الفلسطيني بمفاوضات شكلية غير مجدية أكثر من عشرين سنة ما مكّن «إسرائيل» من إقامة عشرات المستوطنات في الضفة الغربية، ومن قمع حركات المقاومة وتهجير الفلسطينيين، ومحاصرة قطاع غزة، وعرقلة المصالحة الوطنية.

إلى ذلك، ثمة مََن يعتقد أن جميع المنظمات مسؤولة، بدرجات متفاوتة، عن عدم تحقيق المصالحة الوطنية، وان لا سبيل الى تبرئة ساحتها في هذا المجال. فلو تحققت المصالحة وبالتالي الوحدة الوطنية وإعادة بناء منظمة التحرير لما كان المشهد الفلسطيني على هذه الدرجة المتدنية من السوء والترهّل والضياع.

غير أن بعضاً من الفلسطينيين والعرب يعتقد ايضاً ان سوء حال الفلسطينيين هو من سوء حال العرب. فعدم تحقيق مصالحة قومية حقيقية بين القيادات العربية عزّز انقسام الفلسطينيين على أنفسهم وبالتالي عرقل تحقيق المصالحة بينهم، كما تسبّب في تسعير الحرب الأهلية بأشكال مختلفة في شتى بلاد العرب.

الحقيقة أن المسؤولية مشتركة بين أهل القرار الفلسطينيين وأهل القرار العرب، ولا جدوى من المجادلة والمكابرة.

يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم.

  • فريق ماسة
  • 2018-05-06
  • 8037
  • من الأرشيف

حال الفلسطينيين من حال العرب... أم العكس؟

وأخيراً… انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله وسط انقسام مريع بين منظمات مؤيدة وأخرى معارضة. غير أن الظاهرة اللافتة المرافقة لانعقاد المؤتمر الشائخ هي عدم اكتراث الشارع الفلسطيني نتيجةَ عدم اكتراث جميع المنظمات، مؤيدةً ومعارضة، بمسألة الانقسام وعدم الوفاء بعهود مقطوعة لتحقيق المصالحة الوطنية رغم كل ما يواجه القضية من أخطار وتحديات. ليس الانقسام والخلافات المريرة ما تسبّب سابقاً بتأخير اجتماع المجلس الوطني ولا لاحقاً برفض تأجيله الى ما بعد معالجة تداعيات الانقسام. ثمة أسباب أخرى متعددة، أهمها خمسة: أولها، ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، البالغ من العمر 83 سنة، اراد تشريع إجراءات وترتيبات قانونية لتأمين خلافته في حال مغادرته المشهد السياسي لأي سببٍ من الأسباب. صحيح أنه، بحسب احكام النظام السياسي للسلطة الفلسطينية، يتولّى رئيس المجلس التشريعي الرئاسة في حال شغور منصب الرئيس لمدة شهرين يصار خلالها الى اجراء انتخابات لملء المنصب الشاغر، لكن تعطيل اعمال المجلس التشريعي بسبب خلافات حركتيْ «فتح» و»حماس» واستغلال «إسرائيل» لها لتدويم تعطيل المجلس، استوجب البحث عن طريقة لتفادي الفراغ في الرئاسة، فكان أن جرى إقرار الاقتراح القاضي بتعديل النظام السياسي لينصّ على تفويض مهمات المجلس الوطني الى المجلس المركزي لمنظمة التحرير، لتمكينه تالياً من اختيار رئيسٍ للسلطة الفلسطينية عند شغور هذا المنصب. بذلك يكون المجلس الوطني الشائخ قد أحيل نهائياً على التقاعد، واصبح المجلس المركزي هو برلمان الشعب الفلسطيني. ثانيها، عجّلت في انعقاد المجلس الوطني الخشية من أن يؤدي المزيد من التأخير في عقده الى فقدان النصاب القانوني في قيادة منظمة التحرير نتيجةَ وفاة عدد من الأعضاء وإصابة آخرين بأمراض الشيخوخة. ذلك كله من شأنه ان يُفضي الى إضعاف المنظمة في الشارع الفلسطيني، كما على الصعيدين الإقليمي والدولي. ثالثها، تردّي الوضع الاقتصادي بسبب الحصار الإسرائيلي المضروب على قطاع غزة وانعكاسه على الضفة الغربية أضعف قدرة السلطة على تسديد رواتب آلاف الموظفين. وزاد الطين بلّة قيام جهاز الإحصاء الفلسطيني بكشف تقرير «مسح القوى العاملة» في الربع الثالث من العام الماضي، وفيه أن عدد العمال الفلسطينيين وصل الى ما يقارب 129 الفاً، منهم 70 الفاً يعملون داخل أراضي 1948 المحتلة، ونحو 23 الفاً يعملون في مستوطنات الضفة الغربية. كل ذلك يطرح سؤالاً جوهرياً عن مدى قدرة منظمة التحرير وجديتها في مقاومة الاحتلال، عندما يكون هذا العدد الكبير من العمال الفلسطينيين يعتمدون في معيشتهم على دولة العدو. رابعها، نقلت «القناة الثانية» العبرية عن مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع أن دونالد ترامب سيطرح «خطة للسلام» بعد تدشين السفارة الأميركية في القدس المحتلة يوم 14 ايار/ مايو المقبل. عناوين الخطة تتضمن دفع تعويضات مادية مجزية للفلسطينيين في مقابل عودتهم الى المفاوضات، وضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية لـِ «إسرائيل» في مقابل انسحابات تدريجية إسرائيلية من مناطق فلسطينية محتلة. كل ذلك يستوجب، في رأي اركان منظمة التحرير، تنظيم مؤسساتها وتصليب عودها لمواجهة هذه المخاطر والتحديات. خامسها، استبق رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية عقد المجلس الوطني بتلميحٍ الى احتمال تشكيل إطار بديل من منظمة التحرير «في حال بقيت أبوابها مغلقة في وجه الحركة». هذا الموقف الصارم دفع، على ما يبدو، اركان «فتح» على رفض تأجيل عقد المجلس الوطني، وبالتالي تأكيد انعقاده لمواجهة التحديات الماثلة. المنظماتُ المعارضة سخرت من إيراد هذه الأسباب الخمسة تبريراً لانعقاد المجلس الوطني الشائخ وذكّرت الفلسطينيين بأن «فتح» احتكرت منظمة التحرير منذ إنشائها، وتخلّت عن الكفاح المسلّح وحق العودة بتوقيعها اتفاق اوسلو سنة 1993، وألهت الشعب الفلسطيني بمفاوضات شكلية غير مجدية أكثر من عشرين سنة ما مكّن «إسرائيل» من إقامة عشرات المستوطنات في الضفة الغربية، ومن قمع حركات المقاومة وتهجير الفلسطينيين، ومحاصرة قطاع غزة، وعرقلة المصالحة الوطنية. إلى ذلك، ثمة مََن يعتقد أن جميع المنظمات مسؤولة، بدرجات متفاوتة، عن عدم تحقيق المصالحة الوطنية، وان لا سبيل الى تبرئة ساحتها في هذا المجال. فلو تحققت المصالحة وبالتالي الوحدة الوطنية وإعادة بناء منظمة التحرير لما كان المشهد الفلسطيني على هذه الدرجة المتدنية من السوء والترهّل والضياع. غير أن بعضاً من الفلسطينيين والعرب يعتقد ايضاً ان سوء حال الفلسطينيين هو من سوء حال العرب. فعدم تحقيق مصالحة قومية حقيقية بين القيادات العربية عزّز انقسام الفلسطينيين على أنفسهم وبالتالي عرقل تحقيق المصالحة بينهم، كما تسبّب في تسعير الحرب الأهلية بأشكال مختلفة في شتى بلاد العرب. الحقيقة أن المسؤولية مشتركة بين أهل القرار الفلسطينيين وأهل القرار العرب، ولا جدوى من المجادلة والمكابرة. يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم.

المصدر : البناء / د. عصام نعمان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة