دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا يزال مشهد المؤتمر الصحافي الذي عرض فيه ترامب ما تعهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدفعه لواشنطن في البيض الابيض الشهر الماضي ماثلاً أمام المراقبين.
عندما حمل ترامب لافتات كرتونية وأسندها في حضن بن سلمان، شارحاً للعالم كيف يقارب ثروة السعوديين التي يسعى للحصول عليها. يوم أمس الثلاثاء (24 نيسان / ابريل) عاد ترامب وكرر للمرة المئة أمام ماكرون ما يريده من دول خليجية عندما قال: "صرفنا 7 تريليون دولار في الشرق الاوسط ولم نحصل على شيء، هناك دول غنية تعرفونها جيداً سوف تدفع ثمن ذلك، وسنجعلهم يرسلون جنودهم على الارض، وسنعيد قواتنا الى الديار".
تعمّد ترامب تكرار نيّته سحب جنوده من سوريا أمام ماكرون الذي كان قد صرّح بعد العدوان الثلاثي على دمشق أنه أقنع ترامب بإبقاء قواته هناك، وكرّر أكثر من مرة كلمة "سيدفعون" عند حديثه عن الدول "التي نعرفها جيداً" (بعض الدول الخليجية) وكأنه يبعث برسائل إلى كل من الرياض وأبوظبي أن خطّته الرامية لاستبدال قواته بأخرى سعودية وإماراتية مع دفع كافة التكاليف المالية غير قابلة للتعديل أو الالغاء. من الواضح أن السعوديين يحاولون المناورة والتملّص من الالتزام بخطة ترامب كما يريدها هو، فهم لا يعارضون في المبدأ إرسال قوات إلى شمال وشرق سوريا، لكن شريطة ان يكون للأمريكيين تواجدهم إلى جانب قواتهم. بمعنى آخر، هم يريدون الأمريكي أن لا يسحب كل قواته ويبقى على عدد مرضٍ لهم ليحميهم من الهجمات.
هذا الخوف السعودي بدا واضحاً على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في تصريحه الذي نقلته وكالة الأنباء الرسمية السعودية أمس عندما قال أنه "بناءً على تصريح الرئيس ترامب، فإنه يجب على قطر أن تدفع ثمن وجود القوات العسكرية الأمريكية في سوريا وأن تقوم بإرسال قواتها العسكرية إلى هناك". كلام الجبير يندرج في إطار "إدارة الأذن الطرشاء" عندما يحاول توجيه ما قصده ترامب إلى قطر، وكأن المقصود الأساسي ليس الرياض. حتى أن ما نُقل عن ترامب أيضاً عن أن الدول التي كان يتحدث عنها سوف تسقط في غضون اسبوعين في حال غياب الحماية الامريكية، أراد الجبير حرفه ليصيب قطر حصراً عندما اعتبر "أنه لو قامت أمريكا بسحب الحماية الأمريكية المتمثلة بالقاعدة العسكرية من قطر فإن النظام سيسقط هناك خلال أقل من أسبوع".
المستوى المثير للشفقة الذي وصلت إليه السعودية في تعرضها للابتزاز العلني من قبل ترامب، يطرح سؤالاً جوهرياً حول خيارات الرياض في حال قرّرت عدم الانصياع لمطالب الرئيس الأمريكي. هل يملك محمد بن سلمان فعلاً أن يقول "لا" لترامب ويرفض دفع مصاريف التواجد العسكري في شمال وشرق سوريا؟ وهل سيتجرّأ على رفض إرسال جنود (سواءً جنوده أو حتى مرتزقة مجنّدين على غرار ما يحصل في اليمن)؟ لقد اختار الوصول إلى العرش على حساب غيره من أمراء الأسرة الحاكمة بأساليب راكمت عدد الأمراء المتضرّرين الذين لن يسكتوا طويلاً. ووضع نفسه وهيئة ترفيهه في مواجهة التيار الديني الوهابي، إضافة إلى الشعب العادي الذي فرض عليه الضرائب وزاد على كاهله أسعار السلع والخدمات، حتى وصل إلى نقطة لا عودةٍ لا يجد فيها غير ترامب منقذاً للوصول إلى غايته، ليرسّخ قدميه بالحكم ويورّث أخاه أو ابنه من بعده. يعلم ترامب جيداً ظروف بن سلمان وكيف أنه وضع كل بيضه في سلّته، ولذلك يذهب بعيداً في تعمّد إذلاله عبر تكرار لازمة "الدفع" أمام الإعلام والكاميرات، لكن معلومات تشير إلى أنه يصارح الآخرين بشكل أكثر وضوحاً في بيته الأبيض حول نظرته لبن سلمان. مصدر عربي مطّلع في واشنطن كشف لموقع "العهد الإخباري" نقلاً عن عضو في الكونغرس الأمريكي أن ترامب وبعد لقائه بن سلمان الشهر الماضي في المكتب البيضاوي، طلب من موظفيه أن "يتفحّصوا الكراسي والأثاث الذي لمسه وجلس عليه بن سلمان، إن كان قد خلّف وراءه قملاً لينظّفوه"!
هكذا ينظر الرئيس الأمريكي إلى من وصفه بـ "صديقه" عند استقباله في البيت الأبيض في 20 آذار الماضي. هي نظرة الاحتقار سوف لن يتوقّف تعبير ترامب عنها عند كل مناسبة يرى فيها فرصة لابتزاز الأمير المغمور ليدفع أكثر. هذه النظرة لا تنسحب على ترامب وحده، حيث يضيف المصدر العربي نفسه أن مستشار الأمن القومي الجديد "جون بولتون" قال لبعض زملائه من كبار موظفي البيت الأبيض بعد أيام على بدئه عمله - متحدّثاً عن محمد بن سلمان - أن "هذا البدوي لا يملك ما يعدكم بدفعه لكم في العقود التي وقّعها". قد يكون "البدوي" اليوم منتشياً بعد نجاح عملية اغتيال رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن الشهيد صالح الصماد، خاصة وأنه توجّه إلى واشنطن في زيارته الأخيرة محبَطاً بسبب إخفاقه في العدوان على اليمن وعجزه عن تحقيق أي إنجاز. لا يملك بن سلمان أدوات التعقّب والتجسس أو حتّى الخبرات الأمنية والعسكرية في قواته اللازمة لتنفيذ عملية معقّدة كاغتيال الصمّاد، ولذلك يميل كثير من المراقبين إلى اتّهام الأمريكيين بشكل مباشر بتخطيط وتنفيذ العملية لإعطاء بن سلمان دفعة معنوية للاستمرار، لكن لا شيء بالمجّان مع التاجر ترامب الذي على ما يبدو أضاف ساحة ابتزاز جديدة لـ "صديقه" في سوريا.
المصدر :
الماسة السورية/ العهد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة