دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تناقلت وسائل الإعلام مؤخراً تصريحات لبعض المسؤولين العرب كشفت عن جهود تبذل لإعادة سورية إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وتقول هذه المعلومات «إن هذه الجهود تدعمها مصر، والعراق، والجزائر، والكويت، وموريتانيا، وعمان، ولبنان، وفلسطين، والمغرب، وأشارت هذه الأخبار المتداولة إلى أن الأمين العام للجامعة العربية يسعى للحصول على موافقة سعودية لرفع تجميد عضوية سورية، وذهب البعض في هذه الرواية إلى أن مسؤولاً عراقياً رفيعاً، مع ملك الأردن، وموفداً من الرئيس السيسي سيحضرون إلى دمشق ويذهبون بطائرة واحدة مع الرئيس بشار الأسد لحضور القمة العربية في الرياض، وبدء مرحلة جديدة بعدما تم التأكد، أن الرئيس الأسد باق بشكل دائم، وأن روسيا لن تسمح لأحد بالاعتداء على سورية كدولة» انتهى الاقتباس.
أثارت هذه المعلومات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ردود فعل عديدة لدى النخب السورية والرأي العام السوري، ورأى البعض أن سورية لن تحضر القمة، وغير مرحب بالجامعة رسمياً ولا شعبياً، باعتبار أن الجامعة العربية هي المنصة التي يستخدمها الأميركي، وحلف الناتو حينما يريد الانقضاض على الدول العربية، وهي لم تقدم أي إسهام نوعي، وعودة سورية إليها سيمنح الخونة صك البراءة من جرائمهم وتآمرهم، ويمنحهم بعض الشرف الذي لا يستحقونه.
بينما رأى آخرون أنه لابد من عدم الاستعجال في إطلاق الأحكام، على الرغم من أن الجرح كبير، لكن لابد من تذكر مراحل عودة العلاقة السورية المصرية في التسعينيات بعد قطيعة كامب ديفيد، وعودة العلاقات مع العراق على الرغم من ارتكابات صدام حسين بحق سورية، وغيره من المفاصل السياسية الأخرى، ولذلك ستكون سورية حيث مصلحتها، وحيث تستطيع أن تكسب نقاطاً سياسية وغير سياسية لمصلحة شعبها وقضاياها.
الحقيقة أن عدم صدور أي تعليق رسمي سوري على ذلك دفع الكثيرين لإبداء الرأي في هذه الرواية من دون التأكد من صحتها، وبغض النظر عن صحتها من عدمها فإن الرأي العام السوري قد أصبح أحد العوامل المثقلة في السياسة الخارجية السورية، ولابد من الشرح، والتوضيح له بشكل مستمر الموقف تجاه أي قضية تطرح، وخاصة قضية ذات حساسية عالية مثل العودة للجامعة العربية التي ترتبط أوتوماتيكياً بصورة سيئة في أذهان السوريين بأنها المنصة التي استخدمت للتآمر على سورية، واتخاذ قرارات المقاطعة، وتجميد العضوية، والإتيان في إحدى القمم العربية بشخصية مما يسمى «معارضة سورية» ليلقي كلمة أمام القمة العربية برعاية قطرية آنذاك، واستبدال حتى بالعلم السوري، علم آخر، إضافة للعقوبات حتى لوسائل الإعلام السورية التي أرادوا إنزالها عن الأقمار الاصطناعية، والعقوبات الاقتصادية، ثم اشتراك دول تنتمي لهذه الجامعة في غرف عمليات في تركيا، وعمان لدعم الإرهاب، ومجموعاته، بهدف إسقاط الدولة السورية التي هي عضو مؤسس للجامعة العربية.
بدلاً من أن تتصدى الجامعة لحل المشكلة في سورية رفضت تقرير فريق المراقبين الذي أرسلته وحملت الملف للتدويل في مجلس الأمن بناءً على طلب أميركي، ومن ثم فقدت دورها، وتأثيرها، وانتهت بالنسبة لسورية منذ ذاك الوقت، لأنها فشلت في أبسط مهامها، وتحولت إلى وكر للجواسيس، والتآمر.
الآن: نحن نتحدث بعد حرب دموية فاشية شرسة تتجه فيها سورية إلى انتصار كبير مع حلفائها، ومع كل الأحرار في العالم، وهذا الانتصار سيكون له وقع كبير ليس على صعيد الإقليم فقط وإنما على صعيد العالم، ومن الطبيعي أننا سنجد كثيرين يطرقون أبواب المنتصر في هذه المعركة العالمية، ولكن في الوقت نفسه دعونا نلق نظرة على شكل المنطقة الآن بما في ذلك واقع الدول العربية، وموقفها من قضايا الأساسية:
الصراع مع العدو الصهيوني: هناك محور يتشكل بشكل واضح بين السعودية وإسرائيل، مدعوماً من الإمارات والأردن ومصر، إلى حد ما، لمواجهة ما يسمونه خطراً إيرانياً من جهة، وتنفيذ صفقة القرن مع إدارة دونالد ترامب اليمينية المتطرفة، وتصفية قضية فلسطين والقدس وحق العودة، وتأمين غطاء عربي للتطبيع مع كيان الاحتلال وكذلك التراجع الواضح حتى عن الحد الأدنى الذي أقرته قمة بيروت، بالنسبة لما يسمى السلام مع إسرائيل، وفي نسف واضح للقرارات الدولية الأساسية 242 و 338 من جهة أخرى، ومن ثم فإذا كان جزء من العرب ماضياً في هذا التوجه، فما الذي سيجمعنا كعرب ودول عربية تجاه هذه المسألة! وهل المطلوب مرة أخرى أن تتحول جامعة الدول العربية إلى منصة لتصفية قضية فلسطين، والترويج للتطبيع مع العدو الصهيوني؟
العلاقات بين دول المنطقة: لا يزال بعض الدول العربية، وعلى رأسها السعودية تسعى لخلق عداوات بين دول الإقليم وخاصةً مع إيران، وتريد أن نرى جميعاً أن إيران هي العدو، وإسرائيل هي الصديق والحليف، ليأخذ محمد بن سلمان مفتاح العرش السعودي من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهذه نقطة خلاف أساسية، ومركزية هدفها إبقاء المنطقة في حالة اقتتال، وصراع بين دولها من أجل شحن السلاح الأميركي وبيعه من جهة، ومن أجل أن تنعم إسرائيل بالأمن والاستقرار من خلال تدمير دول، وشعوب المنطقة، من جهة أخرى.
لقد أسقطت سورية مشاريع عديدة: الوهابي والإخونجي والعثماني، التي تخدم جميعها الصهيوني، ومن ثم فإن الخلاصة الأساسية أن الدول العربية، وجيرانها بحاجة للحوار والتعاون، وبناء منظومة أمنية متشابكة لحماية أمن دولها ومجتمعاتها من دون الحاجة للقوى الأجنبية، وهو أمر لا يزال نقطة خلاف مركزية أخرى بحاجة إلى حل، ولا أرى حلولاً في المدى المنظور مع دول تابعة، ومرهونة للولايات المتحدة، ومشاريعها!
العلاقات العربية العربية: على أي أسس ستبنى هذه العلاقات بعد تآمر بعض العرب على البعض الآخر، وبعدما أعلن مسؤول عربي سابق أنه تم إنفاق أكثر من 132 مليار دولار من أجل إسقاط الدولة السورية؟! وهي مبالغ كافية لجعل الدول العربية في مصاف الدول المتقدمة! إذاً: أي مبادئ، وأسس ستحكم هذه العلاقات، وهل أخذت الدول العربية دروساً مستخلصة من كل ما حدث، أم إن الأمر مكانك راوح؟
هل العروبة «دشداشة وعقال»؟ البعض يفهم العروبة على أنها بداوة ودشداشة وعقال، وأن العرب هم هؤلاء، والحقيقة أن السوريين ينظرون إلى العروبة كمفهوم حضاري منفتح، وكوعاء حضاري ثقافي واسع ساهم فيه كثير من الأقوام والإثنيات، ومن ثم فالعروبة ليست عشائر وأفخاذ، وخيمة، وصب قهوة مرة!! وإنما بنية متحركة متفاعلة منفتحة على الفرس والترك والكرد، وكل الأقوام الموجودة في هذه المنطقة، وليست مفهوماً تعصبياً متخلفاً، كما يريده البعض! فهل هناك استعداد عربي لذلك داخل هذه الجامعة الميمونة؟
علاوة على الأسئلة السابقة، هناك الكثير من القضايا الشائكة، والمعقدة، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو ثقافي واقتصادي، والأهم هل نتحدث اليوم عن دول عربية مستقلة ذات قرار وطني وتحترم سيادتها، ولا تتدخل في شؤون الآخرين، وتتآمر عليهم؟ وإذا أضفنا إلى كل ذلك مثلاً سؤالاً آخر: هل بعض الدول العربية التي أنفقت مليارات الدولارات على دعم المطالب «المشروعة» للسوريين، كما زعمت، من أجل كتابة دستور وبناء ديمقراطية، مستعدة للاتفاق داخل الجامعة العربية على اعتماد أسس مشتركة سياسية ودستورية وديمقراطية وحريات وحقوق الإنسان لأي دولة داخل الجامعة؟!
باختصار شديد: إذا اقتضت المصلحة السياسية العليا لسورية وشعبها ومصالحها، العودة إلى الجامعة العربية فأعتقد أن كل هذه الأسئلة السابقة ستحملها سورية إلى الجامعة للإجابة عنها؟ أو قد تطلب الإجابة عنها قبل ذلك؟ لأن حل القضايا الاستراتيجية من خلال دبلوماسية «تبويس اللحى والشوارب» قد ولى، ولا بد من عودة الجامعة العربية إلى خيارات سورية، ومبادئها التي ثبتت صحتها، ودفعت ثمنها دماء غزيرة، وهي ليست بوارد التخلي عنها، ولا المساومة عليها، وساعتئذ: سيصبح السؤال: من سيعود لمن؟
المصدر :
الوطن / د. بسام ابو عبد الله
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة